بغداد اليوم -  بغداد

يثير موقف الإدارة الأمريكية تجاه العراق في ظل العقوبات المفروضة على إيران تساؤلات حول مستقبل العلاقات العراقية-الأمريكية، خاصة مع تصاعد الضغوط الاقتصادية والسياسية. 

ويرى الباحث في الشؤون الاستراتيجية، نبيل العزاوي في حديثه لـ"بغداد اليوم"، أن العراق يسعى جاهدًا لتحييد نفسه عن التصعيد بين واشنطن وطهران، إلا أن قرارات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد تعقّد الوضع، خصوصًا فيما يتعلق باستخدام الدولار في التعاملات المالية العراقية الإيرانية.


العراق بين العقوبات الأمريكية واعتماده على الغاز الإيراني

يواجه العراق معضلة حقيقية في ظل هذه العقوبات، نظرًا لاعتماده الكبير على الغاز الإيراني لتشغيل محطات الكهرباء، خاصة مع اقتراب فصل الصيف حيث يزداد الطلب على الطاقة. 

وتشير تصريحات العزاوي إلى أن قطع إمدادات الغاز الإيراني بشكل مفاجئ قد يؤدي إلى أزمة طاقة حادة، في وقت لا تزال البدائل، مثل الربط الكهربائي الخليجي والطاقة الشمسية، في مراحلها الأولية وتحتاج إلى وقت أطول لتنفيذها.


الإدارة الأمريكية وموقفها المتشدد

بحسب العزاوي، فإن إدارة ترامب لا تبدي مرونة في منح العراق وقتًا إضافيًا لإيجاد بدائل، مما يضع الحكومة العراقية في موقف صعب. فالعراق يجد نفسه أمام خيارين أحلاهما مر:

1. الاستمرار في استيراد الغاز الإيراني رغم العقوبات، مما قد يعرضه لضغوط أمريكية وعقوبات اقتصادية جديدة.

2. الالتزام بالعقوبات وقطع التعاملات مع طهران، مما قد يهدد استقرار شبكة الكهرباء ويؤدي إلى اضطرابات داخلية.


إمكانية التصعيد والتداعيات المحتملة

يحذر العزاوي من أن استمرار استيراد الغاز الإيراني دون قبول أمريكي قد يؤدي إلى تأزيم العلاقة بين بغداد وواشنطن، وربما فرض عقوبات اقتصادية أمريكية على العراق، مما يزيد من تعقيد المشهد السياسي والاقتصادي. لكنه يشير إلى أن الحكومة العراقية تدرك خطورة الوضع، وتسعى لممارسة دور سياسي عاجل للحيلولة دون وقوع العراق في منزلقات خطيرة.


جهود العراق لإيجاد حلول وسط

تعمل الحكومة العراقية على إيجاد حلول لتجنب الأزمة، من خلال:

إجراء اتصالات مكثفة مع الجانب الأمريكي لإقناعه بمنح العراق وقتًا إضافيًا حتى تكتمل مشاريع الربط الكهربائي مع الخليج.

تسريع العمل على مشاريع الطاقة البديلة، مثل المنظومات الشمسية، لتقليل الاعتماد على الغاز الإيراني.

التوازن في العلاقات بين واشنطن وطهران، عبر تبني سياسة الحياد ومحاولة التوفيق بين المصالح المتعارضة.

يجد العراق نفسه في موقف دقيق بين الضغوط الأمريكية والعقوبات المفروضة على إيران من جهة، وحاجته الماسة إلى الطاقة من جهة أخرى. وبينما تسعى الحكومة إلى تجنب التصعيد عبر المسارات الدبلوماسية، يبقى التساؤل مفتوحًا حول مدى نجاحها في إقناع واشنطن بمنحها مهلة إضافية، وما إذا كانت البدائل المطروحة ستكون كافية لسد الفجوة في إمدادات الطاقة خلال الفترة المقبلة.


المصدر: بغداد اليوم+ وكالات

المصدر: وكالة بغداد اليوم

كلمات دلالية: الغاز الإیرانی

إقرأ أيضاً:

إبراهيم شقلاوي يكتب: لجنة وطنية لمواجهة الضغوط الأمريكية

عادت العلاقات السودانية الأمريكية إلى واجهة التوتر، بعد إعلان واشنطن فرض عقوبات جديدة على السودان، استنادًا إلى اتهامات باستخدام الجيش السوداني أسلحة كيميائية خلال الحرب ضد مليشيا الدعم السريع. غير أن التوقيت والسياق السياسي يفرضان قراءة مغايرة، تكشف عن تحوّل نوعي في طريقة تعامل السودان مع الضغوط الأمريكية، بالنظر لتجارب سابقة.

في خطوة وصفها مراقبون بـ”الذكية”، أصدر رئيس مجلس السيادة السوداني قرارًا بتشكيل لجنة وطنية للتحقيق في المزاعم الأمريكية، تضم وزارات الخارجية والدفاع، وجهاز المخابرات العامة. هذه الخطوة تعكس جدية الدولة في تناول الملف، وتحمل أبعادًا قانونية ودبلوماسية مهمة، حيث تؤكد التزام السودان بالاتفاقيات الدولية، وعلى رأسها اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية. كما أنها تبعث برسالة واضحة: السودان دولة مؤسسات، ترفض الإملاءات والتجريم المسبق.

كانت الولايات المتحدة قد أعلنت أن العقوبات ستدخل حيّز التنفيذ في يونيو المقبل، وتشمل قيودًا على الصادرات وخطوط الائتمان الحكومية. ورغم أن الأثر الاقتصادي لهذه العقوبات يبدو محدودًا بسبب ضعف العلاقات التجارية بين البلدين، إلا أن توقيتها السياسي يثير التساؤلات. فقد تزامن إعلان العقوبات مع تقدم ميداني كبير أحرزه الجيش السوداني، ما دفع بعض المراقبين إلى الربط بين القرار الأمريكي والواقع العسكري، واعتبار العقوبات محاولة لإعادة ترتيب موازين القوى وفرض بيئة تفاوضية لا تعكس الوقائع على الأرض، بل تعبر عن رغبات خارجية تمثل مصالح داعمي المليشيا الإقليميين.

في هذا السياق، تبدو السياسة الأمريكية تجاه السودان وكأنها لا تزال رهينة لكتاب قديم يعود إلى تسعينيات القرن الماضي، تُعيد قرأته كلما تعثرت رهاناتها على التحولات المحلية. فمنذ سقوط نظام البشير عام 2019، انخرطت واشنطن في محاولات متعددة لإعادة تشكيل المشهد السياسي السوداني، بدءً بدعم البعثة الأممية بقيادة فولكر بيرتس، ومرورًا بمحاولات فرض “دستور المحامين” بصيغته المستوردة، وانتهاءً بالاتفاق الإطاري الذي وُلد ميتًا بعد أن اصطدم بواقع سوداني معقد ومتشابك. ومع فشل هذه الأدوات “الناعمة”، انتقلت الإدارة الأمريكية إلى أدوات أكثر خشونة، من خلال دعم غير مباشر لتحركات مليشيا الدعم السريع التي انقلبت على السلطة في أبريل 2023 وأدخلت البلاد في أتون الحرب.

هذه القراءة تكشف عن محاولة لإعادة هندسة موازين القوى، وفرض مناخ تفاوضي جديد يستند إلى ضغوط خارجية تُستخدم فيها قضايا الحقوق كسلاح سياسي. تدرك الولايات المتحدة أن انتصار الجيش سيُضعف من نفوذها في البلاد، ويوسّع هامش مناورة الخرطوم، ما قد يدفع السودان نحو تقارب أكبر مع شركاء دوليين كروسيا أو الصين، وهو ما لا يخدم مشروع الهيمنة الغربية في المنطقة.

وفي هذا السياق، أعلنت الخارجية الأمريكية فرض قيود على الصادرات وخطوط الائتمان الحكومية، تدخل حيز التنفيذ في يونيو 2025، في محاولة لضبط المسار السياسي مجددًا، بعد فشل الرهان على المليشيا. اللافت أن هذا الدعم غير المباشر للمليشيا ينسجم أيضًا مع أجندات بعض الحلفاء الإقليميين، خصوصًا الإمارات، التي ترى في هذه القوات أداة تخدم مشروعها في السودان و القرن الإفريقي، وهي سياسات أثارت انتقادات حتى داخل الولايات المتحدة نفسها، كما عبّرت عن ذلك السيناتور سارة جاكوبس التي حذّرت من تواطؤ واشنطن مع أبوظبي، مؤكدة أن السياسات الأمريكية تُضلّل الرأي العام ولا تعكس قيمًا أخلاقية حقيقية (رويترز).

العقوبات الأمريكية على السودان ليست جديدة، بل امتداد لسلسلة بدأت منذ عام 1993، وأدت إلى عزله اقتصاديًا وتكنولوجيًا، دون أن تحقق أهدافها السياسية. بل إنها أضرت بالمواطن ودفعته للتعامل مع دول بديلة كالصين. وفي هذا الإطار، وصفت الحكومة السودانية عبر الناطق الرسمي خالد الإعيسر الاتهامات الأمريكية بحسب “سونا” بأنها “ابتزاز سياسي” و”تزييف للحقائق”، مشيرة إلى تشابه هذه المزاعم مع سيناريوهات قديمة، كقصف مصنع الشفاء في عام 1998.

وفي سياق تعزيز موقفها الأخلاقي والقانوني ، عمدت الحكومة إلى تقديم نفسها كقوة منضبطة في سلوكها العسكري، إذ قامت الفرقة الثالثة شندي، قبل يومين، بتسليم 66 طفلًا جندتهم مليشيا الدعم السريع إلى أسرهم، عبر المجلس القومي لرعاية الطفولة، بحضور ممثلين من مؤسسات حكومية وعدلية. وقد مثّل هذا الحدث ردًّا عمليًا على الاتهامات، وفارقًا جوهريًا في طبيعة السلوك القتالي بين الجيش و المليشيا المتمردة.

ومن منظور # وجه_ الحقيقة ، فإن تعامل السودان مع الأزمة الراهنة يُظهر تحوّلًا تدريجيًا من الاستجابة الانفعالية إلى إدارة متأنية للأزمات، في توازن بين الدفاع السياسي والاحتواء الدبلوماسي، دون التفريط في السيادة أو السقوط في فخ العزلة. ومع أن الولايات المتحدة ما تزال تملك أوراق ضغط، فإن السودان اليوم أكثر وعيًا بتاريخ هذه الضغوط، وأكثر استعدادًا لصياغة مسارات بديلة تحترم قراره الوطني. ويبقى السؤال المفتوح: هل تنجح الخرطوم في تجاوز هذه العقوبات؟ الإجابة على هذا السؤال ستحدد ملامح المرحلة القادمة في السودان.
دمتم بخير وعافية.

إبراهيم شقلاوي
السبت 31 مايو 2025م Shglawi55@gmail.com

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • إيران تطالب بـ”ضمانات” من الولايات المتحدة بشأن رفع العقوبات
  • إيران: أي إجراء متهور من إسرائيل سيقابل برد صارم
  • إيران: لم نر بعد أي تغييرات في الموقف الأمريكي بشأن العقوبات
  • تقرير: ارتباك داخل الإدارة الأمريكية يوقف مؤقتاً العقوبات على إيران
  • إبراهيم شقلاوي يكتب: لجنة وطنية لمواجهة الضغوط الأمريكية
  • وثائق تكشف: كيف تساعد إيران الحوثيين في التحايل على العقوبات الأمريكية؟
  • الحكومة: السوداني وعون سيعقدان مباحثات رسمية تتناول مجمل العلاقات العراقية اللبنانية
  • بعد عقود من الجمود.. الغاز يقرب العراق وأذربيجان بشكل مؤقت
  • مقتدي الصدر يحذر من استغلال اسم عائلته في حملات الانتخابات العراقية المقبلة
  • نائب إطاري: سيبقى العراق تحت الحكم الإيراني رغم أنف أمريكا وحلفائها العرب