وضع انتخاب العماد جوزف عون حداً لأزمة الفراغ الرئاسي المتمادية منذ سنتين وشهرين وتسعة أيام فيما صار الرئيس المنتخب الرئيس الرابع عشر للجمهورية اللبنانية وخامس قائد للجيش يُنتخب رئيساً والرابع منهم على التوالي بعد الرؤساء اميل لحود وميشال سليمان وميشال عون.

وإذا كان انتخاب الرئيس جوزف عون باكثرية 99 نائباً حال دون نشوء مشكلة تتصل بدستورية انتخابه بلا تعديل دستوري، فإن الجانب الأكثر دلالة في إتمام الاستحقاق الدستوري أمس تمثل أولاً في ضخامة قياسية للدعم الداخلي والخارجي الذي تكوكب حوله ووفر له قوة الدفع لانتخابه، وثانياً في تجاوز مطب اساسي تمثل في استقطاب تأييد الثنائي الشيعي لانتخابه بعد "رسالة" إخفاق الدورة الأولى في انتخابه لكي يجري وضع اللمسات الأخيرة على مظلة التوافق الواسع حوله بما أبقى واقعياً "التيار الوطني الحر" وحده ككتلة نيابية مع عدد محدود من النواب في موقع المعارضة للعهد الجديد.

 

وكتبت" النهار": ولا مغالاة في القول إن اللبنانيين الذين ترقبوا الإطلالة الرئاسية الأولى للرئيس جوزف عون سمعوا منه خطاب قسم ينطبق عليه وصف "أجمل من يصدق"، ولكن الرئيس المنتخب بدا أكثر من صادق وحازم ومصمم في خطاب الدولة واسترداد الدولة بل وعهد الدولة. ذلك إن خطاب القسم تميّز باستثنائية عالية في التعهدات المتصلة بـ"المرحلة الجديدة" لبناء الدولة وتوزعت عبره الرؤية لهذه الدولة من منطلقي الالتزام الصارم بالقانون والإصلاح على أساس العدالة والتوازن بين مطالب الفئات اللبنانية على اختلافها. وإذ يعدّ الرئيس المنتخب لأول محطات مسؤولياته في إجراء الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف الشخصية التي ستشكل الحكومة الجديدة جاء خطاب القسم الذي دوت قاعة الجلسات في مجلس النواب طوال إلقائه بالتصفيق الحار ليطلق مجموعة تعهدات قياسية في إعادة النصاب إلى مفهوم الدولة. قال إن "لبنان هو من عمر التاريخ وصفتنا الشجاعة وقوتنا التأقلم ومهما اختلفنا فإننا عند الشدة نحضن بعضنا البعض وإذا انكسر أحدنا انكسرنا جميعا". وشدد على أنه "يجب تغيير الأداء السياسي في لبنان، وعهدي إلى اللبنانيين أينما كانوا وليسمع العالم كله أن اليوم بدأت مرحلة جديدة من تاريخ لبنان وسأكون الخادم الأول للحفاظ على الميثاق ووثيقة الوفاق الوطني وأن أمارس صلاحيات رئيس الجمهورية كاملة كحكم عادل بين المؤسسات". وتتلخص أبرز تعهداته بـ: "إذا أردنا أن نبني وطناً فإن علينا أن نكون جميعاً تحت سقف القانون والقضاء،  التدخل في القضاء ممنوع ولا حصانات لمجرم أو فاسد ولا وجود للمافيات ولتهريب المخدرات وتبييض الأموال، عهدي هو التعاون مع الحكومة الجديدة لإقرار مشروع قانون استقلالية القضاء، وأن أطعن بأي قانون يخالف الدستور، وعهدي هو الدعوة لإجراء استشارات نيابية في أسرع وقت لإختيار رئيس حكومة يكون شريكاً وليس خصماً، سأعمل على تأكيد حق الدولة في احتكار حمل السلاح، سنستثمر في الجيش لضبط الحدود وتثبيتها جنوباً وترسيمها شرقاً وشمالاً ومحاربة الإرهاب ويطبق القرارات الدولية ويمنع الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، سنناقش استراتيجية دفاعية كاملة على المستويات الديبلوماسية والاقتصادية والعسكرية بما يمكن الدولة اللبنانية من إزالة الإحتلال الإسرائيلي وردع عدوانه، عهدي أن نعيد ما دمره العدو الإسرائيلي في الجنوب والضاحية والبقاع وفي كل أنحاء لبنان، آن الأوان لنراهن على استثمار لبنان في علاقاتنا الخارجية لا أن نراهن على الخارج للاستقواء على بعضنا البعض، سنمارس سياسة الحياد الإيجابي ولن نصدر للدول إلا أفضل المنتجات والصناعات ونستقطب السياح".
 
وللمرة الاولى منذ نهاية ولاية الرئيس السابق ميشال عون استعاد قصر بعبدا عصر أمس حركته الناشطة باستقبال رسمي للرئيس جوزف عون على أن يبدأ الاقامة الثابتة فيه بدءاً من اليوم. ويُتوقع أن تحدد دوائر القصر مواعيد الاستشارات النيابية لتكليف رئيس الحكومة الجديدة في مطلع الاسبوع المقبل
 

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: جوزف عون

إقرأ أيضاً:

من عالم العقارات إلى الدبلوماسية الفظة.. كيف انعكست النزعة الفوقية في هفوات خطاب توم براك؟

أكثر اللحظات دلالة على هذا الأسلوب جاءت خلال ظهوره على منبر القصر الجمهوري في بيروت، حين وصف سلوك الصحافيين بأنه "حيواني".

في الدبلوماسية، لا يقتصر الاهتمام على ما يقال، بل على الكيفية التي يقال بها. فطريقة التعبير، واختيار المفردات، تؤدي دورا أساسيا في كيفية تلقي التصريحات وتفسيرها، ولا سيما عندما تصدر عن مسؤول يتولى أدوارا حساسة.

في هذا السياق، يبرز خطاب توم براك، السفير الأميركي في تركيا، والمبعوث الخاص للرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى سوريا، بوصفه حالة إشكالية بحد ذاتها. فتصريحاته العلنية، التي تكررت على امتداد الأشهر الماضية، لم تعكس فقط أسلوبا مباشرا، بل كشفت سلسلة هفوات دبلوماسية متراكمة، أظهرت نبرة تفوق واضحة في مقاربته لقضايا سيادية وتاريخية شديدة الحساسية، خصوصا في لبنان.

من عالم الصفقات إلى لغة السياسة

دخل براك الحياة العامة من بوابة عالم الأعمال، حيث تُدار العلاقات بمنطق الحسم، وتُقاس النتائج بلغة الربح والخسارة. هذا الانتقال إلى المجال السياسي لم يكن مصحوبا بتحول مماثل في الأدوات اللغوية أو في طريقة النظر إلى الدول والمجتمعات. في كثير من تصريحاته، بدت الأزمات السياسية أقرب إلى ملفات إدارية، والدول إلى كيانات قابلة لإعادة الترتيب، لا إلى مجتمعات لها تاريخ طويل من الصراعات والذاكرة والرمزية.

هذا المنطق انعكس في لغة مباشرة، غالبا ما تجاهلت التعقيدات المحلية، واختزلت المشهد السياسي في عناوين كبرى، من دون مراعاة ما تحمله بعض الكلمات من حساسية تاريخية أو سيادية.

توم باراك، خلال مؤتمر صحفي عقب اجتماعه مع الرئيس اللبناني جوزاف عون في القصر الرئاسي، في بعبدا، شرق بيروت، لبنان، يوم الاثنين 18 أغسطس/آب 2025. Hussein Malla/Copyright 2025 The AP. All right reserved تصريحات أثارت جدلا واسعا

في لبنان، اصطدم هذا الأسلوب بجدار الحساسية القصوى. حين قال براك إن "لبنان يواجه تهديدا وجوديا، وإذا لم يتحرك فقد يعود إلى بلاد الشام"، لم تُقرأ العبارة كتشخيص سياسي مجرد، بل كإعادة إحياء لمفاهيم تاريخية لطالما اعتُبرت تهديدا مباشرا لفكرة الكيان اللبناني واستقلاله. لاحقا، عاد ليذهب أبعد من ذلك، متحدثا في تصريح مستجد عن إمكانية ضم لبنان إلى سوريا، في مقاربة بدت وكأنها تتعامل مع الحدود والسيادة كعناصر قابلة لإعادة الصياغة.

هذا الخطاب، في بلد قام تاريخه الحديث على رفض الاندماج القسري داخل كيانات أوسع، أثار ردود فعل غاضبة، ليس فقط بسبب مضمونه، بل بسبب بساطته المفرطة في التعامل مع مسألة وجودية معقدة.

أكثر اللحظات دلالة على هذا الأسلوب جاءت خلال ظهوره على منبر القصر الجمهوري في بيروت، حين وصف سلوك الصحافيين بأنه "حيواني". لم تكن المسألة هنا مجرد اختيار كلمة غير موفقة، بل لحظة كشفت علاقة ملتبسة مع الإعلام والرأي العام. فبدلا من استخدام اللغة لاحتواء التوتر، تحولت الكلمة إلى عامل استفزاز مباشر، ورسخت صورة دبلوماسي يتحدث من موقع فوقي.

هذه الحادثة تحديدا أصبحت مرجعا دائما في أي نقاش حول خطاب براك، لأنها لخصت، في مشهد واحد، الفجوة بين الدور الدبلوماسي المفترض، واللغة التي اختار استخدامها.

اقتراح فجّ

ضمن سلسلة تصريحاته المثيرة للجدل، برز كلام براك الداعي إلى أن "يرفع الرئيس اللبناني جوزاف عون السماعة ويتصل برئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو وننهي المهزلة" بوصفه واحدة من أكثر العبارات استفزازا في السياق اللبناني. هذا التصريح لم يطرح كاقتراح سياسي مدروس، بل جاء بصيغة مباشرة اختزلت علاقة معقدة ومشحونة بالحروب والذاكرة والدم باتصال هاتفي عابر.

في بلد لا تزال فيه العلاقة مع إسرائيل مرتبطة بالصراع والاحتلال والانقسام الداخلي، اعتُبر هذا الكلام تجاهلا كاملا للحساسية السياسية والوطنية المحيطة بالملف، وتجاوزا فجا لموقع الرئاسة اللبنانية ودورها. كما عكس مقاربة تتعامل مع النزاعات كعقبات إجرائية، لا كقضايا سيادية وإنسانية متشابكة، ما عمّق الانطباع بأن خطاب براك ينطلق من منطق الصفقات لا من فهم واقع المنطقة.

لم تقتصر هذه المقاربة على لبنان. فحين قال براك إن "لا يوجد شرق أوسط، بل قبائل وقرى"، قدم توصيفا عاما للمنطقة اختزل فيه بنيتها السياسية والاجتماعية. هذا الكلام، الصادر عن مبعوث مكلف بملفات سوريا ولبنان، أثار نقاشا واسعا حول دلالاته، ولا سيما لجهة ما يعكسه من نظرة تقلل من وزن الدولة الوطنية، وتعيد توصيف المجتمعات من خارج سياقها التاريخي والسياسي.

في منطقة عانت طويلا من تدخلات خارجية استندت إلى مثل هذه السرديات، جاءت هذه العبارة لتغذي شكوكا عميقة حول طبيعة النظرة الأميركية لبعض ملفات الشرق الأوسط.

توم باراك يلتقي برئيس الوزراء اللبناني نواف سلام، في القصر الحكومي في بيروت، لبنان، يوم الخميس 19 يونيو/حزيران 2025. Hussein Malla/Copyright 2025 The AP. All right reserved Related مبعوث ترامب يشيد بالرد اللبناني على الورقة الاميركية.. فرصة لتحقيق السلام والازدهارهدنة هشّة وتوتر متصاعد في السويداء ومبعوث ترامب يحذر من العنفبراك يكشف "خارطة الطريق" بعد اجتماع ترامب والشرع: تعهّد بمواجهة داعش وفيلق القدس وحماس وحزب الله التاريخ كملف قابل لإعادة القراءة

خارج لبنان، واجه براك انتقادات واسعة بسبب تصريحاته ذات الطابع التاريخي. إشادته بما يعرف بـ"نظام الملل" في الدولة العثمانية، وتقديمه كنموذج ناجح لإدارة التعددية، أثارت اعتراضات رأت في هذا الطرح قراءة انتقائية لتجربة تاريخية معقدة، تجاهلت جوانب القمع والاختلال البنيوي.

كذلك، أثار جدلا حادا بسبب تبنيه لغة قريبة من الرواية التركية الرسمية في ما يتعلق بمجازر عام 1915، وهو ما اعتُبر تقليلا من شأن توصيفها كإبادة جماعية بحق الأرمن. هنا، لم يعد الخلاف سياسيا فقط، بل أخلاقيا وتاريخيا، يتعلق بكيفية مقاربة ذاكرة جماعية ما زالت حية.

ما يجمع بين هذه المواقف، على اختلاف ساحاتها، هو النبرة. خطاب براك اتسم بثبات لغوي لافت، قائم على المباشرة، والتبسيط، والتوصيف من أعلى. هذه النبرة لم تتغير بتغير الموضوع أو المكان، ما جعلها تبدو أقرب إلى قناعة راسخة منها إلى زلات منفصلة.

في الدبلوماسية، حيث تُقاس الكلمات بميزان حساس، تحولت هذه النبرة إلى عبء، وأصبحت التصريحات بحد ذاتها عائقا أمام أي دور وساطي محتمل.

السفير الأمريكي لدى تركيا، توم باراك، خلال اجتماع بين الرئيس دونالد ترامب والرئيس التركي رجب طيب أردوغان في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض، يوم الخميس 25 سبتمبر/أيلول 2025 Evan Vucci/Copyright 2025 The AP. All rights reserved

في المحصلة، لا يمكن فصل خطاب توم براك عن المناخ السياسي الذي أتى به إلى الواجهة. فحدّة لغته، ومباشرته الصادمة، واستخفافه بحساسية الكلمات، تعكس أسلوبا قريبا من نهج الرئيس الأميركي دونالد ترامب، القائم على الصراحة الفظة وكسر الأعراف باسم الواقعية.

غير أن ما قد يحقق صدى في السياسة الداخلية أو في عالم الصفقات، يتحول في الدبلوماسية إلى عبء ثقيل، حيث للكلمات تبعات تتجاوز نوايا قائلها. وفي حالة براك، لم تكن المشكلة في غياب الرسائل، بل في طريقة إيصالها، إذ بدا الخطاب امتدادا لأسلوب سياسي يتعمد الصدمة، من دون أن يحسب كلفة اللغة حين تُستخدم في ساحات مشحونة بالتاريخ والسيادة والنزاعات المفتوحة.

انتقل إلى اختصارات الوصول شارك محادثة

مقالات مشابهة

  • لأول مرة.. أمين حزب الله يكشف عن مؤامرة جديدة ويؤكد: سلاحنا لن يُنْزَعْ ولو اجتمعت الدنيا بحربها على لبنان
  • العقبة الاقتصادية تتجه نحو مرحلة جديدة من التطوير والاستثمار
  • مجموعة CFI المالية تُطلق مرحلة جديدة من التوسّع العالمي استعدادًا لعام 2026
  • استغلال وضغط خطير.. فراغ قضائي يخنق عمال لبنان
  • المالية تُطلق مرحلة جديدة من التوسّع العالمي استعدادًا لعام 2026
  • رئيس لبنان: طبيق حصر السلاح بيد الدولة مستمر
  • إضاءة شجرة الميلاد في قصر بعبدا (فيديو)
  • من عالم العقارات إلى الدبلوماسية الفظة.. كيف انعكست النزعة الفوقية في هفوات خطاب توم براك؟
  • السفير المصري: لبنان على طريق الانفراج
  • الصايغ من بعبدا: عون يخطط لنقل لبنان من الحرب إلى السلام الأهلي