اليمن.. حيث الجبال تتكئ على سواعد الرجال
تاريخ النشر: 8th, February 2025 GMT
دفنا، في الأرض التي وشمتها الشمس بقُبلٍ من ذهب، ونقشت على جبالها ملحمة الكبرياء، تنبض القبائل اليمنية بروحٍ أزلية، كأنها شريانُ الأرض الذي يضخ الحياة في صخورها الوعرة. لا تُشبه القبائل هنا نظيراتها في أي أرضٍ أخرى، فهي ليست مجرد كُتلٍ سكانية، بل أممٌ قائمةٌ بذاتها، ذات شِفراتٍ لا يفكّ طلاسمها إلا من خبرها، وتقاليدٍ تنحني لها السنون، وقوةٍ لا تهرم مهما اشتعل الشيب في لحى رجالها.
في اليمن، لا تُحَدّد الجغرافيا مصائر الناس، بل هم من ينحتون قدرهم بأيديهم. وإذا كانت بعض الشعوب قد وجدت هِبات الطبيعة ممهدةً لها طريق الحضارة، فإن القبائل اليمنية لم تجد إلا الجبال الشاهقة، فحملتها على أكتافها، وحوّلتها إلى قلاعٍ من العزّة، وسدودٍ من الإرادة، وأبراجٍ تراقب منها سماء الكرامة، فلا يُحلق في أفقها إلا من عرف معنى المجد.
هنا يولد الرجال وسيوفهم مشحوذة ، كأن الحديد قد التصق بالعظم، وكأن الطلقات صدى لنبض قلوبهم.
يُفطم الطفل على أزيز الرصاص، وتكون أولى لُعبه مقبض خنجرٍ مُذهّب، وأولى دروسه كيف يكون رأسه شامخًا حتى وهو في حضن أمه.
لم يُولدوا ليكونوا رعايا، بل ليكونوا أسياد الأرض، وحراس التاريخ، وسَدَنة الكرامة التي لا تُشترى ولا تُباع. كل رجلٍ فيهم مقاتل بالفطرة، وكل خيمةٍ حصنٌ، وكل جبلٍ معقلٌ للصمود.
ليسوا أرقامًا في سجلات الإحصاء، بل حكاياتٌ من نارٍ وبارود، كلٌّ منهم سطرٌ في سفر البطولة، وكلٌّ منهم صخرةٌ لا تنكسر حتى لو جثمت فوقها جيوش العالم بأسره. لا يحتاجون إلى معسكراتٍ لتعليمهم القتال، فقد تعلموه قبل أن يتعلموا النطق، ولا إلى من يُلقّنهم معنى الشرف، لأن الشرف هنا ليس مجرد كلمة، بل شريعة حياة.
وحين يَحِنّ السلاح بين أيديهم، يعرف العدو أنه يقف أمام رجالٍ لم تُصنع قلوبهم من لحمٍ ودم، بل من حديدٍ ونار، وأنهم لا يقاتلون ليعيشوا، بل يعيشون ليقاتلوا .. في سبيل ما يقدّسونه: الأرض، العرض، والكرامة التي لا تقبل المساومة.
هذه القبائل ليست مجرد نواصي خيولٍ متأهبة، ولا زغاريد بنادق مشتعلة، بل هي أيضًا ميزانٌ دقيق، يعرف متى يُشهر السلاح، ومتى تُفرش مجالس الصلح. إنها فن الحرب، كما أنها فن الحكم، فلا تندفع بغباء، ولا تتراجع بجبن. في السلم، تحكمها أعرافٌ وقوانينٌ أشد صرامةً من أي دستور، وفي الحرب، تحكمها عقيدةٌ راسخةٌ بأن الشرف أغلى من الحياة.
هي حِصن الدولة حين تهتز، وصوتُ الشعب حين يصمت الآخرون، وكفُّ الميزان حين تنحرف الموازين. وحين تُنسَج المؤامرات في العواصم البعيدة، تظلّ القبيلة هي العقدة التي لا تُحَلّ، والسؤال الذي لا يملك الغزاة له جوابًا.
التاريخ لا يُكتب فقط بالحبر، بل بالدم الذي يتشابه في لونه أينما أُريق. هناك، حيث تنزف القدس، حيث ينام الأطفال على أزيز الطائرات، ويستيقظون على أنقاض بيوتهم، حيث الكرامة تُداس تحت جنازير الاحتلال، هناك، تنظر القبائل اليمنية إلى فلسطين كما ينظر الأخ إلى أخيه الجريح، فتغلي في العروق نارٌ لا يُطفئها إلا فعلٌ يُثبت أن العروبة ليست خرافةً على ألسنة المتخاذلين.
لم تكن اليمن يومًا أرضًا تشاهد بصمت، بل كانت دائمًا أرض الفعل، وحين تهتف القبائل باسم غزة، فإنها لا تهتف بالكلام وحده. تُنظَّم الفعاليات، تُجمع التبرعات، تُطلق القوافل، لكن هذا لا يكفي، فالرصاص وحده هو اللغة التي يفهمها الاحتلال.
هكذا، حين تلوح في الأفق رايات المقاومة، لا تتردد القبائل في إعلان جهوزيتها، فهنا، لا تُعرف الحدود، ولا تمنع المسافات من تلبية النداء. وإن كان شبه الجزيرة بالكامل يفصل بين صنعاء وغزة، فإن الدم الواحد يجعل المسافة بينهما أقرب من شرايين القلب لبعضها البعض.
العالم الذي اعتاد أن يرى الشعوب تُطأطئ رؤوسها أمام المدافع، لم يفهم بعد أن هناك شعوبًا لا تُنكّس أعلامها حتى لو احترقت الأرض تحت أقدامها، في الغرف المظلمة، حيث تُرسم الخرائط، ظنّ البعض أن القبائل قد تُشترى بالذهب، أو تُفتت بالسياسة، لكنهم لم يدركوا أنهم يواجهون إرثًا من الصلابة، يتوارثه الأبناء كما يُورَّث السلاح.
ليس في تاريخ اليمن صفحةٌ كُتبت بالاستسلام، وليس في ذاكرتها سطرٌ قيل فيه: “كنّا ولم نعد”، فيا أيها العالم، إذا كنت تجهل معنى الكبرياء، فانظر القبائل اليمنية، فإنها دروسٌ مكتوبةٌ بالحبر الحيّ، في كتاب لا يمحوه الزمن، ولا تغلقه المؤامرات.
وحين تظنّ أن الجبال قد تنحني، فتذكّر أن القبائل ليست صخورًا صامتة، بل براكينُ تنتظر اللحظة التي تثور فيها، فتُعيد رسم التاريخ من جديد.
المصدر: الثورة نت
كلمات دلالية: القبائل الیمنیة
إقرأ أيضاً:
لماذا تعتبر النساء أكثر عرضة للإصابة بالزهايمر من الرجال؟
كشف علماء، السبب وراء ارتفاع خطر الإصابة بمرض الزهايمر، بمرتين لدى النساء أكثر من الرجال، بعدما استعصى عليهم الأمر لسنوات.
وذكرت صحيفة "إنديبندنت" البريطانية، أن العلماء يعتقدون أنهم فهموا سبب تضعف خطر الإصابة بأمراض الخرف، خصوصا الزهايمر، عند النساء. وربطوا ذلك بنوع الصبغيات التي يملكنها، وآثار مرحلة انقطاع الطمث.
وتشير البيانات إلى أن ما يقارب ثلثي الأميركيين المصابين بمرض الزهايمر هم من النساء.
وكشفت دراسة حديثة، نشرت في مجلة "ساينس أدفانسز"، في مارس الماضي، أن الصبغية X لدى النساء يضاعف خطر الإصابة بالزهايمر.
وأظهرت الأبحاث، أن النساء المصابات بالزهايمر يعشن أطول من الرجال المصابين بنفس المرض بسبب امتلاكهن صبغيين من نوع X.
وقالت الطبيبة المقيمة والباحثة في علم الأعصاب بكلية الطب بجامعة هارفارد، الدكتورة آنا بونكهوف، في مقابلة حديثة: "الكثير من الجينات المرتبطة بالجهاز المناعي وتنظيم بنية الدماغ موجودة على الصبغي X، لذا فإن الجرعات تختلف بدرجات معينة بين الرجال والنساء. وهذا يبدو أنه يؤثر على الأمر".
وأضافت: "هناك ميل لأن تكون النساء أكثر عرضة للإصابة بمرض التصلب المتعدد والصداع النصفي، بينما يكون العكس فيما يتعلق بأورام الدماغ ومرض باركنسون".
مرحلة ما بعد "انقطاع الطمث"
وتمر النساء بمرحلة انقطاع الطمث، يتوقف فيها إنتاج هرموني الإستروجين والبروجستيرون، وتلجأ بعض النساء إلى العلاج بالهرمونات البديلة، لتفادي أثار انقطاع الهرمونات، مما يضاعف خطر الإصابة بالزهايمر.
ووفقا الأستاذة المشاركة في علم الأعصاب بكلية الطب بجامعة هارفارد، البروفيسورة رايتشل باكلي، فإن النساء اللواتي تلقين العلاج بالهرمونات بعد سن السبعين، أظهرن مستويات أعلى بكثير من بروتين يعرف باسم "تاو"، وهو أحد العلامات الرئيسية لمرض الزهايمر، كما أنهن تعرضن لتدهور إدراكي أكبر.
وقد نبه الباحثون إلى أن هذه الأبحاث ليست كافية لفهم العلاقة بين الصبغيات وانقطاع الطمث وارتفاع خطر الإصابة بالزهايمر لدى النساء، داعين إلى إجراء مزيد من الأبحاث.