خلد التاريخ الحديث والمعاصر واقعة الفداء والتضحية والعزة والكرامة للشرطة فى الخامس والعشرين من يناير 1952 بمعركة الإسماعيلية الباسلة ضد الإحتلال البريطانى التى أطلق شرارتها خالد الذكر فؤاد باشا سراج الدين وزير الداخلية والمالية ورئيس حزب الوفد الأسبق رفضاً للإنذار البريطانى بإخلاء رجال الشرطة لمواقعهم ودفاعاً عن الكرامة الوطنية ورداً على الإعتداءات الإجرامية للإحتلال الغاشم على أهالى منطقة قناة السويس كنسف وتدمير كفر عبده بالكامل بعد انطلاق حركة الفدائيين لطرد الإحتلال عن آخر بقعة له فى مصر بعد رحيله عن القاهرة والأسكندرية وباقى المحافظات فى أعقاب مظاهرات 1946 الصاخبة التى قادها الوفد وهو فى خندق المعارضة لعدم مشاركته فى انتخابات مجلس النواب عام 1945 لعلمه المسبق بالتزوير الفج لإرادة الناخبين وهو ما تحقق بالفعل عندما شارك الوفد فى انتخابات مجلس الشيوخ 1946 وتزعم فؤاد باشا سراج الدين المعارضة وفاز الوفد بالأغلبية المطلقة فى مجلسى النواب والشيوخ فى انتخابات يناير 1952 وشكل آخر حكوماته فى المملكة المصرية برئاسة الزعيم مصطفى باشا النحاس وقاد وزير داخليته فؤاد باشا سراج حركة الكفاح المسلح ضد الإحتلال البريطانى وفتح معسكرات لتدريب الفدائيين وأمدهم بالسلاح وزارتهم أميرات الأسرة المالكة فى معسكراتهم بالزقازيق لمؤازرتهم ودعمهم بالأموال للخلاص من نير الإحتلال البريطانى وكان الأخير بالمرصاد لوطنية رجال الشرطة فحاصرة حكمدارية الإسماعيلية لإجبارهم على الرحيل خارجها والإستسلام دون قيد أو شرط فكان الجواب الرفض والإصرار على المقاومة حتى آخر جندى وآخر طلقة ودارت رحى معركة بطولية بين البنادق ودانات المدافع البريطانية التى دكت حصون رجال الشرطة الذين استبسلوا فى الدفاع عن حاميتهم حتى توقف القتال لنفاذ الذخيرة فأدى قائد القوات البريطانية المهاجمة التحية لرجال الشرطة الباقين على قيد الحياة تقديراً لشجاعتهم النادرة والذين حفرواً لأنفسهم صفحة مشرقة من صفحات تاريخ الوطن ليكون عيداً لمصر والمصريين.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: يناير 1952
إقرأ أيضاً:
بين السياسة والدهاء.. أسرار علي ماهر باشا في إدارة مصر
علي ماهر باشا، ذلك الاسم الذي يرن صداه في صفحات التاريخ المصري، ليس مجرد سياسي عابر أو موظف حكومي، بل رجل عصامي وفذ، جمع بين الحنكة السياسية والدهاء الاستثنائي، حتى صار يعرف بين معاصريه بلقب "رجل الأزمات" و"رجل الساعة".
علي ماهر، ابن أسرة الشراكسة، ووريث إرث أبيه محمد ماهر باشا، الذي كان مثالا للشخصية القوية والمثابرة، تعلم من نشأته الأولى معنى الانضباط والمسؤولية، وكيفية الاعتماد على الذات منذ الصغر.
فقد كان والده، رغم انشغاله الواسع بالمناصب الحكومية والعسكرية، يحرص على تربية أبنائه تربية واعية، يغرس فيهم الأخلاق الفاضلة، ويشجعهم على الاجتهاد الفكري والعملي، بل ويمنحهم فرصة إدارة شؤون المنزل كتمرين على القيادة والمسؤولية.
ومن هذه البيئة المميزة خرج علي ماهر رجلا قادرا على مواجهة التحديات، ورئيسا وزراء مصر لأربع مرات، كان أولها في عام 1936 وآخرها في أعقاب ثورة يوليو 1952، حين كلف بتشكيل أول وزارة مصرية بعد الثورة.
نشأ علي باشا في القاهرة، متلقى تعليمه في المدارس الابتدائية فالتجهيزية، ثم الحربية التي كانت تعتمد النظام الفرنسي، ما أكسبه أساسا متينا من الانضباط والمنهجية.
وكان والده دائما يختبر ذكاءه ودقة ملاحظاته، حتى وصل الأمر إلى برقية بسيطة عن حالة ابنته المريضة، فأجاب علي بكلمات مختصرة لكنها دقيقة، ما أثار إعجاب والده وأكسبه مكافأة رمزية، لكنه أثبت بلا شك أنه فتى ذو وعي ورؤية ناضجة، كل هذه التفاصيل الصغيرة في نشأته شكلت شخصية سياسية محنكة، قادرة على إدارة الأزمات بحكمة وبصيرة ثاقبة.
مسيرته المهنية بدأت من القضاء، حين شغل منصب قاض بمحكمة مصر الأهليه، ثم تدرج في مناصب النيابة العامة، فكانت له تجربة واسعة في مجال العدالة والقانون، قبل أن يتحول إلى الحياة السياسية بشكل كامل، مشاركا في ثورة 1919، ثم شاغلا منصب وكيلا لوزارة المعارف، وأخيرا رئيسا لمجلس الوزراء.
لم تكن طريقه سهلة، فقد واجه محنا وتحديات جسام، منها توقيفه خلال الحرب العالمية الثانية بتهمة موالاته لقوى المحور، لكنه برهن دائما على صلابته وصلابة قناعاته، متمسكا بمبادئه الوطنية.
علي ماهر لم يكن مجرد سياسي متسلق للمناصب، بل كان رجل دولة بمعنى الكلمة، شغل منصب رئيس الديوان الملكي في عهد الملك فؤاد، وحصل على نيشان فؤاد الأول، وكان حاضرا في كل اللحظات الحرجة التي مرت بها مصر، يدير ملفات دقيقة بحكمة وذكاء.
عرف عنه قدرة غير عادية على معالجة المشكلات الصعبة، فتراه دائما في قلب الأحداث، مهيئا لحلول عملية وسريعة، ومراعيا لتوازن القوى ومصالح الوطن، لقد كان مثالا للقائد الذي يزن الأمور بعين سياسية، ويوازن بين الشجاعة والحكمة، بين الوطنية والدهاء، بين المبدأ والمرونة.
وعندما نتحدث عن علي ماهر باشا، يجب أن نتذكر أنه كان الأخ الشقيق لرئيس الوزراء أحمد ماهر باشا، وأن الأسرة كلها كانت مثالا للتفاني في خدمة الوطن.
فقد عاش علي باشا حياة مليئة بالتحديات، وترك بصمة لا تمحى في تاريخ مصر الحديث، فقد تولى قيادة الحكومة في فترات حرجة، وشهد على الأحداث الكبرى التي شكلت مسار الأمة، من ثورة 1919 إلى ثورة 1952، مرورا بمختلف المحطات السياسية والاجتماعية التي صاغت هوية مصر الحديثة.
وقد رحل عن عالمنا في 25 أغسطس 1960 في جنيف، لكنه ترك إرثا خالدا في القلوب قبل السجلات الرسمية، إرثا من الحكمة، الوطنية، والالتزام العميق بمصلحة مصر.
إن الحديث عن علي ماهر باشا هو الحديث عن روح مصرية صادقة، عن رجل تجسد فيه معنى الخدمة العامة والوفاء للوطن، عن شخصية توازن بين العاطفة والمنطق، بين العقل والوجدان، وتجعل من التاريخ شاهدا حيا على دورها العظيم في صياغة مصر الحديثة.
فكم نحن بحاجة اليوم، ونحن نعيد قراءة التاريخ، إلى مثل هذه الشخصيات التي لا تهاب الصعاب، وتضع الوطن فوق كل اعتبار، التي تعلمنا أن القيادة الحقيقية ليست مجرد منصب أو سلطة، بل رؤية، وضمير، وإصرار على العطاء المستمر، مهما عصفت بنا التحديات.