عربي21:
2025-08-15@21:45:11 GMT

العالم العربي بين نموذج ديب سيك وشات جي بي تي

تاريخ النشر: 4th, February 2025 GMT

شكل ظهور تطبيق الذكاء الاصطناعي (ديب سيك) نهاية يناير 2025 هزة حقيقية في العالم، وتعددت المقالات المكتوبة بنوع من الانبهار، وإن كانت الأغلبية منها تردد الرواية الغربية حول «الغول الصيني المقبل» وهل ديب سيك قرص نماذج أمريكية، ولم يتم طرح التساؤل من وجهة نظر جيوبوليتيك من الجنوب، بما فيهم العالم العربي، ماذا يشكل لنا ديب سيك والتطبيقات المقبلة للذكاء الاصطناعي على منواله.



ومن أجل فهم أعمق لديب سيك هو ما قاله الرئيس التنفيذي السابق لشركة غوغل إريك شميدت، إن صعود شركة ديب سيك «نقطة تحول» في سباق الذكاء الاصطناعي العالمي، لأن الشركة الصينية وظفت موارد محدودة للغاية مع تحقيق نتائج تضاهي أو تتفوق على برامج شات جبيتي وجيريمي، التي وظفت مئات المليارات من الدولارات. ونقلت جريدة «ديلي الصين» في نسختها الإنكليزية منذ أيام أن تكلفة ديب سيك بلغت فقط 3% من تكلفة شات جي بي تي، في زمن صعب العثور فيه على مقارنة في الاستثمار بالنتائج نفسها في تاريخ الصناعات.

وذهبت معظم التحاليل الإعلامية إلى إبراز الصراع الجيوسياسي بين الصين والولايات المتحدة، الأخيرة تريد الحفاظ على الريادة في الذكاء الاصطناعي، بينما الأولى تريد تهديد عرشها، ضمن صراع يشمل مختلف المجالات العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية، وما زالت المنافسة في طورها الأول، كما أن مجال الذكاء الاصطناعي ما زال في مرحلته الأولى الجنينية، على الرغم من الانبهار الذي يخلفه بسبب تقدمه السريع، ما يجعل الكثير من الناس لا يدركون أهمية هذه السرعة. غير أن المنطق يرجح كفة تفوق الصين على المستوى المتوسط مستقبلا لعاملين وهما، أولا، تحقيق الصين تقدما مذهلا في المجال الرقمي، إذ كانت سباقة إلى تعزيز شبكة الجيل الخامس من الإنترنت، والآن تعمل على الجيل السادس، وشركاتها تتطور بشكل سريع، إذ أن ديب سيك ظهرت سنة 2023.

وفي ظرف سنة ونصف السنة تجاوزت نظيراتها الأمريكية أو هي تنافسها الند للند. ويتمثل العامل الثاني في تخرج عشرات الآلاف من المهندسين والباحثين سنويا من الجامعات الصينية بشكل يتجاوز عددهم تقريبا ليس الولايات المتحدة بل الغرب برمته، وهذا يغذي البحث العلمي والشركات الصينية بأطر بشرية كثيرة، بمعنى توجد وفرة في الصين ونقص كبير في المهندسين في الغرب الذي يعمل على استقطاب أطر من دول الجنوب لسد العجز..

وكان الفيلسوف الفرنسي إيمانويل تود قد ركز في كتابه الأخير «هزيمة الغرب» على هذا العامل ضمن عوامل أخرى لشرح تفوق الصين. وارتباطا بانعكاسات الذكاء الاصطناعي، تحذر مختلف الدراسات من الفوارق بين الدول، التي ستترتب عن الذكاء الاصطناعي، فنحن أمام دول قادرة على تطوير نماذج خاصة بها، وبالتالي ستضمن التقدم والرقي، وأخرى لا تستطيع وستعاني كثيرا، وستبقى تابعة للدول الغنية ومرتبطة بها في مظهر جديد للاستعمار الاقتصادي، إذ أن الدور الحقيقي للذكاء الاصطناعي هو توظيفه في مختلف أنواع البحث العلمي والصناعة، وهذا ليس في متناول الجميع. ويبقى تساؤل الجنوب من زاوية جيوسياسية هو: ماذا يشكل ديب سبك للجنوب، بما فيه العالم العربي؟

وممن سيستفيد هذا الجنوب، هل من الصين أم من الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة؟ سيكون الجواب أن الجنوب سيربح مع النموذج الصيني، ذلك أن الغرب، خاصة الولايات المتحدة تتحفظ على تفويت هذه التكنولوجيا الى باقي العالم للحفاظ على التفوق. وهذه صفة سلبية من صفات الغرب دائما في تعامله مع باقي الثقافات والشعوب غير الغربية، وأحيانا التي ليست أنكلوسكسونية. وعلاقة بهذه النقطة، تعمد واشنطن، لكي تكون الاستفادة من التقدم العلمي والتطبيقات، مقتصرا على ما يعرف بـ»الأعين الخمس» وهي الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا.

ويبقى الجوهري في نظام أو نموذج ديب سيك هو، أنه اعتمد على استثمار محدود للغاية لا يتجاوز بضعة ملايين من الدولارات، وحقق نتائج تتفوق على الشركات الأمريكية التي استثمرت مئات المليارات من الدولارات. وعليه، محدودية الاستثمار وتحقيق نتائج مبهرة سيكون حافزا للجنوب لتقليد النموذج الصيني. في الوقت نفسه، جعلت الصين ديب سيك مفتوحا للجميع وليس مغلقا، أي مفتوح المصدر بالكامل، ما يسمح للمطورين والمحترفين والجميع بالوصول السهل إلى الرموز التي استخدمها في تطوير النموذج.

بمعنى أن كل الدول، خاصة من الجنوب ستكون قادرة على إنتاج برنامج شبيه، وإن كان بدرجة أقل من الجودة. وعليه، كما وضعت الصين رهن العالم، خاصة الجنوب أدوات التنمية، خاصة الرقمية من هواتف وحواسيب بأسعار مناسبة للغاية، عكس الأسعار التي كان الغرب يفرضها، وما زال يفرضها في أدوات تنفرد بإنتاجها دون باقي العالم، تضع الآن نموذج ديب سيك.

وعالجنا في مقال سابق بعنوان «الصين ودمقرطة التنمية في العالم» في جريدة «القدس العربي» يوم 18 نوفمبر الماضي هذا الموضوع بين رؤية الصين وتصرفات الغرب، بشأن مصادر وأدوات التنمية في التعامل مع باقي الشعوب. ومن ضمن الأسباب التي تدفع الى التخوف من حرمان دول الجنوب من الذكاء الاصطناعي مستقبلا هو، هيمنة الولايات المتحدة على الرقائق الدقيقة التي تستعمل في معالجة المعلومات، مثل التي تنتجها شركة نفيديا، إذ أن حرمان الصين من النماذج المتقدمة لهذه الرقائق هو الذي دفع الصين إلى البحث أكثر والإبداع أكثر لتحقيق نتائج برقائق أقل تطورا.

والأخطر هو تلويح الغرب بإغلاق مصادر المعلومات والبيانات أمام باقي العالم، بمعنى أنه سيصبح الاطلاع على مصادر المعلومات لتوظيفها في تطوير الذكاء الاصطناعي شبه مستحيل، ذلك أن الحواسيب المخصصة للذكاء الاصطناعي مرتبطة بقاعدة بيانات عالمية مفتوحة وتغذيها باستمرار.

ونعيش حاليا حالة معبرة ودالة، كيف أن المعلومات بالعربية محدودة جدا، ولهذا تكون أجوبة الذكاء الاصطناعي ضعيفة مقارنة إذا ما تم طرح السؤال بالإنكليزية. ونلمس هذا في ويكيبيديا كيف أن النسخة الإنكليزية غنية بينما العربية فقيرة جدا. وقد بدأت معاهد عملية غربية تحجب الكثير من المعلومات والبيانات مخافة من استفادة الصين وروسيا منها، وسيكون المتضرر هو الجنوب ومن ضمنه العالم العربي.

وفي مقال بتاريخ 25 نوفمبر الماضي في «القدس العربي» أيضا بعنوان «حتى لا يكون الذكاء العربي غبيا»، عالجنا إشكالية ضعف المصادر والبيانات باللغة العربية. العالم سيعتمد على الذكاء الاصطناعي بشكل كبير، غير أن بعض الدول الغربية ستحاول أن تتعامل معه مثلما تصرفت مع الطاقة النووية، حيث سعت وتسعى وستسعى إلى حرمان معظم دول العالم من الاستفادة من الطاقة النووية السلمية، وبالتالي ستجعل الذكاء الاصطناعي ليس في متناول الجميع.

القدس العربي

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الذكاء الاصطناعي ديب سيك التكنولوجيا تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي ديب سيك أفكار سياسة سياسة مقالات اقتصاد سياسة صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الذکاء الاصطناعی الولایات المتحدة العالم العربی دیب سیک

إقرأ أيضاً:

دار الإفتاء تحذّر: الذكاء الاصطناعي يُهدّد الفتوى بـ 3 أزمات خطيرة

أكد الدكتور محمود الطحان، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أن مؤتمر الدار حول "صناعة المفتي الرشيد في عصر الذكاء الاصطناعي" تناول أبرز المشكلات المرتبطة باستخدام هذه التقنية في المجال الشرعي، وفي مقدمتها انتشار الفتاوى غير المنضبطة والفوضى على المنصات الإلكترونية.

وأوضح الطحان أن اعتماد البعض على إجابات برامج الذكاء الاصطناعي دون التحقق من مصدرها يؤدي إلى ارتباك المستفتين، مؤكدًا ضرورة التأكد من الجهة المصدرة للفتوى قبل الأخذ بها. وأشار إلى أن دار الإفتاء توفر قنوات متعددة للإجابة الموثوقة، مثل الفتوى الهاتفية عبر الرقم 107، والخدمات الإلكترونية عبر الموقع الرسمي، إضافة إلى الفتاوى المكتوبة والشفوية من خلال لجان مختصة، وهو ما يحد من مشكلة تعدد المصادر غير الموثوقة.

وبيّن أن التحدي الثاني يتمثل في الانحياز البرمجي، إذ قد تعتمد هذه البرامج على أكثر المعلومات تكرارًا عبر الإنترنت بغض النظر عن صحتها، مما قد يكرّس آراء خاطئة، في حين تحتفظ المؤسسات الشرعية الرسمية بالإجابات الصحيحة.

كما حذّر من التحدي الثالث وهو إساءة توظيف التقنية، عبر تغذيتها بمحتوى مغلوط أو متحيز لتشويه صورة الإسلام أو إنتاج فتاوى متطرفة، مؤكدًا ضرورة وضع منهج واضح للتعامل مع الذكاء الاصطناعي في الإفتاء، والرجوع إلى المصادر الرسمية لضمان سلامة الفتوى وحماية المجتمع.

هل الاحتفال بالمولد النبوي حرام؟.. الإفتاء تحسم الجدلهل يجوز الصلاة قاعدا للمريض؟.. أمين الإفتاء: تُؤدى على قدر استطاعتهلمواجهة الفتاوى الشاذة.. مؤتمر الإفتاء العالمي: ضوابط صارمة لتوظيف الذكاء الاصطناعيعلماء مؤتمر الإفتاء العاشر يناقشون تأهيل المفتي لعصر الرقمنة ومواجهة الفتوى الشعبوية طباعة شارك الإفتاء الذكاء الاصطناعي أمين الفتوى

مقالات مشابهة

  • قماطي: سلاح المقاومة خط دفاع عن الأمن القومي العربي ولن يُسلم
  • قرى درزية في الجنوب السوري معزولة عن العالم واتصالها الوحيد عبر الجنود الإسرائيليين
  • الذكاء الاصطناعي في تشخيص الأورام «خطر»
  • د. محمد بشاري يكتب: الإفتاء في زمن الذكاء الاصطناعي
  • محمد مندور يكتب: الفتاوى في عصر الذكاء الاصطناعي
  • هل تنجو الديمقراطية من شرور الذكاء الاصطناعي؟
  • تفاصيل مقترح اتفاقية هيئات الإفتاء في العالم عن أخلاقيات الذكاء الاصطناعي
  • الذكاء الاصطناعي يدعو لإبادة البشر عبر رسائل سرية
  • قوة الذكاء الاصطناعي في التنبؤ باحتياجات المستهلكين
  • دار الإفتاء تحذّر: الذكاء الاصطناعي يُهدّد الفتوى بـ 3 أزمات خطيرة