تفويض الجيش أم تقويض مهامه؟
تاريخ النشر: 16th, February 2025 GMT
تفويض الجيش أم تقويض مهامه؟
خالد فضل
إنّ تفويض الجيش بمهام الحكم والسياسة، ابتدأ في نوفمبر 1958م ولم ينته بعد. استمرّ بعد ذلك ليصبح هو القاعدة ويصير الجيش هو الحاكم والسياسيون المدنيون هم المعارضون، يدمغهم الحزب العسكري الحاكم بكل جريرة ولا يرى في رقبته عوجاً أبداً.
بعملية حسابية بسيطة يمكن الزعم باطمئنان أنّ شؤون الحكم والسياسة والإدارة في السودان منذ الاستقلال قبل نحو 70 سنة تقريباً قد ظلت دولة بين يدي القوات المسلحة السودانية، وعلى تعاقب دفعات الضباط من خريجي الكلية الحربية أو خريجي المليشيات.
طيلة هذه الأزمنة والتطورات والمتغيرات، ظلّ ضباط وقيادات الجيش السوداني يمارسون السياسة والحكم، وفي عهد الضابط عمر البشير برز وتضخّم بشكل لافت ممارسة شؤون التجارة والاقتصاد. وبطبيعة الحال ظلّ أفراد الجيش يدينون بالولاء للحاكم؛ والذي هو في جلّ الأوقات أحد قادتهم. فلا غرو أنْ تقلّب ولاؤهم تبعاً لمن يحكم.
بهذه الوضعية يمكن الزعم بأنّ أفراد الجيش من الجنود ليس لهم ولاء سياسي وفكري محدد، هم في حالة تبديل ولاءات مستمرة، وهذه واحدة من نقائص مهام وأدوار هذه المؤسسة. إذ وبحكم طول أمد سيطرة قياداتهم من الضباط على الحكم وانغماسهم في شؤون السياسة والاقتصاد السياسي تشكّلت أفكارهم ومشاعرهم متمركزة حول السلطة، وباتوا ينظرون إلى أي محاولة للمساس بها أو مشاركتها من المدنيين أو من مسلحين آخرين كتعدي على حقوقهم التي اكتسبوها عنوة وبمنطق القوة المسلّحة. وقد خاضوا الحروب كلها ومنذ الاستقلال ضد مواطنيهم المعارضين لسلطتهم، ونسوا في غمرة ذلك دورهم الوظيفي ومهامهم المحددة وفق قانونهم نفسه، وباتت المؤسسات العسكرية والأمنية تنظيمات سياسية بامتياز، ودوننا الخطاب السياسي للضباط عمر البشير والبرهان حالياً، وهما رمزا الجيش منذ 1989م، فهو خطاب متحامل يتبنى وجهة نظر سياسية محددة، ويكن عداءً شديداً لوجهات النظر السياسية الأخرى التي تصدرها التنظيمات السياسية المدنية، والأدهى من ذلك تنمُّ الممارسات لشؤون الحكم والسياسة بانحياز واضح وفاضح لرؤية سياسية ومنطلقات فكرية لتنظيم سياسي عقائدي معروف. ولدرجة الهتاف بجلالات ذات خلفية سياسية ضد المختلفين مؤخراً، مثل (القحاطة يا كوم الرماد) أو تفتيش هواتف الشباب في الارتكازات ومعاقبة من يجدون فيها ملصقات تدعو لوقف الحرب أو مجرد قصيدة للراحل الشاعر حميد.
إنّ الدعوة لتفويض الجيش ليحكم تبدو تحصيل حاصل، فالجيش لا يستأذن ولا يرجو تفويضاً، إنّه يحكم بقانون الغلبة وليس بالاختيار، لذلك على من يدعون إلى منحه ذلك التفويض أن يوفروا تفويضهم، فليس للجيش حاجة به. عليهم أن ينظروا في ما يضمرونه من العداء لأنفسهم كمدنيين وعجزهم وبؤسهم كمواطنين لا يثقون في ذواتهم ومقدراتهم على تولي شؤون سياسة وحكم وإدارة بلدهم، عليهم أنْ يستقيلوا من الساحة السياسية المدنية وينخرطوا كمجندين في الحزب العسكري الحاكم، ولكن عليهم كذلك أن يتذكروا أنهم يمثلون أنفسهم فقط ولا يعبرون عن كل الشعب، فالشعب يفوّض الحكام عن طريق واحد معلوم اسمه الانتخابات الحرة النزيهة الشفافة التي تتساوى فيها الأرضية تماماً للتنافس الحر الشريف عبر ما يسمى بالفترة الانتقالية ومسار التحول المدني الديمقراطي، ومن أبرز سماته إلزام الجيش مقعده كمؤسسة دولة وليس مسيطراً عليها. بغير ذلك الطريق الواضح يبقى أي حديث عن تفويض للجيش بمثابة تقويض أكثر لدوره ومهامه المحددة والتي ليس من ضمنها أبداً معاقرة الحكم وممارسة السياسة وإدارة البلاد. ولعل الناس لا يحتاجون إلى دليل على الحال الذي يعيشون في كنفه في ظل تخلي القوات المسلحة بمختلف تشكيلاتها عن مهامها الأساسية وتغولها غير المشروع على ما لا شأن لها به من مهام. ولا يضللن الناس شعارات الحرب الراهنة، فهي من صنع تنظيم سياسي معلوم، تدين له بعض قيادات الجيش بالولاء، كما أنّها حرب حول السلطة والحكم والسياسة والنفوذ وليس من أجل الكرامة كما يزعمون، فطريق كرامة الإنسان يمر عبر كفالة حقوقه وصونها لا عن طريق قتله وتشريده، وهو طريق النظام الديمقراطي العديل دون لف ودوران.. تفويض قال!!.
الوسومالاستقلال التنظيمات السياسية الجيش الحرب الدعم السريع السودان الفترة الانتقالية خالد فضلالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الاستقلال التنظيمات السياسية الجيش الحرب الدعم السريع السودان الفترة الانتقالية خالد فضل الحکم والسیاسة تفویض الجیش
إقرأ أيضاً:
دهشة إسرائيلية من عجز الجيش عن هزيمة حماس بعد فقدانها جلّ قوتها
تتزايد دهشة أوساط متعددة في تل أبيب تجاه عجز الجيش الإسرائيلي عن هزيمة حركة حماس في قطاع غزة، رغم فقدانها جلّ قوتها العسكرية، خلال الحرب المدمرة منذ 20 شهرا.
وانتقد كاتب إسرائيلي ادعاءات رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو المتكررة بأنه بات على مقربة من هزيمة "حماس"، وترديده عبارات كاذبة، مثل: "على أعتاب النصر الكامل".
وقال الكاتب في موقع "ويللا" العبري نير كيبنيس، إن "تصريحات الحكومة ووزراءها وجنرالاتها بشأن نهاية الحرب حوّلتها من حدث ذي هدف واضح على شيء غامض، ستستمر ما دامت تخدم أهدافهم، وتحافظ على ائتلافهم، وربما لمنع الانتخابات من خلال ادعاءات يحاولون بيعها للجمهور".
وأضاف كيبنيس في مقال ترجمته "عربي21" أن "الفشل بدأ صباح يوم الهجوم المُريع، التي تُخلّد صوره في الذاكرة الجماعية للإسرائيليين، بعد أن اخترق الغزيون الحدود، وجاءوا سيرًا على الأقدام وعلى عربات، عقب اجتياح صباحي لوحدات مُدرّبة ومنسّقة، تُبلغ بعضها عبر شبكة اتصالات، مُجهّزة، ربما ليس بطائرات ودبابات، بل بوسائل مُتنوّعة، طائرات مُسيّرة عطّلت كاميرات المراقبة، مستخدمةً متفجرات، من خلال معدات ميكانيكية وهندسية مُعدّة لاختراق السياج، يليها مقاتلون مُدرّبون على استخدام قاذفات آر بي جي والقنابل اليدوية وغيرها".
وأكد أن "حماس صحيح أنها لم يكن لديها طيارين، لكن كان هناك استثمارٌ بملايين الدولارات في البنية التحتية والتخطيط، ما مكّنها من هذه اللحظة، حين يُمكن لمنظمة مُسلّحة بوسائل تبدو ضئيلة، أن تُلحق ضررًا جسيمًا بدولة ذات جيش قوي ومُجهّز، واليوم فإن أحد أسباب إطالة أمد الحرب هو أن الجنود يواجهون بنية تحتية "لم يواجهها أي جيش من قبل"، حتى أن الجيش الذي يمتلك طائرات متطورة وأنظمة أسلحة متطورة، غير قادر على إخضاعها".
وأشار إلى أن "نتيجة هذه المواجهة أن حماس التي كنا على بُعد خطوة من هزيمتها قبل أكثر من عام ونصف، وكلما بدا أن النصر الكامل عليها وشيك، وكلما قضينا على رأسها، تمكنت من التملص، بل وحتى من تصلب مواقفها في مفاوضات صفقة الرهائن".