بقلم : اللواء الدكتور سعد معن الموسوي ..

بينما كنت أتصفح موقع مجلس القضاء الأعلى، لفتت انتباهي كلمات بدا وكأنها صيحة تحذير من واقع يتفاقم مع تعقيدات العصر الرقمي. تحقيق مفصل حول جرائم انتحال الشخصيات الحكومية ألقى الضوء على جانب مظلم في ثورة التواصل الاجتماعي، التي كانت في يوم ما وسيلة لتقريب المسافات بين الناس.

اليوم، تحولت هذه المنصات إلى سلاح يستخدمه البعض للإيقاع بالآخرين واستغلالهم، مما يثير تساؤلات حول الأبعاد الأخلاقية والقانونية لهذه الظاهرة.

إن عالم الإنترنت، رغم بريقه الذي يخطف الأبصار، يخبئ في طياته أفخاخًا عديدة، تتنوع بين الإغراءات الوهمية، المتاجر المزيفة، وانتحال الشخصيات. هذه الأساليب ليست مجرد أعمال غش عابرة؛ بل هي ضربات ممنهجة تستهدف الثقة التي تربط الناس في فضاء افتراضي، حيث تختلط الحقيقة بالخداع. مع ازدياد هذه الجرائم في العراق، بات لزامًا علينا الغوص في أعماقها لنفهم دوافعها وآلياتها، ونستنهض أدواتنا القانونية والتقنية لمواجهتها.

علميًا، يُرجع المختصون أسباب تنامي هذه الظاهرة إلى تزايد الاعتماد على المنصات الرقمية ونقص الوعي بمخاطرها. في هذا الفضاء المفتوح، تتيح بعض الثغرات التقنية والقانونية للمحتالين استغلال ثقة المستخدمين بشكل يهدد أمنهم المادي والمعنوي. من جهة أخرى، لم تسلم المؤسسات من استهداف هذه الجرائم، ما زاد الحاجة إلى تطوير آليات رصد ومكافحة فعّالة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الإجراءات القانونية الحديثة، التي لم تواكب التغيرات السريعة في الفضاء الرقمي، تعتبر من أبرز العوائق التي تتيح للمحتالين التسلل بسهولة، مما يثير الحاجة الملحة لتطوير قوانين محدثة وفعّالة في مواجهة هذه الجريمة.

لقد أظهرت الدراسات أن التصدي لهذه الجرائم ليس مجرد مهمة تقنية، بل يحتاج أيضًا إلى تطوير ثقافة رقمية شاملة تكون جزءًا من التربية والتعليم في المجتمع. فلا يمكننا الاعتماد فقط على أدوات الحماية التقنية، بل يجب أن يترافق ذلك مع تعزيز وعي الأفراد بخطورة هذه الجرائم وسبل الوقاية منها. من هذا المنطلق، لا بد من توجيه اهتمام خاص إلى أهمية بناء ثقافة رقمية فاعلة تعزز من حماية الأفراد والمؤسسات من مخاطر الاحتيال الرقمي.

كما أن التكامل بين الأطر القانونية والتقنية يظل أمرًا حيويًا، إذ لا يمكن لمكافحة هذه الجرائم أن تتحقق دون وجود نظام قانوني رصين، يعكس التحديات الرقمية المعاصرة ويعاقب المخالفين بشكل فعال. يتطلب الأمر اتخاذ إجراءات سيبرانية متقدمة، تشمل تطوير خطوط ساخنة للبلاغات وتفعيل قوانين جديدة للتصدي للجريمة الإلكترونية. من المهم أن يتوافر الاتصال المباشر بين الأفراد والجهات الأمنية لضمان سرعة الاستجابة واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.

لذلك، لا يمكن الحديث عن مكافحة هذه الظاهرة دون إضفاء بعد إنساني وأدبي على تناولها، حيث إن هذه الجرائم ليست مجرد أرقام أو قضايا قانونية، بل قصص لأشخاص وقعوا ضحية الجشع والخداع. من خلال دمج الرؤية الإنسانية مع الإجراءات القانونية، نستطيع تعزيز المساءلة الاجتماعية والمشاركة الجماعية في محاربة هذه الظاهرة.

إننا اليوم أمام معركة شائكة بين الجريمة الرقمية وقيم الثقة التي تُبنى عليها مجتمعاتنا. ليست هذه الجرائم مجرد أعمال غش واحتيال عابرة، بل تهديد مباشر لأسس الأمان الاجتماعي والاقتصادي. على الجميع أن يدرك أن التصدي لهذه الظاهرة لا يقتصر على الجهات الحكومية أو التقنية، بل هو مسؤولية جماعية تستوجب تضامن المؤسسات والأفراد.

كما أن الأمر لا يتطلب فقط أدوات قانونية وتقنية، بل رؤية إنسانية تضع الضحايا في صميم المعركة. كل شخص نجا من الوقوع ضحية، وكل خطوة نحو وعي رقمي أوسع، هي لبنة في جدار حماية المجتمع.

ليكن حديثنا عن هذه القضية صرخة وعي تُحدث التغيير، وبداية لحراك جماعي يستعيد الثقة المفقودة ويحصّن أجيال المستقبل من خطر الاحتيال الرقمي. وذلك من خلال اتخاذ إجراءات قانونية متطورة، ودعم ثقافة إلكترونية حديثة، وتوفير أدوات سيبرانية فعالة لمكافحة هذا التهديد المتزايد

اللواء الدكتور
سعد معن الموسوي

د. سعد معن

المصدر: شبكة انباء العراق

كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات هذه الجرائم هذه الظاهرة

إقرأ أيضاً:

المظاهرات بأمريكا تمتد لـ12 مدينة.. وخوارزميات وسائل التواصل تعزز المعلومات المضللة

(CNN)-- أشعلت الاحتجاجات ضد إدارة الهجرة والجمارك الأمريكية (ICE)، التي بدأت في لوس أنجلوس، الجمعة، احتجاجات مماثلة في مدن مختلفة في جميع أنحاء الولايات المتحدة - بعضها اتسع نطاقه إلى احتجاجات ضد إدارة ترامب.

أبرز المدن والمناطق التي تشهد مظاهرات كانت كلا من نيويورك وشيكاغو وتكساس وسان فرانسيسكو ودينفر وسانتا آنا ولاس فيغاس وأتلانتا وفيلاديلفيا وميلووكي وسياتل وواشنطن العاصمة وغيرها.

خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي تعزز المعلومات المضللة حول احتجاجات لوس أنجلوس في بيئة "قابلة للاشتعال":

في لوس أنجلوس، خارج الإنترنت، يعيش معظم سكانها يومًا طبيعيًا تمامًا. أما على الإنترنت، فلا تزال الحرائق وأعمال الشغب مستعرة، وتُغذي الخوارزميات القوية التي تُغذي منصات التواصل الاجتماعي المستخدمين بمحتوى قديم، وأحيانًا زائف تمامًا، حول الاضطرابات الأخيرة في لوس أنجلوس، مما يُسهم في خلق شعور بأزمة متواصلة لا وجود لها إلا في جزء صغير من المدينة المترامية الأطراف.

واستغلت حسابات غير مُدققة على منصات مثل إكس وتيك توك في محاولة واضحة لجذب المزيد من النقرات والنفوذ والفوضى، مخاوف الليبراليين والمحافظين بشأن ما ستؤول إليه اشتباكات نهاية الأسبوع الماضي.

ويُظهر مقطع فيديو مُزيف مُولّد بواسطة الذكاء الاصطناعي على TikTok، يُزعم أنه يُظهر جنديًا من الحرس الوطني يُدعى بوب يُبث مباشرةً استعداداته "لاستخدام الغاز اليوم" ضد المتظاهرين، وقد حصد الفيديو أكثر من 960 ألف مشاهدة حتى ظهر الثلاثاء، ووصف الكثيرون في قسم التعليقات الفيديو بأنه مُزيف، لكن بدا أن آخرين يعتقدون أنه حقيقي، (يبدو أن الفيديو، الذي تم فضحه من قبل BBCنيوز، قد تم حذفه منذ ذلك الحين(.

وقالت رينيه دي ريستا، الأستاذة المشاركة في كلية ماكورت للسياسات العامة بجامعة جورج تاون والخبيرة في كيفية انتشار نظريات المؤامرة عبر الإنترنت: "ما يحدث على وسائل التواصل الاجتماعي يُشبه الفوضى التي سادت بيئة المعلومات خلال احتجاجات جورج فلويد عام 2020"، ملقية الضوء على أن الناس "يحاولون التمييز بين اللقطات الحالية الحقيقية واللقطات القديمة المثيرة المُعاد تدويرها لأغراض سياسية أو مالية".

ولكن في عام 2025، ستكون الصور المُولّدة بالذكاء الاصطناعي أكثر وفرة، وسينتشر المستخدمون على منصات إلكترونية مختلفة "حيث تُروى قصص مختلفة"، وفقًا لدي ريستا لشبكة CNN.

حقائق مختلفة

على منصة إكس، حيث تميل الآراء اليمينية إلى الازدهار، يُدين المؤثرون المتظاهرين المناهضين لدائرة الهجرة والجمارك الأمريكية (ICE) باعتبارهم مُحرّضين وإرهابيين، بينما على منصة Bluesky ذات التوجه اليساري، يُدين مستخدمون بارزون نشر الرئيس ترامب للحرس الوطني.

وقامت الحسابات شديدة الحزبية والنشاط على موقع إكس بتضخيم حجم الاضطرابات الفعلية في جنوب كاليفورنيا بشكل كبير، مما أدى إلى زيادة الارتباك عبر الإنترنت حول الوضع خارج الإنترنت.

انتشر منشورٌ كاذبٌ على منصة إكس، الأحد، زعم فيه وجود تقارير إخبارية "عاجلة" تُفيد بأن المكسيك تُفكّر في "تدخل عسكري" في لوس أنجلوس، وقد شاهد هذا المنشور أكثر من مليوني شخص حتى ظهر الثلاثاء.

ونشرت عشرات المنشورات على منصة إكس نظريات مؤامرة، زاعمةً أن المتظاهرين مدعومون من الحكومة أو ممولون من مصادر مختلفة، وفقًا لمعهد الحوار الاستراتيجي، وهو مركز أبحاث، وقد تجاوز عدد مشاهدات العديد من هذه المنشورات المليون مشاهدة، ولم يتم التحقق من صحة سوى عدد قليل منها باستخدام خاصية ملاحظات مجتمع إكس.

وطلبت CNN تعليقًا من شركتي إكس ونيك توك.

إدراكًا منه لكيفية تأثير المنشورات الفيروسية على الرأي العام وتفاقم العنف، ناشد مكتب حاكم كاليفورنيا، غافين نيوسوم، الجمهور ليلة الأحد، في منشور على منصة إكس، "التحقق من مصادركم قبل مشاركة المعلومات!".

وكما نفى مكتب الحاكم بعض المعلومات بشكل مباشر، فمع تفاقم الاحتجاجات في لوس أنجلوس، مساء الأحد، نشر السيناتور تيد كروز مقطع فيديو صادمًا لسيارات شرطة لوس أنجلوس وهي تحترق، وكتب: "هذا... ليس... سلميًا".

وألمح منشور سيناتور تكساس على منصة إكس إلى أن مقطع الفيديو جديد تمامًا، ولكنه في الواقع يعود إلى عام 2020، عندما تحولت احتجاجات العدالة العرقية إلى اضطرابات مدنية.

وكان كروز يرد على الممثل جيمس وودز، أحد أبرز مستخدمي إكس المحافظين الذين روّجوا لفيديو الحريق الذي مضى عليه خمس سنوات، ردّ نيوسوم على وودز قائلًا: "هذا الفيديو من عام 2020".

ومما زاد من الارتباك، قيام مخربين بإتلاف عدة سيارات شرطة وإشعال النار في عدة سيارات ذاتية القيادة، مساء الأحد، لكن المقطع الذي انتشر على نطاق واسع والذي أعاد وودز نشره كان قديمًا.

وكانت حسابات الحكومة الفيدرالية من بين المصادر المضللة على وسائل التواصل الاجتماعي، إذ زعم حساب "الاستجابة السريعة" التابع لوزارة الدفاع على موقع إكس صباح الاثنين أن "لوس أنجلوس تحترق، والقادة المحليون يرفضون الاستجابة"، ولكن لم ترد أي تقارير عن حرائق مشتعلة في لوس أنجلوس وقت نشر وزارة الدفاع لهذا الادعاء.

مقالات مشابهة

  • ماكرون يتوعد بحظر وسائل التواصل عن القصّر دون 15 عاماً وبروكسل تترك الأمر للحكومات
  • من يصنع الرداءة والتفاهة وينشرهما في وسائل التواصل الاجتماعي؟
  • المتحدثة السابقة للخارجية الأمريكية: استقلت بسبب تواطؤ واشنطن في جرائم غزة
  • المظاهرات بأمريكا تمتد لـ12 مدينة.. وخوارزميات وسائل التواصل تعزز المعلومات المضللة
  • الأعيرة النارية الطائشة.. تهديد مستمر للحياة في السودان
  • بيان صادر عن مكتب الإعلام الدولي بدولة قطر رداً على التقارير المفبركة التي تم تداولها على وسائل الإعلام الإسرائيلية
  • الجولاني : الجرائم لا تسقط بالتقادم
  • الجرائم ضد القاصرين بين النصوص القانونية والواقع الرقمي: قراءة مقارنة بين المغرب وإسبانيا
  • الوحدة الخفية.. كيف أصبح الشباب وحيدين رغم آلاف المتابعين؟
  • وسائلُ التواصل الاجتماعي وتأثيرُ إدمانها على الصحة النفسيّة وسُلوك الأفراد