طهران- تُعد قضية حل الفصائل المسلحة في العراق واحدة من القضايا الحساسة التي تمثل نقطة تقاطع بين المصالح الداخلية العراقية والتوازنات الإقليمية والدولية.

فمنذ سقوط الرئيس الراحل صدام حسين عام 2003، أصبح العراق ساحة لتنافس النفوذ بين الولايات المتحدة وإيران التي اتخذت من هذه الفصائل والحشد الشعبي أدوات رئيسية لتعزيز وجودها وتأمين مصالحها الإستراتيجية في بغداد والمنطقة.

وفي ظل التغيرات الجيوسياسية الأخيرة، يواجه هذا الدور الإيراني تحديات متزايدة خاصة مع تصاعد الضغوط الأميركية والدولية لحل هذه الفصائل بما فيها الحشد الشعبي.

هل ستُحل الفصائل؟

يبدو أن واشنطن وحلفاءها في المنطقة يدفعون باتجاه حل الفصائل المسلحة في العراق باعتبارها عائقا أمام استقرار البلاد، مع التركيز على تقويض النفوذ الإيراني الممتد عبر هذه الجماعات. وفي المقابل، تسعى طهران إلى الحفاظ عليها باعتبارها جزءا من إستراتيجيتها الإقليمية، خاصة بعد الانتكاسات التي لحقت بمحور المقاومة الذي تدعمه.

وقد أضعفت الحرب الإسرائيلية على لبنان حزب الله وأثرت على قدراته. كما أدى اغتيال قادة كبار في الحزب وسقوط نظام الأسد في سوريا إلى إضعاف خط الدعم الإيراني الممتد من طهران إلى لبنان عبر بغداد ودمشق.

إعلان

وتتجه الأنظار الآن إلى تسوية محتملة قد تقضي بحل الفصائل المسلحة وإبقاء الحشد الشعبي كقوة رسمية ضمن إطار الدولة العراقية. ورغم أن هذه التسوية قد تبدو مقبولة على المستوى السياسي العراقي لتخفيف الضغوط الدولية، إلا أنها تحمل تداعيات عميقة على النفوذ الإيراني في المنطقة.

فالحشد الشعبي، رغم شرعنته رسميا كجزء من القوات الأمنية العراقية، ما زال يُعتبر أحد شركاء طهران الرئيسيين في المنطقة. ولكن يبقى انتصار السيناريو الآخر، وهو إبقاء الفصائل على حالها واردا، لا سيما أن إيران لم تتوقف عن السعي في هذا الاتجاه على غرار زيارة محمد جواد ظريف نائب الرئيس الإيراني مؤخرا إلى بغداد.

وكما أكد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني على ضرورة حل الفصائل، فإنه شدد -في جلسة حوار مع مركز "ستراتيجيكس"- على ضرورة فهم طبيعة العلاقة الاستثنائية التي تجمع العراق بإيران، من قبل بقية الأطراف بما فيها واشنطن، موعزا ذلك إلى التقارب الجغرافي والثقافي والظروف الجيوسياسية.

الحشد الشعبي يُعد أحد شركاء طهران الرئيسيين في العراق والمنطقة (غيتي) ما طبيعة العلاقة بين طهران والحشد والفصائل؟

أوضح القيادي السابق في الحرس الثوري الإيراني حسين كنعاني مقدم أنه منذ الحرب العراقية الإيرانية عندما كانت مجموعات مختلفة من المعارضة العراقية مستقرة في طهران، وكان لديهم منظمات في سياق القتال ضد نظام صدام تمثلت في منظمة بدر والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق والتي كان يرأسها آية الله الحكيم، وقد خلف هذا علاقات وثيقة ما بين هذه الجماعات والسلطات الإيرانية.

وقال كنعاني للجزيرة نت إن "هذه العلاقات الوثيقة أدت إلى أمر لا يمكن أن نسميه نفوذا، بل هو تعاون وتآزر وتعاطف. وأصبح البلدان رفاق سلاح وهو ما منح إيران مكانة خاصة على المستوى العقائدي والتعاون عند المقاومة العراقية".

إعلان

ووفق القيادي السابق الحرس الثوري فـ"لدى إيران تعاون مع الجماعات العراقية ينطلق من الإيمان والعقيدة والقيم من أجل محاربة الجماعات الإرهابية والمعادية والمحتلة المرتبطة بالاستعمار العالمي، ولاسيما أميركا والكيان الصهيوني الغاصب والمحتل".

كما أكد أن هذه العلاقات الثنائية لها مكانة مهمة في العقيدة الدفاعية الإيرانية، وبالتعاون الذي تقدمه القوات المسلحة والحكومة العراقية يتمكنون من تأمين المنطقة، والاستقرار في العراق الذي يُعد أمرا إستراتيجيا بالنسبة لطهران التي "لطالما قدمت مساعدات لبغداد في مواجهة تهديدات الأميركان وتنظيم الدولة والجماعات التكفيرية والإرهابية".

وحسب كنعاني، لن تتراجع طهران عن الدعم الذي تقدمه للشعب والحكومة والمقاومة في العراق تحت تأثير الضغط الأميركي والجماعات المرتبطة به، وقال "إن الدعم الإيراني يستند كذلك إلى فتوى المرجع الشيعي العراقي علي السيستاني حول الحضور في جماعات مثل الحشد الشعبي".

منذ متى بدأ النفوذ الإيراني في العراق؟

من جانبه، أشار الباحث الإيراني في الشأن العراقي علي بيدبو إلى العلاقات الوطيدة والتاريخية التي نشأت بين "مجاهدي فيلق بدر والحرس الثوري الإيراني خلال فترة هجوم النظام البعثي العراقي على طهران".

وأوضح للجزيرة نت أنه بناء على هذه العلاقات، قامت إيران عام 2003، بالتزامن مع دخول واشنطن إلى بغداد، بدعم جميع فصائل المقاومة التي كانت تنشط ضد الحضور الأميركي، بالأسلحة والمال. وهكذا بدأت طهران بتعزيز نفوذها بين الجماعات المسلحة العراقية مستندة إلى العلاقات التاريخية التي تأسست بعد عام 1979.

وتابع أنه مع تعيين قاسم سليماني قائدا لفيلق القدس التابع للحرس الثوري، تم ترسيخ هذه العلاقات وبدأت إيران بدعم جميع الجماعات المسلحة التي كانت تنفذ عمليات ضد القوات الأميركية، سواء دعما عسكريا أو تسليحيا أو ماليا.

إعلان

وفي ما يتعلق بأهدافها من هذا الدعم، رأى الباحث أن نفوذ إيران لم يكن يوما يعني السيطرة الكاملة على المقاومة العراقية التي حدث ووقفت مرات عديدة في مواجهة أو اختلاف مع سليماني، واتخذت قراراتها بشكل مستقل.

وأحد أبرز الأمثلة على ذلك -كما يقول بيدبو- كان في قضية سوريا حيث قررت جميع الجماعات المسلحة العراقية مثل "عصائب أهل الحق، وحركة النجباء، وكتائب سيد الشهداء، وكتائب حزب الله في العراق" عدم التدخل في الأحداث السورية.

ووفق بيدبو، فإنه "رغم أن هذه الجماعات كانت تخطط لإنشاء منطقة عازلة على الحدود مع سوريا" إلا أن القرار النهائي كان يعتمد على هويتها العراقية المستقلة دون الرجوع إلى إيران. وبالتالي كان هناك دور استشاري لطهران في كثير من الأحيان تعمّق مع الوقت.

كما أن القادة العراقيين في هذه الجماعات كانوا يستشيرون عدة جهات، منها رئيس الوزراء، وقواتهم الخاصة، وقوى المقاومة الأخرى، ووزارة الدفاع، والمؤسسات الأمنية، قبل اتخاذ القرارات وتنفيذ العمليات، حسب المصدر نفسه.

وأردف أن الهدف الإستراتيجي الذي تسعى طهران لتحقيقه من خلال التعاون مع فصائل المقاومة العراقية لا يقتصر فقط على محاربة واشنطن أو إسرائيل "بل يشمل أيضا الحفاظ على الأمن الوطني العراقي. وبناء عليه، نفذت عمليات ضدهما".

هل ستستمر طهران بدعم المقاومة العراقية؟

وحسب الباحث بيدبو، كانت رؤية المقاومة العراقية دائما متوافقة ومتزامنة مع إيران. و"طالما بقي هذا النظام قائما، فإن دعمه لفصائل المقاومة سيستمر، ولكن نوعه يختلف بمرور الوقت".

ورأى أن هذه الفصائل وصلت إلى مستوى من الاكتفاء الذاتي، حيث أصبحت قادرة على إنتاج صواريخها الخاصة. ومن خلال علاقاتها مع المؤسسات الأمنية العراقية، تقوم بتحديد أهدافها وضرب تلك التي تمثل تهديدا للأمن القومي أو الحدود أو الحكومة العراقية.

ووفقا له، فإن العلاقات لم تكن أحادية الجانب أو قائمة على الأوامر. وحول العوامل التي قد تدفع إيران للتخلي عن دعمها لفصائل المقاومة العراقية، أوضح الباحث أن طهران أشارت سابقا إلى أن هذا الفصائل أصبحت مكتفية ذاتيا، ولم تعد بحاجة سوى إلى الدعم الاستشاري منها.

إعلان

ويعتقد أن الدعم الإيراني للفصائل قد يتقلص فقط في حالة إجراء مفاوضات محتملة بين طهران وواشنطن، تهدف إلى تقسيم المصالح وتحديد مستقبل المنطقة وحدود نفوذ البلدين فيها و"ما نراه الآونة الأخيرة أن المسؤولين الإيرانيين يؤكدون باستمرار أن المفاوضات ستقتصر على الملف النووي فقط".

وأشار الباحث إلى احتمال أن تكون إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد بعثت رسائل إلى إيران، قبل وبعد توليه منصبه، تشير إلى رغبة في توسيع نطاق المفاوضات ليشمل القضايا الإقليمية والملفين الصاروخي والنووي، لكن الردود الأخيرة للمسؤولين الإيرانيين أوضحت رفضا لهذا الطلب "مما يؤكد أن الأميركيين ليس لهم الحق في تحديد نطاق نفوذ طهران أو دعمها لفصائل المقاومة العراقية".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات المقاومة العراقیة الحشد الشعبی هذه الجماعات هذه العلاقات حل الفصائل فی العراق أن هذه

إقرأ أيضاً:

المجموعات العميلة المسلحة في قطاع غزة.. إلى أين؟

العصابات والمجموعات المسلحة التي أنشأها الاحتلال الإسرائيلي، أو وفّر الغطاء لإنشائها، لم تتجاوز أكثر من كونها أداة تكتيكية مؤقتة، ومرتهنة بدور وظيفي لخدمة الاحتلال في الضغط على المقاومة وحاضنتها الشعبية، ومحاولة فرض بيئة تستجيب لشروط الاحتلال. غير أنّها ورقة يمكن التخلي عنها في أي لحظة عندما تفقد قيمتها، أو عندما يصبح ضررها أكثر من نفعها. وحتى الآن، فإنّ تجربة عصابات ياسر أبو شباب في رفح وحسام الأسطل في خان يونس ورامي حلِّس وياسر خنيدق في شمال القطاع.. لم تقدم نموذجا ناجحا يمكن للإسرائيليين البناء عليه، ولا حتى السلطة الفلسطينية في رام الله التي تتحدث بعض المؤشرات عن صلة أجهزتها الأمنية بها.

شَهِدَ التاريخ الفلسطيني الحديث تجارب لعصابات أو جهات استُخدمت لطعن الثورة أو كأدوات للاحتلال، كان أبرزها "فصائل السلام" التي عملت في الفترة 1938-1939 بالتعاون مع الاحتلال البريطاني، لإخضاع الثورة الفلسطينية الكبرى في تلك الفترة، ومثّلت عامل قلق وتشويه للثورة. وكان من أبرز قادتها فخري النشاشيبي وفخري عبد الهادي، اللذين تمّ اغتيالهما فيما بعد. كما ظهرت مجموعة "روابط القرى" في النصف الأول من ثمانينيات القرن العشرين، وحاولت أن تقدم نفسها بديلا عن منظمة التحرير والقوى والفصائل الفلسطينية في الضفة الغربية. غير أنّ الأمر انتهى بفشلها بعد مقاطعتها شعبيا وفصائليا، واستهداف المقاومة لرموزها.

رعاية إسرائيلية:

تمثّل مجموعة ياسر أبو شباب أبرز هذه المجموعات، وتشير تصريحات أبو شباب نفسه وعدد من المصادر الإسرائيلية إلى أنّها تعمل تحت إشراف الجيش الإسرائيلي، وتستفيد من دعمه وحمايته وتسليحه.

وتتلخص علاقة الاحتلال الإسرائيلي بهذه المجموعات المسلحة في:

- تزويدها بالسلاح والوسائل القتالية، التي تمكنها من أداء مهامها، وحماية نفسها.

- توفير مناطق ومربعات أمنية إسرائيلية لحماية هذه المجموعات.

- بينما يقوم الاحتلال الإسرائيلي بضرب الطواقم الحكومية التي تحمي وترافق قوافل المساعدات التي تدخل القطاع، بحجة أنها محسوبة على حماس، فإنّه يوفر لهذه المجموعات البيئة المناسبة للسطو على القوافل، وإعادة بيعها للناس بأسعار عالية وابتزازهم ماليا، أو بتوزيع أجزاء منها بطرق كيفية لشراء الولاءات. وقد ذكرت صحيفة الواشنطن بوست أن مذكرة داخلية في الأمم المتحدة حدّدت مجموعة أبو شباب، بوصفها الجهة الرئيسة والأكثر نفوذا وراء النهب المنهجي والواسع النطاق لقوافل المساعدات.

- التعاون والتخابر مع الاحتلال، وتوفير المعلومات عن المقاومة وكوادرها؛ والمشاركة في الأعمال الميدانية لتسهيل مهام جيش الاحتلال؛ بما في ذلك مهاجمة عناصر المقاومة والمراكز المدنية والحكومية.

- إنشاء فراغ أمني من خلال منع الشرطة الفلسطينية والقوى المدنية من القيام بمهامها؛ بقصفها وقتل عناصرها وتدمير إمكانياتها اللوجستية، بحجة أنّها محسوبة على المقاومة، وبالتالي توفير أجواء الفوضى والسرقات وقطع الطرق والسيطرة لهذه المجموعات العميلة.

- محاولة البناء على تجربة أبو شباب وتعميمها سعيا لتفكيك هيمنة حماس، والحلول مكانها في التحكُّم بقطاع غزة.

دور سلطة رام الله:

هناك مؤشرات أنّ هذه المجموعات تضمّ ضباطا سابقين في الأجهزة الأمنية الفلسطينية التابعة لرام الله، من أبرزهم غسان الدهيني. وقد نقلت صحيفة جيروساليم بوست عن ياسر أبو شباب أنه يتعاون مع شخصيات نافذة في المخابرات الفلسطينية في رام الله. وأكّد أبو شباب في مقابلة مكتوبة مع إذاعة الجيش الإسرائيلي أنّه يتعاون مع مسؤولين في سلطة رام الله.

وذكر تقرير موقع i24News الإسرائيلي أنّ محمود الهباش، مساعد الرئيس عباس، هو أحد قنوات التواصل مع أبو شباب، وأنّ الرأس المدبر لتشكيل المليشيات من طرف السلطة هو بهاء بعلوشة، أحد أكبر ضباط المخابرات العامة لدى سلطة رام الله، والذي أوكل إلى فايز أبو هنّود، المسؤول عن المنطقة الجنوبية (قطاع غزة) في جهاز المخابرات، قيادة عملية تجنيد المليشيا.

ونقل موقع صحيفة يديعوت أحرونوت عن مسؤول أمني كبير أنّ مليشيا أبو شباب تتلقى دعما من "إسرائيل" ومن سلطة رام الله ومن دحلان، وأنّهم يتلقون رواتبهم من السلطة ويحظون برعايتها المباشرة.

تشير هذه التسريبات أنّ سلطة رام الله شكّلت جسر عبور للجيش الإسرائيلي، للتواصل مع قادة هذه العصابات، في إطار التنسيق الأمني الفعّال بين السلطة والاحتلال الإسرائيلي. ولعل سلطة رام الله ظنت أنها بذلك، تُقدّم نفسها بديلا عن قيادة المقاومة لقطاع غزة، وتعطي شهادة "حسن سلوك" للاحتلال بقدرتها على التعاون ونزع سلاح المقاومة كما تفعل في الضفة الغربية. وبالرغم من أنّ سلطة رام الله تنفي صلتها رسميا بهذه المجموعات، إلا أنّ تسريبات أخرى تشير إلى أنّ قيادة السلطة ترغب في التعامل مع هذا الملف "القذر" دون أن تتلطَّخ فيه؛ ولذلك حافظت على سرية صلتها به.

خلفيات تشكيل المجموعات المسلحة:

تعود أسباب وخلفيات تشكيل هذه المجموعات إلى:

- أنها توفّر غطاء للسلوك الإجرامي والمنحرف لعصابات السرقة والإتجار بالمخدرات والبلطجية.

- أنها تُلبي الاحتياجات المالية والاقتصادية للمنخرطين فيها من ضعاف النّفوس، خصوصا في ضوء أجواء ضغطٍ هائلٍ من التجويع والمعاناة وشدّة الاحتياج.

- التوظيف السياسي، خصوصا لخصوم المقاومة، حيث تتقاطع مصالح سلطة رام الله أو المعارضين لنهج المقاومة، مع تشكيل هذه المجموعات لإضعاف سلطة المقاومة والحلول مكانها. ويتم ذلك بتلبيس هذه المجموعات "ثوبا وطنيا" في مواجهة "الإرهاب"، أو استرجاع "الشرعية" الرسمية لسلطة رام الله وغيرها.

- تطلعات زعامة لمتهورين مغامرين انتهازيين، وفق حسابات سياسية واجتماعية خاطئة.

- انتقام شخصي وثأر عائلي لدى بعض من قامت المقاومة بمعاقبة أفراد من عائلاتهم، نتيجة عمالة مع العدو أو تجارة مخدرات وبلطجة وغير ذلك.

إلى أين؟

بعد نحو عام ونصف على بدء ياسر أبو شباب نشاطاته، ومضي أشهر على ظهور مجموعات أخرى، يبدو أن الأقدام التي تقف عليها هذه المجموعات أقدام اصطناعية إسرائيلية، تفتقر للكفاءة والقدرة على الاستمرار.

فعمالتها المكشوفة للاحتلال، ورعايته وحمايته لها، تتسبب بحالة سخط واحتقار شعبي لها، ويُسقطها من أعين الناس؛ خصوصا في أجواء المجازر الوحشية وعمليات التدمير التي يرتكبها الاحتلال.

ومن ناحية ثانية، فإن الكثير من أعضاء هذه المجموعات هم من المجرمين وأصحاب السوابق وتجار المخدرات، وممن ارتبطت أسماؤهم بالاعتداء على قوافل الإغاثة والمساعدات، وسرقة أقوات الناس وابتزازهم.

ومن ناحية ثالثة، فإن العديد من عائلات وعشائر هؤلاء قد أصدرت بيانات تتبرأ فيها من هذه العناصر، وترفع أي غطاء عائلي عنها، خصوصا وأن عائلاتهم مليئة بالشرفاء والوطنيين.

كما تمكنت المقاومة، من ناحية رابعة، من توجيه ضربات قاسية لهذه المجموعات بما في ذلك مجموعات أبو شباب والأسطل وحلِّس. وتبيّن أن هذه المجموعات لا تستطيع البقاء دون غطاء إسرائيلي، وأنها مرتهنة بوجود الاحتلال. وقد دفع ذلك العديد من عناصر هذه المجموعات للتراجع، وتسليم أسلحتهم للمقاومة بعد أن فتحت المقاومة المجال لذلك.

من ناحية خامسة، كان ثمة قلق إسرائيلي في إمكانية نجاح هذه المجموعات وقيامها بالمهام الإسرائيلية المطلوبة. إذ بالرغم من دورها في "هندسة الفوضى" وإرباك الوضع الداخلي الفلسطيني وطعن ظهر المقاومة؛ فإن كونها "عصابات إجرامية" جعل الزعيم المعارض أفيغدور ليبرمان يَعدُّ ذلك مقامرة خطيرة. وتظل بشكل عام أداة مؤقتة، لا تملك الكفاءة ولا المهارة ولا المصداقية للتحول إلى إدارة أو قيادة دائمة، ولا يمكن الاعتماد عليها فيما يتعلق بمستقبل قطاع غزة. كما أن كمية كبيرة من أسلحة هذه المجموعات وصل إلى يد المقاومة عندما قامت بتأديبها وضربها؛ مما ضاعف من القلق الإسرائيلي.

ومن ناحية سادسة، فإن هذه المجموعات تعيش حالة قلق وخوف متواصل على مستقبلها، إذ إن عملها يحمل طبيعة المغامرة عالية المخاطر، بسبب سلوكها الإجرامي، وفقدانها للغطاء الشعبي والوطني، وبسبب الضربات القاسية التي تلقتها من المقاومة؛ وكذلك لاحتمال تخلي الاحتلال الإسرائيلي عنها في أي لحظة، باعتبارها أدوات "رخيصة" تُرمى بعد استنفاد أغراضها.

ولذلك، فإن المصير النهائي لهكذا مجموعات هو الزوال، أما في المستقبل القريب فستظل أداة تكتيكية بيد الاحتلال الإسرائيلي، وقد تراهن عليها سلطة رام الله كعنصر مؤقت في ضرب المقاومة، وفي الترتيب لما بعد حماس في إدارة القطاع، وقد يحاول الاحتلال تفعيل دورها في مناطق سيطرة المقاومة في التخابر وإثارة الفوضى وضرب المقاومة، وإفشال أي ترتيبات فعالة لعودة الناس للحياة المدنية العادية. وربما يتطلع الاحتلال، وكذلك سلطة رام الله، لإدماجها في قوات الشرطة الفلسطينية التي يفترض أن تنفذ الاشتراطات الإسرائيلية وتقوم بملاحقة حماس ونزع أسلحتها وفق خطة ترامب وقرار مجلس الأمن الدولي.

غير أنها في كل حال ليس لها مكان في وسط الشعب الفلسطيني ولا قواه الحية، ولن يطول الأمر حتى ينتهي "عمرها الافتراضي"، ويتجاوزها الشعب والمقاومة، في المسيرة المستمرة نحو العودة والتحرير.


مقالات مشابهة

  • الرئيس الإيراني يجري محادثات مع وزير الخارجية التركي
  • هل تندلع مواجهة جديدة بين إيران و”إسرائيل”؟
  • تحليل: الحوثيون لم يعودوا ورقة نفوذ جذابة لطهران
  • خلال زيارته لطهران.. وزير الخارجية التركي يعقد محادثات مع رئيس البرلمان الإيراني
  • الكهرباء العراقية تعلن معاودة ضخ الغاز الإيراني
  • وزير خارجية تركيا يلتقي نظيره الإيراني في طهران
  • المقاومة العراقية تنفي تورطها بالاعتداء على حقل كورمور
  • هل تستطيع إسرائيل مجاراة حزب الله بعد زيادة قدراته التسليحية؟.. فيديو
  • المجموعات العميلة المسلحة في قطاع غزة.. إلى أين؟
  • مشاهد غير مألوفة في قلب طهران.. هل يقف الحجاب في إيران على عتبة تحوّل كبير؟