لجريدة عمان:
2025-08-13@08:02:44 GMT

أنا والذكاء الاصطناعي

تاريخ النشر: 4th, February 2025 GMT

كتبت هذا المقال بعد مكالمة أستطيع أن أصفها بالمستفزة، استطاع فـيها الطرف الآخر استفزازي بسؤال لم أتوقع أن أُسأل عنه، خاصة من أكاديمي له باع طويل فـي التعليم والتدريس: «لماذا تدفعون مقابل كتابة المقالات فـي جريدتكم؟» لم أفهم مغزى السؤال فـي البداية، إلا أنه سرعان ما أوضحه قائلًا: «الذكاء الاصطناعي اليوم قادر على كتابة مئات المقالات يوميًا وفـي مختلف المجالات، لستم بحاجة إلى تكليف الجريدة مبالغ طائلة لكتّاب ومحللين قد لا يُقرأ ما يكتبونه، اكتفوا بتوليد الأفكار من مولدات الذكاء الاصطناعي وانشروا ما شئتم منها».

اعترف أن المكالمة هزّتني من الأعماق، كيف يمكن الاستغناء عن كتّاب الرأي والمحللين واستبدال وجهات نظرهم وتحليلاتهم بتحليلات غير بشرية؟ أو لنُعِدْ طرح السؤال من زاوية أخرى: هل يمكن الاستغناء عن كتّاب الرأي والمحللين واستبدال وجهات نظرهم وتحليلاتهم بوجهات نظر وتحليلات غير بشرية؟ قد تكون الإجابة عن هذا السؤال فـي الوقت الحالي صعبة، رغم أن بعض إرهاصاتها بدأت تلوح فـي الأفق، خاصة فـي مجال الصحافة، حيث أصبحنا نعتمد فـي كثير من الوظائف على الذكاء الاصطناعي التوليدي، لا سيما فـي التدقيق اللغوي والمراجعة، وحتى فـي بعض عمليات التحرير والكتابة التي تتم تحت إشراف المحررين، كما استفدنا منه فـي مجالات توليد الصور والفـيديو والصوت وغيرها من الاستخدامات الصحفـية والإعلامية، التي لا أنكر أنها ساعدت فـي تحسين بيئة العمل، وزيادة الإنتاجية، وتجويد المحتوى، لكن ما يطرحه صديقي الأكاديمي يُعدّ أمرًا جديدًا لم يكن يخطر ببال أي مسؤول عن الصحافة.

طلبت المساعدة من مولدات الذكاء الاصطناعي وطرحت السؤال نفسه: «هل يمكن للذكاء الاصطناعي كتابة المقالات والتحليلات الصحفـية والاستغناء عن الكتّاب من بني البشر؟» سأشارككم حرفـيًا ما قاله لي «تشات جي بي تي» سؤال صديقك فـي غاية الأهمية، وهو جزء من النقاش العالمي حول تأثير الذكاء الاصطناعي على الصحافة وكتابة المقالات التحليلية.

الذكاء الاصطناعي قادر على كتابة مقالات الرأي والتحليل، لكنه يفتقر إلى التجربة الشخصية، والرؤية العميقة، والإبداع البشري، دوره يكمن فـي دعم الصحفـيين، لكنه لن يلغيهم، بل سيدفعهم للتركيز على الأصالة والابتكار.

هنا شعرت ببعض الراحة، رغم أنني كنت على يقين بهذه الإجابة. فقد أخبرت بها الأستاذ الأكاديمي، وأوضحت له أن منطقه هذا يستدعي إلغاء الإبداع والتجارب الشخصية، تمامًا كما أكتب أنا هذا المقال بناءً على تجربتي الشخصية وليس استنادًا إلى تلقين أو إملاء من الذكاء الاصطناعي. وكما قلت لمحدثي، فإن تصوره لوعي الآلة وإبداعها يمكن أن يسلب الإنسان شيئًا فشيئًا جوهر إبداعه وخياله الحقيقي، فإن كنا اليوم نتحدث عن إلغاء العنصر البشري فـي كتابة المقالات والتحليلات، فسيُمتدّ هذا الأمر ليطال تأليف الكتب ونظم الشعر وتدوين العلوم المختلفة، ولن نكون بحاجة مستقبلًا إلى أدباء، أو شعراء، أو مفكرين، أو كتّاب يشاركونا تجاربهم الذاتية من خلال إنتاجاتهم المتنوعة.

من خلال تجربة شخصية، أستطيع القول إن من أدمن الاعتماد على مولدات الذكاء الاصطناعي فـي كثير من الإنتاجات البشرية لا يمكن تصنيفه ضمن فئة الكسالى أو غير المبدعين، ولكن يمكن وضعه فـي خانة الاعتماد المفرط على التقنية، فالإدمان على استخدام الذكاء الاصطناعي فـي المجالات الإبداعية قد يؤدي إلى تراجع القدرة على التفكير النقدي، والابتكار، والكتابة الأصيلة. والإفراط فـي استخدام هذه الأدوات، خاصة فـي المجالات التي تتطلب لمسة بشرية، قد يقلل من قدرة الفرد على التعبير عن ذاته بطرق فريدة، ومع ذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يوفر أفكارًا أو مسودات أولية، لكن الفكرة أو التحليل النهائي لا يزال بحاجة إلى تدخل الإنسان ليمنحه العمق والرؤية التي لا يمكن للآلة توفـيرها.

بالعودة إلى ما طرحه صديقي الأكاديمي، وبعد تمحيص وتفكير طويلين، أرى أن مولدات الذكاء الاصطناعي قد تتمكن فـي المستقبل من إنتاج نصوص تشبه الإبداع البشري، أو لنقل إنها ستحاكي خيالات العقل البشري، لكن تبقى قدرتها على تحقيق محاكاة كاملة للعقل البشري أمرًا صعبًا -على الأقل فـي الوقت الراهن- فالإنسان هو الوحيد القادر على فهم المشاعر والتجارب الإنسانية العميقة، وهو من يستطيع التعبير عن تلك التجارب من خلال كتاباته.

ختامًا، لا نزال بحاجة إلى الكتّاب والمحللين، لأنهم ليسوا مجرد ناقلين للمعلومات، بل هم من يصوغونها فـي سياقات إنسانية وفكرية معقدة، ويقدمون تحليلات مبنية على مشاعر وتجارب شخصية تختلف من فرد إلى آخر.

وإلى أن يأتي ذلك اليوم، ستظل مقالاتنا -نحن الكتّاب البشريين- تُنشر فـي كل مكان، تحمل بصمتنا وأفكارنا التي لا يمكن للآلة أن تسلبها منا.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: کتابة المقالات

إقرأ أيضاً:

الذكاء الاصطناعي يهدد أسواق الأسهم

في ظل التحولات العميقة التي تشهدها الأسواق العالمية، تتقاطع العوامل التكنولوجية والسياسية والاقتصادية لتشكل ملامح مرحلة غير مستقرة، تتسم باضطراب موازين القوى في أسواق المال واشتداد المنافسة على الفرص الاستثمارية الآمنة.

ووفقا لتقرير نشرته بلومبيرغ، فإن ثورة الذكاء الاصطناعي، التي يواصل المستثمرون ضخ مليارات الدولارات في رهان على قدرتها على خلق ثروات جديدة، بدأت في الوقت ذاته في إنتاج "خاسرين" كُثر، مع تهديد قطاعات بأكملها بالإزاحة السريعة من المشهد.

وفي موازاة ذلك، تشير بيانات بلومبيرغ إلى أن أسواق السندات الأوروبية تشهد تطورات غير مسبوقة، مع تقلص حاد في الفوارق التاريخية بين عوائد الدول الطرفية ودول المركز، في بيئة مالية مثقلة بضغوط السياسات الاقتصادية والتحولات الجيوسياسية، ولا سيما مع تداعيات نهج الرئيس الأميركي دونالد ترامب على اقتصادات المنطقة.

الذكاء الاصطناعي يسرّع وتيرة الإزاحة التكنولوجية

وأوضح تقرير بلومبيرغ أن قطاعات مثل تطوير المواقع الإلكترونية (ويكس دوت كوم) وخدمات الصور الرقمية (شترستوك) وصناعة البرمجيات (أدوبي) تقع ضمن قائمة تضم 26 شركة حددها "بنك أوف أميركا" على أنها الأكثر عرضة لمخاطر الذكاء الاصطناعي، حيث تراجع أداؤها مقارنة بمؤشر "ستاندرد آند بورز 500" بنحو 22 نقطة مئوية منذ منتصف مايو/أيار.

شركات تطوير المواقع وخدمات الصور تواجه تراجعا حادا في الأداء مقارنة بالمؤشرات الكبرى (شترستوك)

وقال دانيال نيومان، الرئيس التنفيذي لمجموعة فوتوروم، في تصريحات لـبلومبيرغ: "الاضطراب حقيقي. كنا نعتقد أنه سيحدث خلال خمس سنوات، لكنه يبدو وكأنه سيحدث خلال عامين. الشركات الخدمية ذات الكثافة العمالية المرتفعة ستكون معرضة للخطر، حتى لو كانت لديها نماذج أعمال قوية من الحقبة التقنية السابقة".

وبحسب بلومبيرغ، فإن التهديدات لا تزال في بدايتها، لكن الإنفاق الهائل من شركات التكنولوجيا الكبرى مثل "مايكروسوفت" و"ميتا" -بمئات المليارات- يجعل المستثمرين أكثر حذرا، في ظل تجارب تاريخية لانهيار قطاعات كاملة بفعل التكنولوجيا الجديدة، بدءا من إحلال الهاتف محل التلغراف، وصولًا إلى القضاء على "بلوكباستر" على يد "نتفليكس".

تضيق الفجوات التاريخية

وعلى الجانب المالي، أظهرت بيانات بلومبيرغ أن الفارق بين عوائد السندات الإيطالية لأجل 10 سنوات ونظيرتها الفرنسية انكمش إلى 13 نقطة أساس فقط، وهو أدنى مستوى منذ عقدين، بعد أن كان يتجاوز 400 نقطة أساس في ذروة أزمة الديون الأوروبية عامي 2011 و2012.

إعلان

وذكرت بلومبيرغ أن دولا طرفية مثل إسبانيا واليونان والبرتغال تمكنت من تعزيز اقتصاداتها وضبط إنفاقها، ما جعلها أكثر جذبا للمستثمرين. إسبانيا، على سبيل المثال، باتت "مفضلة" لدى الصناديق بفضل نمو اقتصادي يتجاوز معظم أعضاء الاتحاد الأوروبي.

في المقابل، أوضحت بلومبيرغ أن ألمانيا لا تزال تحتفظ بوضعها كملاذ آمن بفضل تصنيفها الائتماني الثلاثي "إيه إيه إيه" رغم تحولها عن سياسة التقشف استجابة لمطالب الرئيس الأميركي ترامب بزيادة الإنفاق الدفاعي. أما فرنسا، فقد فقدت مكانتها كمكافئ مالي لألمانيا بعد أن قفز عجز ميزانيتها إلى أعلى مستوى في منطقة اليورو، مما دفع بعض الصناديق لتجنب سنداتها.

الاضطراب التكنولوجي الحالي يضغط على نماذج الأعمال التقليدية (الفرنسية)عوائد منخفضة ومخاطر مرتفعة

وفي أسواق الائتمان العالمية، رصدت بلومبيرغ أن الفروق بين السندات الفردية ومتوسط المؤشرات المرجعية بلغت أدنى مستوياتها منذ بدء جمع البيانات عام 2009، ما يجعل من الصعب على المستثمرين إيجاد عوائد مجزية دون تحمل مخاطر أعلى.

وقالت أبريل لاروس، مديرة الاستثمار في "إنسايت إنفستمنت"، لـبلومبيرغ: "ليس من السهل إيجاد وسائل للحصول على عوائد أعلى من دون إدخال مخاطر مختلفة. الأمر معقد للغاية، وعندما تضيق الفوارق، تتقلص الفروقات في الأداء بين السندات".

سياق اقتصادي ضاغط

وتضيف بلومبيرغ أن هذه التطورات تأتي في وقت يترقب فيه المستثمرون تقرير التضخم الأميركي لشهر يوليو/تموز، والذي قد يحدد توقعات خفض مجلس الاحتياطي الفدرالي للفائدة الشهر المقبل.

وتشير تقديرات الاقتصاديين في بلومبيرغ إلى أن مؤشر أسعار المستهلكين الأساسي قد يسجل أكبر ارتفاع شهري منذ يناير/كانون الثاني، وسط مخاوف متزايدة من شبح "الركود التضخمي".

مقالات مشابهة

  • أخلاقيات المهنة الصحفية في مواجهة طوفان التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي
  • الذكاء الاصطناعي يهدد أسواق الأسهم
  • مؤتمر الإفتاء العاشر| علماء يطالبون بإنشاء نموذج عالمي للمفتي الرشيد.. ويؤكدون: الذكاء الاصطناعي لا يحل محل الاجتهاد البشري
  • مؤتمر الإفتاء العالمي العاشر.. هل الذكاء الاصطناعي بديل للمفتي البشري؟
  • وزير الشئون الدينية الجزائري: لا بديل عن المفتي البشري في زمن الذكاء الاصطناعي
  • المفتي: غزة مرآة لنبض الفقه.. والذكاء الاصطناعي تحول لأداة قمع بيد الاحتلال
  • المفتي: ثورة الذكاء الاصطناعي من أكبر التحديات التي عرفها العصر الحدي
  • مستشار مفتي الجمهورية: الفتوى صناعة لها قواعد.. والذكاء الاصطناعي لا يغني عن المؤهل العلمي
  • مستشار المفتي: الذكاء الاصطناعي يمكن أن يساعد المفتي فى استرجاع بعض المعلومات
  • إستقبال الفريق الوطني المشارك في المسابقة الدولية في الروبوت والذكاء الاصطناعي