أيّ سؤال يتعلق بالمستقبل يعتبر نوعاً من الهروب أو التَّخفِّي
يؤرق البشر جميعهم ـ المستكبرين منهم بمستوياتهم وطبقاتهم المختلفة، وكذلك المستضعفين ـ سؤال: أين يتجه العالم؟، وهم إن أظهروا اليوم، أو ادَّعوا أنهم بحاجة إلى إجابة قطعيّة أو حتى نابعة من الظّن والوهم إلا أنهم في حقيقة الأمر يرِثون تكرار السؤال، خاصة حين تحل الأزمات الكبرى المتعلقة بالمصير الإنساني بشكل عام كما هي الآن، حيث إعادة النظر في الخرائط، وفي النظم الاجتماعية والقانونية، وفي علاقات البشر، جنوحاً للسلم أو اشعالاً لنيران الحروب والفتن.
ها نحن اليوم، على المستوى العالمي، وبعد ثمانية عقود من نهاية الحرب العالمية الثانية، ندفع العالم دفعاً إلى حرب واسعة وشاملة، ترثُ ما سبق من حروب قاريَّة وإقليمية ومحليَّة، وتفتح المجال أمام حرب واسعة النطاق، يتم فيها تكرار حالات الإبادة المختلفة التي شهدتها البشرية على مرّ عصورها، من منطق القوة الخالية من أيّ شرعيّة، والتي هي أكبر وأشد وأشرس من تلك التي استعملت في تطويع المخالفين، بما فيها تلك الخاصة بالنظام الفرعوني.
وبناءً عليه، فإن أيّ سؤال يتعلق بالمستقبل يعتبر نوعاً من الهروب أو التَّخفِّي، كونه لا يحمل اليوم طابعاً استشرافيّاً، بقدر ما هو محاولة يائسة للتخفيف من حمولة الحاضر، بما في ذلك الأطروحات التي يملك أصحابها قدرةَ فرْضَها على العالم كلّه أو بعضه، طبقاً للاختلال في ميزان القوة، ونتيجة التنافس لأجل كسبها بالعنف والتهور والإرهاب، وتفادي استعمال القوة النَّاعمة، التي قد تُقْبَل نتائجها أو يتم الاجتماع حولها، ناهيك على أن الخوف منها مهما كان نوعه هو بعيد عن الإقصاء أو الإلغاء.. إنه الحياة التي تواجه الموت الذي لا يُلاقي البشرية في حروب عبثيَّة تُجبر عنها، كثيراً ما تنتهي إلى غايات ناكرة للحاضر، ومُتطلعة إلى حضور وهمي ودائم في المستقبل القريب أو البعيد.
الملاحظ في هذا السياق، أن هناك إصراراً على التَّنكُّر للحاضر، وما يَحمِله من أزمات لا قبل للبشرية بها من جهة، وإلى نكوص لعصر الغابة والبدائية والجاهلية، ووثنية الأفكار والمواقف من جهة ثانية، حيث الهجوم السافر على ما تبقَّى لدينا من حكمة هي نتاج وعينا الإيماني، وما يرافقه من أخلاق مشتركة بين البشر، لدرجة أن المواقف اليوم على الصعيد العالمي تحكمها المنافع والمصالح حتى لو كانت ضارَّة أو مُهلكة، إلا في حالات قليلة نادرة، قد تُذْكر هنا لكن لا يقاس عليها، وربما يعود ذلك إلى عجزنا عن الفرز في المواقف، خاصة في الحالات التي يكون فيها شياطين البشر في المجال السياسي بعضهم لبعض ظهيراً، حيث القبول الظاهري والباطني ممَّن يتخذ إلى تلك المواقف سبيلاً، أو يعتبرها هي منطق عصره.
التحليل هنا يطغى عليه التشاؤم، وقد بلغت فيه القلوب الخناجر عند الكثيرين، ولكن ميراثنا البشري لا يخلو من حكم ورؤى وفلسفات أسهمت في سلامة العقول ووعيها، وحالياً تبعث فينا الأمل ولو في حده الأدنى، سواء أكان فرزاً للمواقف في رحلة الزمان من فرد أو جماعة أو أمة أو شعب، أوكان اجماعاً عالميّاً على الرّفض، ويحق لنا هنا أن نستنجد، أو أن نتكئ على ما جادت به شعراً " ميسون بنت بحدل الكلبيّة" حين حسمَت أمرها عند إجرائها مقارنة بين الذات والآخر، على مستوى المكانة والعيش والوطن، حين قالت:
وَخَـرْقٌ مِـنْ بَنِـي عَمِّـي نَحِيـفٌ أَحَــبُّ إِلَـيَّ مِـنْ عِلْـجٍ عَلِيـفِ
خُشُونَةُ عِيشَتِي فِي الْبَدْوِ أَشْهَى إِلَـى نَفْسِي مِنَ الْعَيْشِ الظَّرِيفِ
فَمـا أَبْغِـي سِوَى وَطَنِي بَدِيلاً فَحَسـْبِي ذاكَ مِـنْ وَطَـنٍ شـَريِفِ
تُرى من منا في حاجة إلى حكمة ميسون الكلبيّة؟.. أحسب أن العرب جميعهم اليوم في حاجة إليها، وكل من له ضمير حيّ وله القدرة عن التمييز، سيردد ما قالت، لأن منه تبدأ المواجهة من أجل رفض تغيير الخرائط، والاستقواء، والإبادة، والتهجير.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: عام المجتمع اتفاق غزة سقوط الأسد إيران وإسرائيل غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية اتفاق غزة غزة وإسرائيل
إقرأ أيضاً:
إنجاز علمي غير مسبوق…كشف النقاب عن أول كسوف شمسي “من صنع البشر”!
يمن مونيتور/قسم الأخبار
نجح قمران صناعيان أوروبيان في تحقيق إنجاز علمي مذهل من خلال توليد كسوف شمسي اصطناعي عبر الحفاظ على تشكيل مداري دقيق.
وهذه التقنية الثورية تفتح آفاقا جديدة أمام العلماء، حيث تتيح لهم إجراء دراسات مطولة للهالة الشمسية في أي وقت يرغبون به، دون الحاجة لانتظار الكسوفات الطبيعية النادرة.
وكشفت وكالة الفضاء الأوروبية النقاب عن الصور الأولى لهذه التجارب الرائدة خلال معرض باريس الجوي، حيث أظهرت النتائج دقة غير مسبوقة في تصوير الهالة الشمسية.
ويعود الفضل في هذا الإنجاز إلى القمرين الصناعيين اللذين تم إطلاقهما في الربع الأخير من عام 2023، واللذين بدآ عملياتهما العلمية الفعلية في مارس الماضي.
وتعتمد الفكرة الأساسية على تحليق القمرين على مسافة 150 مترا بدقة بالغة، حيث يقوم أحد القمرين بحجب ضوء الشمس تماما كما يفعل القمر خلال الكسوف الطبيعي، بينما يركز القمر الآخر تلسكوبه المتطور على دراسة الهالة الشمسية، الطبقة الخارجية الغامضة للشمس التي تظهر كإكليل مضيء حول القرص المظلم.
وتتطلب هذه المهمة الدقيقة تنسيقا فائقا بين القمرين الصغيرين اللذين لا يتجاوز حجم كل منهما 1.5 متر، حيث يجب أن يحافظا على مسافة ثابتة بينهما بدقة تصل إلى ملليمتر واحد فقط، وهي ما يعادل سمك ظفر إنسان.
ويتم تحقيق هذا المستوى المذهل من الدقة عبر نظام متكامل يعتمد على تقنيات متطورة تشمل نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، أجهزة تعقب النجوم، أنظمة ليزرية، واتصالات لاسلكية دقيقة.
وتحمل هذه المهمة العلمية الطموحة اسم “بروبا-3” (Proba-3) بتكلفة إجمالية تبلغ 210 مليون دولار. وخلال مرحلة الاختبارات الأولية، نجح الفريق العلمي في إنتاج 10 كسوفات اصطناعية ناجحة.
وصرح الدكتور أندريه زوكوف، العالم الرئيسي للمشروع من المرصد الملكي البلجيكي، أن أطول فترة كسوف مستمرة بلغت خمس ساعات متواصلة، مع تطلع الفريق لزيادة هذه المدة إلى ست ساعات عند بدء المرحلة العلمية الكاملة.
وأعرب العلماء عن ذهولهم من جودة الصور الأولية التي تم الحصول عليها، والتي أظهرت تفاصيل الهالة الشمسية بوضوح مدهش دون الحاجة إلى معالجة رقمية مكثفة. ووصف زوكوف هذه اللحظة بأنها “لا تصدق”، خاصة أنها جاءت من المحاولة الأولى للنظام.
ومن المتوقع أن ينتج النظام كسوفين اصطناعيين أسبوعيا في المتوسط، ما سيوفر للعلماء نحو 200 فرصة رصد خلال العامين المقبلين، بإجمالي يزيد عن 1000 ساعة من الرصد المستمر. وتمثل هذه المدة كنزا علميا ثمينا إذا ما قورنت بالكسوفات الطبيعية التي لا تستمر سوى دقائق معدودة وتحدث مرة كل 18 شهرا في المتوسط.
وتكمن أهمية هذه المهمة في سعيها لكشف أسرار الهالة الشمسية التي ما تزال تحير العلماء، خاصة مع حقيقة أنها أكثر سخونة من سطح الشمس نفسه. كما ستساعد في دراسة الانبعاثات الكتلية الإكليلية التي تقذف مليارات الأطنان من الجسيمات المشحونة نحو الفضاء، مسببة العواصف المغناطيسية التي قد تؤثر على أنظمة الاتصالات والأقمار الصناعية، بينما تخلق ظواهر الشفق القطبي المبهرة.
المصدر: إندبندنت