سوق شاطئ الحافة التراثي.. تجسيد حي للأصالة والمعاصرة (1- 2)
تاريخ النشر: 22nd, December 2024 GMT
خالد بن سعد الشنفري
سوق شاطئ الحافة التراثي أصبح اليوم في أبهى حُلله، يزين واجهة شاطئ الحافة بجماله التراثي الفريد. لقد تجاوز التوقعات، ليقدم مزيجًا ساحرًا من الأصالة والمُعاصرة، ويتحول إلى أيقونة معمارية وثقافية تشد الأنظار وتُدهش الزوار.
هذا السوق يمثل المرحلة الأولى من مشروع تطوير منطقة الحافة، التي نزعت ملكيتها للمنفعة العامة بموجب المرسوم السلطاني رقم 83/2006.
ومما زاد ذلك تجليا إقامة النصب التذكاري للتاجر والرحالة الصيني الشهير تشنغ خه، الذي زار ظفار في حقب تاريخية غابرة، والممول من قبل سفارة جمهورية الصين الصديقة. يتربع النصب التذكاري بفخر أمام السوق والمنطقة التراثية الجاري تخطيطها وإحياؤها بكل عناية ودقة؛ حيث وصفت شبكة تلفزيون الصين الدولية بأنَّ النصب يقع في المنطقة المحورية للثقافة والسياحة والتجارة التي أنشأتها محافظة ظفار.
مع قرب بدء التشغيل الكامل لمحلات سوق شاطئ الحافة التراثي الجديد، الذي شيد بفخامة على واجهة شاطئ بحر الحافة، تزداد التكهنات والتساؤلات حول مصير سوق أكشاك بيع اللبان والبخور الظفاري ومُشتقاته الحالي.
كان ولا يزال من أقدار الحافة أنها عُرفت تاريخيًا بأنها سوق ظفار قديمًا وحديثًا، كونها تتوسط الشريط الساحلي لظفار وأكثر كثافة سكانية بها وتتوسط مدينة البليد التاريخية وقصر الحصن العامر، فقد عرفت الحافة قديمًا باسم "الحرجاء"، وكانت تُعد أحد الأسواق المتخصصة الواقعة في الناحية الغربية لسور البليد العظيم. هذا السور الضخم، الذي لا تزال شواهد بقايا أبراجه قائمة بحجارتها الضخمة وارتفاعه الذي يصل إلى 4 أمتار، يُعتبر رمزًا للتراث الحضاري.
مدينة البليد، المعروفة أيضًا باسم "المنصورة"، كانت تُعتبر جوهرة العصور الماضية. شهدت زيارة العديد من الرحالة المشهورين، من بينهم ماركو بولو الذي وصفها بأنها: "أشهر مدينة في المنطقة كلها في عصرها عمرانًا وتجارة وحضارة واقتصاد."
وكانت الحافة تطل على البليد من بوابة سور البليد من ناحية الغرب، المعروفة باسم "باب الحرجاء"، والذي كان يحمل اسم الحافة القديم في ذلك الوقت. وذكر ابن بطوطة في كتابه "تحفة النظار في غرائب الأمصار" ما يلي: "ولهم سوق بربض يدعى الحرجاء". وفي فترة زمنية متقاربة، زارها الرحالة ابن المجاور وكتب: "والثاني مما يلي الغرب ويسمى باب الحرجاء ينفذ إلى الحرجاء، والحرجاء مدينة لطيفة جدًا اختطت على ساحل البحر بالقرب من البليد".
وفي العصور القريبة، زار الرحَّالان بنت وزوجها الحافة عام 1894؛ حيث ذكرا في كتابهما: "جنوبي جزيرة العرب بعد الكثير من الحركات المتعرجة ورفرفة الأشرعة وصلنا أخيرا للحافة حيث يقع حصن الوالي سليمان على مرمى حجر من الشاطيء". وأضافا في نفس الكتاب: "نزولا بجانب ساحل الحافة يوجد انحباس مربع أو سوق؛ حيث لا يزال من الممكن رؤية أكوام اللبان المُعدَّة للتصدير".
ويبدو أن منظر السوق تحت سعف أشجار النارجيل ظل هو المستمر والمسيطر على مشهد السوق التاريخي بالحافة حتى بالرغم من تأسيس سوق ظفار القديم الذي أُسس بداخل سور قصر الحصن العامر بالحافة، إذ تم تأسيس السوق على شكل بخاخير في عهد السلطان تيمور، رحمه الله، أول سلاطين آل سعيد الذين استقروا في ظفار لفترات طويلة، وأداروا حكم عُمان منها. وتوجد وثيقة متداولة بخط السلطان تيمور وتوقيعه مؤرخة في 28 من شهر صفر سنة 1342 هجري حول موضوع السماح لأحد التجار ببناء بخاخير في هذا السوق، مما يعني أنه تأسس قبل مائة عام تقريبا من اليوم.
قبل ذلك، كانت بعض الدكاكين التي تبيع مواد متنوعة توجد في وسط الأحياء السكنية في كلا من صلالة والحافة والدهاريز وعوقد. تم منع البيع في هذه الدكاكين تدريجيًا خلال ثلاث سنوات من تأسيس سوق ظفار ليقتصر وجودها على هذا السوق ليكون قريبًا من الميناء والفرضة.
وفي أعقاب النهضة المباركة والتوسعات الضخمة التي شهدها قصر الحصن وملحقاته، تم إزالة هذا السوق بالكامل وانتقلت الدكاكين منه إلى أسواق الشوارع الرئيسية الحديثة في الأحياء السكنية أو إلى السوق المركزي الجديد الذي شيد في صلالة في الثمانينيات كبديل عن السوق القديم.
وبالرغم من نشأت سوق ظفار المجاور لقصر الحصن في عهد السلطان تيمور، إلّا أن سوق الحافة التاريخي ظل مستمرًا وتخصص في بيع للاسماك والخضار والفواكه واللحوم إلى أن تم نقلها تمامًا إلى سوق صلالة المركزي، وقد عرف هذا السوق الى فترات قريبة باسم "ماركيت الحافة". وكان هذا السوق معروفًا لكل من هم في نفس عمري من أبناء ظفار، وكان مختصًا ببيع الأطعمة الثلاثة المشار إليها أعلاه بصفة أساسية نظرًا لقربه من شاطئ البحر (حوالي 100 متر فقط)، إضافة إلى بيع أسماك اللخام المجففة وسمك المالح المعمر.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
حملة لتقليم الأشجار البرية بمحافظة ظفار
نظمت المديرية العامة للبيئة بمحافظة ظفار حملة لتقليم الأشجار البرية، بالتعاون مع مبادرة "وعي" وبمشاركة خبراء من المجتمع المحلي، وذلك خلال الفترة من 19 إلى 29 مايو الجاري، وتأتي هذه الحملة ضمن الجهود السنوية لهيئة البيئة للحفاظ على الأشجار البرية في جبال محافظة ظفار.
وتهدف الحملة إلى تقليم 3000 شجرة برية في ولايات مرباط، وطاقة، وصلالة، ورخيوت، وضلكوت، حيث تُعد هذه العملية ضرورية للحفاظ على صحة الأشجار وضمان نموها بشكل أفضل في ظل الظروف البيئية المحيطة.
وتأتي أهمية تقليم الأشجار رغم أن معظم الأشجار تحتاج إلى الحد الأدنى من الصيانة، إلا أن التقليم المنتظم يحقق فوائد عديدة، منها تحسين الشكل الجمالي للأشجار وتخفيف الحمل عليها، مما يساعدها على التكيف مع الظروف المناخية، كما يعمل على تجديد الأغصان والأوراق، وإطالة عمر الأشجار، والتخلص من الأغصان اليابسة التي قد تكون مأوى للحشرات الضارة.
كما تحمل الحملة فوائد إضافية لتقليم الأشجار، منها تحسين الصحة العامة للأشجار، ويساعد التقليم على إزالة الأغصان الميتة أو المتضررة، مما يمنع انتقال العدوى إلى بقية الشجرة، ويعزز وصول الهواء وأشعة الشمس إلى جميع أجزاء الشجرة، وهو أمر حيوي لعملية التمثيل الضوئي.