سياحة الكفاح وتسليع المعاناة
تاريخ النشر: 22nd, January 2025 GMT
في 2018 بدأ المفكر والفيلسوف الإيراني الأمريكي حميد دباشي مع إبراهيم فريحات مشروع توثيق وتحليل لـ 323 صورة للجرافيتي والرسومات الجدارية على جدار الفصل العنصري في الضفة. في ورقتهما التي يُمكن ترجمة عنوانها إلى «مقاومة الإخضاع: الجرافيتي الفلسطيني على جدار الفصل العنصري» يحلل الأكاديميان الثيمات التي عالجها الجرافيتي ورسومات الجدار من الجهتين.
عاصر حميد دباشي إدورد سعيد وتأثر به، وأخذ على عاتقه أن يُكمل المشروع الذي بدأه سعيد في الاستشراق، خصوصًا مع تغير شكل الهيمنة والتمثيل في عالم ما بعد 11 سبتمبر. في كتاب دباشي «ما بعد الاستشراق: المعرفة والسّلطة في زمن الإرهاب» (ترجمة باسل عبدالله وطفه، الصادر 2015 عن دار المتوسط) يهتم دباشي بالعلاقة المتبادلة بين المعرفة التي تهيئ للإبادة، والقوة العسكرية القادرة فعليًا على الإبادة. تتم التهيئة عبر نزع الإنسانية (أن يُظهرون كصراصير لابد من القضاء عليها)، وتوليد وتعزيز الميول العنيفة ضد الشعوب التي يطمح صاحب القوة والنفوذ للتحكم بها.
أقول إنه لا غرابة بأن يكون لمفكر كحميد دباشي العدسة القادرة على رصد السلوك الاستشراقي الذي يتجلى اليوم على نحو يختلف بعض الشيء عنه أيام إدورد سعيد.
في «مقاومة الإخضاع» يرصد الكاتبان بحذق الآثار غير الحميدة لتدويل (internationalization) القضية الفلسطينية. فما يبدو أول الأمر أنه مقاومة لاحتلال عبر الرسم، يكشف عن سلوك استشراقي، ودعوات للسلام تكشف الجهل بطبيعة الصراع بين الفلسطينيين ودولة الاحتلال.
من ضمن ما حلله الكاتبان عمل فني على الجدار العازل رسمه بانكسي Banksy (وهو يُعد أشهر رسام جرافيتي). رسم العمل ملثمًا فلسطينيًا يرمي بدل الحجر باقة من الورد. يكشف هذا الإصرار على استبدال الحجر وهو رمز للكفاح المسلح، بباقة ورد أو غصن زيتون وهو رمز للسلام - جهلًا بواقع المعاناة الفلسطينية ضد الاحتلال، وما يفرضه من أشكال المقاومة.
تدويل (internationalization) القضية الفلسطينية، أنتج «سياحة كفاح» مزارها الجدار العازل، وأنتج نوع تضامن يُغرّب في الحقيقة أصحاب الأرض. يتوافد الناشطون من كل أنحاء العالم، مخاطبين الأجنبي، ليتحول جدار الهيمنة والتنكيل هذا لمنبر شكاية، ولوحة مفتوحة لقضايا أخرى - وإن كانت عادلة - لكنها لا تمس الفلسطينية مباشرة، وبطريقة لا تمثل الفلسطينيين، بل وأحيانًا لا تلقى أي صدًا لديهم.
سياحة الكفاح وتسليع المعاناة أصبح لها معنى حرفي بافتتاح بانكسي فندقًا في بيت لحم، نقطة البيع الفريدة لديه هو أنه فندق بـ«أسوأ إطلالة»، إذ يُطل على جدار الفصل العنصري.
ثمة جرافيتي شهير آخر يوصي الاحتلال بصنع الحمص عوضًا عن بناء الجدران. وهو بهذه الصياغة يقول بطريقة ما أن الأجدر بالطرفين أن يتركوا الصراعات عنهم، ويعيشوا بسلام ويطبخوا حمص وكبة ومقلوبة. متفهين بصراع الفلسطينيين نحو العدالة والتحرر.
يُطلق الكاتبان اسم «المقاومة المتوسطة» على نوع الشعارات التي تتجنب النضال المسلح من قبيل «بإمكانهم أن يسلبوك حريتك، لكنهم لا يملكون أن يسلبوا روحك المعنوية». يُلاحظ الكاتبان أيضًا فروقًا في قوة الشعار حسب اللغة التي يُكتب بها. فالإنجليزية منها تميل إلى استخدام اللغة الحقوقية، ودعوات السلام العالمية. بينما تُحيل العربية إلى كُتاب وفنانين، وتموضع الصراع محليًا.
دعوات السلام تضع الفلسطينيين في مكانة سواء مع الإسرائيليين، وتؤطر الصراع على نحو يقول ضمنيًا أن الصراع يُمكن أن ينتهي متى ما وُجدت النية والإرادة لتحقيقه. وتحول الخطاب التحرري إلى دعوات لقبول الإضطهاد مقابل السلام. محادثات السلام التي يستخدمها الاحتلال كغطاء لمواصلة توسعه، واستدامة تنكيله بالشعب الفلسطيني تنطلي بسهولة على ناشطي سياحة الكفاح.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: التی ی
إقرأ أيضاً:
حزب الـ pkk يحل نفسه وإنهاء الكفاح المسلح ضد تركيا
آخر تحديث: 12 ماي 2025 - 9:45 صبغداد/ شبكة أخبار العراق- أعلن حزب العمال الكردستاني، اليوم الاثنين، حل البنية التنظيمية للحزب وإنهاء ما وصفه بـ”الكفاح المسلح” الأنشطة التي كان يمارسها باسم “PKK“. وياتي حزب العمال الكردستاني، استجابة لدعوة زعيم الحزب عبد الله أوجلان بعد نحو 40 عاماً من حمل السلاح. وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في كلمة له قال في وقت سابق، إن تركيا عازمة على ما وصفه بإنقاذ البلاد من آفة الإرهاب وإنها تتخذ خطوات ثابتة، نحو تحقيق هذا الهدف، وذلك في تعليقه على قرب إعلان الحزب لحل نفسه. وأضاف أنه يتوقع أخبارا جيدة بهذا الإطار، في أي وقت.ورفع حزب العمال الكردستاني “راية السلام”، في مؤتمره الثاني عشر الذي مهد فيه لحل نفسه، استجابة لدعوة زعيمه عبدالله أوجلان أطلقها في فبراير الماضي بنزع السلاح.وكشف الحزب في بيان أن قرارات “تاريخية” اتُّخذت خلال المؤتمر الذي عُقد بين 5 و7 مايو في المناطق التي ينشط فيها، وسيفصح عنها قريبا.وكان أوجلان الذي يقبع في سجن تركي منذ عام 1999 ويقضي عقوبة السجن المؤبد مدى الحياة أبلغ حزبه عبر نواب أتراك من “حزب الشعوب للعدالة والديمقراطية” المؤيد للأكراد كانوا قد زاروه في سجنه، أمره لجميع المجموعات المسلحة بإلقاء السلاح وحل الحزب.وبذكل يسدل الستار على صراع دامي استمر لعقود بين الحزب والدولة التركية، وقد يكون له تأثير على المجموعات الكردية في الدول المجاورة بحسب المراقبين.