كل فعل أو ممارسة نصفها بالعنيفة تقف خلفها مسببات قد تكون داخلية أو خارجية تؤدي إلى استعمال صورة من صور القوة التي تؤذي الآخرين أو تضير بالممتلكات أو تؤدي إلى التهديد والترهيب والخوف على مستوى الفرد أو الجماعة، وثمة أنماط للعنف منها المادي والمعنوي بصورهما المتعددة.

وعلاج العنف المجتمعي يتطلب منهجية تقوم على تخطيط استراتيجي؛ حيث العمل على صياغة برامج توعوية متكاملة تنفذها العديد من المؤسسات المعنية بتنمية الوعي والتثقيف والوعظ، ناهيك عن دور المؤسسات التربوية بكل مراحلها والتي تغرس في النفوس القيم والأخلاق الحميدة التي تحض على التعايش السلمي.

واعتقد أن تدريب الإنسان على مراقبة ذاته وربه بداية مهمة لتقويم السلوك وتعزيز الممارسات التي تتسق مع معايير المجتمع وقوانينه؛ فإذا ما أصاب فعل فيه خير استحسنه، وإذا ما ارتكب فعل فيه شر أو أذى للغير استقبحه ووجه اللوم لنفسه وأخذ بها نحو البعد عن تكرار ما اقترفه، بل وتحسر على ما أضر به الآخرون.

وأرى أن معايشة الإنسان منا للمواقف النبيلة التي تتضمن في كليتها الود والرحمة والتعاطف والتكاتف والتكافل وكل الصور التي تشير إلى ترابط الأفراد والمجتمعات؛ لهي مسببات تغرس السكينة والطمأنينة في النفوس وتشعر الإنسان بأنه مسئول عن غير، بل ويتوجب عليه أن يقدم له الدعم والمساندة على الدوام، وهذا في حد ذاته يقلل من دوافع ومقومات العنف المجتمع بصورة قوية؛ حيث يشعر الفرد بالأذى وقلة الارتياح إذا تضرر غيره منه أو من غيره.

أثق في أن تعزيز الثقة لدى الإنسان بأن في الأرض متسع للجميع، يجعله يستوعب حقيقة الوجود الذي يتطلب الإعمار لا الصراع ويحض على التعاون لا التباغض ويؤكد على التضافر لتجاوز التحديات لا الفرقة والشرذمة ويشير إلى أن لبنة النهضة تقوم على المحبة والتآخي لا إشعال الفتن وحب الذات والحقد والكراهية، كما يتطلب أن يدرك الفرد أن الأرزاق مقسمة وهي بيد الله – تعال – وحده، وما علينا إلا أن نأخذ بصحيح السبب وقوام المسار.

وأدرك أن التنشئة على صحيح السلوك على المستوى العقدي أو الاجتماعي من الدعائم التي تقي الفرد شرور أفعاله وعدوانه تجاه الآخرين؛ فمن يعي صحيح دينه ومن يحترم قوانين وتشريعات بلاده ويفقه فحواها ومن يتلقى التوجيه والإرشاد من مصادر التربية الأسرية والتربية الرسمية ومن منابر الوعظ وعبر بوابات المعرفة المفتوحة على مدار الساعة سواءً الإعلامية منها والتواصلية يعمر وجدانه بالخير ويتخلى عن طرائق الشر وأساليب العنف والعدوان في نمط حياته قاطبة.

وأكد على أن تعظيم العلاقات الطبية بين الناس من مسببات دحر صور العنف والعدوان فيما بين الأفراد والمجتمعات، وهنا نعني أن يكون الإنسان منا حريصًا على علاقاته المحمودة مع الآخرين؛ حيث يخشى أن تشوبها شائبة جراء أفعال وممارسات غير محسوبة؛ ومن ثم تسود المحبة ويضعف الخوف وتزداد الثقة وتضمحل الريبة، وبناءً عليه تضاء القلوب بضياء الرحمة والتراضي وتطهر النفوس فتزداد دروب الخيرات وتنحسر مسارات ومداخل الشرور.

واعتياد فعل الخيرات على الدوام والانغماس في العمل المثمر والتطلع لطموحات وأمال وأحلام مشروعة تنقذ الإنسان من الوقوع في براثن الإحباط واليأس اللذان يؤديان به لمظاهر العنف، بل وتجعله قادر على أن يستثمر طاقته كاملة في تنمية خبراته وصقل مهاراته؛ ومن ثم يسمو الوجدان ويرتقي يومًا بعد الأخر؛ فمما لا شك فيه أن أرواحنا تتوق للنور المتمثل في مظاهر الخير وتنفر من الظلام الكامن في الشرور والقيام بغير المألوف مما لا يقبله الشارع الحكيم ولا يتحمله الضمير الحي.

ما أجمل أن نتحلى بمخرجات التربية الأخلاقية التي تهدينا لسواء السبيل وتخرجنا من ظلمات القهر الظلم والعنفوان إلى ساحة التعايش السلمي المصبوغ بالصدق والحق وكرامة العيش والإحسان؛ حيث إن مهمة الاستخلاف تقوم على الأمانة التي تحملها الإنسان منذ أن وجد على ظهر البسيطة؛ فقد كان جرمه الأول الذي نقر به بكل حزن وأسى هو ممارسة العنف الذي تمخض عن حقد وحسد.

نهيب بالإنسان الذي يمتلك أجل نعمة ميزه الله بها عن سائر مخلوقاته؛ ألا وهي نعمة العقل، الذي يدفعه دومًا إلى فطرة السلوك الحميد الذي يستحسنه؛ فبه صنع حضارته وكون ثقافته وسطر تاريخه ودشن جغرافيته وحفر أسمه على جدران وطنه؛ فعاش فيه آمنًا مطمئنًا رافعًا راية السلام يستلمها جيل تلو آخر لتبقى الأرض عامرة ببني البشر.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: العنف المجتمعي الأخلاق الحميدة المزيد الإنسان من

إقرأ أيضاً:

محمد صبيح يكتب: نظرة متفائلة للجنيه المصري أمام الدولار

ينظر التاجر بارتياح إلى بضائعه الجديدة المرتبة في متجره، وهو يحسب فاتورة الاستيراد بثقة لم يشعر بها منذ فترة طويلة. لأول مرة منذ سنوات، يستطيع التخطيط لأعماله التجارية دون خوف من تغيرات مفاجئة في سعر الدولار قد تربك كل حساباته.

بعد سنوات من عدم الاستقرار، أصبح التجار في السوق المصري اليوم قادرين على إدارة أعمالهم بوضوح أكبر، بفضل سعر صرف واقعي يعكس الوضع الاقتصادي الحقيقي. هذا التغيير يمثل خطوة مهمة في مسار الإصلاح الاقتصادي الذي بدأته مصر.

قصة التاجر، هي انعكاس لواقع جديد بدأ يتشكل في الاقتصاد المصري خلال الربع الأول من عام 2025، حيث شهد الجنيه المصري استقراراً ملحوظاً يعكس تحولاً جذرياً في مسار العملة الوطنية بعد سنوات من التذبذب والتراجع المستمر.

إصلاحات ونتائج

في الوقت الذي كانت فيه العديد من الاقتصادات الناشئة تترنح تحت وطأة السياسات النقدية المتشددة عالمياً، استطاع الجنيه المصري أن يحافظ على نطاق تداول مستقر نسبياً أمام الدولار الأمريكي، متراوحاً بين 50.3 و50.7 جنيه، وهو ما يُعد تحسناً ملموساً مقارنة بمستويات القلق التي سادت العام الماضي.

هذا الاستقرار لم يكن وليد الصدفة، بل جاء كثمرة لحزمة من الإصلاحات المدروسة والسياسات المالية والنقدية المنضبطة التي قادها البنك المركزي المصري، وفي مقدمة هذه السياسات، قرار خفض أسعار الفائدة استجابة لتراجع معدلات التضخم إلى 13.6% في مارس، وهو أدنى معدل منذ ثلاث سنوات.

هذا التراجع في التضخم منح المركزي هامشاً من المرونة لتهدئة السوق دون الإضرار بجاذبية الجنيه كوعاء استثماري في أعين المستثمرين.

وفي هذا السياق، تبدو توقعات صندوق النقد الدولي منطقية، إذ رجّح أن يسجل سعر صرف الجنيه متوسطًا عند 49.6 أمام الدولار خلال السنة المالية الحالية، مع انخفاض متوقع في عجز الحساب الجاري.

على صعيد الاقتصاد الكلي، أعطت المؤشرات الإيجابية دفعة قوية للجنيه المصري حيث نما الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4.3% خلال الربع الأول، مدفوعاً بقطاعات حيوية مثل التصنيع والتجارة والسياحة، هذه المؤشرات دفعت بنوك استثمار عالمية مثل "جولدمان ساكس" إلى توقع المزيد من التحسن في سعر صرف الجنيه مقابل الدولار خلال العام الجاري.

ترى المؤسسات الدولية بوادر تعافٍ حقيقية في الاقتصاد المصري، تؤكدها مؤشرات الاستقرار النقدي الحالية، وما يميز هذه المرحلة هو أن استقرار الجنيه لم يأتِ نتيجة تدخلات مؤقتة، بل كنتيجة لتغيير هيكلي في بنية الاقتصاد المصري. 

روافد جديدة من الثقة الدولية

لا يمكن تجاهل الأثر الإيجابي الذي أحدثته تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة، لا سيما في أدوات الدين الحكومية، كما أن حصول مصر على دفعة مالية جديدة من صندوق النقد الدولي بقيمة 1.2 مليار دولار، إلى جانب مساعدات أوروبية، شكّل رافعة جديدة للاحتياطي الأجنبي، ومصدر دعم قوي لاستقرار الجنيه.

يتمثل أحد المؤشرات المهمة على تزايد الثقة الدولية في زيادة تحويلات المصريين بالخارج، والتي ارتفعت بنسبة 12% خلال الربع الأول، لتبلغ 9.3 مليار دولار.

هذه التحويلات، إلى جانب الانتعاش الملحوظ في إيرادات السياحة التي تجاوزت 4.5 مليار دولار خلال نفس الفترة، وفرت مصادر مستقرة من العملة الصعبة لدعم سوق الصرف.

"كل هذه العوامل تتضافر معاً لتعزيز موقف الجنيه المصري" وهو ما عزز من نظرة المستثمرين الأجانب إلى مصر كوجهة أكثر استقراراً للاستثمار، بعد سنوات التردد.

الجنيه يستعيد هيبته

الخلاصة أن الجنيه المصري في الربع الأول من 2025 لم يكن فقط عملة مستقرة، بل كان مرآة لما تحقق من إصلاحات اقتصادية حقيقية وما نشهده اليوم هو تحول نوعي في فلسفة إدارة الاقتصاد، يقوم على المرونة، والمصارحة، والتوازن بين احتياجات الداخل وثقة الخارج.

ورغم أن التحديات لا تزال قائمة، خاصة في ظل استمرار التوترات الإقليمية والضغوط على الأسواق الناشئة، فإن ما تحقق حتى الآن يبرر بعض التفاؤل، ويؤكد أن الجنيه بدأ يستعيد ما فقده، لا بالقوة، بل بالعقل والحكمة والسياسات المستندة إلى البيانات.

الجنيه المصري اليوم ليس فقط ورقة نقد، بل شهادة حية على أن الثقة تُبنى بالإرادة، وأن الإصلاح الحقيقي يثمر، ولو بعد حين.

طباعة شارك فاتورة الاستيراد سعر صرف الاقتصاد المصري خلال الربع الأول من عام 2025 السياسات النقدية تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة صندوق النقد الدولي الجنيه المصري الجنيه المصري في الربع الأول

مقالات مشابهة

  • القومي لحقوق الإنسان في مستشفى العباسية لهذا السبب
  • محمد صبيح يكتب: نظرة متفائلة للجنيه المصري أمام الدولار
  • هذه الحرب مختلفة عن كل الحروبات التي عرفها السودان والسودانيون
  • الرئيس أحمد الشرع: وخلال الستة أشهر الماضية، وضعنا أولويات العلاج للواقع المرير الذي كانت تعيشه سوريا، وواصلنا الليل بالنهار، فمن الحفاظ على الوحدة الداخلية والسلم الأهلي، وفرض الأمن وحصر السلاح، إلى تشكيل الحكومة واللجنة الانتخابية.
  • محافظ المنيا يدشن مبادرة لتعزيز الوعي وحماية النشء من العنف تحت شعار "نحو طفل واع"
  • محافظ المنيا يدشن مبادرة مجتمعية لتعزيز الوعي وحماية النشء من العنف والايذاء
  • المجلس الاقتصادي: ضعف التأطير والإرشاد الفلاحي من أهم الاكراهات التي تواجه الفلاحة العائلية
  • وزير الخارجية أسعد الشيباني: نشارك هذا الإنجاز شعبنا السوري الذي ضحّى لأجل إعادة سوريا إلى مكانتها التي تستحق، والآن بدأ العمل نحو سوريا العظيمة، والحمد لله رب العالمين. (تغريدة عبر X)
  • د.محمد عسكر يكتب: انتهاك التطبيقات لخصوصية المستخدمين
  • عبد القادر بوعامر يُتوج بفضية بطولة العالم للجودو لذوي الهمم