اعتبر معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى أن تقليص برامج المساعدات لا يُعد خطأ بحد ذاته، لكن تطبيقه دون إجراء تقييم شامل لمدى تأثيره على الحلفاء الإقليميين وحياة الأمريكيين قد يكون له عواقب وخيمة على السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط.

وقال المعهد في تحليل موجز له إنه إدارة ترامب شرعت في تنفيذ أكثر "الإصلاحات جذرية لبرنامج المساعدات الخارجية الأمريكية منذ عقود"، وذلك بعد أسبوعين فقط من تولي مهامها، ما سيؤدي إلى تداعيات واسعة النطاق حول العالم، لا سيما على استثمارات الولايات المتحدة في استقرار الشرق الأوسط.



وأضاف أنه في أحد أوامره التنفيذية الأولى التي أصدرها عند توليه منصبه، فرض ترامب تجميدا مؤقتا لمدة تسعين يومًا على جميع المساعدات الخارجية إلى أن يقرر المسؤولون أن كل برنامج "يتوافق تمامًا مع السياسة الخارجية لرئيس الولايات المتحدة". 

وأكد وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو بعد ذلك أن برامج المساعدات يجب أن تجعل أمريكا أكثر أمنا وقوة وازدهارا، وإلا ستخضع للمراجعة، وعلى سبيل المثال، بعد تعيينه مديرا بالوكالة للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في 3 شباط/ فبراير، منح روبيو معظم الموظفين المحليين والخارجيين إجازة إدارية، وصار مستقبل الوكالة الآن محط تساؤلات، وهو ما يتجاوز حتى مسألة التمويل.

ويتيح الأمر التنفيذي الذي أصدره ترامب لروبيو استثناء بعض البرامج من التجميد المؤقت لمدة تسعين يومًا، وشمل هذا الاستثناء في البداية المساعدات العسكرية المقدمة لـ"إسرائيل" ومصر، وكذلك المساعدات الغذائية في جميع أنحاء العالم. 

وفي 28 كانون الثاني/ يناير، أصدر روبيو إعفاء إضافيا شمل "المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة"، مما ترك مديري برامج المساعدات والشركاء المحليين في حالة من عدم الوضوح بشأن الأنشطة التي تندرج ضمن هذا التصنيف. علاوة على ذلك، قد يؤدي إلغاء المساعدات إلى فقدان الإدارة الأمريكية أداة حيوية لتعزيز مصالحها، خاصة فيما يتعلق بقراراتها الاستراتيجية المقبلة بشأن العراق والأردن ولبنان وسوريا ودول أخرى في الشرق الأوسط.

في السنة المالية 2022-2023، أفادت التقارير أن الحكومة الأمريكية أنفقت 11 مليار دولار على المساعدات العسكرية والاقتصادية في الشرق الأوسط، معظمها في شكل مساعدات ثنائية، وذهبت الغالبية العظمى من المساعدات العسكرية البالغة 5.5 مليار دولار - المصنفة رسميا كتمويل عسكري أجنبي - إلى "إسرائيل" ومصر (دون احتساب الأموال التكميلية للاحتلال). 


وتم تخصيص معظم المبلغ المتبقي لدعم القوات المسلحة في العراق والأردن ولبنان، وبدون هذا التمويل، سيفتقر شركاء الولايات المتحدة إلى المعدات والقدرات والتدريب الضروري لمواجهة "الجماعات الإرهابية" والجهات المعادية في المنطقة. 

ويوفر التمويل العسكري الخارجي فرص عمل في الولايات المتحدة من خلال دعم إنتاج المعدات الأمريكية محلية الصنع، ومنع الدول من الاعتماد على الصين أو روسيا لشراء هذه المعدات.
وعلى الصعيد الاقتصادي، أنفقت الحكومة الأمريكية حوالي 5.6 مليار دولار لدعم برامج الصحة والرعاية الاجتماعية وغيرها من برامج المساعدات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في السنة المالية ذاتها.

وأكد المعهد أن بعض هذه البرامج تعمل بشكل مستمر منذ سنوات، مما يجعلها هدفا للتخفيض، غير أن إلغاء شبكة الأمان هذه قد يقوض الاستقرار الاجتماعي في الدول الحليفة للولايات المتحدة، حاليًا، يشمل أكبر المستفيدين من المساعدات الاقتصادية الأمريكية في الشرق الأوسط الأردن بواقع 1.3 مليار دولار، وسوريا بواقع 900 مليون دولار، واليمن بـ 833 مليون دولار، ولبنان بـ 454 مليون دولار، والعراق 342 مليون دولار.

وتحصل  مصر على 224 مليون دولار، والمغرب على 175 مليون دولار، وتونس تحصل على 150 مليون دولار، بينما تحصل الضفة الغربية وغزة على 112 مليون دولار، وأخيرا ليبيا بواقع 73 مليون دولار.

وتتلقى الجزائر ودول الخليج تمويلاً محدوداً فقط، يركز بشكل أساسي على المشاركة في برامج التدريب، وتخصص الولايات المتحدة الجزء الأكبر من مساعداتها الاقتصادية للمساعدات الإنسانية، بينما يوزع المتبقي على فئات التنمية الاقتصادية بواقع 1.1 مليار دولار، والتعليم والخدمات الاجتماعية بـ 383.7 مليون دولار، والسلام والأمن بـ 271.4 مليون دولار.

وتتضمن هذه الفئات الديمقراطية وحقوق الإنسان والحكم بـ 264.9 مليون دولار، والصحة بـ 224.6 مليون دولار، والبيئة بـ 15.15 مليون دولار، إضافة إلى القطاعات المتعددة بواقع 12.85 مليون دولار.

وتخضع جميع هذه البرامج حاليًا للمراجعة الدقيقة إن لم يكن للإلغاء الكامل، ويواجه مبلغ 270 مليون دولار المخصص لدعم وإدارة برامج المساعدة خطرا متزايدا، كما تتعرض صناديق الديمقراطية والصحة والبيئة لخطر الإلغاء، إما لتعارضها مع سياسات الإدارة المحلية في بعض الحالات، أو سعيا لتوزيع الأعباء العالمية في حالات أخرى. 

وفي المقابل، تتمتع صناديق السلام والأمن - المتضمنة برامج "مكافحة الإرهاب"، ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل، والتدريب الأمني - بفرص أكبر للاستمرار.

وقد تؤثر هذه التخفيضات أيضا على قدرة واشنطن وقدرتها على تقديم المساعدات الطارئة في حالات الإغاثة العاجلة، ففي أيلول/ سبتمبر، أعلنت الإدارة الأمريكية السابقة عن تخصيص مساعدات إنسانية إضافية بقيمة 535 مليون دولار لسوريا و336 مليون دولار للضفة الغربية وغزة (بالإضافة إلى مبلغ 404 مليون دولار الذي تلقته المنطقتان الأخيرتان في حزيران/ يونيو). وفي أيار/ مايو، تمت الموافقة على 220 مليون دولار كمساعدات إنسانية إضافية لليمن. 

وذكر المعهد "غير أن الإنفاق لا يمثل سوى جزء من المشهد، فالإدارة الأمريكية تحتاج إلى حسم قضايا جوهرية في سياساتها تجاه عدة دول قبل اتخاذ قرار بشأن رفع التجميد أو تعديله أو إلغاء المساعدات".

لبنان
قال المعهد إن دعم الولايات المتحدة للقوات المسلحة اللبنانية أثار جدلا متزايدا خلال العقدين الماضيين وذلك بعد "تواطؤ الجيش في استيلاء حزب الله على البلاد بحكم الأمر الواقع، ومع القضاء على حزب الله عسكريا من قبل إسرائيل، بات ضروريا الحفاظ على - أو زيادة - المساعدات البالغة 130 مليون دولار للجيش اللبناني، ففي غياب هذه المساعدات، سيواجه الجيش صعوبات في الحفاظ على جاهزيته وتحفيز قواته أثناء تنفيذ مهامه الواسعة ، بدءا من التنفيذ الكامل لوقف إطلاق النار مع إسرائيل وصولا إلى نزع سلاح حزب الله في جميع أنحاء البلاد".


وأضاف أنه "في ضوء الدور الذي تلعبه القوات المسلحة اللبنانية في تحقيق هدف استراتيجي للأمن القومي الأمريكي، يتعين على الوزير روبيو منح إعفاء فوري لضمان استمرار المساعدات إلى هذه القوات. ومن شأن ذلك أن يساعد في طمأنة أفراد القوات المسلحة اللبنانية بأنهم لن يُتركوا وحدهم، في الوقت الذي تطلب فيه واشنطن وشركاؤها منهم تولي مهمة خطيرة ومحفوفة بالمخاطر السياسية تتمثل في مواجهة حزب الله".

العراق وسوريا
واعتبر المعهد أن الحكومة الأمريكية أظهرت اهتماما طويل الأمد بدعم قوات الأمن العراقية، حيث استثمرت 1.25 مليار دولار لتحسين قدراتها منذ عام 2015، وفي السنة المالية 2022 - 2023، تلقت بغداد 250 مليون دولار من المساعدات العسكرية.  

ومن المتوقع أن يؤدى تقليص هذا الدعم إلى زيادة تفاقم المخاطر المحلية على المصالح الأمريكية والأفراد الأمريكيين، لا سيما في ظل "تصاعد تهديدات الميليشيات المدعومة إيرانيا، التي لا تزال تشكل عائقا رئيسيا أمام الاستقرار الإقليمي، والتي سبق أن أضرّت بسمعة إدارة ترامب ووجهت تهديدات علنية".

وفي سوريا، فيتحتم على واشنطن أن تتبنى نهجا جديدا لدعم البلاد خلال مرحلة تحولها العميق بعيدا عن حقبة الأسد، بدلًا من السعي إلى قطع المساعدات، نظرا لأن واشنطن لديها مصلحة أمنية قومية واضحة في تقديم مساعدات عاجلة ومشروطة بشكل معقول في مجال الحكم للقيادة الجديدة والفاعلين المحليين خلال سعيهم لإرساء ترتيب مستقر بين الفصائل في البلاد. 

واعتبر المعهد أن الأهم من ذلك أنه يجب إعادة توفير جميع الخدمات إلى معتقل "الهول" من أجل الحد من نفوذ تنظيم "داعش" على الآلاف من نزلاء المخيم، الذين يرتبط الكثير منهم بالتنظيم أو يتعاطفون مع أيديولوجيته. 

ومع ذلك، من شبه المؤكد أنه سيتم تجميد برامج المساعدات الإنسانية الأخرى التي تهدف إلى معالجة العنف القائم على النوع الاجتماعي، ويقال إن ترامب يسعى أيضا إلى سحب القوات الأمريكية من شرق سوريا، حيث كان لمهمتها دور محوري في إضعاف تنظيم"داعش" – وهي مسألة منفصلة لكنها حاسمة، سيتم مناقشتها في تحليل سياسي مستقبلي. 


الضفة الغربية وقطاع غزة
ومن المتوقع أن تخضع المساعدات المقدمة للفلسطينيين لتدقيق غير مسبوق بسبب حرب غزة، فقانون "تايلور فورس" لعام 2018 يحظر بالفعل تقديم المساعدات الأمريكية المباشرة إلى السلطة الفلسطينية إلى أن تتوقف عن دفع رواتب السجناء العنيفين وعائلات الشهداء المرتبطين بتنفيذ عمليات.

ومع ذلك، ترى المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أن دعم قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية يصب في مصلحتها لأنها تقلل الحاجة إلى قيام "إسرائيل" ببعض العمليات العسكرية الخاصة. 

وأضاف المعهد أن "السؤال الاستراتيجي يظل حول الجهة التي ستتولى إدارة وتأمين غزة وحكمها بعد الحرب قائمًا، وأي قرارات جديدة بشأن المساعدات قد تؤثر بشكل مباشر على قدرة السلطة الفلسطينية على تعزيز وجودها في القطاع كبديل محتمل لحماس".

وأكد "بالطبع، أعلنت الحكومة الإسرائيلية الحالية مرارًا وتكرارًا رفضها عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة، كما أن تصريح الرئيس ترامب الأخير حول إمكانية إخلاء القطاع من السكان يزيد المشهد تعقيدًا.

ومع ذلك، فإن وقف المساعدات عن قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية في ظل تصاعد الاضطرابات في الضفة الغربية سيكون خطوة محفوفة بالمخاطر. وبدلاً من ذلك، ينبغي تأجيل قرارات التمويل إلى أن يتسنى لمبعوث الرئيس ترامب للشرق الأوسط ستيف ويتكوف الوقت الكافي للتفاوض بشأن مستقبل غزة".

الأردن
وقال المعهد إن "استقرار الأردن يُعد ركيزة أساسية لاستقرار منطقة الشرق الأوسط وأمن إسرائيل على حد سواء. وسيحظى الملك عبد الله الثاني بفرصة مهمة لإيصال هذه الرسالة مباشرةً إلى ترامب عندما يعقدان محادثات في البيت الأبيض في 11 شباط/ فبراير - وهو أول لقاء للرئيس مع زعيم عربي خلال ولايته الجديدة. إلا أن الملك لا يمكنه اعتبار العلاقة الثنائية القوية تاريخياً أمراً مسلمًا به، فالأردن يعتمد بشكل كبير على دعم الولايات المتحدة لاقتصاده وجيشه حيث يتلقى حوالي 780 مليون دولار سنوياً كدعم مباشر للميزانية، وهو مستوى من الدعم لا يحظى به أي بلد آخر باستثناء أوكرانيا". 


وخلال فترة رئاسته الأولى، أعرب ترامب عن اعتراضه على تكلفة المساعدات المقدمة للأردن لكنه قرر في نهاية المطاف عدم قطعها. وقد يشير التجميد الجديد للمساعدات إلى أن الرئيس يعيد النظر في هذا القرار. علاوة على ذلك، تحدى ترامب علناً الهوية السياسية للمملكة من خلال اقتراحه أن يستقبل الأردن ومصر اللاجئين من غزة - وهي قضية وجودية حساسة بالنسبة لعمان. وإذا هدد ترامب بقطع المساعدات عن الأردن خلال زيارة الملك أو بعدها، فقد يؤدي ذلك إلى إحداث تصدع في العلاقة، مع تداعيات غير واضحة على قدرة عمّان ،ناهيك عن استعدادها لاستقبال المزيد من اللاجئين. 

وفي الواقع، يجب أن تكون السياسة هي العامل المحدد لمستويات المساعدات الأمريكية، وليس العكس. ومهما كان قرار الرئيس، فإن الاعتراف بأهمية الدور الأردني في استقرار المنطقة يُعدّ الخطوة الأولى نحو صياغة سياسة متماسكة وفعالة.

وختم المعهد تحليله بالقول إن "إدارة ترامب  اختارت إجراء مراجعة شاملة لمؤسسة المساعدات قبل اتخاذ أي قرارات سياسية كبيرة، ومع مضيها قدماً في عملية المراجعة هذه، سيتعين عليها تحديد القضايا والدول التي تمثل أولوية بالنسبة للولايات المتحدة، وبالتالي الأكثر استحقاقاً للدعم الأمريكي، ويستلزم ذلك وضع معايير محددة لتعريف مفهوم السياسة الخارجية الأكثر أمناً وقوة وازدهارا بشكل عملي، لا سيما فيما يتعلق بالقضايا الاستراتيجية، ومن ثم يمكن لعملية مراجعة المساعدات الخارجية أن تسهم في تحديد البرامج الحالية التي تعزز أمن الولايات المتحدة واستقرارها وازدهارها، وأيها يمكن إلغاؤه بأمان دون تعريض الحلفاء أو الأمريكيين للخطر".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية سياسة دولية ترامب المساعدات الخارجية الولايات المتحدة إدارة ترامب الولايات المتحدة ترامب إدارة ترامب المساعدات الخارجية المزيد في سياسة سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المساعدات الخارجیة المساعدات العسکریة الولایات المتحدة برامج المساعدات فی الشرق الأوسط الضفة الغربیة ملیار دولار ملیون دولار إدارة ترامب المعهد أن حزب الله إلى أن

إقرأ أيضاً:

حشد: «تحقيق دولي يكشف عن إعدامات ميدانية في نقاط توزيع المساعدات الأمريكية الإسرائيلية في غزة»

أصدرت الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني «حشد» تحقيقًا ميدانيًا دامغًا بعنوان «إعدامات ميدانية داخل نقاط توزيع المساعدات الأمريكية الإسرائيلية»، للباحثة القانونية لبنى ديب.

يكشف التحقيق الواقع المأساوي الذي يواجهه الفلسطينيون في غزة، حيث تحولت ما يُسمى بنقاط توزيع المساعدات الإنسانية إلى مصائد موت يومية خلال حرب طوفان الأقصى عام 2025.

ومن خلال شهادات حية، وتحليلات طبية، وبيانات موثقة، يكشف التقرير أن ما يسمى بـ«نقاط التوزيع» أصبحت مناطق إعدام، حيث يتم إطلاق النار على المدنيين الجائعين وقتلهم تحت ستار المساعدات الإنسانية.

نقاط التوزيع في غزة: من مناطق المساعدات إلى مناطق القتل

يتتبع التحقيق الأحداث منذ افتتاح ما يُسمى بـ«مراكز توزيع المساعدات» ابتداءً من 27 مايو 2025، هذه المراكز، الممولة من الولايات المتحدة وإسرائيل والمدارة من خلال مؤسسة غزة الإنسانية، تحولت إلى مصائد موت حقيقية. لا يُقابل المدنيون المصطفون للحصول على الطعام بالشفقة، بل بنيران القناصة وقنابل الغاز والطائرات المسيرة والمراقبة البيومترية.

تقع المراكز في:

رفح

شمال غزة

شارع التينة

نيتساريم

زيكيم

ورغم الترويج لها دوليا باعتبارها مناطق إنسانية محايدة، فإن التقرير يجد أنها في الممارسة العملية تعمل كمناطق عسكرية تسيطر عليها إسرائيل، حيث يتم تنظيم وصول المدنيين إليها بشكل صارم وغالبا ما يتم قمعها بعنف.

نشأة وتشكيل منظمة العمل الإنساني العالمي.. الإنسانية المصطنعة

وُلدت مؤسسة غزة الإنسانية أواخر عام 2023 من خلال منتدى ميكفيه إسرائيل، وهو تجمع غير رسمي لجنود الاحتياط الإسرائيليين ورجال الأعمال والمستشارين السياسيين، سعى هذا المنتدى إلى تهميش وكالات الأمم المتحدة، مثل الأونروا، واستبدالها بهيئة «محايدة» أكثر قابلية للرقابة.

بحلول فبراير 2025، وبفضل ضغط ومشاركة مباشرة من مسؤولين أمريكيين، سُجِّلت مؤسسة GHF رسميًا في جنيف، وبدأت عملياتها في غزة بحلول مايو، ورغم عدم وجود سجل سابق في العمل الإنساني، تلقت المؤسسة تمويلًا أوليًا تجاوز 20.000 فرنك سويسري، ووسَّعت نطاق عملياتها بسرعة.

ومن الجدير بالذكر أن قيادة GHF تشمل:

جيك وود - الرئيس التنفيذي، وهو جندي سابق في مشاة البحرية الأمريكية ومؤسس فريق روبيكون.

ديفيد بيرك - الرئيس التنفيذي للعمليات، مع خبرة في الاستراتيجية العسكرية.

جون أكري - رئيس البعثة، سابقًا في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.

ويضم المجلس الاستشاري جنرالات أمريكيين متقاعدين، وموظفي أمن سابقين في الأمم المتحدة، ومديرين تنفيذيين لشركات كبرى مثل ماستركارد وشركات فورتشن 500.

وتشمل الشركات المتعاقدة المشاركة في العمليات اللوجستية والأمنية شركة Safe Reach Solutions (SRS) وشركة Global Delivery Company (GDC) - وهي كيانات اتُهمت سابقًا بانتهاكات حقوق الإنسان في مناطق الصراع.

عسكرة المساعدات والإعدامات الميدانية

يوثّق التقرير بدقة الحوادث اليومية لإطلاق النار الحي في مواقع التوزيع. وتُظهر إحصاءات موثقة من المستشفيات والمراقبين الميدانيين أنه بين 27 مايو و1 يوليو 2025:

972 مدنيا قتلوا وأصيب أكثر من 4278 شخصًا ولا يزال العشرات في عداد المفقودين.

تُظهر التقارير الطبية أنماطًا متكررة من الاستهداف المميت للمناطق الحيوية، بما في ذلك الشريان الفخذي والصدر والرأس والرقبة. يموت العديد من الضحايا في غضون دقائق بسبب النزيف الحاد أو إصابات الرأس، ويتفاقم الوضع بسبب الانهيار الكامل للبنية التحتية الطبية في غزة.

إن استخدام الذخيرة الحية والغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية ضد المدنيين العزل - وكثير منهم من كبار السن والنساء والأطفال - يشكل انتهاكا للعديد من أحكام القانون الإنساني الدولي، «أُرسلنا للمساعدة، فأصبحنا جلادين»

ترسم شهادة مُبلّغ عن مخالفات من مُقاول أمني أمريكي، تعاقدت معه شركة UG Solutions، صورةً مُرعبة. يروي كيف وصل إلى واشنطن في 16 مايو، حيث نُقل على عجل إلى الشرق الأوسط مع 300 آخرين - بعضهم جنود مُدرّبون، والبعض الآخر مدنيون بلا خبرة قتالية.

لم نتلقَّ تدريبًا حقيقيًا، سلّمونا بنادق هجومية وأسلحة جانبية وقالوا إن هذا عمل إنساني. لكن سرعان ما بدأنا نطلق النار على حشود من الناس الجائعين.

كان المتعاقدون يفتقرون إلى المعدات الأساسية، وأجهزة الرؤية الليلية، وحتى المعرفة الطبية. وكان استخدام رذاذ الفلفل وقنابل الصوت شائعًا، وغالبًا دون معرفة المسافات الآمنة أو آثارها. ويتضمن التقرير شهادات مماثلة عديدة من متعاقدين آخرين.

الطائرات بدون طيار والمراقبة: «أطلقوا علينا اسم الحيوانات»

وصف العديد من المدنيين الذين أُجريت معهم مقابلات الاستخدام المتكرر للطائرات الرباعية المروحية التي كانت تحلق فوق خطوط المساعدات. ووفقًا للضحايا، لم تقتصر هذه الطائرات على المراقبة فحسب، بل شملت أيضًا توجيه الإساءات الصوتية والشتائم.

ونقل أحد الضحايا عن مشغلي الطائرات بدون طيار قولهم:

«يا حيوانات، ماذا فعلتم بالطعام؟!» - قبل إلقاء الغاز المسيل للدموع.

أزمة الأخلاقيات الداخلية والاستقالات

حتى أعضاء لجنة التخطيط التي أسست GHF أعربوا عن مخاوف أخلاقية. وكشف خمسة أفراد شاركوا في المراحل الأولى من التصميم ما يلي:

وقيل لهم في البداية أن المهمة إنسانية.

وتضمن النموذج النهائي قوات أمنية خاصة، والمسح البيومتري، ونقاط التفتيش العسكرية.

ورأى البعض أن هذا الإجراء يُستخدم لتمكين النزوح القسري من وسط غزة إلى الجنوب، وهو عمل قد يشكل جرائم حرب بموجب القانون الدولي.

النتائج الطبية: تشريح الجريمة

ويتضمن التقرير تفصيلاً للعواقب الطبية الناجمة عن الهجمات:

تؤدي إصابة الشريان الفخذي إلى الوفاة خلال دقائق.

تؤدي الطلقات في الصدر إلى نزيف في الصدر وانهيار الرئتين.

تؤدي الطلقات في الرأس إلى نزيف داخل الجمجمة وكسور وفتق في الجمجمة.

غالبًا ما تتطلب الجروح في الأطراف البتر بسبب نقص التروية أو العدوى غير المعالجة.

تؤكد صور الأشعة السينية وتحليلات الخبراء من أطباء مثل الدكتورة يارا أبو مار استخدام رصاصات عالية السرعة، تهدف إلى تعطيل الجسم أو قتله. ويُعتبر استهداف المناطق التشريحية التي تحافظ على الحياة انتهاكًا جسيمًا للقانون الدولي.

نظام المراقبة والإذلال

ووصفت عملية الدخول إلى مواقع التوزيع بأنها عملية غير إنسانية:

المسح الحيوي الكامل عن طريق القزحية والتعرف على الوجه.

حظر تام على جمع المساعدات عن الآخرين (حتى للمرضى).

يتم تفتيش الحاضرات من الإناث من قبل موظفات مسلحات.

ويتم التحقيق مع عائلات الشهداء بشكل منفصل.

ويقارن السكان المحليون هذه العملية بـ«رعي الماشية» بسبب الممرات الأمنية المشددة والطوابير الإجبارية.

لا توجد ضمانات للسلامة. يُعتقل الكثيرون أو يختفون بعد وصولهم إلى مراكز المساعدة.

أصوات عامة: «نركض لنأكل ونرحل بالدم»

وتؤكد شهادات السكان المحليين على القسوة: نركض كيلومترين للحصول على كيس دقيق. يطعن الناس بعضهم البعض بالسكاكين. رأيتُ ذات مرة رجلاً طُعن في رقبته ينزف حتى الموت.

نتناول مسكنات الألم لنواصل المشي. جسدي يؤلمني. نُعامل أسوأ من الحيوانات.

لا أريد رفاهية. أريد فقط طعامًا. نحن نموت ببطء، كل يوم.

القضية القانونية: الجرائم ضد الإنسانية

وتطالب الهيئة بما يلي:

توقف شركة GHF جميع عملياتها على الفور.

المحكمة الجنائية الدولية تفتح تحقيقات في عمليات الإعدام الميدانية.

السيطرة الكاملة على عودة المساعدات إلى وكالات الأمم المتحدة مثل الأونروا.

- إنشاء ممرات إنسانية آمنة دون تدخل أمني.

تُتهم منظمة GHF بتمكين الجرائم المنصوص عليها في نظام روما الأساسي، بما في ذلك التجويع المتعمد للمدنيين، والقتل خارج نطاق القضاء، والتهجير القسري.

انتهاك وقف إطلاق النار والابتزاز الإنساني

يربط التقرير أيضًا ظهور صندوق الأمم المتحدة للسكان (GHF) بانتهاك إسرائيل لوقف إطلاق النار في 18 مارس 2025، عندما أُعيد إطلاق حملة عسكرية واسعة النطاق. ومع منع وصول المساعدات، وتزايد الضغط العالمي، طُرح صندوق الأمم المتحدة للسكان كحل وسط سياسي.

ولكنها سرعان ما تحولت إلى أداة عسكرية مسيسة، تتحايل على المعايير الإنسانية بينما تعمل على تقويض الأمم المتحدة وتديم الحصار.

الخاتمة: «دعوا غزة تعيش»

وخلصت اللجنة الدولية إلى أن:

لقد أصبحت المساعدات سلاحا.

يتم استخدام الجوع كأداة للخضوع.

يتم استبدال القانون الإنساني بالحكم العسكري.

هذا التقرير، الذي يستند إلى أشهر من العمل الميداني والتوثيق الطبي والأدلة المباشرة، يُقدّم الآن كوثيقة قانونية للمجتمع الدولي. على العالم أن يتحرك، ليس فقط لوقف القتل، بل لاستعادة الكرامة والأمان والإنسانية لأهل غزة.

دعوا غزة تحيا. دعوا الطعام يبقى طعامًا. دعوا الإنسانية تستعيد عافيتها.

اقرأ أيضاًالإغاثة الطبية في غزة: نواجه أوضاعا كارثية مع استمرار إسرائيل منع إدخال المساعدات

«مكلفة وغير فعالة».. مفوض الأونروا ينتقد إسقاط المساعدات جوا في غزة

مقالات مشابهة

  • ترامب: قدمنا 60 مليون دولار لإدخال أغذية إلى غزة ولا مجاعة في القطاع
  • ترامب: أنفقنا 60 مليون دولار منذ أسبوعين على الطعام لغزة ولم يذكر أحد ذلك.
  • 9 شهداء بنيران الاحتلال قرب نقطة المساعدات الأمريكية جنوب خان يونس بغزة
  • حشد: «تحقيق دولي يكشف عن إعدامات ميدانية في نقاط توزيع المساعدات الأمريكية الإسرائيلية في غزة»
  • ترامب: فقدان 100 مليون دولار تم جمعها لمتضرري حرائق كاليفورنيا
  • خطر الترحيل.. آلاف الكاميرونيين مهددون بعد تأييد قرار ترامب بإنهاء الحماية المؤقتة
  • ناسا: أكثر من 20% من موظفينا طلبوا الاستقالة ضمن برنامج أطلقته إدارة ترامب
  • أخبار كاذبة.. السفارة الأمريكية في طرابلس تنفي الأنباء عن نقل سكان غزة إلى ليبيا
  • الولايات المتحدة تعزز دفاعات أوكرانيا.. صفقة معدات دفاع جوي بـ180 مليون دولار
  • الوكالة الأمريكية للتنمية: الخارجية اتهمت حماس بسرقة المساعدات بدون أدلة