لجريدة عمان:
2025-06-24@11:25:17 GMT

أنا والذكاء الاصطناعي

تاريخ النشر: 4th, February 2025 GMT

كتبت هذا المقال بعد مكالمة أستطيع أن أصفها بالمستفزة، استطاع فـيها الطرف الآخر استفزازي بسؤال لم أتوقع أن أُسأل عنه، خاصة من أكاديمي له باع طويل فـي التعليم والتدريس: «لماذا تدفعون مقابل كتابة المقالات فـي جريدتكم؟» لم أفهم مغزى السؤال فـي البداية، إلا أنه سرعان ما أوضحه قائلًا: «الذكاء الاصطناعي اليوم قادر على كتابة مئات المقالات يوميًا وفـي مختلف المجالات، لستم بحاجة إلى تكليف الجريدة مبالغ طائلة لكتّاب ومحللين قد لا يُقرأ ما يكتبونه، اكتفوا بتوليد الأفكار من مولدات الذكاء الاصطناعي وانشروا ما شئتم منها».

اعترف أن المكالمة هزّتني من الأعماق، كيف يمكن الاستغناء عن كتّاب الرأي والمحللين واستبدال وجهات نظرهم وتحليلاتهم بتحليلات غير بشرية؟ أو لنُعِدْ طرح السؤال من زاوية أخرى: هل يمكن الاستغناء عن كتّاب الرأي والمحللين واستبدال وجهات نظرهم وتحليلاتهم بوجهات نظر وتحليلات غير بشرية؟ قد تكون الإجابة عن هذا السؤال فـي الوقت الحالي صعبة، رغم أن بعض إرهاصاتها بدأت تلوح فـي الأفق، خاصة فـي مجال الصحافة، حيث أصبحنا نعتمد فـي كثير من الوظائف على الذكاء الاصطناعي التوليدي، لا سيما فـي التدقيق اللغوي والمراجعة، وحتى فـي بعض عمليات التحرير والكتابة التي تتم تحت إشراف المحررين، كما استفدنا منه فـي مجالات توليد الصور والفـيديو والصوت وغيرها من الاستخدامات الصحفـية والإعلامية، التي لا أنكر أنها ساعدت فـي تحسين بيئة العمل، وزيادة الإنتاجية، وتجويد المحتوى، لكن ما يطرحه صديقي الأكاديمي يُعدّ أمرًا جديدًا لم يكن يخطر ببال أي مسؤول عن الصحافة.

طلبت المساعدة من مولدات الذكاء الاصطناعي وطرحت السؤال نفسه: «هل يمكن للذكاء الاصطناعي كتابة المقالات والتحليلات الصحفـية والاستغناء عن الكتّاب من بني البشر؟» سأشارككم حرفـيًا ما قاله لي «تشات جي بي تي» سؤال صديقك فـي غاية الأهمية، وهو جزء من النقاش العالمي حول تأثير الذكاء الاصطناعي على الصحافة وكتابة المقالات التحليلية.

الذكاء الاصطناعي قادر على كتابة مقالات الرأي والتحليل، لكنه يفتقر إلى التجربة الشخصية، والرؤية العميقة، والإبداع البشري، دوره يكمن فـي دعم الصحفـيين، لكنه لن يلغيهم، بل سيدفعهم للتركيز على الأصالة والابتكار.

هنا شعرت ببعض الراحة، رغم أنني كنت على يقين بهذه الإجابة. فقد أخبرت بها الأستاذ الأكاديمي، وأوضحت له أن منطقه هذا يستدعي إلغاء الإبداع والتجارب الشخصية، تمامًا كما أكتب أنا هذا المقال بناءً على تجربتي الشخصية وليس استنادًا إلى تلقين أو إملاء من الذكاء الاصطناعي. وكما قلت لمحدثي، فإن تصوره لوعي الآلة وإبداعها يمكن أن يسلب الإنسان شيئًا فشيئًا جوهر إبداعه وخياله الحقيقي، فإن كنا اليوم نتحدث عن إلغاء العنصر البشري فـي كتابة المقالات والتحليلات، فسيُمتدّ هذا الأمر ليطال تأليف الكتب ونظم الشعر وتدوين العلوم المختلفة، ولن نكون بحاجة مستقبلًا إلى أدباء، أو شعراء، أو مفكرين، أو كتّاب يشاركونا تجاربهم الذاتية من خلال إنتاجاتهم المتنوعة.

من خلال تجربة شخصية، أستطيع القول إن من أدمن الاعتماد على مولدات الذكاء الاصطناعي فـي كثير من الإنتاجات البشرية لا يمكن تصنيفه ضمن فئة الكسالى أو غير المبدعين، ولكن يمكن وضعه فـي خانة الاعتماد المفرط على التقنية، فالإدمان على استخدام الذكاء الاصطناعي فـي المجالات الإبداعية قد يؤدي إلى تراجع القدرة على التفكير النقدي، والابتكار، والكتابة الأصيلة. والإفراط فـي استخدام هذه الأدوات، خاصة فـي المجالات التي تتطلب لمسة بشرية، قد يقلل من قدرة الفرد على التعبير عن ذاته بطرق فريدة، ومع ذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يوفر أفكارًا أو مسودات أولية، لكن الفكرة أو التحليل النهائي لا يزال بحاجة إلى تدخل الإنسان ليمنحه العمق والرؤية التي لا يمكن للآلة توفـيرها.

بالعودة إلى ما طرحه صديقي الأكاديمي، وبعد تمحيص وتفكير طويلين، أرى أن مولدات الذكاء الاصطناعي قد تتمكن فـي المستقبل من إنتاج نصوص تشبه الإبداع البشري، أو لنقل إنها ستحاكي خيالات العقل البشري، لكن تبقى قدرتها على تحقيق محاكاة كاملة للعقل البشري أمرًا صعبًا -على الأقل فـي الوقت الراهن- فالإنسان هو الوحيد القادر على فهم المشاعر والتجارب الإنسانية العميقة، وهو من يستطيع التعبير عن تلك التجارب من خلال كتاباته.

ختامًا، لا نزال بحاجة إلى الكتّاب والمحللين، لأنهم ليسوا مجرد ناقلين للمعلومات، بل هم من يصوغونها فـي سياقات إنسانية وفكرية معقدة، ويقدمون تحليلات مبنية على مشاعر وتجارب شخصية تختلف من فرد إلى آخر.

وإلى أن يأتي ذلك اليوم، ستظل مقالاتنا -نحن الكتّاب البشريين- تُنشر فـي كل مكان، تحمل بصمتنا وأفكارنا التي لا يمكن للآلة أن تسلبها منا.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: کتابة المقالات

إقرأ أيضاً:

دراسة: استخدام الذكاء الاصطناعي في الكتابة يؤثر سلبًا في نشاط الدماغ

كشفت دراسة حديثة أجراها معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، أن الاعتماد على أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي مثل ChatGPT في مهام الكتابة يؤدي إلى تراجع ملحوظ في نشاط الدماغ والوظائف المعرفية، مقارنةً بمن يستخدمون محركات البحث أو يعتمدون على مهاراتهم الذاتية في الكتابة.

تفاصيل دراسة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا

أجرى باحثون من مختبر Media Lab التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، دراسة استمرت لمدة تبلغ أربعة أشهر، قارنوا فيها بين ثلاث مجموعات من المشاركين في أثناء إنجاز مهام كتابية.

وأظهرت النتائج أن الأشخاص الذين استخدموا ChatGPT أتموا مهامهم الكتابية بسرعة تجاوزت غيرهم بنسبة قدرها 60%، لكن جاء ذلك على حساب الجهد العقلي المرتبط بفهم المعلومات وتنظيمها في الذاكرة الطويلة الأمد.فقد سجلوا انخفاضًا بنسبة قدرها 32% فيما يُعرف بـ (Germane Cognitive Load)، وهو مؤشر على مدى استيعاب الدماغ للمعلومات بنحو عميق وتنظيمها في الذاكرة الطويلة الأمد.

وأظهرت الدراسة أيضًا، أن المقالات التي كتبتها المجموعة التي استخدمت ChatGPT كانت متشابهة بنحو ملحوظ وافتقرت إلى الأصالة، كما عبّر المشاركون عن شعور ضعيف بالانتماء أو «الملكية» تجاه ما كتبوه.

chatgpt تدهور أداة الباحثون

ومع تكرار استخدام الأداة، لاحظ الباحثون تدهورًا تدريجيًا في الأداء، فقد أصبح المستخدمون يكتفون بنسخ النصوص المولدة دون مراجعة أو تفكير نقدي. واستمرت هذه التأثيرات السلبية حتى بعد التوقف عن استخدام الأداة، مما يشير إلى احتمالية حدوث تغيّرات دائمة في طريقة عمل الدماغ.

ومن المُتوقع أن تكون أدمغة الشباب، التي ما تزال في طور النمو، أكثر عرضة لهذه التأثيرات، مما يثير القلق من الانتشار الواسع لأدوات الذكاء الاصطناعي في البيئات التعليمية.

تغيّرات في الأنشطة العصبية في الدماغ

اعتمدت الدراسة على فحوصات التخطيط الكهربائي للدماغ «EEG» لرصد الأنشطة العصبية. وقد أظهرت النتائج أن المشاركين الذين كتبوا بالاعتماد على قدراتهم الذاتية كان لديهم اتصالات عصبية أكثر ترابطًا من غيرهم، إذ سُجل لديهم 79 اتصالًا عصبيًا في نطاق موجات ألفا المرتبطة بالتركيز والتفكير الإبداعي. وأما الذين استخدموا محركات البحث فحققوا مستوى أداء متوسط، وسجل مستخدمو ChatGPT أضعف أداء بلغ 42 اتصالًا فقط.

كما رُصد انخفاض مماثل في نطاق موجات «ثيتا» Theta، المرتبط بالذاكرة والتحكم التنفيذي، إذ بلغ عدد الاتصالات العصبية لدى المجموعة التي اعتمدت على مهاراتها الذاتية في الكتابة 65 اتصالًا، مقابل 29 اتصالًا عصبيًا فقط لدى مستخدمي ChatGPT. وتُشير هذه الفروقات إلى وجود علاقة عكسية بين الاعتماد على أدوات الذكاء الاصطناعي وبين انخراط الدماغ في معالجة المعلومات.

خلل في الذاكرة وتراجع القدرة على التذكر

من أكثر النتائج إثارة للقلق، أن ما نسبته 83% من مستخدمي ChatGPT لم يتمكنوا من تذكّر اقتباسات من مقالات كتبوها قبل دقائق فقط، وبلغت النسبة 11.1% فقط لدى من استخدموا محركات البحث أو كتبوا دون مساعدة. وعند مطالبتهم بإعادة كتابة المقال دون استخدام الذكاء الاصطناعي، عجزوا عن تذكر معظم المحتوى، مما يشير إلى ضعف معالجة المعلومات في الذاكرة الطويلة الأمد.

تأثيرات مستقبلية في التعليم

تثير نتائج هذه الدراسة تساؤلات جوهرية عن الخطر المرتبط بالاستخدام الواسع لأدوات الذكاء الاصطناعي في البيئات التعليمية، خاصة لدى الفئات العمرية الصغيرة التي ما تزال في طور تطوير قدراتها العقلية. وقد حذّرت الباحثة الرئيسية في الدراسة، Nataliya Kosmyna من أن الطلاب الذين يعتمدون على أدوات مثل ChatGPT قد يطوّرون أنماطًا معرفية مختلفة تؤثر في مهاراتهم الذهنية المستقبلية.

وتتوافق هذه النتائج مع دراسات أخرى تشير إلى أن الاستخدام المكثف للذكاء الاصطناعي قد يُساهم في زيادة الشعور بالوحدة وانخفاض الإبداع، حتى مع مساهمته في تحسين الإنتاجية.

اقرأ أيضاًالتكنولوجيا الرقمية والذكاء الاصطناعي يعيدان تشكيل مستقبل التعليم

«ميتا» تستثمر 14.3 مليار دولار في شركة الذكاء الاصطناعي «سكيل»

الذكاء الاصطناعي يزف بشرى سارة لـ الأهلي قبل مواجهة إنتر ميامي

مقالات مشابهة

  • أكاديمي: دقة اتخاذ القرار في الذكاء الاصطناعي تتجاوز 90%  
  • رئيس جامعة المنصورة يفتتح المؤتمر الأول للرياضيات والذكاء الاصطناعي بكلية العلوم بالتعاون مع جامعة حورس
  • ميتا تتعاون مع أوكلي لإطلاق نظارات الذكاء الاصطناعي
  • ما كمية الطاقة التي يستهلكها الذكاء الاصطناعي لتقديم إجابة واحدة؟
  • هكذا سيهيمن الذكاء الاصطناعي على المهن بحلول 2027
  • إيلون ماسك يعلن إعادة كتابة التاريخ البشري عبر الذكاء الاصطناعي
  • مساعد الذكاء الاصطناعي بواتساب يسرب رقم هاتف أحد المستخدمين
  • “آبل”: الذكاء الاصطناعي يفتقر للتفكير العميق
  • دراسة: استخدام الذكاء الاصطناعي في الكتابة يؤثر سلبًا في نشاط الدماغ
  • أبل تدرس الاستحواذ على Perplexity AI لتعويض تأخرها في سباق الذكاء الاصطناعي