لجريدة عمان:
2025-10-08@00:26:47 GMT

سياحة الكفاح وتسليع المعاناة

تاريخ النشر: 22nd, January 2025 GMT

في 2018 بدأ المفكر والفيلسوف الإيراني الأمريكي حميد دباشي مع إبراهيم فريحات مشروع توثيق وتحليل لـ 323 صورة للجرافيتي والرسومات الجدارية على جدار الفصل العنصري في الضفة. في ورقتهما التي يُمكن ترجمة عنوانها إلى «مقاومة الإخضاع: الجرافيتي الفلسطيني على جدار الفصل العنصري» يحلل الأكاديميان الثيمات التي عالجها الجرافيتي ورسومات الجدار من الجهتين.

عاصر حميد دباشي إدورد سعيد وتأثر به، وأخذ على عاتقه أن يُكمل المشروع الذي بدأه سعيد في الاستشراق، خصوصًا مع تغير شكل الهيمنة والتمثيل في عالم ما بعد 11 سبتمبر. في كتاب دباشي «ما بعد الاستشراق: المعرفة والسّلطة في زمن الإرهاب» (ترجمة باسل عبدالله وطفه، الصادر 2015 عن دار المتوسط) يهتم دباشي بالعلاقة المتبادلة بين المعرفة التي تهيئ للإبادة، والقوة العسكرية القادرة فعليًا على الإبادة. تتم التهيئة عبر نزع الإنسانية (أن يُظهرون كصراصير لابد من القضاء عليها)، وتوليد وتعزيز الميول العنيفة ضد الشعوب التي يطمح صاحب القوة والنفوذ للتحكم بها.

أقول إنه لا غرابة بأن يكون لمفكر كحميد دباشي العدسة القادرة على رصد السلوك الاستشراقي الذي يتجلى اليوم على نحو يختلف بعض الشيء عنه أيام إدورد سعيد.

في «مقاومة الإخضاع» يرصد الكاتبان بحذق الآثار غير الحميدة لتدويل (internationalization) القضية الفلسطينية. فما يبدو أول الأمر أنه مقاومة لاحتلال عبر الرسم، يكشف عن سلوك استشراقي، ودعوات للسلام تكشف الجهل بطبيعة الصراع بين الفلسطينيين ودولة الاحتلال.

من ضمن ما حلله الكاتبان عمل فني على الجدار العازل رسمه بانكسي Banksy (وهو يُعد أشهر رسام جرافيتي). رسم العمل ملثمًا فلسطينيًا يرمي بدل الحجر باقة من الورد. يكشف هذا الإصرار على استبدال الحجر وهو رمز للكفاح المسلح، بباقة ورد أو غصن زيتون وهو رمز للسلام - جهلًا بواقع المعاناة الفلسطينية ضد الاحتلال، وما يفرضه من أشكال المقاومة.

تدويل (internationalization) القضية الفلسطينية، أنتج «سياحة كفاح» مزارها الجدار العازل، وأنتج نوع تضامن يُغرّب في الحقيقة أصحاب الأرض. يتوافد الناشطون من كل أنحاء العالم، مخاطبين الأجنبي، ليتحول جدار الهيمنة والتنكيل هذا لمنبر شكاية، ولوحة مفتوحة لقضايا أخرى - وإن كانت عادلة - لكنها لا تمس الفلسطينية مباشرة، وبطريقة لا تمثل الفلسطينيين، بل وأحيانًا لا تلقى أي صدًا لديهم.

سياحة الكفاح وتسليع المعاناة أصبح لها معنى حرفي بافتتاح بانكسي فندقًا في بيت لحم، نقطة البيع الفريدة لديه هو أنه فندق بـ«أسوأ إطلالة»، إذ يُطل على جدار الفصل العنصري.

ثمة جرافيتي شهير آخر يوصي الاحتلال بصنع الحمص عوضًا عن بناء الجدران. وهو بهذه الصياغة يقول بطريقة ما أن الأجدر بالطرفين أن يتركوا الصراعات عنهم، ويعيشوا بسلام ويطبخوا حمص وكبة ومقلوبة. متفهين بصراع الفلسطينيين نحو العدالة والتحرر.

يُطلق الكاتبان اسم «المقاومة المتوسطة» على نوع الشعارات التي تتجنب النضال المسلح من قبيل «بإمكانهم أن يسلبوك حريتك، لكنهم لا يملكون أن يسلبوا روحك المعنوية». يُلاحظ الكاتبان أيضًا فروقًا في قوة الشعار حسب اللغة التي يُكتب بها. فالإنجليزية منها تميل إلى استخدام اللغة الحقوقية، ودعوات السلام العالمية. بينما تُحيل العربية إلى كُتاب وفنانين، وتموضع الصراع محليًا.

دعوات السلام تضع الفلسطينيين في مكانة سواء مع الإسرائيليين، وتؤطر الصراع على نحو يقول ضمنيًا أن الصراع يُمكن أن ينتهي متى ما وُجدت النية والإرادة لتحقيقه. وتحول الخطاب التحرري إلى دعوات لقبول الإضطهاد مقابل السلام. محادثات السلام التي يستخدمها الاحتلال كغطاء لمواصلة توسعه، واستدامة تنكيله بالشعب الفلسطيني تنطلي بسهولة على ناشطي سياحة الكفاح.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: التی ی

إقرأ أيضاً:

جدل إسرائيلي حول الاعتراف بالدولة الفلسطينية بين مكاسب الاحتلال ومخاوف التفكك

نشرت "القناة 12" الإسرائيلية مقالا للبروفيسور أرييه كاتزوفيتش، أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة العبرية بالقدس المحتلة، تناولت فيه النقاشات الإسرائيلية المتصاعدة حول تداعيات الاعترافات الدولية المتتالية بالدولة الفلسطينية، والتي أثارت جدلا واسعا بين مؤيد ومعارض داخل دولة الاحتلال، وسط انقسام حول ما إذا كانت هذه الخطوة تمثل "مكافأة لحماس" أو "انتصاراً للصهيونية".

ودعا كاتزوفيتش الإسرائيليين، في مقاله الذي ترجمته "عربي21"، إلى "عدم الوقوع في فخ الخطابات الديماغوجية التي تعتبر الاعتراف العالمي بالدولة الفلسطينية انتصاراً لحماس كما أعلن رئيس الحكومة ووزراؤه"، مؤكداً أن لهذا الاعتراف مزايا سياسية وأمنية يمكن أن تصب في مصلحة إسرائيل على المدى الطويل.

وأوضح أن خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ذات البنود العشرين لإنهاء الحرب في غزة، تُظهر إمكانية وجود مسار تدريجي ومراقب لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، ضمن عملية سياسية يمكن أن تبدأ مع نهاية الحرب الحالية.

وأشار كاتزوفيتش إلى أن هجوم حركة حماس في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 "قضى على وهم إدارة الصراع"، وأن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر في 12 أيلول/سبتمبر 2025، باعتماد "إعلان نيويورك" الصادر في 30 تموز/يوليو، يعكس هذا التوجه الجديد. وأوضح أن الإعلان دعا إلى إطلاق سراح جميع الرهائن، وإنهاء الحرب، ونزع سلاح حماس، وانسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي من غزة، ونقل السيطرة على القطاع إلى السلطة الفلسطينية بإشراف دولي، بعد مرحلة انتقالية تشمل قوات حفظ سلام دولية وحكومة تكنوقراط غير سياسية.

وأضاف أن الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية يمكن أن يمثل من منظور إسرائيلي دعما لرؤية بعيدة المدى لحل الصراع، موضحاً أن مقارنة بين دعم خطة التقسيم عام 1947 ودعم مبدأ الدولتين عام 2025 تظهر تحولا جذرياً في المواقف الدولية، إذ صوت 142 عضواً لصالح الاعتراف بالدولة الفلسطينية مقابل 10 معارضين، فيما امتنعت 12 دولة وغابت 25، مؤكدا أن ذلك يعزز الاعتراف بالاحتلال الإسرائيلي كدولة ذات سيادة على 78 بالمئة من أرض فلسطين التاريخية.

وبيّن كاتزوفيتش أن هذا الاعتراف يشكل في الوقت ذاته نبذا لخيار "الكفاح المسلح" الفلسطيني، مضيفا أن تحقيق الاعتراف بالدولة الفلسطينية سيسهم في تطبيع العلاقات مع الدول العربية والإسلامية كافة، كما يمثل "خارطة طريق سياسية" واضحة لإنهاء الصراع سلميا.

ورأى أن الاعتراف الإسرائيلي بدولة فلسطينية يتقاطع مع الشروط التي حددها بنيامين نتنياهو في خطابه بجامعة بار إيلان عام 2009، والتي تضمنت ضرورة اعتراف الفلسطينيين بـ"الدولة اليهودية"، وتخليهم عن "حق العودة"، وأن تكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح.

وأضاف أن من مزايا هذا الخيار أيضا تحميل الفلسطينيين مسؤولية إدارة الدولة ومحاربة العنف ورفض أيديولوجية حماس، مشيراً إلى أن التجربة اللبنانية بعد تحييد القوة العسكرية لحزب الله قد تكون مثالاً مشجعا.

في المقابل، استعرض الكاتب العوامل الإسرائيلية الرافضة للاعتراف بالدولة الفلسطينية، موضحا أن أول هذه العوامل هو "عدم قبول الفلسطينيين بوجود سياسي لليهود في أراضيهم المحتلة"، سواء في "النسخة العلمانية" لمنظمة التحرير أو "النسخة الدينية" لحماس، إذ "لم يتخلوا عن حلم القضاء على إسرائيل".

أما العامل الثاني، وفق كاتزوفيتش، فهو أن السلطة الفلسطينية "تفتقر حالياً إلى القدرة والرغبة في إدارة دولة مستقلة"، ما قد يجعل قيامها "أساساً لمقاومة جديدة تسيطر فيها حماس على الضفة الغربية ويُعاد سيناريو هجوم السابع من أكتوبر"، في حين يتمثل العامل الثالث في أن الفلسطينيين "لن يتخلوا عن خيار الكفاح المسلح".

وأوضح الكاتب أن البدائل الإسرائيلية المطروحة لرفض الدولة الفلسطينية تشمل "إحياء الخيار الأردني" بإقامة كونفدرالية أردنية فلسطينية، رغم أن الأردن يشترط قيام دولة فلسطينية مستقلة قبل أي شكل من التعاون.

وأضاف أن دولة الاحتلال، إن رفضت هذا المسار، قد تجد نفسها أمام خيار ضم الضفة الغربية وقطاع غزة، لكنها ستواجه معضلة سياسية وديموغرافية تتمثل في التعامل مع أكثر من خمسة ملايين فلسطيني.

وأكد كاتزوفيتش أن إسرائيل، في حال رفضها منح الفلسطينيين الجنسية، ستتحول قانونيا إلى "دولة فصل عنصري" تواجه عزلة دولية شبيهة بجنوب إفريقيا في التسعينيات، مشيرا إلى أنه في حال اتباعها سياسات مشابهة للدول السلطوية مثل الصين في التبت أو روسيا في القرم، فإنها ستبني ما سماه "إسرائيلستينا"، أي دولة ديمقراطية بين البحر والنهر لكنها لن تكون يهودية بعد الآن.

وختم الكاتب مقاله بالقول إن جميع الخيارات الإسرائيلية البديلة للاعتراف بالدولة الفلسطينية "قد تكون ضد المشروع الصهيوني"، موضحا أن قيام دولة فلسطينية يحتاج من 5 إلى 10 سنوات ويتطلب ضمانات أمنية دولية ومفاوضات تفصيلية بدعم من المجتمع الدولي، بينما الخيارات الأخرى "تضع دولة الاحتلال أمام خطر الحرب الأبدية أو تفككها الداخلي أو نهاية الصهيونية ذاتها".

مقالات مشابهة

  • بعد عامين على طوفان الأقصى…غزة التي غيرت العالم
  • مزهر: المقاومة الفلسطينية لم تُهزم والحرب لم تكسر صمود شعبنا
  • مكتب إعلام الأسرى الفلسطينيين : إدارة سجون الاحتلال ترتكب جريمة ضد الإنسانية
  • سفارة فلسطين بالعراق توزع "بدل إيجار" على 300 عائلة من اللاجئين الفلسطينيين
  • صوت الأزهر في وجه الاحتلال.. كيف دعم الدكتور أحمد عمر هاشم القضية الفلسطينية؟
  • سياحة النواب: العناني فخر لكل المصريين وفوزه تتويجًا للكفاءات الوطنية
  • جدل إسرائيلي حول الاعتراف بالدولة الفلسطينية بين مكاسب الاحتلال ومخاوف التفكك
  • أبرز الإنجازات العالمية التي تحققت للقضية الفلسطينية بعد عامين من الإبادة
  • الرئيس السيسي: السلام الحقيقي فى الشرق الأوسط لن يتحقق إلا بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة
  • نقابة الصحفيين الفلسطينيين: تزايد خطير في جرائم إسرائيل ضد الصحفيين