هل خلافات الشارع السوري من تأثيرات الدولة الأمنية؟
تاريخ النشر: 10th, January 2025 GMT
قد يتساءل الكثير من المتابعين لما حدث في سوريا في 8 ديسمبر (كانون أول) الماضي، لماذا الشارع السوري اليوم في حالة خلاف شديدة بعد أن تم خلع نظام آل الأسد من الحكم، حول شكل الحكم البديل الذي يرغبون فيه؟ وتتجسد حالة الخلاف هذه من خلال ما ينشر على صفحات الفيس بوك العامة والخاصة، فتعليقاتهم والردود عليها تعطي صورة إلى حدٍّ كبير، عن عِدَائهم لبعض المفاهيم والمصطلحات نتيجة جهلهم بها.
فمعظمهم يدلو برأيه في كل المسائل والقضايا وكأن ما كان متداولاً منذ بدء المظاهرات والحراك الشعبي الذي بدأ سلمياً ثم نتيجة الحرب التي شنها نظام الأسد على الشعب، فتحوّل ما كان سلمياً إلى حراكٍ مسلح ليدافع عن نفسه. فلا نزال نجدهم على الشاشات ومنصات التواصل يحللون ويفتون بكل الحقول في السياسة وأسعار الغاز، في الدين وشعائره، في الموسيقا ووطنية من تظاهر، أو تخوين من خرج من البلاد، والعكس صحيح أيضاً، فطريقة الخلافات والنقاشات ذاتها لم تتبدل، وأغلبهم لا يقرأ رغماً عنه.
ولمقاربة هذا الاختلاف والنقاش حتى نصل لأسبابه لا بد أن نتنبّه إلى جهلهم وخوفهم، والجهل يضاعف الخوف، وهي مجاميع بشرية كأنها تولد اليوم ولا تزال تحبو غير مبصرة طريقها، يقودها جهلها لأسباب كثيرة، فهي تجهل حتى ذواتها وصحة مفاهيمها، فلا يحق لها أن ترفض شعارات تُرفع في مظاهرة أو اعتصامٍ، أو ترد في مقال هنا ومنشور هناك، من دون أن تعي معناها الحقيقي، وضرورتها كمفاهيم أكثر حيوية وديناميكية في تقدّم المجتمعات، لا معناها الذي يُروّجُ له مَنْ يُعادي تطور المجتمعات!
فالطرف الذي يتمسك الإسلام السياسي، يجهل ما هي العلمانية، ويأخذ تفسيراً سطحياً لها من رجل فكر أو دين، ما زالا يفكران على طريقة العصور الوسطى، ولذلك لن يقبل بهذا الشعار وسيتهجم على كل من يطالب بنظام حكم علماني، حتى أنه يجهل أنها نظام حكم سياسي، ولا تعني البتة حكم الملحدين، كما نقرأ في تعليقاتهم وردودهم، ولا يمكن أن يتقبل قسم كبير منهم بحكم مدني ديمقراطي، فهو يخاف على ثورته وعلى عودة النظام المخلوع من خلال فلوله.
غياب الحياة السياسيةوفي حقيقة الأمر ثمة أسباب جلية وراء كل ذلك الاختلاف الذي هو من حيث الشكل ضروري لكنه من حيث الجوهر لا ينتج عنه أي شيء، فكل هذا الجهل وعدم وجود وعي في حقل سياسي أو ديني أو اجتماعي، سببه الأساسي غياب الحياة السياسية التي فرضها النظام المخلوع منذ أن حكم الأسد الأب بعد حركته التصحيحية الجائرة وإن ترك لها شكلاً صورياً تجسد بالجبهة الوطنية التقدمية التي ساهمت بِصَمْتِها على دمار البلد، منذ عهد الأسد الأب وتفاقم ضرر صمتها في عهد المخلوع. فوعي الإنسان بشتى أنواعه، هو وعي مكتسب وتراكمي، تسهم فيه بشكل أساسي المؤسسات الثقافية والإعلامية والتعليمية.
كما أن ما ضاعف من تأثير غياب الحياة السياسية، تغوّل السلطة الأمنية التي هيمنت وابتلعت مؤسسات الدولة، فأصبحت هي الدولة، ما يعني أيضاً هيمنتها على خطاب مؤسسات الثقافة والإعلام والتعليم، ومع الأسف لم تتنبه قيادة حزب البعث العربي الاشتراكي، الحزب القائد، كما كان يسمي نفسه، للدولة والمجتمع، إلى تلك الهيمنة، رغم جرأة صوت المفكر الراحل د. طيب تيزيني، الذي طالب بتفكيكها عام 1992 في إحدى فعاليات الملتقى الفكري الذي كان يعقده مكتب الإعداد في فرع حزب البعث الاشتراكي بحمص، والذي كان يرأسه الراحل خضر الناعم، هذا الملتقى الذي تنبهت السلطة الأمنية لخطورة ما يُطرح فيه، وإلى ما يفعل هذا الرجل المتنوّر الذي كان هاجسه وديدنه دعم الهيئات الثقافية الحكومية والأهلية، وفعالياتها، فدفعت به وعينته عضواً في مجلس الشعب في قائمة الجبهة، فتوقف الملتقى، وبدأ التّكلس سمةً، لكل الفعاليات الثقافية من بعده.
تجدر الإشارة إلى أن الراحل د. تيزيني كان قد أعاد مطالبته بتفكيك الدولة الأمنية بعد بداية الحراك الشعبي عام 2011 عندما دعت السلطة المخلوعة للقاء تشاوري في شهر تموز، بثّت وقائعه على الهواء مباشرة صوت وصورة، وكانت الناس في سوريا قد استبشرت خيراً وقتذاك من سوية هذا الحوار وجرأته وعمقه، لكن بعد أيام قليلة عادت السلطة الأمنية لتغلق آذانها ولتتأبط سلاحها وتوجهه إلى صدر الحراك الشعبي وإطلاق تهم التخوين له مع كل رصاصة تطلقها ضده!!
خطاب إعلامي هشّأمّا الضلع الثالث الغائب في عملية زرع الوعي وتنميته لدى جيل الشباب الذي لا يعرف تلك المفاهيم بدقتها فظل الخوف منها لجهله بها، فهو غياب الإعلام الخاص بكل وسائطه.
ليس أخيراًلا شيء ينهي الخلاف بين السوريين وبالأحرى يضع حوارهم الحاد على السكة الصحيحة سوى عودة الحياة السياسية التي سبق وأن شهدتها البلاد في خمسينيات القرن المنصرم عقب رحيل الاحتلال الفرنسي، حيث التنافس بين الأحزاب تحت قبة البرلمان، سمة تلك المرحلة، فوحدها ستقلص المسافات بينهم وتعيد لنسيجهم الاجتماعي قوته وعزيمته في بناء سوريا جديدة لكل أبنائها اعتماداً على دستور جديد، وقانون عصري للأحزاب التي يمكن أن تنشأ وليس للأحزاب الهرمة التي ساهمت في دمار البلد، وإعادة إحياء "لجان إحياء المجتمع المدني" التي كنا قد شهدنا حراكها بين عامي 2000 و2011. فهي القادرة على خلق علاقات صحّية بين الناس بتنوع شرائحهم بعيداً عن لغة الإقصاء.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: سقوط الأسد حصاد 2024 الحرب في سوريا عودة ترامب خليجي 26 إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية سقوط الأسد الحیاة السیاسیة
إقرأ أيضاً:
مركز يدين بشدة حملات الإساءة لرموز الدولة ومؤسساتها الأمنية
الرباط | زنقة 20
أعرب المركز المغربي للدراسات والأبحاث الاستراتيجية عن إدانته الشديدة لما وصفه بالحملة الممنهجة التي تستهدف رموز الدولة المغربية ومؤسساتها الأمنية والدستورية، معتبراً أن هذه الهجمات تمثل امتداداً لمخططات خارجية لا يمكن أن تنجح دون تواطؤ عناصر “خائنة” من الداخل.
وأكد المركز، في بلاغ له، أن هذه الهجمة الإعلامية والسياسية تتغذى من منابر محسوبة على الإعلام داخل وخارج الوطن، إلى جانب أفراد يتخذون من بعض الدول الأوروبية والأمريكية مقرات لتحركاتهم، ويعملون وفق أجندات عدائية هدفها “تشويه صورة المغرب والنيل من ثوابته ومقدساته، في تناغم مع خصوم وحدته الترابية”، وفق تعبير البلاغ.
وأضاف المصدر ذاته أن هذه الحملة تأتي في وقت تعرف فيه المملكة المغربية تحولات دبلوماسية واقتصادية واجتماعية كبرى، بقيادة جلالة الملك محمد السادس، لا سيما فيما يتعلق بقضية الصحراء المغربية التي أصبحت معياراً لعلاقات الشراكة والتعاون مع الدول الأجنبية.
وأشار المركز إلى أن منابر إعلامية رسمية وخاصة في بعض الدول الأوروبية، إلى جانب أصوات مأجورة تنتمي لإحدى دول الجوار المغاربي، تواصل حملاتها العدائية ضد المملكة، في تجاوز صارخ للقوانين والأعراف الدولية، وتطاول فجٍّ على مؤسساتها، لا سيما الأمنية والاستخباراتية منها.
وطالب البلاغ السلطات المغربية، بمختلف مؤسساتها، خاصة القضائية والتشريعية والتنفيذية، باتخاذ إجراءات حازمة للرد على هذه الهجمات، وملاحقة كل المتورطين في المسّ بصورة الدولة ورموزها.
وفي هذا الإطار، دعا المركز السلطات الهولندية إلى فتح تحقيق عاجل مع أشخاص متورطين في قضايا الاتجار الدولي بالمخدرات، والذين “يتطاولون على رموز المملكة والعلم الوطني”، كما طالب السلطات البلجيكية بالتوقف عن توفير غطاء سياسي وإعلامي “لمتورطين في أفعال جرمية ضد الدولة المغربية”.
ودعا المركز أيضاً إلى تحرك دبلوماسي وقضائي مغربي مكثف ضد من وصفهم بـ”عصابة الانفصال”، وعلى رأسهم المدعو سعيد شعو، المتهم بتمويل أنشطة معادية للمغرب من داخل أوروبا، مشيراً إلى أنه يشكل أحد أبرز رموز التنسيق والتخطيط للهجمات الممنهجة ضد المملكة.
وفي ختام البلاغ، ناشد المركز المغربي للدراسات والأبحاث الاستراتيجية كافة المغاربة داخل وخارج الوطن إلى “اليقظة والقيام بواجبهم الوطني في فضح دعاة الانفصال والخيانة، والتصدي لمناوراتهم أمام الرأي العام الوطني والدولي”.