لماذا تعزز الصين حضورها في إفريقيا..وما هو موقف ترامب من توسع النفوذ الصيني؟
تاريخ النشر: 22nd, January 2025 GMT
أجرى وزير الخارجية الصيني وانغ يي، في يناير/ كانون الثاني الجاري، جولة إفريقية شملت تشاد وناميبيا والكونغو ونيجيريا، لبحث سبل تعزيز التعاون بين بلاده والدول الأربع.
وجاءت الجولة في ظل تراجع نفوذ فرنسا في القارة السمراء، واهتمام دول بينها روسيا باستثمار هذا التراجع، وبالتزامن مع ولاية جديدة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وتسعى دول إفريقية للاستفادة من تجربة الصين في البنية التحتية، وزيادة الاستثمار، إذ ترغب ناميبيا مثلا، صاحبة خامس أكبر احتياطي لليورانيوم عالميا، بجذب مزيد من الاستثمارات في قطاع التعدين بمساعدة بكين.
وتعد الصين أكبر شريك تجاري لإفريقيا على مدار 15 عاما متتالية، عبر تجارة بقيمة 282.1 مليار دولار عام 2023، كما أنها أكبر مستثمر بالقارة.
ويرى خبير مغربي، في حديث للأناضول، أن زيارات المسؤولين الصينيين المتتالية لإفريقيا تدخل في سياق المنافسة الكبيرة بين الدول العظمى، وخاصة دول أوروبا والولايات المتحدة، على موارد وأسواق القارة السمراء.
وتوقع أن تغير واشنطن سياستها تجاه إفريقيا في عهد ترامب، على عكس سلفه جو بايدن الذي زار إفريقيا مرة واحدة خلال ولايته بين عامي 2021 و2025.
** جولة جديدة
وبين 6 و9 يناير/ كانون الثاني الجاري، زار وزير الخارجية الصيني وانغ يي 4 دول إفريقية، هي تشاد وناميبيا والكونغو ونيجيريا، ضمن مباحثات مكثفة لتعزيز التعاون، لاسيما الاقتصادي.
وتندرج هذه الجولة في إطار تقليد مستمر منذ 35 عاما، وفق بيانات منفصلة للدول المعنية، "في إطار تعزيز العلاقات الثنائية، ما يدل على أهمية التعاون مع الصين".
وقال رئيس المركز الإفريقي للدراسات الاستراتيجية والرقمنة بالمغرب (أهلي) رشيد ساري للأناضول إن "الصين أكبر مستثمر بإفريقيا، بفضل عملها على تقوية علاقاتها بالقارة، بعدما كان اهتمامها منصبا على آسيا وأوروبا".
وأضاف أن "هذا الاهتمام انطلق بشكل كبير منذ إعلان الصين عن مبادرة الحزام والطريق عام 2013، التي انخرطت فيها دول إفريقية عديدة".
و"الحزام والطريق" مبادرة صينية تُعرف أيضا بـ"طريق الحرير" للقرن الحادي والعشرين، وتهدف إلى ضخ استثمارات ضخمة لتطوير البنى التحتية للممرات الاقتصادية العالمية لربط أكثر من 70 دولة.
وتتضمن المبادرة إنشاء حزام بري من السكك الحديدية والطرق عبر آسيا الوسطى وروسيا، إضافة إلى طريق بحري يسمح للصين بالوصول إلى إفريقيا وأوروبا عبر بحر الصين والمحيط الهندي، بكلفة إجمالية تريليون دولار.
وأرجع ساري اهتمام الصين بإفريقيا إلى "توفر القارة على مواد خام، خاصة المرتبطة بالتكنولوجية الحديثة، مثل الكوبالت"، الذي يستخدم في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية.
وفي أغسطس/ آب الماضي، أفاد تقرير صادر عن مكتب المجموعة القيادية لتعزيز مبادرة "الحزام والطريق" (رسمي) بأن الصين ظلت أكبر شريك تجاري لإفريقيا للعام الـ15 تواليا، وفق وكالة الصين الرسمية (شينخوا).
وذكر المكتب أن الصين فرضت تعريفات جمركية صفرية على 98 بالمائة من المنتجات الخاضعة للتعريفات الجمركية من 27 دولة إفريقية أقل نموا.
ووقَّعت الصين اتفاقيات ثنائية لتعزيز وحماية الاستثمار مع 34 دولة إفريقية، إضافة إلى اتفاقيات لتجنب الازدواج الضريبي مع 21 دولة إفريقية، حسب التقرير.
وفي 2023، بلغ حجم التجارة بين الصين وإفريقيا 282.1 مليار دولار أمريكي، مسجلا رقما قياسيا جديدا للعام الثاني تواليا، فيما تجاوز حجم الاستثمار الصيني المباشر في القارة 40 مليار دولار في 2023.
** صراع على إفريقيا
وظهر الحضور الصيني القوي في إفريقيا، وفق ساري، في ظل العلاقات الباردة بين الولايات المتحدة ودول القارة خلال عهد بايدن.
وقال إن "زيارات المسؤولين الصينيين المتتالية لإفريقيا تدخل في سياق المنافسة الكبيرة بين الدول العظمى حول إفريقيا، خاصة الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية".
و"التواجد القوي للصين في إفريقيا مؤخرا يأتي في ظل تراجع الاهتمام الأمريكي بالقارة في عهد بايدن، الذي لم يزر إفريقيا إلا نادرا، منها زيارته لأنغولا".
وفي ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أي قبل نحو شهر من انتهاء رئاسته، زار بايدن أنغولا وجزيرة الرأس الأخضر، لعرض مشروع السكك الحديدية المدعوم من واشنطن، ضمن مساعيها لمواجهة نفوذ الصين.
وهدفت زيارة بايدن الوحيدة لدفع مشروع ممر "لوبيتو" لتطوير السكك الحديدية بين أنغولا وزامبيا والكونغو.
ويندرج المشروع ضمن المنافسة مع الصين للحصول على المعادن المستخدمة في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية والأجهزة الإلكترونية وتقنيات الطاقة المتجددة.
ورأى ساري أن "قدوم ترامب (توليه الرئاسة) يمكن أن يغير المعادلة، لأنه رجل أعمال ويهدف إلى الرفع من مصالح بلاده التجارية في القارة".
وتوقع أن تتغير السياسة الأمريكية تجاه إفريقيا في عهد ترامب (بدأت ولايته الرئاسية في 20 يناير/ كانون الثاني الجاري)، وهو ما يدفع الصين إلى تقوية حضورها في القارة.
ورجح أن تعيد واشنطن النظر في العلاقات الأمريكية الإفريقية، وتعمل على بناء علاقات قوية مع العمق الإفريقي.
** الديون والتنمية
ساري حذر من ارتفاع ديون بعض الدول الإفريقية من خلال انخراطها في مشاريع مشتركة مع الصين.
وأوضح أن "الخطير في الأمر هو أن الصين تبني علاقة مع بعض الدول الإفريقية وفق شروط بكين، ما يورط هذه الدول، كما حدث لمطار أوغندا الذي أنجزته الصين، ثم تعثرت أوغندا في تسديد ديونه".
وفي 2021 نفت الصين صحة تقارير إعلامية غربية عن اعتزامها الاستحواذ على المطار، مستغلة تعثر أوغندا في تسديد الديون.
واتهم وزير الخارجية الصيني، في أغسطس/ آب 2023، وسائل إعلام غربية بالترويج لنظرية "فخ الديون".
واعتبر هذا "ازدواجية معايير، فالديون المستحقة للولايات المتحدة استثمارا، وديون الصين فخا".
وتابع: "إذا كان هناك أي فخ في إفريقيا حقا، فهو فخ الفقر والتخلف، اللذين ينبغي التخلص منهما في أقرب وقت ممكن".
وأفاد بأن نسبة الصين من إجمالي الدين الخارجي الإفريقي تبلغ 17 بالمائة، وهي أقل بكثير من نسبة الغرب.
ساري استدرك: "رغم مشكل تمويل المشاريع، إلا أن بكين تبني علاقات مع بعض الدول في إطار علاقة رابح- رابح"، أي تحقق استفادة للطرفين.
ورأى ضرورة أن تتكفل الدول الإفريقية بتشييد البنى التحتية، بينما تخصص أموال الاستثمارات الصينية للمشاريع الاستثمارية الاستراتيجية، حتى لا تبدد هذه الأموال على بنى تحتية متهالكة.
** قوة التحالفات الإفريقية
وفي ظل التنافس الدولي على موارد وأسواق القارة السمراء "هناك رغبة كبيرة لأن تكون لدى الدول الإفريقية استقلالية عن الدول الكبرى"، وفق ساري.
ودعا إلى "تقوية السوق الإفريقية الحرة وآليات عمل الاتحاد الإفريقي وباقي التجمعات الإفريقية، مع جعل الاقتصاد أولوية لنهوض دول القارة، فالجانب الاقتصادي مقدم على السياسي".
ولفت ساري إلى إطلاق المغرب مشاريع قارية، مثل أنبوب الغاز المغربي النيجيري ومشروع الأطلسي.
ولفت إلى أن "الحس الاقتصادي بدأ يظهر في العلاقات بين الدول الإفريقية، وهو مطلب خبراء منذ مدة، فمصلحة الشعوب مقدمة على الصراعات السياسية بين الدول".
وخلال زيارة ملك المغرب محمد السادس لنيجيريا، في ديسمبر/ كانون الأول 2016، اتفق البلدان على إحداث مشروع أنبوب غاز للربط بينهما.
ومن المقرر أن يمر الأنبوب بكل من بنين وتوغو وغانا وكوت ديفوار وليبيريا وسيراليون وغينيا وغينيا بيساو وغامبيا والسنغال وموريتانيا
المصدر: مأرب برس
كلمات دلالية: الدول الإفریقیة فی إفریقیا فی القارة بین الدول
إقرأ أيضاً:
الصين تكشف حدود القوة الأمريكية.. كيف قلبت حرب ترامب التجارية الطاولة على واشنطن؟
نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، تقريرًا، تناولت فيه: تقييم صفقة ترامب التجارية الأخيرة مع الصين، والتي لا تُعد سوى تراجع غامض عن الحرب التجارية التي بدأها، مع إبقاء رسوم جمركية مرتفعة تضر أمريكا أكثر من الصين.
وأوضحت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، أنّ: "الصفقة التجارية التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، مع الصين، هذا الأسبوع، تبدو غامضة إلى حد كبير، لكنها تتماشى مع النمط المعتاد لما وصفه أحد معلّقي "فاينانشال تايمز" بذكاء بـ"تجارة تاكو"، في إشارة إلى ميل ترامب للتراجع في اللحظات الأخيرة، مع وجود متغير جديد هذه المرة".
ونقلت الصحيفة عن الاقتصادي، دين بيكر، قوله إنّ: "هذه الرسوم تُضر بالاقتصاد الأمريكي أكثر من الصيني، إذ يتوقع البنك الدولي تباطؤ نمو الولايات المتحدة من 2.8 بالمائة إلى 1.4 بالمائة، بينما يظل نمو الصين دون تغيير، وهو ما يوضح من يدفع فعليًا ثمن "يوم التحرير" الذي أعلنه ترامب".
"تعقيد الاقتصاد العالمي وتشابكه بات كافيًا لفرض قيود حتى على الولايات المتحدة، رغم قيادتها من قبل رئيس لا يتردد في استخدام أي وسيلة متاحة. وأوضح الباحثان هنري فاريل وأبراهام ل. نيومان أنّ هذا الترابط يمكن تسخيره كأداة للضغط حيث تستغل الدول نفوذها الاقتصادي لممارسة الإكراه" بحسب التقرير نفسه.
وتابع: "قد كانت واشنطن الأكثر نشاطًا في هذا المجال، عبر فرض عقوبات متنوعة، بما في ذلك العقوبات الثانوية ومعاقبة الأفراد وعزل دول كاملة عن المنظومات العالمية. لكن الإفراط في استخدام هذه الأدوات بدأ يكشف عن حدود فعاليتها وتكاليفها المتزايدة".
إلى ذلك، أشارت الصحيفة إلى أنّ: "الولايات المتحدة استخدمت هيمنتها الاقتصادية، خاصة في القطاع المالي العالمي، كسلاح فعال ضد خصومها على مدى العقود الماضية؛ فالدولار يُستخدم في نحو 90 بالمائة من معاملات الصرف الأجنبي ويشكل حوالي 57 بالمائة من احتياطيات الصرف الأجنبي العالمية ويُصدر به أكثر من 60 بالمائة من ديون العالم".
وأردف: "كما يخضع نظام سويفت المالي لتأثير واشنطن على الرغم من أن مقره يقع في بلجيكا، ما يمنحها القدرة على عزل دول مثل إيران وروسيا وكوريا الشمالية عن النظام المالي العالمي دون الحاجة لاستخدام القوة العسكرية".
إلى ذلك، أفادت الصحيفة بأنّ: "التجارة تختلف عن المال في عالم متعدد الأقطاب حيث تمتلك الدول خيارات عدة؛ إذ فرضت أمريكا قيودًا على صادرات الإيثان إلى الصين، فاستبدلته بكين بوقود آخر".
ومضت بالقول: "فضلا عن ذلك، تمتلك الصين نفوذًا كبيرًا كونها أكبر مصدر للبضائع عالميًا وتسيطر على تصنيع 30 بالمائة من القيمة العالمية وتحتكر معالجة مواد حيوية كالنيكل والكوبالت والعناصر الأرضية النادرة والليثيوم وهي ضرورية للتكنولوجيا الحديثة".
واسترسلت: "عندما قيّدت أمريكا تصدير تكنولوجيا الرقائق المتقدمة، ردت الصين بحظر تصدير بعض المعادن النادرة اللازمة للإلكترونيات وأنظمة الدفاع الأمريكية ولم تجد أمريكا بدائل سريعة".
وبحسب الصحيفة فإنّ: "استراتيجية ترامب -إن وُجدت- كانت مبنية على فهم خاطئ للصين. فالصين كانت تستعد لمثل هذا الضغط من خلال تقليل اعتماد اقتصادها على الواردات الأمريكية وتوسيع علاقاتها التجارية مع دول أخرى وتحفيز مواطنيها على تحمل المصاعب للدفاع عن وطنهم أمام الضغوط الخارجية".
وأكّدت: "قبل ترامب بفترة طويلة، استخدمت واشنطن نفوذها الاقتصادي بشكل مفرط جدًا. وتُظهر قاعدة بيانات العقوبات العالمية أن عدد العقوبات الأمريكية المفروضة على دول أجنبية تضاعف أكثر من خمس مرات خلال العشرين سنة الماضية".
واستدركت: "لكن ترامب صعّد الأمر إلى مستوى جديد من خلال تهديده بفرض تعريفات جمركية وإجراءات أخرى غير متعلقة بالتجارة، مثل سحب التأشيرات عن الطلاب الأجانب. ولم يعد يبدو كرجل يمثل الدولة الرائدة في العالم، بل أشبه برئيس عصابة".
وختمت الصحيفة بالقول: "كانت حرب ترامب التجارية مثالاً واضحًا على سوء استخدام القوة الصلبة في مجال لم تكن للولايات المتحدة فيه ميزة واضحة؛ حيث أدّى الإكراه إلى مقاومة بدلاً من الامتثال. هذه الحرب عطّلت الأسواق وأضرت بالتحالفات وسرّعت البحث عن بدائل للأنظمة التي تهيمن عليها أمريكا".
واستطردت: "أكبر تكلفة على استخدام القوة الصلبة الأمريكية بهذه الطريقة العنيفة ستكون تآكل القوة الناعمة الأمريكية؛ الإيمان والثقة في أمريكا التي جعلتها رائدة في صياغة الأجندات العالمية ومنحتها مكانة محورية في مجالات عديدة من المالية والعملات إلى السياسة الدولية".