موقع 24:
2025-08-12@10:17:30 GMT

موقف عربي يستحق الإكبار

تاريخ النشر: 13th, February 2025 GMT

موقف عربي يستحق الإكبار

مثلما أثبت اللقاء الذي جمع في البيت الأبيض العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني والرئيس دونالد ترامب، أن هناك تبايناً عربياً أمريكياً واسعاً بشأن التعامل مع القضية الفلسطينية، أثبت أيضاً أن خطط تهجير الفلسطينيين من أرضهم في قطاع غزة والضفة الغربية، مرفوضة تماماً، ولا يمكن القبول بها عربياً وإسلامياً ودولياً، وأن طرحها بمثابة لعب بالنار يهدد بنسف كل المسلمات القائمة منذ عقود.

الإدارة الأمريكية الجديدة، لا تريد أن ترى وتسمع إلا ما تفكر فيه وتخطط له، وهذا النهج يمثل انقلاباً في الأعراف الدولية وخروجاً على تقاليد العلاقة مع الدول العربية ومنطقة الشرق الأوسط. ورغم أن الإدارات المتعاقبة، يربطها انحياز أعمى إلى إسرائيل وأمنها، إلا أنها تحافظ على قدر من الواقعية والعقلانية للمحافظة على مصالحها الذاتية ومصالح دول الإقليم، كما تبنت من حيث المبدأ حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته والعيش، ورعت لسنوات طويلة المسار التفاوضي الشاق منذ أوسلو قبل أكثر من ثلاثين عاماً إلى المفاوضات الأخيرة للتوصل إلى هدنة في غزة باعتبارها واحدة من الوسطاء الثلاثة إضافة إلى قطر ومصر. ورغم الانتقادات التي طالت إدارة جو بايدن السابقة، كانت هذه الإدارة ترفض إلى آخر لحظة تهجير الفلسطينيين من غزة وترفض توسيع الاستيطان في الضفة، وتعتبره غير شرعي.
في طريق عودته إلى البيت الأبيض، وبعد فوزه بالانتخابات الرئاسية، تعهد ترامب غير مرة بأنه سينهي الحرب المروعة في غزة خلال 24 ساعة، وسيعمل على إحلال السلام في المنطقة، وربما استبشر البعض بتعهداته أو انخدعوا، لكن ما يطرحه اليوم بشأن تهجير سكان غزة والسيطرة على القطاع الفلسطيني وامتلاكه وبيعه أو جلب جنسيات عدة لاستيطانه، أمر صادم ومروع، ولن يستطيع عربي واحد أن يقبله، لأنه فعل يتجاوز كل نواميس الأخلاق والقوانين ويمثل بدعة ليست من هذا الزمان ولا تنتمي إلى الحضارة الإنسانية التي طوت منذ قرون هذه السلوكيات وجرمت السطو على أراضي الغير أو إبادة سكانها أو تهجيرهم قسراً.
وعلى أساس هذه القناعات والقواعد الثابتة، يتأسس الموقف العربي من كل ما يطرحه ترامب بشأن القضية الفلسطينية، وقد أفصح لقاؤه مع العاهل الأردني عن بعض هذا الموقف، الذي سيتبلور وسيتضح بشكل حاسم، لا يقبل اللبس، بعد القمة العربية الطارئة أواخر هذا الشهر، وهو موقف ستتولى مصر نقله إلى الإدارة الأمريكية بكل قوة، وتعرضه بلغة فصيحة لا تقبل التأويل، وجوهره أن تهجير الفلسطينيين لن يكون، وأن اللعب بخرائط المنطقة وبديمغرافيتها غير مسموح أبداً، وهذا موقف يستحق الاحترام والإكبار، وله ما بعده في مقبل الأيام.
لا شك أن هناك معركة سياسية قاسية تدور الآن في المنطقة، وأن هناك أزمة متفاعلة تمر بها العلاقات العربية الأمريكية، وهي الأخطر على الإطلاق، لأنها تمس صميم الأمن القومي العربي، وتهدد بافتعال مظلمة تاريخية جديدة بحق الشعب الفلسطيني وتزعزع استقرار المنطقة عقوداً. ومثلما قاوم السابقون لأكثر من مئة عام مشاريع السطو على فلسطين والأراضي العربية، لن تسمح الأجيال الحالية بتكرار أخطاء الماضي، فالتخلي عن الأرض تخلٍّ عن الهوية والوجود، وهذه الرسالة يجب أن تستوعبها إدارة ترامب، وأن تبحث عن مقاربات أخرى غير تهجير الفلسطينيين والسيطرة على غزة.

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: عام المجتمع اتفاق غزة سقوط الأسد إيران وإسرائيل القمة العالمية للحكومات غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية غزة وإسرائيل تهجیر الفلسطینیین

إقرأ أيضاً:

تيه في صخب عربي مزمن

محطات تأسيسية محورية في التاريخ الحديث، قادت إلى ولادة عالم جديد. البداية كانت من توقيع اتفاقية وستفاليا سنة 1648 بين الدول الأوروبية. أدت الاتفاقية إلى إنهاء حروب دينية طويلة في أوروبا. أرست هذه الاتفاقية مبادئ لبنية الدولة القومية، ونصت على سيادة كل دولة على أراضيها. كانت مساحة واسعة من المنطقة العربية، تحت سيطرة الإمبراطورية العثمانية. لم تُعرف الدولة بمفهومها الحديث الذي وُلد في وستفاليا. بعد وهن الإمبراطورية العثمانية في بداية القرن التاسع عشر اندفع الاستعمار الأوروبي إلى المنطقة تحت مظلات الوصاية والحماية أو الاستعمار المباشر. تفككت الإمبراطورية العثمانية نهائياً في نهاية الحرب العالمية الأولى. لاحت خريطة المستقبل المتخيلة في رؤوس بعض العرب. رُفع شعار الثورة العربية ضد إسطنبول، وانضم حسين شريف مكة إلى بريطانيا التي وعدته بدولة عربية تضم الحجاز والعراق والشام. بعد نهاية الحرب العالمية الأولي وانتصار بريطانيا وفرنسا، نكثت بريطانيا بوعدها للشريف حسين، وتقاسمت المنطقة مع فرنسا فيما عُرف باتفاقية سايكس بيكو. العراق لبريطانيا والشام لفرنسا. منذ ذلك التاريخ بدأ صخب عربي، ولم يتوقف وارتفع وتلون مع عبور السنين. وُصفت تلك الاتفاقية بالمؤامرة الكبرى التي قسمت العرب. في الحقيقة لم تكن هناك في المجمل دول عربية، بل مجرد «إيالات»، أي ولايات تابعة للإمبراطورية العثمانية. ثانياً لم تشمل تلك الاتفاقية بين فرنسا وبريطانيا كل المنطقة العربية. شمال أفريقيا من مصر إلى موريتانيا كانت تحت الحماية أو الاستعمار الغربي. مصر تحت الوصاية البريطانية، وليبيا كانت تحتلها إيطاليا، وتونس كانت تحت الحماية الفرنسية والجزائر تحتلها فرنسا، والمغرب مقسمة بين الاستعمار الإسباني والفرنسي وكذلك موريتانيا، ومنطقة الخليج العربي بالكامل لم تطلها «سايكس بيكو». تلك الاتفاقية التي جرى تحويلها مطرقةً هشَّمت كياناً عربياً كان واحداً، وأدت إلى كل ما يعانيه العرب من تشتت وانقسام. المؤامرة كانت وما زالت هي الحبل، الذي يعلق عليه الكثيرون أسمال فشلهم وتخلفهم.

بعد نهاية حقبة الاستعمار وتحقيق البلدان العربية استقلالها، وجدت القيادات الوطنية نفسها أمام معطيات جديدة. كيانات وليدة لم تكن لهم معرفة سابقة بإدارتها. الدولة، اسم يحمله الإناء السياسي الجديد الذي يجمع كل أبناء الوطن المستقل. النظام الملكي كان الخيار السياسي الذي ساد في الكيانات المستقلة الجديدة. الحكمة التي أنتجتها المعاناة الطويلة زمن الاستعمار، ومعارك الاستقلال المسلحة والسياسية، كانت المشاعل التي أضاءت طريق العهد الجديد. البنى الاجتماعية وأنماط الإنتاج الاقتصادي، بما فيها الزراعي والرعوي والعمل التعاوني الجماعي، وتكوين المجتمع المحكوم بالعقل الجمعي الموروث، كرَّس السلم الاجتماعي. الدولة بإقليم وشعب وحكومة تكوين سياسي أبدعته أوروبا بعقول فلاسفتها عبر قرون، وتجارب ساستها ومعاناة شعوبها جراء صراعات دموية. كل الأنظمة الإمبراطورية السابقة التي حكمت العالم كانت سلطات ولم تكن دولاً.

ساد التفاهم والتعاون والسلام بين الدول العربية بعد حصولها على الاستقلال. بناء الوطن وتحقيق التنمية والخدمات وبخاصة في مجالات التعليم والصحة والبنى التحتية، كانت همَّ قادة كيان التكوين الجديد، يسهرون على بناء وطن لمواطن نهض من حقب الاستعمار والفقر والجهل والمرض.

احتلال فلسطين وقيام دولة إسرائيل، كان الباب الذي شق طريق التيه العربي الطويل. الجيش تنظيم مسلح مناط به الدفاع عن حدود الوطن المستقل، وهو من مكونات الدولة وأعمدتها ولا علاقة له بالشأن السياسي. سنة 1949 هوت مطرقة مسلحة على دولة سوريا المستقلة، وقام الضابط حسني الزعيم بإسقاط نظامها والاستيلاء على الحكم بقوة السلاح. كانت تلك الضربة بداية لإطلاق النار على واقع يعج بالأمل والحلم. صارت سوريا حقلاً بذوره ألغام تفجّر بعضها، انقلابات متواصلة تنقلب على نفسها، الإعدام والسجن والعزل السياسي والعسكري، هي درجات سلم الصعود على سلم الحكم. الآيديولوجيا معزوفة الصخب العنيف. حزب البعث العربي الاشتراكي حلبة التيه، في صراخها يقتل الرفيق رفيقه، أو يغلق عليه باب الحديد حتى يرحمه الموت. تحركت مسبحة الانقلابات العسكرية من القاهرة إلى بغداد، واليمن بشماله وجنوبه، والجزائر والسودان وموريتانيا وليبيا. فعل الصخب العنيف فعله، تصارعت الأصوات العابرة للحدود على أجهزة الراديو وسطور الكتب والصحف. تحرير فلسطين والوحدة العربية الشاملة والاشتراكية والهجوم على الرجعية ومواجهة الإمبريالية العالمية. الأنظمة الجمهورية التي وُلدت من فوهات البنادق لم تحقق أي شعار رفعته، لكنها تفننت في تصفية قياداتها. في اليمن الشمالي قُتل ثلاثة رؤساء، وفي الجنوبي الشيوعي أطلق قادته النار على بعضهم في اجتماع تاريخي غيَّر مصير البلاد والعباد، وفي السودان تدلت المشانق، أما في العراق فكانت قاعة الخلد أم وأب سطوة التيه والصخب الدموي، يوم أعدم أعضاء القيادة القومية والقطرية. غاب البحث العلمي والتعليم والصناعة والإنتاج الزراعي وسيادة القانون، والوحدة العربية، بل حتى الوحدة الوطنية. أمن النظام وحده هو ما يسخر له كل شيء.

السيادة هي الركيزة الأساسية للدولة، ولا يحق لأي دولة أن تتدخل في شؤون دولة أخرى. في أوروبا وآسيا وأميركا اللاتينية، ترسخت هذه القاعدة مما ساعد على توسيع حلقات التعاون بينها، لكن في المنطقة العربية، ما زال التيه الصاخب المزمن يفعل فعله.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

مقالات مشابهة

  • المعبر مفتوح دائما.. أحمد موسى: مصر تحارب تهجير الفلسطينيين
  • أحمد موسى في بث مباشر جديد.. الدوري المصري القطري في إجهاض تهجير الفلسطينيين
  • في رسالة لنتنياهو.. كبار الحاخامات يدعون إلى تهجير الفلسطينيين من غزة
  • مصر تؤكد رفضها تهجير الفلسطينيين
  • تيه في صخب عربي مزمن
  • فتح: جوهر الخطة الإسرائيلية يتمثل في تهجير الفلسطينيين من غزة
  • مصر وتركيا ترفضان تهجير الفلسطينيين ومخططات السيطرة على غزة
  • مصر: تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة ومناطق في الضفة خط أحمر
  • وزير الخارجية: تهجير الفلسطينيين من غزة خط أحمر ونرفض السيطرة الإسرائيلية
  • وزير الخارجية: تهجير الفلسطينيين خط أحمر لا يمكن السماح به تحت أي ظرف