قانون المسؤولية الطبية بمصر.. بين غضب الأطباء وحماية المرضى
تاريخ النشر: 7th, January 2025 GMT
القاهرة- تأجلت أزمة بين الحكومة والبرلمان من جهة، ونقابة أطباء مصر من جهة أخرى، بعد إرجاء الجمعية العمومية الطارئة للأطباء لمدة شهر، عقب توافق مبدئي داخل لجنة برلمانية على تغييرات في مشروع قانون المسؤولية الطبية، أهمها حذف مادة تتيح الحبس الاحتياطي للأطباء في الأخطاء الطبية، لكن لا يزال للأطباء مطالب رئيسة كشرط لقبول القانون.
ولا يوجد إحصاء رسمي عن عدد الأخطاء الطبية في مصر، ولكن وفق إحصائيات غير رسمية، فإن العدد يقدر سنويا بـ180 ألف حالة، في حين يتم شطب نحو 20 طبيبا من النقابة سنويا بسبب تلك الأخطاء.
ويبلغ عدد الأطباء المصريين طبقا لآخر إحصائيات رسمية، نحو 121 ألف طبيب، في حين بلغ عدد المرضى الذين تم علاجهم على نفقة الدولة بالخارج والداخل نحو 3 ملايين مريض تقريبا.
إشادة حكوميةمن جانبه، طمأن رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي الجميع، مؤكدا أن القانون يحتوي على مزايا عدة وحماية أكبر للأطباء، خاصة بعد تعديل النقطة مثار الجدل المتعلقة بالمسؤولية في حالة وقوع خطأ جسيم من طبيب، مشددا على أنه سيتم استيعاب الملاحظات خلال الفترة المقبلة.
وأحد أهم مزايا مشروع القانون، بحسب وزير الشؤون النيابية والقانونية والتواصل السياسي، محمود فوزي، في بيانه أمام مجلس الشيوخ المصري، هي أنه:
إعلان يميز بين الخطأ الطبي والمضاعفات الطبية المعروفة، ولا يعتبرها خطأ طبيا بل تنتفي عنها مسؤولية الطبيب بجانب تعزيز الثقة بين الطبيب والمريض. حماية الأطقم والمنشآت الطبية من أية تعديات قد تقع عليهم. ترك مهمة محاسبة الأطباء إلى أنفسهم من خلال اللجنة العليا.وأوضح وزير الصحة، خالد عبد الغفار، في تصريح رسمي، أن هناك تفاصيل بمشروع القانون لم تكن موجودة من قبل، وبعضها أدى لإحداث لبس بين المضاعفات والأخطاء الطبية والأخطاء الجسيمة، وهو ما استوجب الإيضاح.
مطالب نقابة الأطباءنقابيا، يؤكد أبو بكر القاضي أمين صندوق نقابة أطباء مصر، أن إرجاء الجمعية العمومية إلى الثالث من فبراير/شباط المقبل، جاء استجابة لبعض المطالب النقابية في مجلس النواب، والحصول على وعود معلنة بخروج قانون منصف وعادل للطبيب والمريض، على اعتبار أن الجمعية العمومية وسيلة وليست غاية في ذاتها.
ويضيف القاضي في حديثه للجزيرة نت أنه يقدر كل الجدل والغضب المثار في مجلس النقابة والجمعية العمومية، لكنه يرى أهمية تحويله إلى جهد جماعي لاستمرار عرض وجهة نظر الأطباء في القانون، مؤكدا أن قرار انعقاد الجمعية العمومية موجود إذا تعذر الحل، في حين شدد على حرص النقابة على حق الطبيب والمريض معا.
وعقد مجلس النقابة اجتماعا الأحد الماضي (الخامس من يناير/كانون الثاني الجاري)، مع نقباء وأمناء النقابات الفرعية بمحافظات مصر، برئاسة نقيب الأطباء أسامة عبد الحي، أكد فيه أن تأجيل الجمعية العمومية، كان لا بد منه حرصا على مصلحة الأطباء وسلامتهم، وفق تعبيره في بيان رسمي.
واتفق الحضور، على 4 مطالب رئيسة لقبول القانون وهي:
ضرورة إعادة تعريف الخطأ الطبي الجسيم الذي يستوجب العقوبة الجنائية، بشكل واضح لا لبس فيه. قصر العقوبة في الأخطاء المهنية الوارد حدوثها على تعويضات للمرضى لجبر الضرر. ضرورة إحالة كافة الشكاوى الخاصة بالأضرار الطبية إلى اللجنة العليا للمسؤولية الطبية قبل بدء التحقيق فيها. ضرورة تحمل الصندوق دفع التعويضات اللازمة للمتضرر، وليس المساهمة فيها فقط حفاظا على حق المريض. إعلان حملة نقابية موازيةفي مسار موازٍ، قدم أكثر من 600 طبيب شكاوي جماعية، خلال الأيام الأخيرة لرئيس الجمهورية، لوقف تمرير القانون، لحين تعديله، منهم منى مينا العضو السابقة في مجلس نقابة الأطباء.
وفي حديثها للجزيرة نت، تستنكر مينا تأجيل الجمعية العمومية، مؤكدة أنه بقدر توحيد صوت الأطباء، وسعيهم الجماعي بقدر ما تكون النتيجة النهائية إيجابية.
وترى النقابية البارزة أهمية وجود نص واضح في القانون بمنع الحبس الاحتياطي حتى لا يتم حبس الأطباء بقانون العقوبات، وعدم الاكتفاء بحذف المادة فقط، مستنكرة استمرار اعتبار رأي اللجنة ليس الرأي الفني الوحيد الذي ترجع له سلطات التحقيق.
وتنتقد مينا، التعريفات المطاطة للخطأ الطبي الجسيم، مشيرة إلى أن مشروع القانون يحددها بوجود "ضرر ينشأ عن إهمال أو رعونة أو عدم احتراز"، من دون تعريف محدد لها، فضلا عن ترك نص "مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد منصوص عليها في أي قانون آخر"، في المادة 23، وهو ما تعتبره بابا مفتوحا للحبس بقانون العقوبات.
حقوق المريضويقول الحقوقي محمود فؤاد، المدير التنفيذي للمركز المصري لحماية الحق في الدواء، للجزيرة نت إن "أول المناقشات حول القانون بدأت في عام 2005، مع تزايد أعداد القضايا حول الأخطاء الطبية، حتى إنني مكثت بصفتي مديرا لمركز حقوقي في قضية لمريض تعرض لخطأ طبي، 5 سنوات و7 شهور بالضبط، كي نعرف من المسؤول بالضبط عن بتر قدمه بالخطأ، هل قصور تجهيزات المستشفى الحكومي السبب كما قال الأطباء أم أن الطبيب أخطأ؟".
ويضيف فؤاد أنه كمدير لمركز حقوقي معني بحقوق المرضى، يدافع عنهم في القانون الراهن، وقدم مذكرة رسمية بذلك لمجلس النواب، لكنه لا يقبل بالحبس الاحتياطي للأطباء على خلفية القضايا المهنية وتحويلهم لمجرمين.
ويوضح أن النسخة الأخيرة من مشروع القانون تحفظ حقوق المريض، وأوجدت طريقة مختلفة للإبلاغ في الأخطاء الطبية، عبر لجنة طبية عليا، برئاسة مستشار، وعضوية أطباء، لنظر الشكوى، وتحديد ما يترتب عليها.
إعلانويأسف فؤاد لعدم وجود إحصائيات رسمية عن الأخطاء الطبية، لدى الحكومة، ولا لدى نقابة الأطباء، مشيرا إلى أن العادة المتوارثة في المجتمع في قضايا الأخطاء الطبية، حبس الطبيب احتياطيا بعد استدعائه لامتصاص غضب ذوي المريض، ثم إخلاء سبيله للتراضي مع أهل المريض.
وعود برلمانيةووافق مجلس الشيوخ المصري على مشروع القانون الذي قدمته الحكومة، في 24 ديسمبر/كانون الأول الماضي، من دون اعتبار لمطالب نقابة الأطباء، ما أثار غضبا نقابيا، حاولت لجنة الصحة بمجلس النواب احتواءه بإعلانها قبول بعض المطالب مطلع العام الجاري.
ويؤكد النائب عاطف مغاروي، عضو لجنة الصحة بمجلس النواب، للجزيرة نت، ثقته في صدور قانون متوازن يحافظ على حق المريض والطبيب، بمشاركة نقابة الأطباء كشريكة دستورية في مناقشة قانون يختص بمهنتها، ودفاع النواب عن صوت المواطن المريض، متوقعا أن يتم مناقشة مشروع القانون قريبا في الجلسة العامة للبرلمان، مع الاستماع لأي تعديلات أخرى عليه قبل إقراره.
ويكشف النائب محمود سامي عضو مجلس الشيوخ، للجزيرة نت أنه اقترح أثناء مناقشات مجلس الشيوخ عدم حذف مادة حبس الأطباء مع تشديد ضوابطها كالنص على التعمد أو ارتكاب جنائية، مخافة إمكانية ملاحقة الأطباء طبقا لقانون العقوبات.
ويتوقع أن مشروع القانون سيظل به بعض المواد محل الجدل، ولن يحصل على كامل الرضا كعادة أي قانون يصدر، مؤكدا أنه رغم التنازلات الحكومية عن بعض موادها، إلا أنه هناك مواد ستظل بلا تصرف مثل استمرار سلطة النيابة العامة في التصدي للشكوى، كحق دستوري، وما يترتب على ذلك من حبس إذا اتخذ وكيل النيابة قرارا مختلفا عن رأي اللجنة العليا.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الجمعیة العمومیة الأخطاء الطبیة نقابة الأطباء مشروع القانون مجلس النواب مجلس الشیوخ للجزیرة نت
إقرأ أيضاً:
قانون للموضة السريعة بفرنسا للحد من تأثيرها البيئي
وافق مجلس الشيوخ الفرنسي على نسخة معدلة من قانون ينظم الموضة السريعة، والذي من شأنه إذا تم تنفيذه أن يحظر الإعلان من خلال منصات التجارة الإلكترونية، ويستهدف خاصة علامات تجارية سريعة النمو مثل "شين" و"تيمو" الصينيتين.
وصوّت أعضاء مجلس الشيوخ بالإجماع تقريبا الثلاثاء على نسخة معدلة من مشروع قانون أقره مجلس النواب الفرنسي العام الماضي، والذي يهدف إلى الحد من التأثير البيئي لصناعة النسيج بشكل عام.
اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4متاجر الأزياء المستعملة تسحب البساط من تحت أقدام أرقى دور الموضةlist 2 of 4التكلفة الخفية للأزياء السريعة.. كيف تدمر حياتك؟list 3 of 4صناعة الملابس.. بصمة كربونية تفوق قطاعي الشحن والطيرانlist 4 of 4أثناء التصنيع وبعده.. التأثير البيئي الخطير للأزياء السريعة؟end of listويقول منتقدو الموضة السريعة إن الملابس منخفضة السعر التي تنتجها سلاسل الأزياء السريعة تؤدي إلى الاستهلاك المفرط والهدر، مما يؤدي إلى تفاقم تأثير قطاع النسيج على البيئة.
وتتميز النسخة المعدلة من مشروع القانون بين الموضة "السريعة للغاية" (ultra‑fast fashion) والموضة السريعة " (fast fashion)، لتكون القيود أقل صرامة على شركات الموضة السريعة الأوروبية مثل "زارا" و"كيابي"، وهو ما يثير انتقادات من المنظمات البيئية.
ورحّب وزير البيئة الفرنسي كريستوف بيشو، بالقرار، ووصفه بكونه "خطوة كبرى لإبطاء كوارث الموضة الفائقة السرعة".
من جانبه، قال جان فرانسوا لونغو، رئيس لجنة التخطيط الإقليمي والتنمية المستدامة في مجلس الشيوخ، إن "التوضيحات (التي قدمها مجلس الشيوخ) تجعل من الممكن استهداف اللاعبين الذين يتجاهلون الحقائق البيئية والاجتماعية والاقتصادية، ولا سيما "شين" و"تيمو"، دون معاقبة قطاع الملابس الجاهزة الأوروبي".
وعقّبت الشركة الصينية "شيين" في بيان ردا على التصويت بقولها: "شين ليست شركة للأزياء السريعة"، مضيفة أن نموذجها "جزء من الحل، وليس المشكلة".
وفي سياق المنافسة من المنتجات منخفضة السعر للغاية، تواجه العديد من العلامات التجارية الفرنسية صعوبات كبيرة، مثل "جينيفر"، التي دخلت في التصفية في نهاية أبريل/نيسان الماضي، و"نافناف"، التي كانت تحت الحراسة القضائية منذ مايو/أيار.
إعلانويشترط القانون على الشركات الإفصاح عن الأثر البيئي لمنتجاتها، ونوع الأقمشة (مثل نسبة البوليستر)، وضرورة وجود برامج إعادة التدوير والصيانة، وتشجيع المُشترين على إعادة الاستخدام.
ويفرض القانون أيضا رسوما على شركات الأزياء السريعة والسريعة للغاية إذا لم تستوف معايير بيئية معينة، تبدا بـ 5 يوروهات (5.7 دولارات) وتصل إلى 10 يوروهات على الأقل لكل قطعة ملابس بحلول عام 2030، أو ما يصل إلى 50% من سعر المنتج باستثناء الضرائب.
ويشترط القانون أيضا على الشركات الإفصاح عن الأثر البيئي لمنتجاتها، نوع الأقمشة (مثل نسبة البوليستر)، وجود برامج إعادة التدوير والصيانة، وتشجيع المُشترين على إعادة الاستخدام. سيُحظر الإعلان عن هذه الأنماط من الألبسة، بما في ذلك عبر مواقع التواصل الاجتماعي والمشاهير، اعتبارا من العام الجاري.
وتحتاج الحكومة الفرنسية إلى إخطار المفوضية الأوروبية بالتصويت، وبعد ذلك إلى تشكيل لجنة مشتركة للتوصل إلى حل وسط بين نسختي مجلس الشيوخ ومجلس النواب للقانون قبل تنفيذه.
وحسب برنامج الأمم المتحدة للتنمية، تُسهم صناعة الأزياء بنسبة 10% من انبعاثات الكربون عالميا، مما يجعلها من أكبر المساهمين في التلوث بالوقت الراهن إذ تنتج غازات دفيئة تفوق انبعاثات قطاع الطيران والشحن مجتمعين والاتحاد الأوروبي بأكمله.