بين وهم الهجرة وحقيقة الوطن: رسالة الي شباب دارفور!

محمود عمر

شهدت السنوات الاثنتي عشرة الماضية، اي منذ 2013 وحتي اليوم، تزايدًا غير مسبوق في موجات هجرة الشباب من دارفور نحو الغرب، حتى أصبحت الظاهرة أشبه بالموضة التي يتسابق إليها الجميع دون تفكير عميق في العواقب، ولم تعد الهجرة مجرد بحث عن الأمان أو الفرص الاقتصادية، بل تحولت إلى حالة اجتماعية، حيث بات السفر إلى أوروبا وأمريكا معيارا للنجاح في نظر الكثيرين، بغض النظر عن التكاليف الباهظة أو المخاطر التي قد تواجههم، فهذه الهجرة المكثفة، التي بالغ فيها أبناء دارفور، لم تقتصر آثارها على الأفراد فحسب، بل افرغ الإقليم من طاقاته الشابة وكفاءاته، مما جعله ساحة مفتوحة أمام أطراف أخرى تسعى للسيطرة عليه واستغلال غياب أبنائه لإعادة رسم واقعه على حساب السكان الأصليين.

اليوم يُبهر كثير من الشباب “دارفور” بالحياة في الغرب، لكن الحقيقة إن هذه الدول ليست كما تبدو في الظاهر، فخلف بريق المدن المتطورة، والمباني الشاهقة، والشوارع النظيفة والفرص الاقتصادية، هناك واقع خفي يعجّ بالتحديات، من التمييز العنصري وصعوبة الاندماج الاجتماعي الي الأزمات الاقتصادية والسياسية ، ولا يدرك الشباب أن هذه المجتمعات رغم تطورها تحكمها اعتبارات قومية صارمة، حيث يبقى المهاجر مجرد ترس صغير في آلة عملاقة لا تهتم به إلا بمقدار ما تحتاجه وقد يحصل على عمل أو حتى علي مناصب، لكنهم يظلون في النهاية مجرد أرقام في مجتمعات لا تمنحهم نفوذًا حقيقيًا في مراكز صنع القرار، فهم لا يملكون أي تأثير فعلي في المؤسسات السيادية ومراكز التخطيط الاستراتيجي، التي تظل حكرًا على النخب المحلية التي تدير مصالح دولها وفق رؤى تخدم شعوبها أولا، أما المهاجرون تحرص ألانظمة على إبقائهم في دور المساهِم، لا صانع القرار.

وإذا تأملنا في تجارب الشعوب الأخرى، سنجد أن الأوطان لا تُترك مهما كانت التحديات، فعلى الرغم من النفوذ اليهودي القوي في الولايات المتحدة وسيطرتهم على الاقتصاد والإعلام ومراكز القرار، إلا أنهم اختاروا البقاء في إسرائيل، رغم تعرضهم المستمر لصواريخ حماس وحزب الله وتهديدات إيران، لماذا؟ لأنهم يدركون أن قوة النفوذ لا تُغني عن الوطن، وأن الأرض تظل العامل الأساسي في بقاء الشعوب وهويتها، كان بإمكانهم البقاء في أمريكا، حيث يعيشون في أمان ورخاء، لكن ارتباطهم بأرضهم كان أقوى رغم التحديات والمخاطر. واليوم، يسعى الإسرائيليون إلى فرض خيار الهجرة الطوعية على أهل غزة، عبر تقديم حوافز مالية تصل إلى 50 ألف دولار لكل عائلة تقبل بمغادرة القطاع إلى دول أخرى، وبهذه الطريقة إنهم يدركون أن السيطرة على الأرض تبدأ بإفراغها من سكانها الأصليين، لأن من يغادر قد لا يتمكن من العودة أبدًا، وهذه الاستراتيجية ليست جديدة، فقد استخدمتها العديد من القوى الاستعمارية على مر التاريخ لإعادة تشكيل الخريطة السكانية وفق مصالحها. وكذلك الأوروبيون، رغم الدمار الهائل الذي لحق ببلدانهم خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، حيث قُتل الملايين ودُمرت المدن والبنية التحتية بالكامل، لم يتركوا أوطانهم بحثًا عن حياة أسهل في أماكن أخرى، بل بقوا وأعادوا بناء دولهم حتى أصبحت من أقوى الاقتصادات في العالم، لقد أدركوا أن الأوطان تُبنى بسواعد أبنائها لا بالهرب منها وتركها للفوضى.

في المقابل، يغادر اليوم شباب دارفور بحثًا عن مستقبل مجهول، مستثمرين أموالًا جمعوها من بيع منازلهم أو سياراتهم في رحلات محفوفة بالمخاطر، وبينما يحلمون بالوصول إلى جنة آمالهم، هناك أطراف أخرى تسعى للسيطرة على أرضهم، مستغلة غيابهم وانشغالهم بحلم الهجرة، فكيف يمكن لشباب دارفور أن يتركوا أرضهم، ليجدوا أنفسهم لاجئين في دول لا تمنحهم سوى الفتات، بينما آخرون يستغلون غيابهم لإعادة رسم خارطة دارفور على حساب السكان الأصليين؟! إن الأرض التي تُركت اليوم، قد لا يكون لأصحابها مكان فيها غدًا. والأسوأ من ذلك أن السودان يحتل اليوم المرتبة الثانية عالميًا من حيث معدلات الهجرة بعد باكستان، وفقًا لآخر التصنيفات العالمية، ومن المؤكد أن أبناء دارفور يمثلون النسبة الأكبر من هذه الهجرة، مما يشكل تهديدًا خطيرا على مستقبل الإقليم وتركيبته السكانية وأمنه.

ومن هذا المنطلق، أترك رسالتي إلى شباب دارفور المهاجرين: دارفور اليوم بحاجة إليكم، إلى سواعدكم وعقولكم، إلى من يدافع عنها ويعمل على تطويرها، بدلاً من البحث عن فرصة في أرض غريبة، حيث قد ينتهي بكم المطاف مجرد عمّال أو لاجئين بلا تأثير. و ان القوى التي عملت في الخفاء على تقسيم اليمن بين الحوثيين والشرعية، وعلى تمزيق ليبيا بين حفتر والسراج، وعلى تفكيك سوريا بين قسد وتنظيم الشام، هي نفسها التي تسعى اليوم لضرب النسيج الوطني في بلادنا وتغيير تركيبتها السكانية، فكيف نسمح بأن يكون البحث عن حياة أفضل سببا في ترك وطننا فريسةً للآخرين؟! قد يمنحكم الغرب إقامة، لكنه لن يمنحكم وطنا ولا هوية، ولن يسمح لكم بصنع القرار. أما دارفور، فهي تنتظركم لتكونوا قادتها الحقيقيين، لا أن تتركوها للغرباء. فليبقَ انتماؤنا راسخا في أرضنا، لنحافظ على إرثنا وهويتنا التي لا يمكن تعويضها.

والقرار بأيديكم.

محمود عمر

الوسومالنفوذ اليهودي الولايات المتحدة شباب دارفور محمد عمر

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الولايات المتحدة شباب دارفور محمد عمر

إقرأ أيضاً:

السودان: انخفاض طفيف في درجات الحرارة وتحذيرات من طقس حار جداً شمال وغرب البلاد

من المتوقع هطول أمطار خفيفة متفرقة في أجزاء من جنوب ولايات جنوب كردفان، غرب كردفان، شرق دارفور، وجنوب دارفور.

بورتسودان: التغيير

توقعت الهيئة العامة للأرصاد الجوية في السودان حدوث انخفاض طفيف في درجات الحرارة العظمى والصغرى في معظم أنحاء البلاد خلال الساعات المقبلة، مع استمرار الأجواء الحارة إلى شديدة الحرارة في عدة مناطق.

وأشارت النشرة اليومية للهيئة، الصادرة اليوم الإثنين، إلى أن الطقس سيكون حارًا جدًا نهارًا ودافئًا ليلًا في شمال، شمال غرب وغرب البلاد، بينما تشهد مناطق الشرق والوسط والجنوب طقسًا حارًا إلى شديد الحرارة خلال النهار، ومعتدلًا أثناء الليل.

كما توقعت الهيئة أن تكون الرياح شرقية خفيفة السرعة في شرق البلاد، شمال شرقها، شمال الأواسط، وولاية البحر الأحمر، بينما تكون شمالية متوسطة إلى نشطة في شمال غرب البلاد، وجنوبية غربية خفيفة السرعة في جنوب وجنوب شرق السودان.

وبحسب النشرة، من المتوقع هطول أمطار خفيفة متفرقة في أجزاء من جنوب ولايات جنوب كردفان، غرب كردفان، شرق دارفور، وجنوب دارفور.

وتضمنت معالم الطقس خلال الـ24 ساعة القادمة وجود مرتفع جوي يغطي شمال وشمال غرب البلاد، بالإضافة إلى تأثير منخفض السودان الحراري الذي يمتد على معظم المناطق. كما يمر الفاصل المداري شمال القضارف، جنوب ود مدني، الأبيض، وجنوب الفاشر والجنينة.

وسجلت دنقلا أعلى درجة حرارة يوم أمس بلغت 46.7 درجة مئوية، فيما سجلت سنار أدنى درجة صباح اليوم عند 25.1 درجة. ومن المتوقع أن تسجل دنقلا مجددًا أعلى درجة حرارة اليوم عند 47.0 درجة، في حين يتوقع أن تبلغ أدنى درجة حرارة صباح الغد 25.0 درجة في كل من بورتسودان، الفاشر، والجنينة.

وعلى ساحل البحر الأحمر، توقعت الهيئة انخفاضًا في درجات الحرارة العظمى مع استمرار الاستقرار في درجات الحرارة الصغرى.

الوسومأحوال الطقس طقس السودان هيئة الأرصاد الجوية السودانية

مقالات مشابهة

  • وزير الدفاع اللواء المهندس مرهف أبو قصرة في تغريدة عبر X: تلقى الشعب السوري اليوم قرار الاتحاد الأوروبي برفع العقوبات المفروضة على سوريا، وإننا نثمن هذه الخطوة التي تعكس توجهاً إيجابياً يصب في مصلحة سوريا وشعبها، الذي يستحق السلام والازدهار، كما نتوجه بال
  • 55 ألف سوداني يدخلون تشاد جراء تصاعد العنف شمال دارفور
  • اليوم العالمي للنحل..أعظم الملقحات التي تطعم العالم
  • حدث في 8ساعات| زيادة الرواتب في يوليو.. وحقيقة تفشي أمراض وبائية بين الدواجن
  • مجموعة جاية من دارفور وقعت في المسيرية قتل من طرف.. ود ملاح عمل نايم
  • السودان: انخفاض طفيف في درجات الحرارة وتحذيرات من طقس حار جداً شمال وغرب البلاد
  • ملتقي اتحاد شباب المصريين بالخارج: 10 سنوات من الدعم.. الرئيس السيسي يحقق إنجازات مهمة في تمكين الشباب
  • ملتقى اتحاد شباب المصريين بالخارج ببورسعيد: 10 سنوات من الدعم.. الرئيس السيسي يحقق إنجازات مهمة في تمكين الشباب
  • السودان.. مقتل 14 نازحًا في قصف الدعم السريع على سوق في دارفور
  • شباب اليوم يهربون من الهواتف الذكية.. ويعودون إلى الموبايل العادي