◄ تكرير النفط يحصد النصيب الأكبر من النمو بالقطاع بنسبة 63.8%

◄ 1.5 مليار ريال حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة في الصناعات التحويلية

◄ افتتاح مشاريع استراتيجية لتعزيز قطاع الصناعات التحويلية

الرؤية - سارة العبرية

ساهمت السياسات الحكومية الهادفة إلى تعزيز الابتكار وتنويع مصادر الدخل في تحقيق نمو ملحوظ في قطاع الصناعات التحويلية، لنشهد في السنوات الأخيرة جهودا متواصلة للاستثمار في البنية الأساسية الصناعية وتنفيذ المشاريع الاستراتيجية لدعم الأهداف الحكومية نحو اقتصاد أكثر استدامة وتنمية.

ويؤكد هذا النهج التزام سلطنة عُمان بتطوير قطاع الصناعات التحويلية وتعزيز دوره في الاقتصاد الوطني، بما يتماشى مع "رؤية عُمان 2040" التي تسعى إلى بناء اقتصاد متنوع ومستدام يعتمد على الابتكار والمعرفة، إذ إن الصناعات التحويلية تعد محركًا رئيسًا للاقتصاد في العديد من الدول الصناعية، وتسهم بشكل أساسي في تطوير قطاعات اقتصادية أخرى، كما أن نمو قطاع الصناعات التحويلية يعمل على تعزيز وتطوير قطاعات أخرى من خلال زيادة الطلب على المواد الخام والخدمات اللوجستية والتقنية، بالإضافة إلى تحسين البنية الأساسية وزيادة الاستثمار في البحث والتطوير والابتكار.

وبنهاية النصف الأول من عام 2024، ارتفع ناتج الصناعات التحويلية بالأسعار الثابتة بنسبة 10.1% ليصل إلى 1.868 مليار ريال عُماني، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2023، وهو ما يعكس تزايد الاستثمارات والإنتاج في هذا القطاع الحيوي.

وكان لصناعات تكرير النفط النصيب الأكبر من النمو؛ حيث سجلت زيادة بنسبة 63.8%، ليصل ناتجها إلى 138.2 مليون ريال عُماني، وهو ما يمثل 7% من إجمالي ناتج الصناعات التحويلية، ويُعزى هذا النمو إلى التوسع في عمليات التكرير وارتفاع الطلب المحلي والعالمي على المنتجات النفطية المكررة.

أما الصناعات الكيميائية الأساسية، فقد شهدت توسعًا ملحوظًا بنسبة 17.8%، ليصل ناتجها إلى 659 مليون ريال عُماني، ما يعادل 35% من إجمالي ناتج القطاع، مدعومة بزيادة إنتاج البتروكيماويات والطلب المتزايد على المواد الخام الكيميائية.

وفي المقابل، ارتفع الطلب على الصناعات الأخرى والتي تشمل قطاعات مثل المعادن، والغذاء، والدواء، بنسبة 4.7%، ليبلغ ناتجها 1.071 مليار ريال عُماني، ما يعادل 57% من إجمالي ناتج الصناعات التحويلية، ويرجع ذلك إلى توسع المشاريع الصناعية وزيادة الإنتاج المحلي، إضافةً إلى تزايد الاستثمارات الأجنبية والمحلية في هذا المجال.

وتستهدف الاستراتيجية الصناعية لعام 2040 تحقيق معدل نمو سنوي بنسبة 7% في هذا القطاع، وذلك من خلال تعزيز الإنتاج المحلي، وتوفير فرص العمل، وتحسين الميزان التجاري، بالإضافة إلى دعم الابتكار والتقنيات الحديثة لضمان تنافسية القطاع على المستوى الإقليمي والدولي.

وتجاوز حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة في قطاع الصناعة التحويلية 1.5 مليار ريال عماني بنهاية العام الماضي، ويعد قطاع الصناعة بشكل عام ثاني أكثر القطاعات جذبا للاستثمارات الأجنبية المباشرة بعد قطاع النفط والغاز.

وفي السياق، يجري تنفيذ مشاريع استراتيجية لتعزيز قطاع الصناعات التحويلية، مثل مجمع لوى للصناعات البلاستيكية، الذي بدأ التشغيل التجاري في ديسمبر 2021 بتكلفة 2.7 مليار ريال عُماني، ويهدف إلى إنتاج 838 ألف طن سنويًا من مادة البولي إيثيلين و300 ألف طن من مادة البولي بروبيلين، إلى جانب مشروع مصنع كروة لإنتاج الحافلات في الدقم، والذي يهدف إلى إنتاج 500 حافلة سنويًا في مرحلته الأولى، وهو مشروع استثماري مشترك بين سلطنة عُمان ودولة قطر.

ومن بين المشاريع المستقبلية المهمة، مشروع هايبورت الدقم لإنتاج الهيدروجين الأخضر، الذي يسعى إلى تحويل ميناء الدقم إلى مركز عالمي لتجارة الهيدروجين الأخضر، ومن المتوقع أن يبدأ تشغيل هذا المشروع في عام 2026، بتكلفة تصل إلى 11.55 مليار ريال عُماني، مما يعزز مكانة سلطنة عمان كمركز رئيسي للطاقة المتجددة.

وفي الوقت ذاته تعزز صناعة الحديد الأخضر طموحات تحول قطاع الصناعة نحو الطاقة النظيفة في إطار سعي سلطنة عُمان للوصول إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2050، وبينما يعني النمو الصناعي الحاجة لمزيد من الطاقة وهو ما يقود لزيادة الانبعاثات، فهنا تأتي المصادر المتجددة والنظيفة لتمثل دعما متجددا لنمو قطاع الصناعة مع الحفاظ على البيئة وضمان توفير مصادر متجددة لتحقيق استدامة الصناعات خاصة الثقيلة التي تعد من بين الأكثر كثافة في استهلاك الطاقة.

وإضافة للعديد من المبادرات المهمة التي تعزز نمو قطاع الصناعة، تأتي منهجية التكامل بين مختلف القطاعات الاقتصادية التي تتبناها الخطة الخمسية العاشرة لتعطي أفقا أكثر اتساعا للنمو في مختلف الأنشطة الصناعية عبر تكامل سلاسل الإنتاج، ومن المقرر أن يدخل المشروع المتكامل لإنتاج الحديد الأخضر في الدقم باستثمارات تتجاوز 3 مليارات دولار في مرحلة الإنتاج بحلول عام 2027 وهو توقيت يقترب من الموعد المقرر لبدء الإنتاج من مشروع آخر مهم لإنتاج الحديد في صحار.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الاقتصاد الإبداعي لم يعد ترفا فكريّا

الاقتصاد الإبداعي هو أحد النماذج الاقتصادية الحديثة التي تحظى باهتمام عالمي على نطاق واسع، ويعد أحد المحركات الرئيسة للاقتصاد العالمي؛ كون الأثر المالي المتوقع من الاقتصاد الإبداعي كبيرا الذي بات يمثّل أكثر من 3% من حجم الاقتصاد العالمي، ويعادل نحو 2.3 تريليون دولار؛ وفقا لأحدث الإحصائيات المتوفّرة.

لكن التحدي الأكبر في الاقتصاد الإبداعي فكريًّا أنه ما زال محدود التأثير، وبحاجة إلى مزيدٍ من التجويد والاهتمام على مستوى الصناعات الإبداعية، والمحتوى المحلي. وفي رأيي أنَّ عدم إشباع الاقتصاد الإبداعي نقاشات وأطروحات من قبل الأغلبية أو الجماعة من حيث المفهوم، والتأثير على المجتمع والاقتصاد أدى إلى محدودية التفاعل مع الاقتصاد الإبداعي، والصناعات الإبداعية على وجه الخصوص.

وربما هو نتيجة الفهم غير الواسع عن المفهومين أو عدم ارتباطهما مباشرة بالحياة اليومية للأفراد، أي أنها لا تؤثر على حاجيّاتهم، وقد يراها البعض أنها جانب هامشي ليس أساسي، لكنها في الحقيقة هي تمثّل دخلا ماليا للفرد في حال استفاد من مهاراته وهواياته في تحويل الصناعات التي يقوم بها إلى صناعات إبداعية؛ خاصة فئة الحرفيين وصنّاع المحتوى وممارسي الفنون بمختلف أنواعها كالمسرح والأفلام والموسيقى إضافة إلى المشتغلين في البحوث والتطوير هم المحركين الأساسيين للاقتصاد الإبداعي.

رغم تعدد المفاهيم المصطلحات حول الاقتصاد الإبداعي إلا أنَّ المفهوم الأقرب إلى رأيي هو المكان الذي يمتزج من خلاله الفكر الفني بالتوجه الاقتصادي، ويتفاعلان معا؛ لإنتاج اقتصاد إبداعي، وبالتالي الإسهام في تحقيق التنمية المستدامة. وهنا من الجيد أن نشير إلى أنَّ الاقتصاد الإبداعي يعتمد كليًّا على مستوى المهارة، والإبداع في إخراج المحتوى؛ ولذلك مدى فاعليته تتأثر كثيرا بمستوى استحسان رأي الأغلبية، وبالأحرى مدى نجاح الاقتصاد الإبداعي قائم على إنتاج الإبداع المحمي بالملكية الفكرية وتسويقه، وأيضا مدى تطوّر مستوى المبدعين اقتصاديا في صناعة المحتوى الفني من خلال توظيف أفكارهم وهواياتهم في إنتاج محتوى إبداعي شريطة تسويقه جيدا بالاستفادة من أدوات التسويق الرقمي في المنصات الإلكترونية. فالاقتصاد الإبداعي أصبح محركا للاقتصاد ومعززا لنموّه من خلال توفير فرص عمل للباحثين عن عمل المبدعين وبالتالي زيادة مداخيلهم، وبلا شك سينعكس إيجابا على رفاهية المجتمعات، وهنا نستطيع القول بأن الاقتصاد الإبداعي هو اقتصاد العقول.

إن دفع عجلة التنويع الاقتصادي يعد هدفا وطنيا ساميا، وعلينا البحث عن الفرص الداعمة لإنجاح هذا التوجه الوطني المهم، والاقتصاد الإبداعي أحد المدخلات الفاعلة للتنويع الاقتصادي؛ كونه يتميّز بمرونة عالية وقدرة على مواجهة التحديات الاقتصادية، ولا يتطلب إنفاقا على المواد الأساسية لإنتاجه سوى أن يوظّف الفرد فكره الثقافي والإبداعي في إنتاج محتوى يتميّز بالإبداع والقبول البصري، وبالتالي نستطيع الوصول إلى نمو مستدام بعيدا عن التفكير بشأن تقلبات أسعار الطاقة عالميا، ما يحسّن من مؤشرات التوظيف ورفاهية المجتمع؛ إذ تشير الإحصاءات المرصودة أنّ الاقتصاد الإبداعي استطاع توفير نحو 30 مليون وظيفة في مختلف بلدان العالم، وحجمه يمثّل نحو 1.1% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. ويشير ذلك إلى أنّ الاقتصاد الإبداعي يتسارع في النمو، وأنّ علينا الاهتمام بهذا القطاع الحيوي عبر احتضان الموهوبين والمبدعين؛ للاستفادة من طاقاتهم وهواياتهم الإبداعية في تنمية الاقتصاد الإبداعي، وأن نكون على خارطة الدول المصدرة للصناعات الإبداعية عالميا.

إن الصناعات الإبداعية ليست ترفا فكريا كما يظنه البعض، بل مستقبل لصنع اقتصاد أكثر استدامة وازدهارا وإبداعا، وأرى أنّ المقترحات الآتية ربما تسهم في تنمية الاقتصاد الإبداعي، وتعزز من مكانته، وترسّخ مفهومه وأدواته:

- استحداث مركز مستقل في الجهاز الإداري للدولة يختص برسم السياسات اللازمة للاقتصاد الإبداعي، والتنسيق مع الجهات الحكومية الأخرى لتنمية هذا النوع من الاقتصاد من خلال اكتشاف الموهوبين والمبدعين المعوّل عليهم قيادة هذا القطاع؛ ليكون داعما للاقتصاد العُماني.

- تشجيع الشباب على تأسيس شركات، وتقديم الدعم اللوجستي لهم؛ بهدف إنتاج محتوى محلي إبداعي، واستقطاب الكفاءات والخبرات غير العُمانية؛ لتجويد صناعة المنتجات الإبداعية المحلية.

- تشجيع الباحثين على إجراء دراسات معمّقة عن قطاع الصناعات الإبداعية، وجدوى الاستفادة من القطاع اقتصاديا ومجتمعيا؛ بحيث تربط العلاقة بين الصناعات الإبداعية بتعزيز الهوية الوطنية لدى أفراد المجتمع، ومدى قدرة الأفراد على الاستفادة من منتجاتهم الإبداعية في تعزيز مداخيلهم وانعكاسات ذلك على منظومة الاقتصاد؛ تحديدا على عوامل الاقتصاد الكلي مثل: التوظيف، والنمو الاقتصادي، والناتج المحلي الإجمالي.

- بحث إمكانية تنمية مهارات الحرفيين؛ لإنتاج صناعات حرفية أكثر إبداعا مع دراسة مقترح تأسيس شركة وطنية ناشئة لتنمية الصناعات الحرفية، وتحويلها إلى صناعات حرفية إبداعية، وتصدير المنتجات إلى خارج سلطنة عُمان.

- غرس مفهوم الصناعات الإبداعية لدى النشء، وربطها بالاقتصاد الإبداعي من حيث تسويقها، وانجذاب أفراد المجتمع تجاهها مقارنة بالصناعات الأخرى منخفضة المستوى في الإبداع

راشد بن عبدالله الشيذاني باحث ومحلل اقتصادي

مقالات مشابهة

  • 2.4 مليار ريال فائضًا تجاريًا بنهاية مايو
  • أكثر من 2 مليار ريال فائضًا تجاريًا.. و9.6% انخفاضا بالصادرات السلعية
  • أكثر من 265 مليار ريال نموّ السيولة المحلية بنهاية مايو الماضي
  • (265) مليار ريال نموّ السيولة المحلية بنهاية مايو 2025م
  • الاقتصاد الإبداعي لم يعد ترفا فكريّا
  • برلماني يشيد بارتفاع مؤشر الصناعات التحويلية: دليل تعافي الاقتصاد الوطني
  • 1.6 مليار ريال ارتفاعا في إجمالي السيولة المحلية بنهاية مايو إلى 25.3 مليار
  • الشركات العائلية محرك رئيس لتعزيز نمو الاقتصاد الوطني واستدامته
  • 25.3 مليار ريال إجمالي السيولة المحلية في سلطنة عمان بنهاية مايو
  • بإيرادات نصف سنوية بلغت 5.344 مليار ريال.. "زين السعودية" تحقق نمواَ في أرباحها بنسبة 28%