عمّان- في مشهد يختزل نبض الشارع الأردني وارتباطه التاريخي بفلسطين، احتشد مئات الأردنيين ظهر اليوم الجمعة أمام المسجد الحسيني وسط العاصمة عمّان، ليؤكدوا أن غزة ليست وحدها، وأن القضية الفلسطينية ستبقى حاضرة في الوجدان الشعبي مهما اشتدت الضغوط والتحولات السياسية.

وجاءت الوقفة الشعبية استجابة لدعوة الملتقى الوطني لدعم المقاومة وحماية الوطن، وبمشاركة الجبهة الوطنية الشعبية الأردنية، في إطار فعاليات اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، تحت شعار "الكيان الصهيوني تهديد وجودي للأمة".

ووسط أجواء مشحونة بالعاطفة الوطنية ومشاهد التضامن التي علت فيها الهتافات الغاضبة، واللافتات المطالبة بوقف العدوان، تعالت هتافات تندد بما وصفه المشاركون بـ"حرب الإبادة" في غزة، وتدعو العالم إلى تحمل مسؤوليته الإنسانية والقانونية تجاه المدنيين المحاصرين.

ومن بين الهتافات التي رددها المشاركون "وين النخوة وين الدين.. أهل بغزة بردانين"، و" 7 أكتوبر يا مجيد.. يوم العدالة الوحيد".

تجمع المشاركون في وقفة تضامنية مع غزة مطالبين بوقف العدوان وتحمل العالم لمسؤولياته الإنسانية (الجزيرة)صوت الشارع

كما ردد المشاركون في الوقفة هتافات تطالب العالم بالتحرك الفوري لوقف "حرب الإبادة" في غزة، وفتح ممرات آمنة لإيصال المساعدات الإنسانية والطبية، وإطلاق جهود دولية لإعادة إعمار القطاع الذي يواجه واحدة من أقسى الكوارث الإنسانية في تاريخه.

وشارك في الوقفة رجال ونساء وشباب من مختلف المحافظات، في أجواء اتسمت بالحماسة والانضباط، وسط وجود أمني اعتيادي في محيط الفعالية.

وأكد المنظمون للجزيرة نت أن هذه الفعالية تأتي استمرارا للموقف الثابت للشعب الأردني في دعم حقوق الفلسطينيين، وتعبيرا عن رفض السياسات العدوانية التي تهدد الأمن والاستقرار في المنطقة، ورفضا لمحاولات فرض أمر واقع جديد عبر القوة العسكرية والحصار.

إعلان

كما دعا المحتشدون الدول العربية والإسلامية إلى تحمل مسؤولياتها التاريخية تجاه فلسطين، وعدم ترك الشعب الفلسطيني وحيدا في مواجهة آلة الاحتلال.

السقا (وسط) أكد أن القضية الفلسطينية أصبحت قضية إنسانية عالمية (الجزيرة)شرعية المقاومة

من جانبه، شدد الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي، المهندس وائل السقا، على أن القضية الفلسطينية اليوم ليست شأنا فلسطينيا، ولا عربيا فقط، بل قضية إنسانية عالمية، وهو ما عكسته موجات التضامن الشعبي الضخمة التي اجتاحت عواصم العالم منذ بدء معركة طوفان الأقصى .

ورأى السقا في حديثه للجزيرة نت أن غزة "ليست شأنا غير أردني"، بل جزء من معادلة الأمن الوطني الأردني، مشيرا إلى أن الاعتراف المتسارع بالدولة الفلسطينية من دول حول العالم يؤكد عالمية القضية وعدالتها، في وقت تتجه فيه بعض الدول العربية نحو مزيد من خطوات التطبيع مع الاحتلال".

وشدد على أن الاحتلال لا يردعه إلا المقاومة، معتبرا أن الدعم الأميركي المستمر للاحتلال هو ما يغذي العدوان على غزة والضفة وجنوب لبنان، لافتا إلى أن الخطر التوسعي الذي يهدد المنطقة لا يستثني أحدا، وأن تصريحات الاحتلال الأخيرة حول الأردن ودول عربية أخرى "ليست تحليلات بل اعترافات".

كما أكد الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي أن الشعبين الأردني والفلسطيني "شعب واحد"، وأن كل محاولة لفصلهم أو تقييد حق الأردنيين في التعبير عن موقفهم خسرت مسبقا.

الوقفة الشعبية جاءت بدعوة من الملتقى الوطني لدعم المقاومة تحت شعار التضامن مع فلسطين (الجزيرة)تحذيرات سياسية

بدورها، قالت النائب في البرلمان الدكتورة ديمة طهبوب إن الفعاليات المناصرة لغزة وحملات الإغاثة لم تتوقف، حتى بعد إعلان ما يسمى بالهدنة ووقف إطلاق النار، مشيرة في حديثها للجزيرة نت إلى أن "الانتهاكات مستمرة والشهداء في ازدياد، إلى جانب التهديدات المتواصلة للأردن من أركان الكيان الغاصب والانتهاكات المستمرة للوصاية الهاشمية على القدس".

وأضافت طهبوب أن الملتقى الوطني لدعم المقاومة دعا اليوم -بمناسبة اليوم العالمي لمناصرة الشعب الفلسطيني- إلى تنظيم وقفة داعمة لفلسطين، للتأكيد على أن هذا الاحتلال الإسرائيلي يشكل خطرا ليس فقط على فلسطين، بل على كل العرب والمسلمين والمدافعين عن الحق الإنساني.

وفي كلمة له في الوقفة، أكد نائب الأمين العام لحزب "حشد"، خليل السيد، أن الشعب الفلسطيني أثبت بصموده أن ذكرى قرار التقسيم تحوّلت إلى محطة عالمية لتجديد التضامن مع الفلسطينيين وحقوقهم التاريخية، وفي مقدمتها حق العودة وتقرير المصير.

وأشار إلى أن الاحتلال يشن "أبشع حروب العصر" بدعم أميركي مباشر، بينما يقدم الشعب الفلسطيني ملاحم بطولية في الدفاع عن وطنه، مؤكدا أن المقاومة مشروعة وباقية، وأن محاولات نزع سلاحها أو فرض وصاية أميركية على المنطقة لن تنجح.

مسيرة حاشدة بالعاصمة الأردنية عمان نُصرة للفلسطينيين في قطاع غزة pic.twitter.com/7t0SKJLXeR

— الجزيرة فلسطين (@AJA_Palestine) January 5, 2024

وحذر السيد من التدخلات الخارجية التي تهدف إلى إعادة تشكيل المنطقة، وضرب سيادة الدول العربية، والإطاحة بمنجزاتها الوطنية، في ظل ما يروج له من مشاريع "إسرائيل الكبرى"، واتساع رقعة الانتهاكات في دول عربية كلبنان وسوريا واليمن، إضافة إلى التهديد المعلن حول الأغوار الأردنية.

إعلان

ودعا إلى "مقاومة مجتمعية شاملة" تقوم على إنهاء التطبيع ووقف أي تبادل اقتصادي أو عسكري مع الاحتلال، وإخراج القواعد العسكرية الأجنبية من المنطقة، مؤكدا أن الإعلام الإسرائيلي يشن حربا على الوعي العربي، عبر بث ثقافة الهزيمة، ومحذرا من الأصوات المحلية التي تردد خطاب الاحتلال.

و-وفق مراقبين- فمنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول واندلاع معركة "طوفان الأقصى"، يواصل الشارع الأردني حراكه الشعبي بلا انقطاع، عبر مسيرات واعتصامات وفعاليات جماهيرية شبه أسبوعية، تؤكد أن التضامن مع فلسطين ليس ظرفيا ولا مرتبطا بموجات الغضب الآنية، بل هو امتداد تاريخي لوعي وطني يرى في الدفاع عن القدس وغزة والضفة دفاعا عن الأردن نفسه وعن هوية الأمة ومستقبلها.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: دراسات شفافية غوث حريات الشعب الفلسطینی إلى أن

إقرأ أيضاً:

التعددية القطبية: قناع النظام العالمي الروسي

حينما انتهت الحرب الباردة، فقدت الأيديولوجية وظيفتها التنظيمية. وحدث تحول من جدال الرأسمالية في مقابل الاشتراكية إلى عالم أحادي القطب يقوده نظام دولي تقع الولايات المتحدة في مركزه. واليوم، يكرر التاريخ نفسه، لا كمأساة أو كملهاة وإنما كإعادة تصميم استراتيجي. وثمة دولة بعينها عملت في صمت على صقل أسس القوة العالمية في القرن الحادي والعشرين، وهي الصين.

ليست أقوى صادرات روسيا إلى العالم هي النفط أو السلاح، ولكن معجم سياسي جديد. فمراكز الأبحاث الاستراتيجية في موسكو تتكلم الآن عن "عالم حضاري".

وهذا، بالنسبة للجنوب العالمي، إطار تحرري. ففكرة التعددية الثقافية في مواجهة الأحادية الغربية فكرة تحررية بالنسبة للجنوب العالمي، حيث يكون لكل قطب ـ سواء أهو الليبرالية الغربية أو الاستبدادية التقنية الصينية أو المحافظة الإسلامية أو الأوروآسيوية الروسية ـ تمثل نموذجا ثقافيا تاريخيا.

وهذا المفهوم القائم على احترام قيم الحضارات المتعددة يضفي عمقا أخلاقيا عديد القطبية. فالتعددية القطبية اليوم ليست مطمحا بقدر ما هي واقع فاعل.

وهذا، بالنسبة للغرب، أمر مربك. لكنه بالنسبة لموسكو طريقة ذكية لكبح صعود الصين ومنع استعادة أمريكا لسيادتها في آن واحد، وسبيل إلى مطالبة جنوب العالم بالقيادة دونما مطالبة بالإمبراطورية.

لقد حولت موسكو التعددية القطبية من نظرية أكاديمية إلى نظام تشغيل جيوسياسي. فأغلب البلاد تتكلم عن التعددية القطبية باعتبارها أمرا حتميا، وروسيا تتعامل معها باعتبارها عملية خاضعة للإدارة. والكرملين يفهم أن الصراع الحاسم في القرن الحادي والعشرين ليس بين الديمقراطية والاستبداد، وإنما صراع من أجل السيطرة على الاعتماد المتبادل بين البلاد وبعضها.

وسيط القوة في الاعتماد المتبادل

ولقد أصبح الاعتماد المتبادل من العوامل الحاسمة في الجغرافيا السياسية الراهنة. ففي القرن الحادي والعشرين، لم تعد القوة تتحدد من خلال القوة العسكرية وحدها، والثقل الاقصادي، والتقدم التكنولوجي. ولكن الأمة التي تفهم الديناميات الإقليمية تستطيع أن تجعل وجودها بنيويا بحيث لا يمكن اتخاذ قرار استراتيجي كبير بدون موافقة منها.

وهذا ما حدث في عام 2022 حينما أثارت البلاد الأوروبية ـ في ما يتعلق بالقضية الأوكرانية ـ مسألة العقوبات الرامية إلى شل روسيا. فهذه البلاد لم يخطر لها أنها سوف تحول نظرية (هي نظرية التعددية القطبية) من حالة الحبر على الورق إلى حالة التطبيق العملي، بأن يعاد ترتيب النظام العالمي القائم.

في عام 2025، تغيرت وجهة أكثر من 70% من التجارة الروسية نحو آسيا والجنوب العالمي. حولت موسكو العزلة الاقتصادية إلى ورقة قوة. فهي تقع بالضبط على الحدود القائمة بين آسيا سريعة النمو وأوروآسيا شديدة الوعي الأمني. ولذلك لا تحاول روسيا أن تسيطر على العالم. لكنها ببساطة جعلت نفسها شديدة الأهمية حتى ليصعب تجاهلها.

بالنسبة لبكين، روسيا بلد حاسم لأنه يقدم الطاقة ويساعد في تأمين حدود الصين الشمالية. وبالنسبة لنيودلهي، تمثل روسيا جسرا دبلوماسيا بين الهند والصين، وهي قوة كبيرة مضمونة من الجانبين. وبالنسبة لبلاد الشرق الأوسط، توفر روسيا الأسلحة وتساعد على استقرار أسعار الطاقة وتقدم حماية الفيتو في مجلس الأمن. وبالنسبة لأوروبا، لا تزال روسيا مصدرا كبيرا للطاقة برغم العداوة السياسية.

تمنح الجغرافيا لروسيا ميزة بجعلها بلدا عابرا للقارات يربط آسيا بأوروبا ويشترك في الحدود البرية مع أربعة عشر بلدا ذا سيادة.

واليوم تتحول موسكو إلى وسيط لا غنى عنه في كل معادلة إقليمية. يوشك كل لاعب إقليمي ـ سواء أهو الصين أم الهند أم إيران أم ألمانيا أم فنزويلا نفسها ـ له عند روسيا حاجة ما قد تكون الطاقة أو الأسلحة أو الدعم السياسي.

بلد ينعشه الاضطراب

تزدهر روسيا بسبب مرونة نظامها، وحينما تتعرض الأنظمة فيها لضغط، فإنها تتكيف، وتجد السبل للبقاء مهمة وقوية. وفي حين أن بلادا أخرى تواجه مشقة في ظل الضغوط العالمية، فإن روسيا لا تضطرب على الإطلاق.

فعند استهدافها بالعقوبات الاقتصادية من الغرب، تجاوزت روسيا نظام سويفت وأنشأت بنيتها الأساسية المالية الخاصة، فمنها نظام سبيف SPFS ونظام مير بايمنت Payment. وعند استهدافها بعقوبات الطاقة من الغرب، اتجهت روسيا إلى شركاء جدد من قبيل الصين والهند.

وفي واقعة أخيرة من تلك الوقائع، ضغط الصراع الأوكراني على الولايات المتحدة للنظر في توريد صواريخ توماهوك بعيدة المدى، فجاء إعلان بوتين عن نجاح اختبارات صاروخ كروز النووي بوريفيستنيك وطائرة بوسايدون الآلية ذات الطاقة النووية فكان ذلك أكثر من محض استعراض تكنولوجي، إذ كان إعادة طرح للابتكارات النووية بوصفها أداة تفاوضية.

وفي عصر الدفاعات الصاروخية، وصواريخ الاعتراض فائقة السرعة، وحرب الذكاء الاصطناعي، هذه هي رسالة روسيا: ما من دفاع مطلقٌ. والنتيجة؟ عودة التواضع الاستراتيجي. واضطرار الولايات المتحدة والناتو ـ بعد أن كانا ذات يوم واثقين في الردع والهيمنة ـ إلى الرجوع لحالة الحوار. فروسيا تمارس النفوذ العسكري بدقة الجراحين، وتزدهر في الاستقرار لكنها تتدبر أمورها في حالة الاضطراب.

واليوم تضع روسيا نفسها في موضع ماص الصدمات الأهم في العالم متعدد الأقطاب. فروسيا عمليا استطاعت تسليح القدرة على الاحتمال، إذ هي لا تطلب الاستقرار لكنها تزدهر بإدارتها لأمورها في حالات الاضطراب.

وبحلول عام 2030، سوف يكون العنصر المحدد للقوة العالمية هو هذه الأنظمة: مسارات الطاقة، وأنظمة العملة (الدولار في مقابل البريكس) وشبكات المعلومات، ووسائل الإعلام، والذكاء الاصطناعي. واستراتيجية روسيا الكبرى هي أن تكون قوة حاسمة في كل من هذه المجالات.

وليس هدف موسكو النهائي هو أن تحكم العالم، وإنما أن تجعله غير قابل للخضوع لحكم أي أحد سواها. ومن المفارقات أن هذا قد يبدو التعريف الحقيقي للتعددية القطبية في القرن الحادي والعشرين. ففي حين أن الولايات المتحدة كانت هي مهندس العالم ذي القطب الواحد، فإن روسيا بلا شك هي المهندس الحقيقي للنظام العالمي عديد الأقطاب.

رافي كانت كاتب عمود ومراسل لصحيفة آسيا تايمز لتغطية الشئون الآسيوية، يكتب أساسا في الاقتصاد والسياسة الدولية والتكنولوجيا وله خبرة واسعة في المجال المالي.

مقالات مشابهة

  • الكشف عن "دول العالم الثالث" التي حظر ترامب استقبال مهاجريها
  • اليوم العالمي للتضامن مع فلسطين.. حق وجود مهدد وسط استمرار سياسة الضم الإسرائيلية
  • التعددية القطبية: قناع النظام العالمي الروسي
  • لندن تستعد لمظاهرة حاشدة في اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني
  • حزب الله اللبناني: سلاح المقاومة باقٍ ما دام الاحتلال الإسرائيلي قائماً
  • الإمبريالية.. غطرسة الربع الساعة الأخيرة..!
  • السيسي: نسعى لتحقيق الاستقرار في دول المنطقة التي تواجه أزمات
  • الوزير الأول: التنسيق والتشاور مع مصر لمجابهة التحديات التي تواجه المنطقة العربية
  • المجلس الوطني: يوم التضامن الدولي تجديد للالتزام العالمي بحماية حقوق شعبنا