"أثر اللغة العربية في فهم القرآن الكريم" أمسية علمية بأوقاف الفيوم
تاريخ النشر: 25th, December 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
عقدت مديرية أوقاف الفيوم أمسية علمية بمسجد السعادة بمسجد السعادة اليوم، بعنوان:"أثر اللغة العربية في فهم القرآن الكريم"، أقيمت الأمسية بتوجيهات من وزير الأوقاف الدكتور أسامة السيد الأزهري ،بحضور الدكتور محمود الشيمي، وكيل وزارة الأوقاف، والشيخ جمال أحمد ،مدير إدارة بندر ثان، وعدد من الأئمة.
خلال اللقاء أشار العلماء ،إلى أن العلوم الإسلامية متنوعة، فهناك علوم وسائل، وهناك علوم مقاصد، ولا نستطيع فهم مقاصد الذكر الحكيم إلا بعد فهم علوم الوسائل، فعلوم الوسائل: كاللغة والمنطق، وما إلى ذلك، وعلوم المقاصد: هي علوم أصول الدين، أي الفقه الأكبر في العقائد، والفقه الأصغر في الشرائع ؛ ولذلك قام المنهج العلمي في علوم المسلمين منذ البدء على إحياء العلوم اللغوية، والقاعدة الأصولية تقول : " ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب"، فإذن لا يتم فهم القرآن الكريم إلا بفهم اللغة العربية والإحاطة بها علمًا، فصارت علوم اللغة علومًا واجبة التعلم، وواجبة الفهم، لمن يريد أن يَرِدَ حِيَاضَ القرآن الكريم ، وأن يقفَ على هذا البحر ، المأدبة الكبرى التي لا يمكن أن تدانيها مأدبة،ومن هنا كان أول علم نشأ في علوم المسلمين في عهد عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) ثم امتد في عهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) هو علم النحو ؛ لأن أبا الأسود الدؤلي أشار عليه علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) أن يكتب مسائلَ النحو، فكتب مسائلَ الفاعل، وكتب بابَ المفعول ، وكتب بابَ المبتدأ ، وكان ذلك في القرن الأول الهجري ؛ لحاجة الناس حينذاك إلى فهم علوم اللغة العربية ، فحاجتنا اليوم إلى فهم علوم اللغة العربية أشد ضرورة لفهم القرآن الكريم .
كما أشاروا، إلى حديث رسول الله(صلى الله عليه وسلم) : "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ"، حيث فهمت جماعات العنف والتطرف أن الرسول(صلى الله عليه وسلم) يأمرنا أن نقاتل الناس حتى ينطقوا بالشهادتين، وهذا فهم غير صحيح؛لأن الله(عز وجل) قال: "لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ"، فدخول الإسلام يكون بالرغبة لا يكون كرهًا أبدًا، لأن الله لا يقبل أن يعبده كارهٌ له، فلو أخذنا الحديث على محمله الذي يأخذونه عليه، ترتب على ذلك دماء، بل إنهم يخرجون المسلمين إلى الكفر بناء على هذا الفهم غير الصحيح للغة الحديث الشريف
واوضحوا ان هناك فرق كبير بين: " أمرت أن أقاتل" ولم يقل : أمرت أن أقتل ؛ لأن" أقتل" فعل صادر واقع من فاعل على مفعول به، وأما "أقاتل" فهي صيغة مشاركة، أي : أقاتل من يقاتلني،فالحديث لوقف الدماء وليس لإراقة الدماء،من أجل ذلك استخدم رسول الله(صلى الله عليه وسلم)صيغة المشاركة التي تدل على طرفين،إذن فالفهم الصحيح للغة هو الذي يبلغ المقاصد ، ولذلك تجد القرآن الكريم قائم على أمر ونهي، افعل ولا تفعل، فلا غنى لمسلم يريد أن يفهم القرآن من تعلم علوم اللغة العربية، مشيرين إلى أنه لا تؤخذ الفتوى إلا من أصحابها ممن يحيطون بعلوم الوسائل وعلوم المقاصد ، المشهود لهم بالاجتهاد.
وأكد العلماء،أن القدر المطلوب من تحصيل علوم اللغة العربية يكون على حسب الغرض ، فهو يختلف من العامة، إلى الداعية إلى الفقيه، فإذا ارتقينا للإمام والخطيب فنقدم له أبواب النحو العامة كلها التي تجلي له النمط القرآني، وكذلك قدر من البلاغة لفهم حلاوة القرآن،وأيضًا علم المعاجم الذي يستطيع به أن يصل إلى معاني الألفاظ ، وكذلك علم الصرف الذي يهتم ببنية الكلمة،وأما الفقيه فيأخذ علوم اللغة كلها،وقد قال الإمام الشافعي:وَلِسَانُ الْعَرَبِ أَوْسَعُ الْأَلْسِنَةِ مَذْهَبًا، وَأَكْثَرُهَا أَلْفَاظًا، وَلَا يُحِيطُ بِجَمِيعِ عِلْمِهِ إنْسانٌ غَيْرُ نَبِيٍّ ".
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: أثر اللغة العربية في القرآن الكريم أوقاف الفيوم وزارة الأوقاف محافظة الفيوم علوم اللغة العربیة فهم القرآن الکریم علوم ا
إقرأ أيضاً:
دولة سبأ .. حضارة وثقها القرآن وحفتها عناية الله
يمانيون / تقرير/ طارق الحمامي
في جنوب الجزيرة العربية، حيث تتقاطع الرمال مع العراقة، وتنبض الأرض بشواهد المجد، نشأت مملكة سبأ، تلك الدولة العريقة التي ورد ذكرها في القرآن الكريم، وخلّدها التاريخ كبقعةٍ تلاقت فيها الحضارة، والنبوة، والهوية. وبينما يطوي الزمن صفحاته، يبقى السؤال حاضرًا: ما الذي يجعل من مملكةٍ بادت قبل آلاف السنين، رمزًا حيًا لليمن المعاصر وأصالته؟
تنبع أهمية هذا التقرير من كونه نافذة على ماضٍ شامخ لا يزال يلقي بظلاله على الحاضر، ويكشف كيف أن القيم والمفاهيم التي أرستها سبأ في ميادين الحكم، والدين، والمجتمع، ما تزال قائمة في الوجدان اليمني والعربي حتى اليوم. وهو تأكيد على أن هذه الحضارة لم تكن لحظة عابرة، بل امتدادًا حضاريًا مستمرًا في الروح، والهوية، والتاريخ
دولة سبأ… حضارة لا تُنسىتُعد مملكة سبأ إحدى أقدم الممالك العربية، وقد ازدهرت بين القرنين العاشر والرابع قبل الميلاد، وتمركزت في مدينة مأرب، شرق اليمن الحديث، وقد كانت قوتها الاقتصادية والسياسية والدينية محط أنظار الممالك المجاورة، حتى بلغ أمرها إلى نبي الله سليمان عليه السلام، كما ورد في القرآن الكريم.
القرآن والتوثيق الإلهي لحضارة سبأفي سابقة نادرة، خُصّت مملكة سبأ بالذكر المباشر في القرآن الكريم، مما منحها مكانةً فريدة في السرد التاريخي الإسلامي في سورة النمل (قصة بلقيس وسليمان) ، حيث تكشف الآيات عن نظام حضاري بقيادة امرأة حكيمة “بلقيس”، وتبرز الحوار الحضاري الحكيم بينها وبين نبي الله سليمان عليه السلام ، وكان شاهداً حضارياً مدهشاً لشعب يعيش في جنتين عن يمين وشمال ، قال تعالى : (لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آَيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ) صدق الله العظيم
سبأ كما يراها التاريخ والآثار defaultسد مأرب: أقدم مشروع مائي معروف، بُني بحرفية هندسية مذهلة، لاحتجاز السيول وتوزيعها على مزارع مأرب.
اللغة المسندية: واحدة من أقدم الخطوط العربية الجنوبية.
النفوذ التجاري: سيطرت سبأ على طرق التجارة بين الشرق والغرب، وكانت مركزًا عالميًا لتجارة اللبان والبخور.
الهوية اليمنية .. ماضٍ يرسخ الحاضرالقبائل اليمنية المعاصرة، مثل حمير وكندة، ترجع بأصولها إلى شعوب سبأ، ومعظم العرب القحطانيين ينسبون نسبهم إلى جنوب الجزيرة.
الأزياء، اللغة، المعمار الريفي وحتى عادات الزراعة وحفر الآبار، تحمل ملامح سبئية خالدة.
العمارة اليمنية التقليدية، خصوصًا في صنعاء القديمة، لا تزال تعكس فلسفة البناء السبئي من حيث الشكل والتخطيط والاستخدام الذكي للموارد.
سبأ في الوعي الجمعي اليمنيرغم ما مر به اليمن من تحديات سياسية وإنسانية، فإن الإرث الحضاري السبئي ظل بمثابة مرجعية قوية لليمنيين، يستلهمون منه الفخر والقدرة على النهوض.
في الخطاب الوطني، دائمًا ما تُستخدم دولة سبأ كرمز للنهضة والاستقرار، خصوصًا في الشعارات الحكومية والتعليمية ’’حضارة تحكي حاضرنا وتبني مستقبلنا’’.
دلالة ذلك في السياق العربي والإسلاميارتباط اليمن بدولة سبأ لا يخصّه وحده، بل هو امتداد للهوية العربية والإسلامية الجامعة ، والقرآن الكريم كرّس سبأ كعبرة أن الشكر على النعم أساس لاستمرار الحضارات، وتاريخ اليمن يُدرّس في المناهج العربية كمصدر فخر وهوية ، والسفراء والمفكرون العرب يشيرون لليمن دومًا بأنه مهد العروبة ومنبع الأصالة، بدءًا من سبأ.
ارتباط القيم والقبيلة بالموروث اليمني منذ عهد سبأيشكل الموروث اليمني أحد أعمدة الهوية الحضارية في شبه الجزيرة العربية، وقد تأسس هذا الموروث منذ العهد السبئي ، الذي جمع بين الكيان السياسي المركزي والنسيج القبلي المتماسك، فخلق توازنًا دقيقًا بين الدولة والقبيلة، وبين السلطة والقيم المجتمعية.
في سبأ، لم تكن القبيلة مجرد تنظيم اجتماعي، بل كانت وحدة حضارية تشارك في البناء، والحكم، والدفاع، والاقتصاد. كان لكل قبيلة دورها ومكانتها، ضمن نظام دقيق يُعرف باسم “مكارب سبأ”، وهو شكل من أشكال التحالف السياسي بين الملك والقبائل، يعكس مبادئ الشورى، والولاء المتبادل، والمسؤولية الجماعية، وهي قيم راسخة في الثقافة اليمنية حتى اليوم.
القيم التي برزت في ذلك العصر، مثل الكرم، والوفاء، والشرف، وحماية المستجير، واحترام العهود، لم تكن مجرد أعراف، بل شكلت نظامًا أخلاقيًا واجتماعيًا حافظ على تماسك المجتمع في مواجهة التحديات الطبيعية والسياسية، وقد انعكس ذلك في قصة ملكة سبأ، التي احتكمت إلى العقل والحكمة في التعامل مع دعوة النبي سليمان عليه السلام، ما يدل على عمق القيم السياسية والإنسانية في ثقافة سبأ.
ومع دخول الإسلام، لم تتلاشَ هذه القيم، بل اندمجت مع روح الدين، فشكلت شخصية الإنسان اليمني المسلم، المعروف بـ”الإيمان والحكمة”، كما قال النبي صلوات الله عليه وآله: “أتاكم أهل اليمن، هم أرق قلوبًا وألين أفئدة، الإيمان يمان، والحكمة يمانية”.
وبقاء الارتباط بين القيم والقبيلة والموروث الحضاري قائمًا في اليمن من عهد سبأ إلى اليوم، يمثل عمقًا إنسانيًا يعكس عبقرية التكوين الاجتماعي اليمني، وقدرته على الجمع بين الولاء الديني والهوية القبلية في وحدة متماسكة نادرة في التاريخ العربي.
خاتمةإننا حين نتأمل في إرث دولة سبأ، لا نقف فقط أمام أطلال حضارة غابرة، بل أمام نموذج إنساني فريد، جمع بين الحكمة والسلطة، والقيم والدين، والقبيلة والدولة، في تناغم نادر سبق كثيرًا من المفاهيم المعاصرة في بناء المجتمعات.
لقد خلد القرآن الكريم هذه الحضارة ليس لمجرد تسجيل وقائع تاريخية، بل ليقدّمها للأمم عبر الأزمان كدليل على أن النهضة تبدأ من الإيمان، وتُبنى على العقل، وتستمر بالقيم. ومن سبأ إلى الإسلام، ثم إلى حاضر اليمن، امتد هذا الخط الحضاري متغلغلًا في الثقافة، واللغة، والبنية الاجتماعية، ليؤكد أن التاريخ العميق ليس فقط مصدر فخر، بل ركيزة لبناء الحاضر وصناعة المستقبل ، في زمن تتقلب فيه الهويات وتُمحى فيه المعالم، تظل سبأ رمزًا للعراقة والاستمرارية، وتبقى القيم التي أسستها من كرم، وشورى، وحكمة، عنوانًا ليمنٍ أصيل، وحضارة عربية لها جذور في الأرض وامتداد في السماء.