أصدرت جماعة الإخوان المسلمين في سوريا الأحد بيانًا دعت فيه إلى اعتماد دستور 1950 لفترة انتقالية مؤقتة لمنع الفراغ الدستوري. وأشار البيان إلى أن هدم نظام المخلوع بشار الأسد الاستبدادي كان مكلفًا وصعبًا.

ودعت الجماعة إلى التكاتف لبناء دولة العدل والقانون على قاعدة السواء في الوطن في هذه الظروف المحيطة.



سقوط الطغيان وبناء الأوطان#بيان_رسمي pic.twitter.com/H1hF4n7OCO — إخوان سورية (@IkhwanSyriaAR) December 21, 2024
وأكدت الجماعة أنها تمد يدها إلى حكومة تسيير الأعمال برئاسة محمد البشير، وتقدم كل إمكاناتها لبناء الدولة السورية، ومؤسساتها التشريعية، والتنفيذية، والقضائية.



وطالبت في بيانها، على أهمية الإسراع في بناء مؤسسات دولة مستقرة ترتكز على القاعدة الشعبية الثورية التي قادت عملية التغيير. وشددت الجماعة على ضرورة أن تضم هذه المؤسسات تمثيلاً واسعاً لمختلف شرائح الشعب السوري لتحمل مسؤوليات المرحلة المقبلة.

وبشأن القرار الأممي 2254، قالت الجماعة إنها تدرك أن الجزء الأول من القرار والمتعلق بإنشاء إدارة انتقالية بالمشاركة بين المعارضة والنظام لم يعد قائماً بعد سقوط النظام، ولكن البلاد ما زالت بحاجة إلى دستور جديد وانتخابات حرة.

دعت الجماعة إلى اعتماد دستور 1950 لفترة انتقالية مؤقتة لمنع الفراغ الدستوري، ريثما يتم تشكيل جمعية تأسيسية لصياغة دستور جديد يحافظ على هوية البلد ويصون حقوق جميع المكونات. يتبع ذلك إجراء انتخابات حرة تشريعية ورئاسية.

دعوى قديمة
وفي عام 2017 أطلق عدد من الثوار السوريين على مواقع التواصل الاجتماعي حملة لدعم الدستور السوري عام 1950، بديلا عن دستور 7319 المعمول به في نظام البعث.



وقالوا إن دستور عام 1950 هو الدستور الوحيد الذي تم وضعه عن طريق جمعية تأسيسية منتخبة واستطاع أن يمثل جميع الأطياف السياسية والدينية والعرقية، وبآلية ديمقراطية، واعتمد نظاما برلمانيا يقوم على التوازن والتعاون بين السلطات، وهي ضرورة حكمت ظروف المرحلة السائدة آنذاك.

لكن دستور 1950 لم يعمل به طويلا، فسرعان ما غير مع انقلاب حزب البعث، وتولي حافظ الأسد على الحكم عبر انقلاب عسكري.

 فصاغ على مقاسه لأول مرة الدستور 7319، وظل بدون أي تعديل إلا في استثنائيين إثنين، الأول عام 1981 للتخلي وقتها عن علم اتحاد الجمهوريات العربية المتحدة، وقد ترك الأمر يوم إذ لحافظ لاختيار العلم البديل.

 أما المرة الثانية التي عدل فيها الدستور فكانت عام 2000 لتعديل السن القانونية لرئيس الجمهورية من سن ال40 إلى 34، بما يتناسب عند تلك المرحلة مع سن بشار الأسد لتوريثه للحكم الذي بقي على رأسه، متمسكا بذات الدستور حتى عام 2012.

 وعقب انطلاق الثورة السورية قام بشار بإجراء تعديلات شكلية، ولم ينفعه إلغاء المادة الثامنة التي يحتكر بموجبها حزب البعث قيادة الدولة والمجتمع والدولة.


دستور 1950 وبداية الحكم المدني
وفي عام 1950، وضعت سوريا "دستور الاستقلال"، وهو أول دستور مدني من نوعه للبلاد. اطلعت اللجنة المكلفة بصياغته على 15 دستوراً أوروبياً وآسيوياً للوصول إلى "أرقى المعايير الممكنة".

وجاءت المادة الثالثة من الدستور لتحدد أن "دين رئيس الجمهورية الإسلام، والفقه الإسلامي هو المصدر الرئيسي للتشريع"، وهو ما استمر في الدساتير اللاحقة.

حدد دستور عام 1950 صلاحيات رئيس الجمهورية، ومنح البرلمان دوراً تشريعياً أوسع من خلال منعه نقل صلاحياته التشريعية إلى الحكومة، حتى بشكل مؤقت. كما عزز الدستور من سلطة القضاء عبر إنشاء المحكمة الدستورية العليا لضمان مراقبة دستورية القوانين وحماية الحقوق.

كفل الدستور حرية الرأي والصحافة، والاجتماع والتظاهر، والمحاكمة العادلة، ومنع الاعتقال التعسفي والتوقيف دون محاكمة لفترة طويلة، وحفظ حق الملكية والمشاركة في الحياة الاقتصادية وتأطير الملكية العامة للدولة، وحماية حقوق الفلاحين والعمال على وجه الخصوص.

كما يعتبر مرجعاً يمكن البناء عليه في الفترة الانتقالية لضمان المساواة بين السوريين كافة بمختلف قومياتهم وطوائفهم ومذاهبهم.

مصطفى السباعي ودين الدولة
يعد لمؤسس جماعة الإخوان المسلمين في سوريا٬ وأول مراقب عام لها الشيخ مصطفى السباعي٬ دورا في صياغة دستور عام 1950.


 فحين احتدم الجدل في البرلمان حول مسألة دين الدولة في دستور عام 1950، الذي شكلت جمعية تأسيسية لإقراره، وقف السباعي الذي كان عضوا في لجنة صياغة الدستور، ليدافع عن روح الإسلام المعتدل في وجه نواب حزب البعث وأتباع أكرم الحوراني في حزب الشباب.

 قائلا إن سوريا دولة برلمانية، وحق التشريع يعود فقط للبرلمان، فلا توجد سلطة دينية بإمكانها إرغام البرلمان على قبول دستور لا يقره البرلمان ولا يرضى به.

وأوضح مصطفى السباعي أن الهدف من تسمية دين الدولة٬ هو لمنحها مسحة روحية وأخلاقية، تساعد في تحديد النظام والقانون، وأن المسألة عمليا مرتبطة بأكثرية السكان، وبما أن 90% من سكان سوريا مسلمون، ليصبح الإسلام تلقائيا دينا للدولة.

وكانت هذه الردود الدفاعية كفيلة بوضع حدود للنقاش الذي امتد إلى الشارع، قبل أن يتقدم السباعي بمقترح حل الخلاف القائم، ومكن الجمعية التأسيسية من إقرار الدستور حين استبدل عبارة الإسلام دين الدولة، بأن الإسلام دين رئيس الدولة.


عُطل دستور 1950 أكثر من مرة بسبب تجدد الانقلابات العسكرية، ثم عُطل مع قيام الوحدة بين سوريا ومصر عام 1958 حتى عام 1961 مع سنة الانفصال، حيث أعيد إحياؤه، وبقي معمولاً به حتى 8 آذار/مارس 1963، عندما سيطر حزب البعث على السلطة وألغى الدستور والحريات العامة وأغلق الصحف.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية سياسة عربية الإخوان سوريا سوريا الإخوان المزيد في سياسة سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة دین الدولة حزب البعث

إقرأ أيضاً:

عاجل. ماذا يعني إعلان استقلال منطقة القبائل عن الجزائر؟ هل يؤثر مشروع الماك على أمازيغ شمال إفريقيا؟

يرى الباحث في الاستراتيجية والأمن الإقليمي هشام معتضد، في حديثه إلى يورونيوز، أن إعلان "استقلال" منطقة القبائل عن الجزائر يضع السلطة في موقع مربك، ويجعل أي رد فعل غير مدروس عرضةً للتأويل على نحو قد يقود إلى التصعيد

أعلنت حركة تقرير مصير منطقة القبائل (ماك/MAK) خلال مؤتمر عُقد في باريس يوم 19 أكتوبر 2025، عن اعتماد إعلان استقلال منطقة القبائل بالإجماع، بحضور قيادة الحركة والحكومة القبائلية في المنفى (أنفاذ) وأعضاء ما يُسمّى بالبرلمان القبائلي. وحدد المؤتمر يوم 14 ديسمبر 2025 موعداً للإعلان الرسمي عن الاستقلال، وهو تاريخ اختارته الحركة الانفصالية وتقول إنه مرتبط بمبادرات دولية سابقة لاعتبار هذا اليوم "يومًا عالميًا لمناهضة الاستعمار".

مؤسس حركة "ماك" الحظورة في الجزائر فرحات مهني قال إن إعلان استقلال منطقة القبائل ليس موجّهاً ضد أي دولة، ويأتي ضمن ممارسة الأمازيغ أو القبائل لمّا سماه "حقهم المشروع في تقرير المصير" وفقاً لأحكام القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة. ويرى قادة الحركة الانفصالية أن يوم 14 ديسمبر سيكون وفق تعبيرهم "نقطة تحوّل تاريخية في مسار مطلب استقلال القبائل"، وبداية مرحلة جديدة في "نضالهم السياسي".

من هو فرحات مهنّي؟

وقبل الخوض في تفاصيل إعلان استقلال منطقة القبائل، من الضروري أن نتعرف على شخصية فرحات مهني وحركته "ماك": فمن هو هذا القيادي المثير للجدل؟ وما أهداف حركته، وما مواقفه من أبرز القضايا في الجزائر والمنطقة؟ وما الأثر المحتمل لمشروعه على القبائل والمنطقة المغاربية إذا ما رأى النور؟

فرحات مهني، مغنّ سابق يقيم في فرنسا، وهو يعدّ أبرز القيادات الأمازيغية ومؤسس حركة "ماك" المطالِبة بانفصال منطقة القبائل عن الجزائر. يشغل مهنّي رئاسة ما يسمّى"الحكومة القبائلية في المنفى"، مقدّمًا نفسه ممثلاً لـ"شعب يمتلك هوية خاصة وتاريخًا مغايرًا للهوية الرسمية للدولة الجزائرية" رغم أن شريحة واسعة من أمازيغ الجزائر ترفض أن يتحدث باسمها. ويعتبر فرحات مهنّي أن "الهوية الأمازيغية امتداد لحضارة شمال إفريقيا القديمة، على غرار الهويات اللاتينية أو السامية، فيما تشكل الهوية القبائلية خصوصيةً داخل الإطار الأمازيغي الأوسع، بملامح لغوية وثقافية وتاريخية متميزة". ويرى الفنان الذي تحوّل لسياسيّ انفصالي مثير للجدل أن منطقة القبائل تحولت، بعد الاستقلال، إلى "مستعمرة داخل الدولة الجزائرية" وفق زعمه.

وبخصوص موقفه من النظام في الجزائر، يصف مهني السلطة في هذا البلد بأنها "ديكتاتورية"، ويتهمها باستخدام مبدأ تقرير المصير في سياقات خارجية فقط، مع رفض تطبيقه داخلياً. كما يتهم الدولة بـ"قمع أي مطالبة سلمية تعبّر عنها منطقة القبائل". ويؤكد أن المجتمع القبائلي بطبيعته علماني ومتسامح ثقافيًا، وأن الدين يجب أن يبقى خيارًا شخصيًا، في مقابل ما يعتبره "توظيفًا سياسيًا للدين" من قبل السلطة.

فرحات مهنّي وإسرائيل

وأثار موقف مهني من الدولة العبرية جدلاً واسعًا في الجزائر والعالم العربي، خاصة بعد زيارته تل أبيب عام 2012 ولقائه مسؤولين في الكنيست ووزارة الخارجية الإسرائيليين. ويقول مهنّي إن الزيارة تهدف إلى كسر "الخطوط الحمراء" التي ترسمها الدولة الجزائرية. ويرى دعمه لإسرائيل "موقفًا أخلاقيًا ضد الإرهاب". فقد سبق وأكد إدانته هجمات 7 أكتوبر 2023 التي شنتها حركة حماس، مشيرًا إلى وجود ما يعتبره رابطًا بين "العداء لشعب القبائل" داخل الجزائر كما يسمّيه و"معاداة السامية" وفق زعمه. وقد وصف مهنّي إسرائيل بأنها "حليف رمزي وأخلاقي" لمنطقة القبائل وللديمقراطيات الغربية.

ويؤكد مؤسس الحركة أن معارضته للنظام الجزائري "لا تستهدف السكان العرب" في هذا البلد، منتقدًا ما يصفه بسياسة فرض اللغة العربية وطمس الثقافة القبائلية. كما يعبّر عن أمله في الحصول على دعم من الولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل والمغرب ودول عربية أخرى وفق تعبيره.

ما هي حركة "ماك"؟

تعود جذور حركة "ماك" إلى أحداث ما يسمّى "الربيع الأسود" عام 2001، حين شهدت منطقة القبائل احتجاجات واسعة تخللتها مواجهات دامية أسفرت عن مقتل أكثر من 120 شخصًا وإصابة آلاف آخرين. وانتقلت الحركة عام 2013 من المطالبة بـ"الحكم الذاتي" إلى رفع شعار "تقرير المصير".

Related محكمة استئناف الجزائر تبقي 38 حكمًا بالإعدام في قضية مقتل شاب أثناء حرائق 2021ذهب ليمدّ يد المساعدة في إخماد النيران المشتعلة في الجزائر فتم حرقه..من قتل الشاب جمال ولماذا؟

وتتهم السلطات الجزائرية الحركة الانفصالية بالتورّط في حرائق عام 2021 وبالتحريض على قتل الشاب جمال بن إسماعيل الذي هبّ لمساعدة مواطنيه الأمازيغ في إخماد النيران التي شبت في غابات منطقة القبائل. وصُنفت "الماك" كـ"منظمة إرهابية"، كما تواجه اتهامات بتلقي تمويل خارجي والتخطيط لأعمال مسلّحة، وهو ما تنفيه قيادة الحركة.

Related الجزائر: حركة استقلال منطقة القبائل تنفي تخطيطها لتنفيذ هجمات في البلاد

وفي 2024، أعلنت السلطات إحباط محاولة لإدخال أسلحة نُسبت إلى "ماك"، بينما رفضت فرنسا عام 2025 تسليم أحد قيادييها، أكسل بلعباسي، المطلوب للجزائر بتهم ارتكاب أعمال إرهابية.

Related شاهد: عودة تدريس اللغة الأمازيغية في ليبيا بعد عقود من المنع في عهد القذافيأسكاس إيغودان.. المغاربة يحتفلون برأس السنة الأمازيغيةشاهد: الأمازيغ والبربر في الجزائر يحتفلون برأس السنة الأمازيغية "يناير"المتحدثون بالأمازيغية في المغرب يخشون من اندثار لغتهم

أما المواقف الدولية فهي متباينة: فالولايات المتحدة وكندا لا تصنّفان الحركة كمنظمة إرهابية، وتتعاملان مع ملفّها باعتباره ذا طابع سياسي أكثر منه أمني. أما في فرنسا، فيحظى خطاب الحركة بدعم محدود في بعض أوساط الجالية القبائلية (الأمازيغية الجزائرية) وبعض نواب تكتل LIOT المدافعين عن الحقوق الأمازيغية.

في المقابل، تتحدث تقارير إعلامية جزائرية عن دعم مغربي مالي مزعوم للحركة، وهو ما تنفيه "ماك"، رغم أن سفير الرباط لدى الأمم المتحدة كان وزع عام 2021 مذكرة تدعو لحق شعب القبائل في تقرير المصير" وقبله عام 2015، اتخذ نفسَ الخطوة قبله سلفه عبد الرزاق لعسل الممثل الدائم للمغرب لدى المنظمة الأممية وذلك في إشارة لموقف الجزائر من قضية الصحراء الغربية وتأييدها لاستقلال الإقليم.

وفي هذا الشأن، يُظهر فرحات مهني تقاربًا وتماهيا مع موقف الرباط الذي ينادي بسيادة المملكة على الصحراء المغربية كما يسميها. وهذه مفارقة، لأن السياسي الانفصالي وبدل تأييده لجبهة البوليساريو، يريد استقلال منطقة القبائل ويتفق في ذات الوقت مع بقاء الإقليم المتنازع عليه تحت لواء الملك محمد السادس.

هل يؤثر مشروع فرحات مهنّي الانفصالي على أمازيغ المغرب العربي؟

قبل الحديث عن أثر مشروع فرحات مهني إذا ما كُتب له النجاح، من المهم التعريف بالسكان الأمازيغ. في هذا السياق، يشير الباحث في التاريخ مهدي حسحوس لـ"يورونيوز" إلى أن البربر أو الأمازيغ هم من الشعوب القديمة في منطقة شمال إفريقيا. ويتركز وجود المتحدثين باللغات واللهجات الأمازيغية اليوم بشكل رئيسي في منطقة القبائل شمال الجزائر ومنطقة الأوراس شرقها، كما ينتشرون أيضا في المغرب، وتحديداً في منطقتي الريف شمالاً وبلاد سوس جنوباً. ويضاف إلى هؤلاء قبائل الطوارق التي تعيش في أرجاء الصحراء الكبرى، بينما يقتصر الوجود الأمازيغي في تونس وليبيا على بعض القرى والتجمعات التي ما زالت تحافظ على اللغة الأمازيغية.

وهنا يبرز سؤال مهم حول تداعيات مشروع فرحات مهني: إذا ما تحقق استقلال منطقة القبائل، كيف سيؤثر ذلك على الهوية الأمازيغية في شمال إفريقيا، وعلى الوضع السياسي والاجتماعي في الجزائر والمنطقة المغاربية ككلّ؟

يرى المحلل صهيب المزريقي، في تصريح لـ"يورونيوز"، أن الحراك الذي تقوده حركة "ماك" واحتمال إعلان استقلال منطقة القبائل يُنظر إليهما في الأساس بوصفهما خطوة رمزية أكثر من كونهما مشروعًا قابلًا للتجسيد. فالوضع الداخلي في الجزائر، سياسيًا واجتماعيًا، لا يوفّر الشروط الموضوعية لولادة كيان منفصل، سواء من حيث غياب قاعدة شعبية واسعة مؤيدة، أو من حيث التوازنات الإقليمية التي لا تمنح هذا المسار أي هامش للمناورة. ويؤكد المزريقي أن الغالبية من الأمازيغ في الجزائر، بما في ذلك سكان منطقة القبائل، ترى نفسها جزءًا من الدولة الجزائرية وتطالب بحقوق ثقافية ولغوية بدلًا من الانفصال، ما يجعل تأثير "ماك" محدودًا داخل الطيف الأمازيغي.

ويشير المتحدث ذاته إلى أن أي إعلان أحادي للاستقلال سيواجه ردًا صارمًا من الدولة الجزائرية، باعتبار أن وحدة التراب الوطني هي أحد أهم ثوابتها. كما أن تجارب الانفصال في العالم تُظهر أن نجاح أي مشروع مماثل يتطلب ثلاثة عناصر أساسية هي كالتالي:

قاعدة شعبية عريضة ضعف في مركزية الدولة الأم نافذة اعتراف دولي

وهذه الشروط غير متوفرة في الحالة الجزائرية. وبالتالي، فإن أي "استقلال معلَن" سيكون، وفق المزريقي، خطوة معزولة محكومة بالفشل الفوري، على غرار تجربتي كتالونيا وكردستان اللتين اصطدمتا برفض دولي وبقوة الدولة المركزية.

من جانبه، يرى الباحث في الاستراتيجية والأمن الإقليمي هشام معتضد أثناء حديثه مع "يورونيوز" أن القيمة السياسية لمثل هذا الإعلان لا ترتبط بنتائجه المباشرة، التي يصفها بأنها "ضعيفة" بحكم ميزان القوى على الأرض، بل بكونه مؤشرًا على اختلالات داخلية لم تعد أدوات الضبط التقليدية قادرة على احتوائها بالفاعلية نفسها.

ويأتي هذا التحرك، وفق المتحدث، في سياق وطني يتّسم بانكماش اقتصادي، وضغوط اجتماعية متزايدة. لذلك، يُنظر إلى الإعلان، مهما كانت رمزيته، اختبارًا لقدرة الدولة على إدارة التحديات الصادرة من أطرافها الاجتماعية والثقافية، وليس فقط من حدودها الجغرافية.

ويضيف معتضد أن الجزائر، التي جعلت من مبدأ "تقرير المصير" أحد أعمدة خطابها الخارجي، تواجه اليوم مطالبة داخلية تستند إلى المفهوم ذاته، مضيفا:" هذا التناقض لا يعكس بالضرورة ضعفًا استراتيجيًا، لكنه يضع الرواية الرسمية في موقف مربك، ويجعل أي رد فعل غير محسوب قابلًا للتأويل وربما التصعيد".

أي تأثير للمشروع على المستوى الإقليمي؟

يرى المحلل صهيب المزريقي أثناء حواره مع "يورونيوز"، أن أي خطاب انفصالي في منطقة القبائل سيكون محدود الأثر على المستوى الإقليمي. فهو قد يخلق صدى ثقافيا لكنه بالكاد يُترجم إلى تأثير سياسي ملموس. ففي المغرب، يتمتع الأمازيغ اليوم باعتراف دستوري وحضور مؤسساتي، ما يجعل الانفصال خارج الأجندة، بينما تُركّز الجهود في ليبيا على بناء الدولة في ظل وضع هش، وتُعد جماعات الأمازيغ في تونس صغيرة وغير معنيّة بمشاريع سياسية تأسيسية خارج الدولة الوطنية.

ويضيف المزريقي أن إعلانًا أحاديًا في منطقة القبائل سيُقرأ عربيًا كخطوة تستهدف الدفاع عن الوحدة الترابية للدول ورفض موجات التفتيت، ما يعزز خطاب السلطة الرسمي وغير الرسمي حول مركزية الدولة الجزائرية، خصوصًا في بلد له وزن إقليمي وعمق استراتيجي. ومن منظور الأمازيغ أنفسهم، لن يتحول الإعلان إلى "لحظة قومية"، بل قد يضعهم بين التعاطف مع الهوية الثقافية ووعيهم بأن المساس بوحدة الدول قد يزيد التوتر والشكوك. لذلك، سيكون التأثير الأكبر على المستوى الثقافي والنقاش الاجتماعي، مع شبه انعدام للأثر السياسي المباشر.

من جانبه، يقول هشام معتضد أن التفاعلات الإقليمية ستكون حذرة، إذ تشترك الدول المغاربية في خشيتها من انعكاسات أي مطالب انفصالية. ومن ثم، فمن المستبعد أن تحظى هذه الخطوة بدعم مباشر، لكنها ستجعل الفاعلين الاقليميين يراقبون الوضع الجزائري من زاوية الاستقرار الداخلي.

أما بالنسبة للدول الأوروبية، خاصة فرنسا والاتحاد الأوروبي، فستتخذ مقاربة براغماتية تركز على الاستقرار الجيوسياسي، إدارة الهجرة، وضمان تدفقات الطاقة، أكثر من الانخراط في قضايا الهوية المحلية بالدول المغاربية. لذلك، يُنظر إلى هذا التحرك كحدث رمزي يستحق المتابعة، وليس كعامل يغير السياسة الإقليمية جذريًا.

ومع ذلك،وفق معتضد، قد يشكل الإعلان فرصة لإعادة النظر في سياسة الدولة تجاه التنوع الثقافي، إذ تكمن المشكلة في شعور الأمازيغ بأن هويتهم تُدار بعقلية أمنية أكثر من كونها رصيدًا ثقافيًا ووطنيًا، وهي إشكالية مشتركة في عدة دول لم تحدّث مفهوم الانتماء الوطني ليصبح شاملاً وديناميكيًا.

ويختتم المحلّل تصريحه بالقول إن الحدث، مهما كانت طبيعته يمثل مرآة لمعضلات أعمق حول قدرة الدولة على إدارة التعدّد ضمن مشروع وطني جامع. و"إذا أحسنت الجزائر إدارة هذا الظرف، فقد يتحول الإعلان من مصدر إحراج إلى فرصة لإعادة صياغة توازنات داخلية أكثر استدامة".

انتقل إلى اختصارات الوصول شارك محادثة

مقالات مشابهة

  • أبو القنبلة النووية الأمريكية والإسرائيلية.. ماذا تعرف عن روبرت أوبنهايمر؟
  • أول تعليق لترامب على هجوم سوريا.. ماذا قال عن الشرع؟
  • أول تعليق من ترامب على هجوم سوريا.. ماذا قال عن الشرع؟
  • هجوم سوريا.. 6 أسئلة لفهم ما حدث
  • بالفيديو: داتا النظام تعود.. ماذا يجري بين سوريا ولبنان؟
  • دستور .. يا أمل
  • ماذا يعني إسقاط «قانون قيصر» عن سوريا؟
  • عاجل. ماذا يعني إعلان استقلال منطقة القبائل عن الجزائر؟ هل يؤثر مشروع الماك على أمازيغ شمال إفريقيا؟
  • حفل زفاف في سوريا يتحول إلى مأساة كبرى في ريف درعا الغربي.. ماذا حدث؟
  • سوريا وفرنسا تطلبان من لبنان اعتقال مدير المخابرات الجوية السابق.. ماذا نعرف عن جميل حسن؟