النقد البناء.. سُنة الحياة ومفتاح التقدم المستدام
تاريخ النشر: 1st, February 2025 GMT
د. إبراهيم بن سالم السيابي
النقد البنَّاء يعد ظاهرة صحية ضرورية في أي مجتمع أو بيئة عمل؛ حيث يساعد في تحسين الأداء وتطوير الأفكار، إنه ليس مجرد توجيه للانتقادات كما يعتقد البعض؛ بل هو أداة مهمة لتحفيز التغيير والنمو الشخصي والجماعي، وبدلًا من الخوف أو الخجل منه، يجب أن نراه فرصة للتعلم والتحسين.
والنقد البنَّاء يعزز من الشفافية ويدفعنا لتصحيح الأخطاء، او يعالج أي انحراف عن الخطط او الاهداف الموضوعة، وهو يعد كذلك فرصة لتطوير العمل أي كان نوعه، كما أنه يجب علينا أن نستقبل النقد بشكل إيجابي يعكس نضجًا فكريًا ورغبة في التطور المستمر، فالنقد هو جزء لا يتجزأ من التقدم والابتكار في كافة المجال وليس مجرد وسيلة لتقييم الأفعال أو القرارات فحسب، فكل يوم نشهد تقدما من خلال ابتكارات واختراعات جديدة، وتحسينات على المنتجات، أو على أداء الخدمات أو كذلك ما نشهده من تعديلات في السياسات العامة، هذا التقدم ليس صدفة؛ بل هو نتيجة لعملية نقدية مستمرة تتسم بالبنَّاء والتوجيه نحو الأفضل.
النقد البنَّاء هو المحرك الأساسي لكل عملية تطور وبنَّاء لمستقبل مستدام في كافة المجالات، فالنقد هو عكس عملية الجمود والرضا بالقناعة بعد الوصول الى نتيجة ما والوقوف على هذه النتيجة، فكل اكتشاف علمي أو ابتكار تقني على سبيل المثال لم يكن ليحدث لو لم يكن هناك نقد مستمر وبنَّاء للأفكار السابقة، وتقييم دقيق للمعلومات والنتائج، بالتالي النقد لا يعنى بالشخوص أو بالمؤسسات أيًا كانت، ولكنه سنه كونية في هذه الحياة للسعي بلا كلل ولا ملل نحو الافضل.
ففي العلوم والتكنولوجيا؛ يعتبر النقد البنَّاء ركيزة أساسية في تطور النظرية والتطبيق، وفي السياسة والإدارة العامة يُسهم النقد البنَّاء بشكل كبير في تحسين فعالية الأنظمة والسياسات، من خلاله، يتم تقييم القرارات الحكومية بعيدًا عن التهويل أو التراخي، ويُركز على الحلول العملية التي تساعد في تصحيح المسارات وتحقيق أفضل النتائج للمجتمع وتحقيق رفاهية المواطنين، ومن خلال طرح النقد البنَّاء، يمكن للمواطنين أنفسهم أن يساهموا في دفع عجلة التغيير الإيجابي وتحقيق الشفافية.
وفي الاقتصاد والمجتمع يُعد النقد البنَّاء أداة أساسية لتحليل الأنظمة الاقتصادية وتحديد أوجه القصور والفرص، من خلاله، يمكن تطوير استراتيجيات اقتصادية تهدف إلى تحسين حياة المواطنين وضمان استدامة التنمية، كما أن النقد البنَّاء يساعد في تصحيح السياسات الاقتصادية التي قد تؤدي إلى تراكم المشكلات الاجتماعية والاقتصادية.
ويُعد النقد البنَّاء ضروريًا لضمان لاستمرار التقدم وتحقيق التغيير في مختلف المجالات، فلولا النقد البنَّاء لما حقق الإنسان هذا التقدم؛ فالنقد البنَّاء لا يقتصر على اكتشاف الأخطاء؛ بل يسهم في تحسين الأداء من خلال اقتراح حلول عملية تُساهم في رفع الجودة وتحقيق التميز، والنقد البنَّاء هو الذي يعزز من قدرة القادة على اتخاذ قرارات أكثر فاعلية، ففي المؤسسات الحكومات أو المؤسسات العامة والخاصة يساعد النقد البنَّاء في إعادة تقييم السياسات واتخاذ خطوات تصحيحية قائمة على ملاحظات حقيقية، مما يؤدي إلى تحسين سير العمل أو الأداء الحكومي او في المؤسسات العامة أو الخاصة.
وعندما يُمارس النقد البنَّاء بشكل منتظم، يساهم في الوقاية من الفساد والهدر، ذلك أن النقد البنَّاء يركز على تجنب الأخطاء في القوانين والأنظمة الهشة أو غير الفعالة، مما يساعد في تحسين الأداء المؤسسي والحوكمة.
لكن حتى يكون النقد البنَّاء أداة فعّالة، يجب أن يُمارس وفق شروط علمية و كذلك أخلاقية واضحة، من خلال التحليل العميق للبيانات والمعلومات المتاحة واستخدام الأدوات الصحيحة للنقد، بدلًا من مجرد إبداء الآراء السطحية، يجب أن يكون النقد البنَّاء موضوعيٌ، ويتجنب الانفعالات الشخصية أو الهجوم على الأفراد أو شخوص؛ بل يركز على القضايا والقرارات والمواضيع وكذلك يجب أن يراعي النظام العام واحترام القوانين والأنظمة واحترام خصوصية المجتمع.
والنقد البنَّاء لا يقتصر على إلقاء اللوم أو التعليق السلبي؛ بل يجب أن يتضمن حلولًا عملية وقابلة للتنفيذ، من خلال تقديم اقتراحات واضحة لتحسين الأداء أو تصحيح المسار، حتى يصبح النقد أداة قوية للتحفيز على التغيير الإيجابي.
وفي الختام، النقد البنَّاء للأداء هو سنة كونية في هذه الحياة، فهو المحرك الأساسي للابتكار النمو المستدام من خلاله نتعلم من الأخطاء، نطور حلولًا أفضل، ونبني أُسسًا جديدة نحو مستقبل أكثر تقدمًا، وأن ممارسة النقد البنَّاء هي عملية مستمرة لا يمكن الاستغناء عنها إذا أردنا تحقيق التقدم في أي مجال من مجالات الحياة، وعندما يُمارس النقد بعناية، فإنه لا يقتصر على تسليط الضوء على بعض العيوب أو الملاحظات والاخطاء فقط؛ بل يتحول إلى أداة تحفز التغيير الايجابي الفعّال وتدفع بمؤسسات المجتمع نحو الأمام.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الكرة المصرية تستوجب التغيير
جاءت البطولة العربية لكرة القدم 2025 المقامة حاليًا بقطر، لتكشف لنا وللعالم من حولنا عن الوضع المتردي، والمأساوي الذي وصلت إليه الكرة المصرية الآن، وذلك بعد الأداء الباهت والضعيف وغير العصري لمنتخب مصر الثاني لكرة القدم بقيادة المدرب "حلمي طولان"، لقد خرج المنتخب، ولاعبوه خروجًا مهينًا، أحرج معه الجماهير المصرية في الداخل والخارج، وبخاصة الذين شاهدوا المنتخب.. خروج أساء لتاريخ الكرة المصرية، وذلك بعد أن كُشف لنا مدى تقدم الدول العربية المشاركة، ومدى عزيمتها، وتفانيها في اللعبة، باعتبار رياضة كرة القدم إحدى الوسائل التي تبرز قوة الدولة، وتقدمها في مجال من المجالات، وبخاصة عندما يرفرف علمها خلال المنتديات والبطولات الدولية، ومن خلال الأداء المشرف لمنتخباتهم، إلا أن الحال الآن قد كشف لنا وللسادة المسؤولين بالدولة بأن الكرة المصرية صاحبة التاريخ العريق قد أصبحت في ذيل الركب، والدليل على ذلك هذا الأداء التقليدي الذي عفا عليه الزمن، ولم يعد له مكان وسط حداثة لعبة كرة القدم وتطورها، واستعداد الدول لتواكب منتخباتها الركب العالمي، والدليل على تأخر أداء اللاعبين، والمدربين والفنيين المصريين ليس فقط بطولة كأس العرب، بل ظهر ذلك جليًا في منتخبات الشباب وبخاصة المشاركين في بطولة كأس العالم للشباب والناشئين الذين خرجوا أيضًا سريعًا من البطولات وهم في ذيل القائمة أيضًا رغم الأموال الطائلة التي أثقلت- ولا تزال- كاهل الخزانة المصرية، وحتى المنتخب الأول الآن دون أن نكذب على أنفسنا، أو يخوننا الوقت المتبقي، فإنه ليس ببعيد هو الآخر عن تلك النكبة، وذلك بعد نتائجه الباهتة، وغير المطمئنة خلال المباراتين الوديتين الأخيرتين، ما يستوجب سرعة التدخل والإصلاح، لتفادي الإساءة لسمعة مصر، وبخاصة أننا أصبحنا على مشارف المشاركة في كأس الأمم الإفريقية بالمغرب، ومن بعدها مشاركة المنتخب في كأس العالم المقبلة.
إننا ندعو المسئولين بالدولة على رأسهم السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي لسرعة التدخل لإنقاذ، وإعادة إحياء تلك المنظومة بشكل متطور، ومواكب للعصر، وذلك بعد أن طال الكرة واتحادها الفساد والهوان والعجز، ومن ثمّ التأخر والتخلف عن الركب العالمي، ما يستوجب التخلص من كل المسيطرين على تلك المنظومة بلا استثناء، ومحاسبة المسئولين عن هذا الفساد والوضع المهين الذي أضر بسمعة مصر والمصريين، ولقد أصبحت كرة القدم كغيرها من المؤسسات الفاعلة، والهامة في كل دولة تعني الحداثة، والدراسات العلمية والأكاديمية، واكتشاف المواهب الحقيقية، تلك المواهب التي تمتلئ بها شوارع، وحواري المدن والقرى المصرية، وحتى من أبناء مصر في الخارج، ولهذا يجب التصدي للمحسوبية، ولكل المسيطرين الذين أضروا، وظلموا الكثير من اللاعبين الموهوبين، ومن الأمثلة الدالة على هذا الظلم هو الظلم الذي تعرض له اللاعب الراحل "أحمد رفعت".
وفي حقيقة الأمر، فليست الكرة والرياضة وحدها التي تكلف الدولة المليارات بلا طائل، وليست هي وحدها يا سيادة الرئيس التي تحتاج منك التدخل، وسرعة إحداث التغيير، بل فإن حال الوطن وكثير من مؤسساته، ووزاراته الآن تستوجب من سيادتكم محاسبة الفسدة والمقصرين، بل وإحداث التغيير الناجز، هذا التغيير الذي يستوجب أيضًا، ولربما تغيير الحكومة كاملة بلا استثناء، وذلك من أجل ضخ دماء، وكوادر، وخبرات جديدة يزخر بها الوطن على غرار ما تفعله الدول الكبرى، وذلك من أجل تحديث الوطن، ونهضته في شتى المجالات، وبما يتناسب مع سمعة مصر، وقوة رئيسها، وشعبها قبل فوات الأوان.