بجعات سوداء وبجعات رمادية
تاريخ النشر: 4th, February 2025 GMT
بقلم: كمال فتاح حيدر ..
المقصود بالبجعات: كل الأحداث غير المحتملة، التي تترك آثارها المدمرة على الأسواق المالية والاقتصاديات الدولية. والتي لا يمكن التكهن بنتائجها المتطرفة، ولا يتصدى لها الخبراء إلا بعد حدوثها. وغالبا ما يُنظر إليها على أنها مفاجأة وغير مألوفة، لأنها تتحدى الحكم العام، وتعارض النماذج والنظريات المعتمدة.
وبالتالي هي أزمات عالمية مزلزلة تعصف باقتصاديات البلدان المتقدمة. .
أما أول من انبرى لرصدها وتشخيصها فهو شيخ الخبراء نسيم نيقولا طالب، (أمريكي من اصل لبناني)، وتناولها عام 2007 في كتابه الموسوم: البجعة السوداء (The Balck Swan). وتحدث في الكتاب عن مخاطر القفزات العلمية المفاجئة والمتوالية، والأحداث التاريخية المباغتة التي ظهرت كأنها (بجعات سوداء) وكانت تمثل طفرات وزوابع غير متوقعة. مثال على ذلك: ظهور شبكة الإنترنت، والكمبيوتر، وهجمات 11 سبتمبر 2001 كأمثلة على ظهور البجعات السوداء وآثارها الكارثية المدمرة. .
يحذر المؤلف مؤخرا في لقاءاته المتلفزة من تداعيات مربكة سوف يهتز لها العالم، أطلق عليها (البجعات الرمادية) التي قد تضرب الأسواق المتفائلة بالذكاء الاصطناعي، ويرى انها اكثر غموضا وتعقيدا من البجعات السود، وبخاصة بعد الهزة التي أحدثها تطبيق DeepSeek (ديب سيك)، فهي في منظوره منطقة رمادية غير واضحة الملامح، وظهرت بعض البجعات في واحات الذكاء الاصطناعي، واللافت للنظر اننا لا نمتلك صورة دقيقة عن مستقبل الذكاء الاصطناعي وتكاليفه وأرباحه، فالتكاليف التي أنفقتها الصين لإنتاج برنامج DeepSeek اقل بآلاف المرات من التكاليف التي أنفقتها أمريكا على برنامج ChatGPT، من هنا يرى المؤلف ان الخبراء قد يكتشفون فجأة انهم أخطئوا في حساباتهم وفي توقعاتهم، وخير مثال على ذلك ما حدث لشركة (انفيديا) التي انهارت فجأة، وفقدت اكثر من 600 مليار دولار من قيمتها السوقية في يوم واحد. فكانت خسارتها الفادحة وخزة تحذيرية مبكرة لبقية الشركات المهددة بهزائم منكرة امام تعاظم قوة التنين الصيني. .
ثم إن التقارب بين قدرات التضليل التي تنتجها تطبيقات الذكاء الاصطناعي وتنشرها عبر منصات التواصل الاجتماعي تهدد بخلق أزمات حقيقية، وذلك بسبب قدراتها الفائقة على توليد وتوزيع أفلام ومقاطع كاذبة يصعب التشكيك بها، ناهيك عن قدرات الذكاء الاصطناعي على التلاعب بعواطف الناس، وتضليل الرأي العام، والتي يمكن أن تؤدي إلى فقدان الثقة. وقد انتشرت الآن نماذج متطورة للتضليل تباع بسعر 800 دولار فقط، وهي قادرة على توليد محتوى يبدو أصليا بنسبة 90% ، وهذا يعني ان البجعة الرمادية سوف تدمر الشركات الكبرى والأحزاب السياسية عن طريق بث معلومات مغلوطة ومضللة تنتشر على نطاق واسع، وربما تقع بيد منظمات أرهابية تستغلها للضغط والابتزاز. .
وقد يصل دمج الذكاء الاصطناعي في الهياكل المؤسسية هذا العام إلى نقطة تحول حرجة، يترتب عليها إعادة هيكلة القوى العاملة بشكل كبير، في حين تشير الحسابات الى احتمال تسريح آلاف الموظفين. .
وهنالك بجعة رمادية مختبئة في مكان ما من الشرق الأوسط، توحي بسلسلة من الأحداث، قد يتحول فيها الصراع إلى حرب إقليمية سوف تترك آثارها على أسواق الطاقة العالمية، وعلى الأمن البحري في المضايق والممرات الملاحية. .
ختاماً. سوف يشهد هذا العام ظهور أسراب من البجعات السوداء والرمادية. . والله يستر من الجايات . . د. كمال فتاح حيدر
المصدر: شبكة انباء العراق
كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات الذکاء الاصطناعی
إقرأ أيضاً:
الذكاء الاصطناعي يوجه المسيّرات رغم العوائق الطبيعية
في مهمة لإطفاء حرائق الغابات في سلسلة جبال سييرا نيفادا، قد تجد طائرة مسيّرة ذاتية التحكم نفسها تواجه رياح «سانتا آنا» العاتية التي تهدد بإخراجها عن مسارها. التكيف السريع مع مثل هذه التقلبات الجوية غير المتوقعة أثناء الطيران يمثل تحديًا هائلًا لأنظمة التحكم في وضع الطيران الخاصة بهذه الطائرات.
ولمواجهة مثل هذه التحديات، طوّر باحثون في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا «MIT» خوارزمية تحكم تفاعلي جديدة تعتمد على تقنيات تعلّم الآلة، قادرة على تقليل انحراف الطائرة عن مسارها المحدد حتى في مواجهة عوائق مفاجئة مثل هبوب الرياح.
وعلى عكس الطرق التقليدية، لا تتطلب هذه التقنية من المبرمج أن يكون على دراية مسبقة ببنية أو نمط هذه الاضطرابات. بدلاً من ذلك، يتعلم نموذج الذكاء الاصطناعي المستخدم في نظام التحكم كل ما يحتاجه من خلال بيانات ملاحظة تُجمع خلال 15 دقيقة فقط من الطيران.
الميزة الأبرز لهذه التقنية تكمن في أنها تحدد تلقائيًا خوارزمية التحسين الأمثل للتكيف مع هذه الاضطرابات، مما يعزز من دقة تتبع المسار. إذ تختار الخوارزمية الأنسب بحسب طبيعة الاضطرابات التي تواجهها الطائرة في كل حالة.
وقد درّب الباحثون نظامهم على تنفيذ هذين الأمرين معًا، التكيّف وتحديد الخوارزمية باستخدام تقنية تُعرف باسم التعلم الفوقي «meta-learning»، والتي تُعلّم النظام كيفية التكيّف مع أنواع مختلفة من الاضطرابات.
النتائج جاءت واعدة، إذ سجل النظام الجديد نسبة خطأ في تتبع المسار أقل بنسبة 50% مقارنة بالطرق التقليدية، سواء في المحاكاة أو في الظروف الحقيقية، كما أثبت كفاءته في التعامل مع سرعات رياح لم يسبق له مواجهتها أثناء التدريب.
يأمل الباحثون أن يُسهم هذا النظام مستقبلاً في تحسين كفاءة الطائرات المسيّرة في توصيل الطرود الثقيلة رغم الرياح القوية، أو في مراقبة المناطق المعرضة للحرائق في المحميات الطبيعية.
يقول نافيد عزيزيان، الأستاذ المساعد في قسم الهندسة الميكانيكية ومعهد البيانات والنظم والمجتمع «IDSS» بمعهد «MIT»، والباحث الرئيسي للدراسة: «قوة طريقتنا تكمن في التعلم المتزامن لمكونات النظام. من خلال الاستفادة من التعلم الفوقي، يتمكن نظامنا من اتخاذ قرارات تلقائية تحقق أفضل تكيف ممكن في وقت قصير».
شارك عزيزيان في إعداد الورقة البحثية كل من سونبوتشين تانغ، طالب دراسات عليا في قسم الطيران والفضاء، وهاويان صن، طالب دراسات عليا في قسم الهندسة الكهربائية وعلوم الحاسوب. وقد عُرض البحث مؤخراً في مؤتمر «التعلم للديناميكيات والتحكم»
التعلم على التكيف
تتغير سرعات الرياح التي قد تواجهها الطائرة في كل رحلة، لكن من المفترض أن تبقى الشبكة العصبية ودالة الانحدار المستخدمة ثابتتين، لتجنّب إعادة التدريب في كل مرة.
لتحقيق هذه المرونة، اعتمد الباحثون على التعلم الفوقي، ودربوا النظام على مجموعة من سيناريوهات الرياح المختلفة أثناء مرحلة التدريب.
يوضح تانغ: «الهدف ليس فقط أن يتكيف النظام، بل أن يتعلم كيف يتعلم. عبر التعلم الفوقي، يمكننا إنشاء تمثيل مشترك من بيانات متعددة السيناريوهات بسرعة وكفاءة».
في التطبيق العملي، يقوم المستخدم بتغذية نظام التحكم بمسار الطيران المطلوب، ويقوم النظام بحساب قوة الدفع اللازم في الزمن الحقيقي لإبقاء الطائرة على المسار رغم أي اضطرابات جوية.
وقد أثبت النظام كفاءته سواء في المحاكاة أو في اختبارات حقيقية، حيث تفوق على جميع الطرق التقليدية في تتبع المسار، حتى في الظروف الجوية القاسية.
يضيف عزيزيان: «حتى عندما تجاوزت قوة الرياح مستويات لم نشهدها في التدريب، أثبتت تقنيتنا قدرتها على التعامل معها بكفاءة».
واللافت أن تفوق النظام على الطرق الأخرى ازداد كلما زادت شدة الرياح، مما يدل على قدرته على التكيف مع البيئات الصعبة.
ويجري الفريق الآن تجارب ميدانية على طائرات مسيّرة حقيقية لاختبار النظام في مواجهة ظروف جوية متنوعة.
كما يسعى الفريق لتوسيع قدرات النظام ليتعامل مع اضطرابات متعددة المصادر في وقت واحد. فعلى سبيل المثال، تغير سرعة الرياح قد يغيّر من توزيع وزن الحمولة أثناء الطيران، خصوصاً عند حمل مواد سائلة.
كما يطمح الباحثون إلى تطوير خاصية التعلم المستمر، بحيث يتمكن النظام من التكيف مع اضطرابات جديدة دون الحاجة إلى إعادة تدريبه على البيانات السابقة.
وفي تعليق على البحث، قال بروفيسور باباك حسّیبي من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا «Caltech»، والذي لم يشارك في المشروع: «نجح نافيد وزملاؤه في الجمع بين التعلم الفوقي والتحكم التكيفي التقليدي، لتعلم الخصائص غير الخطية من البيانات. واستخدامهم لخوارزميات الانحدار المرآتي مكّنهم من استغلال البنية الجيومترية الكامنة للمشكلة بشكل لم تفعله الطرق السابقة. وهذا العمل قد يساهم بشكل كبير في تصميم أنظمة ذاتية التشغيل تعمل بكفاءة في بيئات معقدة وغير مؤكدة».
وقد حصل هذا البحث على دعم من عدة جهات، منها شركة «MathWorks»، ومختبر «MIT-IBM Watson» للذكاء الاصطناعي، ومركز «MIT-Amazon» للعلوم، وبرنامج «MIT-Google» للابتكار في الحوسبة.