نجاة عبد الرحمن تكتب: من طرف خفي 44
تاريخ النشر: 11th, January 2025 GMT
تناولت خلال سلسلة مقالات من طرف خفي الدور الذي تلعبه الحركة الصهيونية منذ عام 1897 من أجل أستعادة ملك سليمان، الذي يزعمون تواجده بمنطقة بين النهرين نهر النيل في مصر و نهر الفرات بالعراق، و بالرغم من تلك المزاعم لا يوجد سند أو دليل قاطع يثبت مزاعمهم.
كان للحركة الصهيونية يدا في اندلاع الحرب العالمية الأولي و فرض الحماية البريطانية على مصرنا الحبيبة في 8 مارس عام 1914، عقب تدبير واقعة عربجي الإسكندرية التي وقعت يوم الأحد الدامي الموافق 11 يونيه عام 1882، الذي عرف بمذبحة الإسكندرية بشارع السبع بنات بالقرب من مقهى القزاز، وصل للقنصلية البريطانية شخص يهودي يحمل الجنسية القبرصية، قادما من جزيرة مالطة لزيارة شقيقه الذي يعمل في خدمة القنصل الإنجليزي كوك سن، و خرج لإستداراج احد العربجية ليكون الوقود الذي سيشعل النيران ليكون ذريعة للتدخل البريطاني في الشأن المصري.
بدأ اليهودي في استدراج شخص يدعي احمد الهجان سائق و صاحب حنطور يعمل على توصيل المواطنين حسبما كانت وسائل المواصلات حينها، و أتفق معه على توصيله لأحد الفنادق الصغيرة و اتفق معه أيضا على أجرة الركوب، و أثناء السير طلب اليهودي الذي يدعى إيزاك بنيامين الانتظار أمام أحد البارات حتى يتناول بعض الخمر و ظل يكرر ذلك الطلب عدة مرات، حتى تم استفزاز صاحب الحنطور و قتله أمام المارة و فر هاربا بعد أن أشعل فتيل الفتنة بالشارع السكندري و تحول الأمر لمذبحة بعد خروج جاليات أجنبية من أحد المخابز و الشرفات المجاورة لمقهى القزاز محملين بالأسلحة يطلقون النيران بشكل عشوائي بالشارع على المارة و المتواجدين، حتى عندما تدخل قسم شرطة اللبان تم أستشهاد القوة بالكامل و تحول الأمر لمذبحة حقيقية اتخذت البعد العرقي.
و في المساء تم أقتحام شواطئ الإسكندرية من قبل الأسطول الإنجليزي و احتلال مصر لمدة 74 عاما حتى تم إقرار أتفاقية سايكس بيكو التي ضمنت لليهود حق إقامة وطن قومي لهم على أرض فلسطين بعد أن كان مقررا أن يكون ذلك الوطن بالأرجنتين.
في عام 1880 قام الصحفي اليهودي ثيودور هرتزل المعروف بأبو دولة إسرائيل بالتفكير في إنشاء وطن لليهود ينقذهم من معاناتهم بدول أوروبا بعد أن أصبحوا منبوذين بسبب ممارساتهم و طباعهم المنفرة، و فكر هرتزل في الأرجنتين كوطن لهم وذلك لبعدها عن أوروبا و سيكون من السهل عليهم تكوين جيش دون أعتراض دول أوروبا التي تبغضهم و فضلا عن أنها تميل للطابع الأوروبي و ذلك يسهل عليهم سرعة الاندماج مع المجتمع الأوروبي، و لن يلتفت أحد لما يدبرونه و يسعون اليه من تحقيق السيطرة على العالم من خلال الذهب.
و كذلك البعد عن تدخلات الدولة العثمانية و تحكمات بابا الفاتيكان نظرا للهيمنة العثمانية و حساسية فلسطين للمسيحيين، و لكن سرعان ما عدل هرتزل عن فكرة إنشاء وطنهم بالأرجنتين و قرر اختيار فلسطين لتكون هي النواة التي يستطيع اليهود من خلالها ابتزاز دول أوروبا نظرا لارتباط مصالح الدول الأوروبية و الدولة العثمانية بالشرق الأوسط.
نجح هرتزل في تحقيق فكرته و الدعوة لها حتى تم عقد أول مؤتمر لهم بمدينة بال بسويسرا عام 1897 حضره حكماء اليهود و ممثلين المنظمات و التجمعات اليهودية في شتى أنحاء العالم لإقرار خطتهم الشيطانية التي حملت عنوان بروتوكولات حكماء صهيون، بجانب إنشاء المنظمة الصهيونية العالمية التي تنادي بأحقية اليهود بإنشاء وطن قومي لهم بفلسطين أرض الميعاد حسبما يزعمون.
و سارع اليهود إلى تأجيج الأوضاع بالشرق الأوسط لتمكين بريطانيا من الأراضي المصرية مقابل اعتراف الأخيرة بحقهم في إقامة وطن قومي لهم بأرض فلسطين و على كافة الدول الأوروبية دعمهم، حتي لاقت دعوتهم رفض و مقاومة من السلطان عبد الحميد الثاني و بابا الفاتيكان، فاقترحت بريطانيا عام 1900 إنشاء وطن لهم بأوغندا بشكل مؤقت حتى يتم القضاء على الخلافة العثمانية و تتمكن بريطانيا من السيطرة على المملكة المصرية و التي تخضع لها أرض الشام.
و لكن اليهود أصروا على فلسطين من أجل أبتزاز دول أوروبا تحت زعم الوازع الديني و أرض الميعاد و الرغبة في استعادة ملك سليمان، و صدر وعد بلفور بإنشاء وطن لهم بأرض فلسطين عام 1917 بعد قيام بريطانيا إعلان فرض الحماية على مصر بثلاث سنوات و عزل عباس حلمي الثاني و تعيين عمه السلطان حسين كامل.
أكتفي بهذا القدر و نستكمل باقي التفاصيل المقالة القادمة.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الحركة الصهيونية ملك سليمان المزيد إنشاء وطن
إقرأ أيضاً:
د. أمل منصور تكتب: الريد فلاج.. همس العلاقة قبل أن تصرخ
أحيانًا لا ينهار الحب فجأة، بل يتآكل ببطء بينما نظل نبتسم ونقنع أنفسنا أن كل شيء بخير. تلك اللحظة التي يبدأ فيها القلب بالارتباك دون سبب واضح، هي غالبًا اللحظة التي تومض فيها أولى العلامات الحمراء، لا كإنذارٍ مدوٍ، بل كهمسٍ خافت يقول إن شيئًا ما لم يعد على ما يُرام.
في بدايات العلاقات، يبدو كل شيء مدهشًا ومغلفًا بوهج الاكتشاف، حتى الخطأ يُرى على أنه اختلاف لطيف، واللامبالاة تُفسَّر بأنها ثقة، والأنانية تُسمى حبًا للذات. لكن ما إن يهدأ الإعجاب الأول، حتى تبدأ العلامات بالظهور على حقيقتها، كحبرٍ خفيٍّ يظهر تحت ضوء التجربة.
العلامات الحمراء لا تبدأ عادة بخيانة أو قسوة، بل بكلمة صغيرة، بتجاهلٍ متكرر، بردٍّ بارد على محاولة دافئة. إنها التفاصيل التي تخبرنا أن شيئًا ما لا يتوازن، أن طرفًا يعطي أكثر مما يأخذ، وأن الحُب بدأ يفقد معناه ويكتسب شكله الأحادي. قد تكون العلامة الحمراء في شخصٍ لا يسمع، أو في آخر يتحدث كثيرًا عن نفسه ولا يسأل عنك أبدًا. في من يراك مرآةً له لا إنسانًا مستقلًا عنه، أو في من يجعلك تعتذر دائمًا عن مشاعر لم تخطئ بها، كأن وجودك خطأ يحتاج لتبرير دائم.
أخطر ما في الريد فلاج أنه لا يُرى بعين العقل، بل بعين القلب المأسور. فالعاطفة حين تتكلم، تصمت البصيرة. نقنع أنفسنا أن الحب يغفر كل شيء، وأننا قادرون على التغيير أو الإصلاح أو التحمل. لكن ما لا يُقال هو أن الحب لا يُصلح وحده ما أفسدته الأنانية، ولا يعالج غياب الاحترام، ولا يمنح الأمان حين يخذلنا السلوك.
كم من امرأة أقنعت نفسها أن صمته مجرد انشغال، وأن قسوته قوة، وأن غيرته حب، حتى استيقظت على علاقة تآكلت فيها ذاتها ببطء. وكم من رجل تجاهل العلامة حين لاحظ أن اهتمامها مشروط بإعجاب الناس به لا بعلاقتهما، حتى وجد نفسه يلهث خلف قبولٍ لا يُشبع.
الريد فلاج ليس دائمًا صريحًا، فقد يكون في التناقض بين القول والفعل، في من يعدك بالدعم لكنه يغيب حين تحتاجه، أو في من يثني عليك أمام الآخرين ثم يقلل منك على انفراد. وقد يكون في الشعور المستمر أنك تسير على أطراف أصابعك لتتجنب انفجار الطرف الآخر، أو أنك تخفي أجزاءً من نفسك حتى لا تُتَّهم بالمبالغة. إنها تلك العلاقات التي تُشعرك أن عليك أن تتصاغر لتستمر، أن تتنازل لتُحَب، وأن تصمت لتنجو.
وبينما يُعد تجاهل العلامات الأولى نتيجة طبيعية لما يُعرف بـ"الارتباط العاطفي القلق"، حيث يخشى الفرد فقد الحب فيتمسك به مهما تألم، ويفسر الإهمال على أنه اختبار، والبرود على أنه ظرف مؤقت. بينما العقل السليم يدرك أن الحب ليس ساحة اختبار، وأن التوازن العاطفي لا يُقاس بمدى قدرتنا على التحمل، بل بمدى شعورنا بالأمان والطمأنينة داخل العلاقة.
الريد فلاج الحقيقي هو حين تبدأ تفقد نفسك وأنت تحاول إنقاذ العلاقة، حين يصبح البقاء أكثر وجعًا من الرحيل، وحين تكتشف أن الحب الذي بدأ بوعود الأمان، انتهى بخوفٍ من الغد.
في العلاقات الصحية، لا يحتاج أحد إلى تفسير دائم لسلوكه، ولا إلى طمأنة مستمرة بأن مشاعره مقبولة. الحب الحقيقي لا يجعلنا نشك في قيمتنا، بل يعززها. لا يجعلنا نُخفي ضعفنا، بل يحتضنه. لذلك، فإن تجاهل العلامات الحمراء ليس دليل قوة بل خوف، خوف من مواجهة الحقيقة، ومن الاعتراف بأن ما بنيناه على العاطفة وحدها يفتقر إلى الأساس.
حين تلتقط العلامة الأولى، لا تبررها. فالذي يُقلل منك اليوم، سيجرّحك غدًا. والذي يتحكم فيك باسم الحب، سيقيدك باسم الغيرة، والذي يكذب ليحمي مشاعرك، سيخونك ليحمي نفسه. كل ما يغضب روحك في بدايته، سيسحقها في نهايته. والعلاقة التي تجعلك دومًا في حالة تفسير وتأهب، ليست حبًا، بل قلقًا مزمنًا يرتدي قناع المودة.
التوعية هنا ليست دعوة للشك في كل تصرف، بل للانتباه. أن نحب بعينٍ مبصرة لا بعينٍ عمياء، وأن ندرك أن النضج العاطفي لا يعني غياب الأخطاء، بل القدرة على تمييز الخطأ الذي يمكن تجاوزه عن السلوك الذي يقتل العلاقة من جذورها. فالريد فلاج ليس دائمًا نهاية، لكنه اختبارٌ لوعينا. والذين يتعلمون الإنصات لتلك العلامات، ينقذون أنفسهم من سنوات من التعلق المؤلم.
في النهاية، كل علاقة تمرّ بلحظات شك وتعب، لكن الفارق أن العلاقة الصحيّة تشفيك، بينما المريضة تُنهكك. وإذا وجدت نفسك تبرر أكثر مما تُعبّر، تصمت أكثر مما تُشارك، وتبكي أكثر مما تبتسم، فاعلم أن العلامة الحمراء لم تعد مجرد إشارة... بل صارت جدارًا بينك وبين ذاتك. والنجاة ليست في الهروب من الحب، بل في أن تختار حبًا لا يجعلك تهرب من نفسك.
وتعتبر العلامات الحمراء استجابات إنذارية يطلقها اللاوعي حين يتعارض ما نعيشه مع حاجاتنا الأساسية للأمان والاحترام والانتماء. تجاهلها يعني خوض علاقة تستهلك الطاقة النفسية وتزيد من احتمالية الدخول في دوائر الاعتماد العاطفي أو التعلق المؤذي. العلاج لا يكون في قطع العلاقات فقط، بل في إعادة بناء الوعي الذاتي والقدرة على الملاحظة دون إنكار، حتى يتعلم الفرد التمييز بين الحُب الذي يُنميه والحب الذي يُفنيه، وبين العطاء الذي يغذّي روحه والعطاء الذي يستنزفها. فالإدراك هو الخطوة الأولى نحو الحرية العاطفية، والنضج هو أن تختار قلبك دون أن تخسره.
ولأن الحكمة تُولد من وجع الوعي، تذكّر دائمًا أن الحب الذي يُعمينا عن الحقيقة ليس حبًا، بل إدمانًا على الوهم. وأن من يتجاهل العلامات الأولى، سيقرأها يومًا متأخرًا على شكل نهاية. فاستمع حين تهمس العلاقة... قبل أن تصرخ.