في مشهد مؤلم يعكس واقع المعارضة المصرية، جلس الثائر المصري في مقهى بإسطنبول، يسترجع ذكريات رفاق النضال الذين تفرقوا بين ثلة الاستشهاد وثلة التشتت في المنافي وثلة بين زنازين السجون.. "كنا نحلم بوطن حر"، يقول بحسرة، "لكننا وجدنا أنفسنا مشتتين في أصقاع الأرض، يجمعنا الألم ويفرقنا الاختلاف على الطريق".
وعلى الجهة المقابلة في إحدى البنايات، تجتمع قيادات المعارضة السورية في غرفة واحدة، رغم اختلاف توجهاتهم وخلفياتهم، يناقشون مستقبل بلادهم.
تقف أمامنا قصة معارضتين في قلب الربيع العربي، كلتاهما دفعت ثمنا باهظا من دماء أبنائها وحريتهم، لكن مساراتهما اختلفا بشكل جذري. فكيف استطاعت المعارضة السورية الحفاظ على تماسكها النسبي، بينما تشتتت المعارضة المصرية رغم تضحياتها الجسيمة؟
صدمة البداية والمسارات المختلفة:
"كنا نظن أن التغيير سيكون سريعا وحاسما"، يتذكر، الناشط مصري هو شاب شارك في ثورة يناير.. "لم نكن مستعدين للمعركة الطويلة، ولا للثمن الباهظ الذي سندفعه". في ميدان التحرير، كانت الأحلام كبيرة والقلوب متحدة، لكن سرعان ما بدأت الشروخ تظهر مع أول اختبار حقيقي للوحدة.
يظهر المشهد على الجانب الآخر، سوريا، مختلفا.. "منذ البداية، أدركنا أننا في معركة طويلة الأمد"، تقول الناشطة السورية التي تعمل في المجال الإنساني.. "الوحدة لم تكن خيارا، بل ضرورة للبقاء". هذا الإدراك المبكر ساهم في تشكيل استراتيجيات مختلفة للتعامل مع الواقع الجديد.
دروس من رحم المعاناة:
بدأ في القاهرة تفكك المعارضة مع تصاعد القمع؛ سجن الآلاف، وفر آخرون خارج البلاد، وصمت كثيرون خوفا.. "كل جماعة ذهبت في اتجاه"، يقول المحامي الحقوقي مصري.. "البعض اختار المقاومة السلمية، وآخرون فضلوا الانتظار، وفريق ثالث بحث عن حلول وسط. لم نستطع الاتفاق على استراتيجية موحدة".
في المقابل، استفادت المعارضة السورية من تجارب جيرانها؛ "راقبنا ما حدث في مصر وليبيا واليمن"، يقول عضو في المجلس الوطني السوري.. "أدركنا أن التشتت هو أكبر أسلحة الأنظمة ضد شعوبها. لذلك، رغم خلافاتنا، حافظنا على الحد الأدنى من التنسيق والوحدة".
الدعم الخارجي:
"كان الدعم الخارجي للمعارضة المصرية متناقضا ومشتتا"، يوضح باحث سياسي مصري.. "كل دولة إقليمية حاولت توجيه المعارضة وفقا لمصالحها، مما زاد من تشتتها". هذا التضارب في المصالح الإقليمية انعكس سلبا على تماسك المعارضة المصرية، بينما نجحت المعارضة السورية، رغم تعقيدات الدعم الخارجي في إدارته بشكل أفضل نسبيا.. "تعلمنا كيف نوازن بين مختلف الأطراف"، يقول دبلوماسي سوري معارض.. "صحيح أن هناك تدخلات خارجية، لكننا حاولنا الحفاظ على استقلالية قرارنا قدر الإمكان".
معركة البقاء والتواصل
فقدت المعارضة المصرية تدريجيا قدرتها على التواصل مع الشارع.. "القمع لم يكن فقط جسديا"، تقول الصحفية المصرية.. "كان هناك حصار إعلامي وتشويه منهجي لكل صوت معارض. مع الوقت، أصبح من الصعب الوصول للناس".
وحافظت المعارضة السورية، رغم ظروفها الصعبة على قنوات تواصل مع قواعدها.. "أنشأنا شبكات تواصل بديلة"، يشرح ناشط إعلامي سوري.. "استخدمنا كل وسيلة متاحة للبقاء على اتصال مع الناس في الداخل".
ثمن التضحيات
"خسرنا الكثير"، يقول ناشط مصري فقد شقيقه في فض اعتصام رابعة.. "لكن الأصعب من الخسارة هو الشعور بأن كل هذه التضحيات لم تؤد إلى تغيير حقيقي". هذا الإحساس بالخسارة المزدوجة -خسارة الأرواح وخسارة الهدف- ترك جرحا عميقا في نفوس المعارضة المصرية.
في المقابل، حولت المعارضة السورية، رغم خسائرها الفادحة، الألم إلى دافع للوحدة.. "كل قطرة دم تذكرنا بمسؤوليتنا"، تقول لما، وهي ناشطة سورية فقدت عائلتها.. "لا يمكننا خذلان من ضحوا من أجل الحرية".
نظرة للمستقبل
تواجه المعارضتان اليوم تحديات مختلفة؛ المعارضة المصرية تحاول إعادة لملمة شتاتها وإيجاد طريق جديد للعمل. "نحتاج لمراجعة شاملة لتجربتنا"، يقول باحث سياسي مصري.. "علينا أن نتعلم من أخطائنا ونبني استراتيجية جديدة تناسب الواقع الحالي".
المعارضة السورية، رغم تماسكها النسبي، تواجه تحديات استمرار الصراع.. "الطريق ما زال طويلا"، يقول عضو في الائتلاف السوري المعارض.. "لكننا تعلمنا أن وحدتنا هي سلاحنا الأقوى".
دروس للمستقبل
تقدم قصة المعارضتين دروسا ثمينة لحركات التغيير في العالم العربي.. الوحدة ليست ترفا بل ضرورة للبقاء. التنظيم والتخطيط الاستراتيجي أهم من الحماس العاطفي، والحفاظ على التواصل مع الشعب أساسي لاستمرار أي حركة معارضة.
"المعركة من أجل الحرية لا تنتهي بسهولة"، يختم الثائر المصري حديثه في مقهى إسطنبول.. "لكن الدرس الأهم هو أننا إما أن نتعلم كيف نعمل معا، أو نستمر في دفع ثمن تشتتنا".
في النهاية، تبقى قصة المعارضتين شاهدا على أن الطريق نحو التغيير ليس مجرد معركة ضد نظام، بل هو أيضا معركة مع النفس من أجل تجاوز الخلافات والحفاظ على الوحدة في وجه التحديات. وربما كان هذا هو الدرس الأقسى والأهم في رحلة النضال من أجل الحرية والكرامة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مدونات مدونات المصرية ثورة سوريا الحرية تحديات سوريا مصر حرية تحديات ثورة مدونات مدونات مدونات مدونات مدونات مدونات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد اقتصاد صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المعارضة السوریة المعارضة المصریة من أجل
إقرأ أيضاً:
هيئات حقوقية تونسية تطالب بوقف تجريم المعارضة
حذرت خمس هيئات حقوقية تونسية مما سمّته "تجريم المعارضة المدنية والسياسية"، ودعت السلطات إلى احترام الحق في حرية التعبير وضمان النفاذ إلى المعلومات العامة.
جاء ذلك خلال مؤتمر صحفي بتونس العاصمة، عقدته كل من نقابتي الصحفيين والمحامين التونسيين، إضافة إلى "الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان" و"الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات" و"المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية"، تحت عنوان "واقع الحقوق والحريات في تونس".
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2العفو الدولية تناشد لوقف تهجير الاحتلال فلسطينيا وعائلته من القدسlist 2 of 2مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان قلق من الوضع في كردفانend of listوأشار رئيس نقابة الصحفيين التونسيين زياد دبّار، إلى أن الصحفي محمد بوغلاب، والمحامية والإعلامية سنية الدهماني، يحاكمان وفق "المرسوم 54" المتعلق بقانون جرائم النشر على مواقع التواصل الاجتماعي.
ورأى دبّار أن ذلك "يتعارض وخطاب الدولة التونسية التي تقول إنه لا توجد محاكمات على خلفية حرية التعبير".
وادعى "وجود اعتداء على الحق في المعلومة، فالمؤسسات العمومية تحجب الوثائق وتمتنع عن التصريحات رغم أن حق النفاذ إلى المعلومة حق دستوري".
من جانبه، قال رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بسام الطريفي: "اخترنا شعار (لا لتجريم المعارضة المدنية والسياسية) لإحياء ذكرى 10 ديسمبر (اليوم العالمي لحقوق الإنسان) لتحية المساجين السياسيين".
وأعلن الطريفي، عن تنظيم مسيرة السبت المقبل بالعاصمة تونس، تحت عنوان "الحقوق والحريات".
ويأتي ذلك إثر إصدار محكمة الاستئناف بتونس قبل نحو أسبوعين، أحكاما بالسجن بين 4 و45 عاما في حق المتهمين بقضية "التآمر على أمن الدولة"، بينهم رئيس جبهة الخلاص الوطني المعارضة أحمد نجيب الشابي، والقيادية بالجبهة شيماء عيسى.
وتعود القضية إلى فبراير/شباط 2023، عندما تم إيقاف سياسيين معارضين ومحامين وناشطي مجتمع مدني، ووجهت للموقوفين تهم "محاولة المساس بالنظام العام وتقويض أمن الدولة"، و"التخابر مع جهات أجنبية"، و"التحريض على الفوضى أو العصيان".
إعلانوتقول السلطات إن المتهمين بقضية "التآمر" يُحاكمون بتهم جنائية وفقا للقانون، بينما تعتبر قوى معارضة بينها "جبهة الخلاص الوطني"، أن القضية ذات "طابع سياسي وتُستخدم لتصفية الخصوم السياسيين".
كما يقول الرئيس قيس سعيد، إن القضاء في بلاده مستقل ولا يتدخل في عمله، لكن المعارضة تتهمه باستخدام القضاء لملاحقة المعارضين له.