جريدة الرؤية العمانية:
2025-05-19@20:22:43 GMT

خيارات العرب ومصيرهم بعد سقوط دمشق

تاريخ النشر: 16th, December 2024 GMT

خيارات العرب ومصيرهم بعد سقوط دمشق

 

علي بن مسعود المعشني

ali95312606@gmail.com

سقوط دمشق لا يعني سقوط نظام ولا سقوط دولة فحسب، بل يعني سقوط سياسات وجغرافيا وتاريخ وهويات وثوابت، وسقوط دمشق بعد بغداد وطرابلس، يعني أنَّ الغرب لا حليفَ ولا صديقَ له من العرب، إلّا بقدر الخضوع والتبعية والتسليم للغرب؛ بما يُحقق مصالحه في الوطن العربي، ويُكرِّس ثقافات "بلفور" و"سايكس-بيكو"، ويجعلها قناعات راسخة في أذهان العرب، وعابرة للحدود والأجيال معًا.

لقد برهن الغرب- لمن لا يعلم من العرب- بعد سقوط دمشق أن نُسكه ومحياه ومماته لخدمة مشروعه واستثماره في قلب الأمة العربية، والمتمثل في الكيان الصهيوني، فيما لم يُدرك عرب زماننا بجميع فئاتهم وطوائفهم ومذاهبهم، أنَّ وجود الكيان الصهيوني بمثابة خِنجر مسموم في قلب الأمة، و"فيتو" غربي على أي نهوض لها، والأهم من كل ذلك هو أن وجود هذا الكيان السرطاني ترجمةٌ حقيقيةٌ وفعليةٌ لثقافتي و"عد بلفور" و"سايكس- بيكو"، وضمان ديمومتهما، وأن جميع نكبات الأمة في تاريخها المُعاصر تتمثل في وجود هذا الكيان.

سعى الكيان الصهيوني ورُعاته إلى تكريس ثقافة ومفهوم الدولة القُطرية في الوطن العربي، هذه الدولة التي تعتقد بسياسة النأي بالنفس في لحظة تاريخية ما، فتجدُ نفسها قسرًا في خانة الدولة الوظيفية لخدمة مصالح الغرب.

وخيارات النظام الرسمي العربي في ظل ثقافة وملامح الدولة القُطرية هي التبعية والوظيفية والعَلَف؛ حيث لا استقلال ولا هوية وثوابت ولا مجال للشرف. وهذا الوضع المُزري للأمة اليوم، ليس كله مفروض عليها قضاءً وقدرًا، بقدر ما هو مرحلة هشاشة تاريخية، وخيارات ظرفية أملتها نظريات غربية حاصرت العقل العربي المُعاصر، وعبثت بوعيه، فأفقدته الرُشد والعقلانية والعودة الى الذات، ومردُّها الأساس هو الدولة القُطرية والتي لم يفهم عرب زماننها أهداف وجودها، وأعراضها ووظيفتها وهامش خياراتها.

الكارثة ليست في تقبُّل عرب زماننا للدولة القُطرية وثقافتها؛ بل في خضوعهم التام لها وتطبيقها في أدوات الوعي والمُتمثِّلة في التعليم والإعلام، وبالنتيجة أنتجنا أجيالًا لا تُفرِّقُ بين الثوابت الوطنية والذائقة الشخصية، وتعليم مُنغَمِس في تحقيق شعار "مُخرجات التعليم ومُدخلات العمل"، وتعصُّب مذهبي يتغوَّل على الدين ويتخطاه؛ بل ويُلغيه في كثير من الأحيان، وهذا الأمر بطبيعة الحال أوصلنا إلى مرحلة التكفير بدلًا عن التفكير، وبالنتيجة مواطنون داخل الدولة، لكنهم بمشاعر المقيمين والمنتفعين من الوطن فقط لا غير، ومواطنون خواء من الوطنية والثوابت وعُرضة لتلقِّي أي فكر مُعادٍ للوطن وللثوابت، وعُملاء- بلا وعي- تحت الطلب!

إنَّ سقوط دمشق لا يعني الانتصار لسوريا والهبَّة لنصرتها والحرص على وحدتها الترابية فحسب، وإن كان واجبًا وفرضَ عينٍ على كل عربي حُر في زماننا؛ بل يعني ضرورة مراجعة كل قُطر عربي لمناهجه التعليمية وخطابه الإعلامي، والالتفاف حول هُوِيَّته وثوابته حِفاظًا على وحدته أولًا وقبل كل شيء، ثم تسويق نفسه للآخر "الحليف" و"الصديق" ليُحافظ على الحد الأدني من مصالحه، ولصون وحدته الوطنية والترابية.

لا شك عندي أن سقوط دمشق وقبلها بغداد وطرابلس، وتداعياتها الكارثية على الأمة، سيُثير الكثير من التساؤلات لدى فئات مُستنيرة من الأجيال العربية الحالية والقادمة، وهذه الأجيال بحكم الزمن وسيرورته ستصنع السياسات والقرار العربي، وسيشهد المُستقبل القريب عودةً قويةً للكثير من الفاقد من الثوابت والمصير المشترك. وكما يخشى الصهيوني على نفسه اليوم من فكر الجيل الغربي القادم- بعد التعاطف العالمي غير المسبوق مع غزة- فإنَّ الزمن كفيلٌ ببعث مفاهيم وعقائد جديدة في الوطن العربي والعالم؛ كنتيجة طبيعية لهذه التحولات والفواجع التي نراها اليوم. والله غالبٌ على أمره.

قبل اللقاء.. ربما "يستيقظ" عرب زماننا بعد سقوط دمشق وبغداد وطرابلس، ويدركون أنَّ مصيرهم واحد في "البورد السياسي" الصهيوأمريكي والغربي كذلك، وأن "حليف" هؤلاء من العرب، هو من يُقدِّم أكثر فروض الخيانة لأمته، ويتنكَّر لثوابته فقط لا غير.

وبالشكر تدوم النعم.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

كيف يؤثر رفع العقوبات على العلاقة بين دروز السويداء وإدارة دمشق؟

السويداء- تُبدي السويداء ارتياحا بعد قرار رفع العقوبات الأميركية عن سوريا، ولا سيما بعد المرونة التي شهدتها علاقتها مع الحكومة السورية بدمشق، مع آمال أبناء الطائفة الدرزية بمقدرة الإدارة السياسية الحالية للبلاد على إعادة سوريا إلى مكانتها الإقليمية اقتصاديا وسياسيا.

وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قرر خلال زيارته الأخيرة للسعودية قبل أيام، رفع العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا، في خطوة وصفها بأنها "ضرورية" لمنح الإدارة السورية فرصة حقيقية تتيح لها النهوض بالبلاد.

وقال شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز في السويداء الشيخ يوسف جربوع، إن رفع تلك العقوبات أدى إلى تغيير المزاج العام لدى أبناء المحافظة، كما أفشل الرهانات السياسية السابقة، بما فيها رهان التيار السياسي الذي كان يسعى إلى إضعاف السلطة السوريّة، أو عدم الاعتراف بها.

وفي حديث للجزيرة نت، قال جربوع "أعتقد أن الأمور في السويداء تسير باتجاه أفضل، بما في ذلك تعميق العلاقة مع السلطة المركزية، حيث تراجعت الأصوات التي كانت تطالب بالحماية الدولية للدروز في جنوب البلاد على أثر رفع العقوبات الأميركية، وعاد المجتمع المحلي إلى وعيه السياسي المعهود الذي لا يُجيز سوى الارتباط بدولتنا السورية، ومجتمعنا السوري الكبير".

وكان الرئيس الروحي لدروز فلسطين المحتلة الشيخ موفق طريف، في وقت سابق من الأسبوع الماضي، قد دعا، في بيان له، دروز سوريا إلى أخذ مكانتهم المستحقّة في الوطن السوري الموحد.

وجاء كلام الشيخ طريف سابقا لإعلان رفع العقوبات الأميركية عن سوريا، في محاولة لرفض أي تدخل خارجي بشأن دروز السويداء، حسب مراقبين.

مزاج متفائل

يقول نجيب أبو فخر، رئيس "المكتب السياسي للمجلس العسكري في جنوب سوريا" (تشكيل درزي)، إن المزاج العام في السويداء، أسوة بما هو عليه الحال في سوريا، سعيد جدا برفع العقوبات عن البلاد، ومتفائل أيضا بأن مستقبل سوريا سيكون أفضل.

إعلان

وأضاف أبو فخر للجزيرة نت، إن رفع العقوبات الأميركية عن سوريا يعكس الموقف الدولي الجديد من الإدارة السورية الحالية، مما سيؤدي إلى إنهاء التوترات المحلية، وسدّ الطرق بوجه الفتن والمشاريع غير الوطنية التي كانت تلاقي قبولا واستساغة لدى البعض.

ورأى أن رفع العقوبات كان نتاج جهد "مكثف وذكي" من الدولة السورية، وخصوصا من الرئيس أحمد الشرع والفريق الدبلوماسي "الذي واجه اختبارا معقدا نظرا للظروف الإقليمية، والضغوطات المتعددة داخليا وخارجيا".

وقال أبو فخر "ربما عكس لقاء الرئيس الشرع بترامب، وطريقة المصافحة والجلوس جميعُها الأنفة التي اشتاق السوريون لرؤيتها على مسؤول سوري أمام مسؤول غربي أو عربي، وهذا ما كان ملفتا للغاية".

وحسب المسؤول، فإن مشاريع الانفصال لم يعد صوتها عاليا كما في السابق، "بالرغم من أنها لم تختفِ كليا" من المشهد السياسي. ويعتقد بأنه إن تحمّل السوريون مسؤولية خطابهم، وأبعدوه عن الإقصاء والتجييش الديني والمذهبي والمناطقي، "فسنكون حينها على أعتاب نهاية طرح مشاريع الانفصال وتغييبها عن المشهد السوري برمته".

خطاب الهجري

في هذه الأثناء، جاء لافتا بعض المرونة والتبدّل الذي اكتسبهُ خطاب الرئيس الروحي لدروز السويداء الشيخ حكمت الهجري، في بيانٍ صدر عنه صبيحة اليوم التالي لقرار ترامب رفع العقوبات عن سوريا.

واعتبر الهجري أن "أي انتصار للوطن إنما هو انتصار لحقوق كل السوريين"، وقال في بيانه "بعيدا عن الإقصاء والتهميش، لنعشْ جميعا كشركاء تحت سقف سوريا الواحدة المدنية، بكل إثنياتها وطوائفها وأعراقها وتلاوينها".

وبرأي عضو مؤتمر الحوار الوطني جمال درويش، فإن قرار رفع العقوبات عن سوريا "سينقل البلاد من حالة الفشل والانهيار إلى مرحلة بناء الدولة، لا سيما على الصعيد الاقتصادي".

وقال للجزيرة نت، إن قرار رفع العقوبات يمثّل "فرصة حاسمة" ينبغي استثمارها من أجل إعادة مسارات العملية السياسية الجارية في سوريا إلى نصابها الصحيح، ومراجعة العديد من الأسس التي قامت عليها، مع التركيز بشكل خاص على قضية المشاركة الشعبية في المرحلة الانتقالية.

ويعتقد درويش أن معظم أهالي السويداء يؤيدون وحدة البلاد، وبناء المؤسسات وفق معيار الدولة الحديثة. وبالتالي، فإنهم ضد إسقاط المرحلة الانتقالية. لكنهم "يطالبون بفتح مسار وطني جامع، يهدف إلى تقويم الانزياح والانحراف السياسي والدستوري" على حد وصفه.

"ساحة الكرامة" وسط السويداء التي شهدت وقفات ومظاهرات مؤثرة قبل سقوط نظام الأسد (الجزيرة) تراجع الخطاب الانفصالي

ولم يستطع الخطاب الانفصالي الذي جرى ترويجه خلال الأسابيع الماضية في السويداء من المضي كثيرا أو التوسّع داخل الفضاء السياسي للدروز، كما يرى المراقبون. وأخفق دعاة هذا المشروع السياسي في تنظيم وقفات احتجاجية داخل ساحة الكرامة وسط المدينة، والتي شهدت فيما مضى انتفاضة شعبية واسعة بدأت في صيف العام 2023 واستمرت حتى سقوط نظام بشار الأسد أواخر العام الماضي.

يقول المتحدث الإعلامي باسم لواء الجبل زياد أبو طافش، إن "المزاج العام في السويداء وطني الهوى ووجهته دمشق، وكنّا سمعنا وشاهدنا تصريحات موثّقة لمعظم القيادات الروحية والاجتماعية، ومعظم الفصائل المسلّحة في المحافظة، تؤكد على نبض أبناء السويداء الوطني بالرغم من بعض الاختلاف، وهو أمر طبيعي وصحيّ لا ينذر بأي سوء".

إعلان

وقال أبو طافش للجزيرة نت إن "المطالبة بالإدارة الذاتية أو الحماية الدولية ليست مطالب شعبية عامة، ولم تلقَ تأييدا لدى الجميع، وأبناء السويداء سيكونون سباقين إلى بناء الدولة السورية ومؤسساتها..".

وباعتقاد المتحدث، فإن "مشكلة الحكومة المؤقتة والرئيس أحمد الشرع ليست مع السويداء، فالسويداء وأبناؤها لن تكون حجر عثرة في طريق بناء الدولة الوطنية السورية القوية، الدولة الديمقراطية التشاركية التي تُعبّر عن أحلام السوريين". وبرأيه فإن المشكلة تكمن مع بعض المجموعات غير المنضبطة، والتي ارتكبت الانتهاكات، وسببت توترا في حياة السوريين، على حد وصفه.

وأيده الأمين العام للتحالف الوطني السوري لدعم الثورة خالد جمول، الذي قال إن أغلبية المكونات في السويداء هي مع الحكومة السورية، ومع بناء دولة القانون. وأضاف للجزيرة نت أن "طلب الحماية الدولية الصادر عن بعض الشخصيات في السويداء لا يمثّل إلا مجموعة أو فئة معينة ضيّقة، وأغلبية أبناء السويداء ترفض أي تقسيم، وتميل إلى اللامركزية الإدارية غير الموسّعة".

وشدد على أن السويداء تؤكد استمرار ارتباطها بالدولة السورية، ولا تفكر بالانفصال عنها، كما ويسود لدى دروز السويداء ارتياح بشأن المستقبل القريب، وما قد يحمله من انفراجات ملموسة على الصعيدين المعيشي والاجتماعي.

وكانت وزارة الداخلية السورية قد شرعت بخطوات تهدف لاعتماد هيكل تنظيمي جديد لتحديث الجهاز الشرطيّ والأمنيّ، مع الحفاظ على مركزيّة القرار فيه، بحيث سيتم تقسيم البلاد إلى 5 قطاعات جغرافيّة يشرف على كل منها معاون خاص لوزير الداخلية.

مقالات مشابهة

  • بعد تطبيع دمشق وواشنطن.. قسد بين فقدان الذريعة واقتناص الفرصة
  •  عندما يهز صاروخ أسس الكيان…
  • هل يستطيع الشرع تحقيق مطالب ترامب؟
  • البيان الختامي للقمة العربية.. تأكيد على التضامن العربي والالتزام بالقضايا المحورية
  • «المسرح» في فنون الأدب العربي
  • مستشار رئيس وزراء العراق: التضامن العربي أولوية لمواجهة الأزمات الإقليمية
  • كيف يؤثر رفع العقوبات على العلاقة بين دروز السويداء وإدارة دمشق؟
  • الأمين العام لمجلس وزراء الداخلية العرب: التجربة الأمنية المغربية أصبحت نموذجاً يحتذى في العالم العربي
  • قمة بغداد.. فلسطين في صدارة الاهتمام العربي والتوافق على دعم غزة
  • وسط التطورات العالمية المتسارعة.. ملف التكامل الاقتصادي العربي على أجندة قمة بغداد