المفتي: فلسفة التشريع الإسلامي تحرص على تحقيق الريادة الحضارية والتآخي بين الناس
تاريخ النشر: 26th, January 2025 GMT
قال الأستاذ الدكتور نظير محمد عيَّاد– مفتي الجمهورية، رئيسُ الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم: إننا عندما ننظر إلى الواقع، فإننا نقف على جملةٍ من الأمور التي تتعلَّق بالإنسانية والمسلمين، خاصَّة في ظل وجود حالةٍ من التنازُع والتشرذُم بين المسلم وأخيه المسلم، مشيرًا إلى أن فلسفة التشريع الإسلامي تحرص على تحقيق مصدر التآخي بين الناس، وقد قامت على هذا المبدأ الأصيل، فهي تنظر إليه على أنه الركيزة الأولى والمدخل الرئيسي لتحقيق الأُخوَّة الإنسانية والريادة الحضارية التي ننشدها جميعًا.
وتابع المفتي خلال مشاركته في ندوة "الفتوى وأثرها في تحقيق الوحدة الإسلامية"، التي استضافها جناح مجلس حكماء المسلمين بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، اليوم الأحد، وتحدث فيها فضيلة مفتي الجمهورية إلى جانب الأستاذ الدكتور سمير بودينار - مدير مركز الحكماء لبحوث السلام-: أن فلسفة التشريع الإسلامي تقوم على حرص الإسلام على تحقيق مصدر التآلف والتآخي والتوحُّد بين الإنسان وأخيه الإنسان، وكذلك بين المسلم وأخيه المسلم بشكل خاص، ذلك لأن فلسفة الإسلام تنطلق من قولِ الله عز وجل: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}، مشيرًا إلى أن هذه الآية تقوم على الوحدة بين المسلم وأخيه المسلم.
ولو توقَّفنا عند العنصر الرئيسي، سوف نجد أن المبدأ الأصيل الذي قامت عليه هذه الفلسفة هو التأكيد على الوحدانية المطلقة لله، وهذه الوحدانية هي مقصد كافَّة الأنبياء، ومن ثَم نلحظ هذه الوحدة في مضامين الرسالة الغرَّاء التي حملها الإسلام. ويمكن أن نقف من خلالها على أن فلسفة التشريع الإسلامي تقود لمصلحة البلاد والعباد، فالوحدانيَّة لله تعالى هي مقصد للناس جميعًا.
وأضاف مفتي الجمهورية أنه: لا يمكن أن نقف أمام هذه الأركان دون أن تأخذ عقلك إلى هذه الوحدة التي حافظ عليها الإسلام؛ فالصلاة على الرغم من مواقيتها المختلفة بين دولة وأخرى، إلا أنها محدَّدة بشروط مُعيَّنة وتفاصيل دقيقة وأركان وأصول تربط الناس من خلال هذه العبادة ومن خلال وحدة القِبلة والمعبود. فالجميع يصطفُّ لرَبٍّ واحدٍ في عبادة واحدة. والأمر ذاته يتأكَّد من خلال شروط الزكاة التي تقوم على وحدة النصاب ووحدة العام أو الحول.
كذلك الصيام، إذ يبدأ الناس الصيام من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ويمتنعون عن شهوتي البطن والفرج. كما تجمع شعيرةُ الحج الناسَ لمعبودٍ واحدٍ وشعائر واحدة وركن واحد؛ ومن ثَم فإن علَّة الشريعة أنها تُقرِّب ولا تُبعِّد.
كما أوضح المفتي أننا إذا تركنا الفلسفة التي قامت عليها الشريعة الإسلامية في إرساء مبادئ الوحدة بين الناس، وانتقلنا إلى قضية الفتوى لوجدناها تُعزِّز من الإخاء الإنساني بين المسلم والمسلم وبين المسلم وغير المسلم. فالمسلم يبحث عن الوِئام والاتفاق، والمفتي لا يستطيع أن يكشف عن هذه الغاية إلا إذا توفَّرت معه الأدوات والعلوم والمعارف؛ لأنها تدفع لإزالة الإشكال بين النصوص وغيرها من الأمور، لنصل في النهاية إلى تحقيق مبدأ الوحدة والاتحاد.
في السياق ذاته، أكد المفتي أننا عندما نتوقف أمام الفتوى وما يتعلق بها من أمور، لا بد أن نشير إلى الأمر الأول، وهو كونها مهمَّةً عظيمةً؛ فالله عز وجل هو مَن تولَّى الإفتاء بذاته، ثم نقله إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ثم الخلفاء الراشدين، ثم العلماء.
ط
وتابع: أما الأمر الثاني، فهو أن هذه المهمة مع عِظَم قدرها إلا أنه لا بد أن ننظر إليها على أنها الحصن الآمن للمجتمع. وهنا ننظر قليلًا إلى علاقة الفتوى بالمقاصد الشرعية، وإذا ما نظرنا إلى علاقة الفتوى بهذه المقاصد أدركنا أن البقاء للبلاد والمحافظة على العباد لا تتأتَّى إلا من خلال الفتوى الرشيدة، ومن ثَم فهي مسؤولية مشتركة بين المفتي والمستفتي. فالمفتي يُدرِك عِظَم المسؤولية؛ فهو المُبلِّغ عن الله، أما المستفتي فلا بد أن يدرك أن المفتي يُبيِّن له الحكم وفقَ ما وقف عليه من أسئلة، ومن ثم فلا بد أن يترفَّع عن الأهواء؛ ولهذا نجد أن المفتي لا يتوافر فيه مجرد العلم فحسب، بل يجب أن يتوافر فيه العلم والهِبة الفِطريَّة والذكاء الفِطري ليقف على صِدق المستفتي من عدمه.
ومن هنا، أُحيِّي التجربةَ التي وقفَتْ عليها المؤسسات الدينية في حرصها على الالتزام بالفتوى وآدابها ومراعاة ما يتعلق بالمفتي والمستفتي حتى يتم إنزال الحكم الشرعي في موضعه.
وأشار إلى قضية الفتوى والعلاقة بين المفتي والمستفتي، وكيف أن السؤال المعروض والإجابة عليه يُسهمان في خلق الأمن المجتمعي. وكيف أن جنوح المفتي أو المستفتي إلى الباطل لِهوًى أو منفعةٍ أو شهوةٍ يؤدِّي إلى إنزال الحكم على غير مُرادِه، مما ينتج عنه نظرة جائرة للشريعة ساعد عليها إما جرأة مُفتٍ أو تدليسُ مُستفتٍ. قائلًا: إذا كنا نتحدث عن أمنٍ مجتمعي، فلا بد أن يُراعَى في الفتوى أمانة السائل وسَعَة أفق المفتي، حتى يكون الحكم في موضعه والرأيُ في محله المعهود.
كذلك تحدَّث عن أهمية تعزيز الأُخوَّة الإسلامية، موضحًا أن دار الإفتاء تنطلق في تحقيق هذا الأمر من خلال عدة أمور:
الأول هو انطلاقها من المصدر الأول للتشريع الإسلامي، وهو القرآن الكريم الذي يضع قواعد كليَّة تُسهم في إيجاد حلول لكثير من القضايا.
أما الأمر الثاني فيتعلق بنظرة دار الإفتاء إلى السنة النبوية باعتبارها المصدر الثاني من مصادر التشريع، حيث ننظر إليها باعتبارها المُذكِّرة التفسيرية لما جاء في القرآن. مؤكدًا أنه من خلال القرآن الكريم وسُنة النبي صلى الله عليه وسلم يمكن أن يصل الإنسان إلى أمنٍ مجتمعي وفكري يتحقق من خلال القراءة المتأنِّية للنصوص الدينية.
وأشار إلى قضية التطرف والغلو، موضحًا أن نصوص القرآن تربط بين هذين الجانبين بنطاقٍ مُحكَم من خلال تضييق النطاق على قضية التكفير والغلو.
في السياق ذاته، أشار فضيلة المفتي إلى الأمر الثالث الذي تُعنَى به دار الإفتاء، وهو تَبنِّيها للتعدديَّة الثقافية والفكرية.
موضحًا أن دار الإفتاء تحرص على عرض جميع الآراء المتعددة والمذاهب الفقهية المختلفة، وجميعها يتقارب في شِقها الأعظم. كما أكد أن دار الإفتاء تعمل أيضًا على نبذ الغلو والتطرف، وقد قطعت أشواطًا في العمل على تصحيح المفاهيم، وأصدرت جملةً من الإصدارات العلمية التي تُعنَى بذلك.
كما ترى الدار أن المفتي لا بد أن يكون مُلمًّا بمسألة الأمن الفكري، ومن ثَم يتم تدريبه على جملة من العلوم الاجتماعية والفقهية والإنسانية، مما يُعِينه على اختيار الفتوى المناسبة في الوقت المناسب.
من جانبه قال الأستاذ الدكتور سمير بو دينار - مدير مركز الحكماء لبحوث السلام: قال إن الوضع الراهن يؤثر في تغيير أولويات الفتوى، موضحًا أن الفتوى من صميم دور العلماء وأنهم ورثة الأنبياء. وتابع: عندما نرى تاريخ المسلمين نجد أن الفتوى صورة واضحة لحال الأمة. ومتى أدَّت الفتوى دورَها أدت إلى الوحدة والإخاء. وذكر أن ما يحول دون أداء الفتوى لدورها هو عدم تصدي المختصين لها، أو عدم طلب الفتوى من أهل الاختصاص. فالفتوى لها دور أساسي، ومن خلال علمائها يمكن أن نحفظ الأمن الفكري للأمة بأسرها.
وفي الختام تطرَّق إلى دور المؤسسات البحثيَّة في تحقيق الأُخوَّة الإنسانية، مشيرًا إلى الدور التكاملي بين المعرفة الشرعيَّة والاجتماعية والإنسانية لإدراك الواقع. وكذلك قضية التمكُّن والرسوخ والخبرة العلمية التي تعدُّ معيارًا لمن يتصدَّى لإفتاء الناس، وأن مراكز الأبحاث لها دور كبير في تأهيل هذه الأجيال من المتصدِّين للإفتاء.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: مفتي مفتي الجمهورية معرض القاهرة الدولي للكتاب ندوة مجلس حكماء المسلمين مفتی الجمهوریة دار الإفتاء بین المسلم موضح ا أن لا بد أن من خلال بد أن ی ومن ث م التی ت
إقرأ أيضاً:
تحقيق إسرائيلي يكشف تحولات تاريخية بالضفة خلال السنوات الأخيرة
كشف تحقيق لهيئة البث الإسرائيلية عن تحولات وصفت بالتاريخية في الضفة الغربية المحتلة خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وأشار إلى أن هذه السنوات شهدت إقامة 140 نقطة استيطانية جديدة على مساحة تقدر بنحو مليون دونم، وهو ما يمثل 4 أضعاف كل المستوطنات القديمة.
ونقل التحقيق عن ضابط بالجيش الإسرائيلي خدم سنوات طويلة في قيادة المنطقة الوسطى أنه مع تسلم قائد المنطقة آفي بلوت منصبه انقلبت الأمور رأسا على عقب، وبدأت تمارس سياسة مختلفة تماما في الضفة إذ ظهرت البؤر الرعوية الاستيطانية فجأة، مشيرا إلى أن الجيش اضطر إلى قبولها كأمر مسلم به.
وأشار الضابط إلى أنه منذ يوليو/تموز 2024 بدأت تتشكل معالم منظومة لإقامة بؤر رعوية استيطانية بالتعاون مع قادة المنطقة الوسطى، وأضاف "نحن مشاركون في التمهيد لإقامة النقاط الاستيطانية الرعوية وهناك شيء منظم لإقامة هذه النقاط، والجيش يخصص جنودا لحمايتها وهم في الغالب من الاحتياط ويعيش بعضهم في داخلها أو في جوارها".
وقال "هناك شيء يبدو مثل لواء لحماية هذه النقاط التي تؤدي إلى احتكاكات مع الفلسطينيين، وثمة مستوطنون يعرقلون حركة الفلسطينيين ويغلقون الطرق لعدة ساعات أمام مركباتهم ويجبرونهم على تقديم بطاقات الهوية".
وكشف التحقيق عن رسائل تحذيرية صدرت من داخل المؤسسة الأمنية بشأن تداعيات هذه السياسة في الميدان، وعن حجم أحداث العنف اليهودية في الضفة، وذكر التحقيق أن هذه التحذيرات لم تجد أذنا صاغية.
وأشار إلى أن عضو الكنيست جلعاد كريف طالب المستشارة القضائية للحكومة الإسرائيلية، غالي بهاراف ميارا، بفتح تحقيق بشأن ارتكاب وزراء مخالفات جنائية بسبب ضلوعهم في عمليات غير قانونية في الضفة الغربية، كما كشف تحقيق هيئة البث أن بعض النقاط الاستيطانية في الضفة تحظى بدعم وزارات إسرائيلية بشكل مخالف للقانون.
انقلاب
وكشف التحقيق، بناء على تسريبات ووثائق، أن ما يجري في الضفة يشبه الانقلاب، وكشفت مصادر أنه في بعض الأحيان يكفي مستوطن واحد للسيطرة على عشرات آلاف الدونمات من أراضي الفلسطينيين. ووفق تسريبات، فإن بعض الأراضي التي يجري الاعتراف بها كأراضي دولة تنقل إلى مستوطنين للعيش فيها والسيطرة عليها، وفق خطة أعدها وزير المالية الإسرائيلي اليميني بتسلئيل سموتريتش.
إعلانووفق التحقيق، فإن كل ما يُطلب من المستوطن للحصول على تصريح للسيطرة على آلاف الدونمات وإقامة نقطة استيطانية رعوية هو الحصول على بعض الماشية فقط.
ونقل التحقيق عن مستوطن قوله إن ثمة ما يسمى تصريح رعي الأغنام، إذ يمنح المستوطن تصريحا بالرعي بداية ويحصل بموجبه على آلاف الدونمات من أراض تم تحويلها إلى أراضي دولة، ثم تبدأ النقطة الرعوية بالتحول على نقاط استيطانية تقام فيها المباني، وتعمل الحكومة بعد ذلك على تنظيم مسار للاعتراف بها.
كما كشف أن حزب الصهيونية الدينية بزعامة سموتريتش استطاع تغيير الواقع في الضفة من دون الحصول على قرارات من الحكومة أو عقد مشاورات لبحث التداعيات الأمنية عبر إقامة عشرات النقاط الرعوية.
وقال الوزير سموتريتش لهيئة البث: "نحن نغير بشكل جذري ما يجري في الضفة"، وأضاف "حققنا إنجازات كبيرة وهذه هي مهمة حياتنا، مهمة حياتي هي منع إقامة دولة فلسطينية، ويجب فرض حقائق في الميدان، وهناك تعاون رائع مع الجيش" بهذا الشأن.
من جانبها، قالت وزيرة الاستيطان أوريت ستروك "نحن نصحح في 3 سنوات أضرار 30 سنة من اتفاق أوسلو"، مشيرة إلى أنها تعمل بالتعاون مع جهات في الجيش، كما تعمل في بعض الأحيان بالتنسيق مع قيادة المنطقة الوسطى التي ترى أن ثمة نقاطا رعوية جيدة ويحب الحفاظ عليها".
وقال ضابط في قيادة المنطقة الوسطى إن "القيادة تحولت خلال السنوات الأخيرة إلى ذراع لسموتريتش والوزيرة ستروك، والآن هناك منظومة بالجيش لإقامة نقاط رعوية وكل شيء يجري بتعاون كامل".
خطة سموتريتش
ووفق التحقيق، فإن تسريبات لقيادات المستوطنين تشير إلى أن مقربين من الوزير سموتريتش تفاخروا مؤخرا بأن سنة 2024 كان الذروة في الاعتراف بأراض في الضفة على أنها أراضي دولة، فقد وصل الأمر إلى الاعتراف بنحو 24 ألف دونم في هذه السنة، مقارنة بـ13 ألف دونم خلال 10 سنوات سابقة.
وكشفت مصادر للهيئة أن خطة سموتريتش تقضي بالسيطرة على 82% من أراضي الضفة الغربية بواسطة التواصل الجغرافي بين المستوطنات، وأن الوزيرة ستروك تعمل على تزويد النقاط الجديدة بالعدة والعتاد ومدها بالتمويل والخدمات، في حين يساعد الجيش على شق طرق استيطانية، كما كشف عدد من المستوطنين.
وقال مستوطن لهيئة البث "نحن نفحص الأماكن والأراضي التي فيها سيطرة فلسطينية كبيرة، وبناء على ذلك نرى أنه يجب أن نعمل بها وندخلها، ونحصل على موافقات كي نتحرك ونفرض وجودنا".
وحسب التحقيق، تضاعف البناء اليهودي غير القانوني بشكل كبير خلال العام الماضي في الضفة، إذ أقيم 210 مبان غير قانونية بالضفة مقابل 127 السنة الماضية.
وقال قائد المنطقة الوسطى السابق في الجيش غادي شيمني إن سموتريتش يدير سياسة خاصة مثل طابور خامس داخل وزارة الدفاع من أجل سياسته هذه.
ونقلت هيئة البث عن قائد في الجيش الإسرائيلي تحذيره من استمرار توسيع الاستيطان الرعوي، وقالت إنه أرسل للقيادة بشأن عنف المستوطنين، مشيرا إلى أنه ارتفع خلال 2025، وشمل اشتباكات عنيفة مع مواطنين فلسطينيين وقوات الجيش والشرطة، مؤكدا أنه يكبل يد القوات الإسرائيلية في فرض القانون على الأرض.
إعلان