بقلم : هادي جلو مرعي ..
يعيش الإنسان في بيئة غير مواتية تحيط به عوامل تدفعه للإستسلام، وهو في رغبة دائمة لتحقيق مكاسب متعلقة بالعيش دون النظر في الطموحات الكبيرة، ف( عامل الخدمة ) وظيفة تدر دخلا محدودا يمكن لرجل، أو إمرأة أن يعيشا منها، ويكونا أسرة، وربما عاشا الكفاف، لكن المهم قد تحقق، العمل، وإستلام أجر شهري يمكن أن يؤدي غرضا معيشيا، ويقوم بشؤون أسرة، ومثل تلك الوظيفة وظائف يطمح إليها عامة الناس، ويتوسطون، ويجهدون للحصول عليها، وإغتنامها فهي فرصة قد لاتتكرر ،وعلى العكس من تلك الوظائف الوضيعة تكون الوظائف الرفيعة التي لايحصل عليها كل أحد، وقد يدفع ثمنا باهظا لضمانها بإستثناء الأزمنة التي تحفل بالفوضى والتغيرات السياسية الكبرى حيث تتحول الوظائف الى مغانم يحصل عليها الأسرع ،أو الأقوى والأكثر جرأة من غيره من الناس، ويحقق منها أهدافه، ويفرح بذلك، ويسعد، ويهنأ دون الإلتفات الى طبيعة الظروف التي جعلت الناس في غير أماكنهم، وربما عطلت الحياة الطبيعية لنشأة الدولة الحديثة لتبق مترهلة عاجزة فاشلة، وفي طريقها الى خراب مقيم لاينقطع.
البعض ممن يعيش ظروفا تاريخية معقدة، ويكون راضخا لسطان القوة القاهرة لايكون في رغبة لينظر الى المستقبل البناء الذي يتيح له فرصة التغيير والإصلاح، ويكون همه منحصرا في الكيفية التي بها يستطيع الوصول الى مبتغاه البسيط، ولايطمح للكثير من المكاسب، ولايكون في مأمن من عواقب الدهر، ولعله يئس من النجاح في مسعاه خاصة حين يسمع قول النبي الكريم ( لإزالة الجبال الرواسي أهون من إزالة الحاكم الجائر ) فليس لأحد رغبة في التخلص منه لأنه لن يغادر مادام أصبح كالجبل الراسي العظيم، ولهذا فطموح الناس يكون منصبا على الحصول على موطئ في السفوح البعيدة، والمحسوبة على الجبل ذاك لكي يضمنوا الحصول على قوتهم، ووظيفة تريح أعصابهم. لكنهم لايفكرون في التغيير بإعتباره غاية تستحق التضحية والكفاح لأجلها، فينكفئون عنها لبقية شؤونهم دون أن يشعروا إن ذلك خراب عظيم لاخلاص منه إلا بمعجزة.
مثل هولاء لايفضلون التغيير، وإذا جاءهم صدموا بها، وحين يستوعبون تلك الصدمة يشرعون في التفكير بما سيحصلون عليه من منافع ومكاسب، ويبدأ صراع مرير على المال والجاه والسلطة والكرسي لاينتهي إلا بزوال إحدى الجبهتين المتناكفتين ،حينها يندفع هولاء بهستيريا غريبة لجني مكاسب وقتية ومناصب زائلة، وتحكمهم الدونية التاريخية التي إرتبطت بسلوكهم منذ البدايات الأولى للأسلاف، فلايقوون على القيام بشؤونهم لوحدهم، ولا يدوم عندهم عزم في المواجهة، وبناء المشروع الأكبر للأمة، ويكونوا منفصلين عنه لأنه لايهمهم، ولايعبأون به على الإطلاق، وربما بدأوا بالبحث عن جلاديهم ليكافأوهم، ويضعوهم في المقدمة ثانية دون رحمة، أو وازع من ضمير غاب عنهم، ولم يعد له من وجود، ثم يسلمون لهم القياد من جديد.. هادي جلومرعي
المصدر: شبكة انباء العراق
كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات
إقرأ أيضاً:
ثلاثية باكستان التاريخية.. الجيش، الإقطاع السياسي، الدين
نشأت باكستان من رحم مناطق ذات غالبية مسلمة من الهند: البنجاب، السند، بلوشستان، غرب كشمير، شرق بلاد البنغال.
وفي دولة انشقت عن الهند بسرعة ودون تخطيط مسبق كاف، وجدت باكستان نفسها في مرآة الآخر (الدولة الأم)، مع ما يتطلبه ذلك من سرعة بناء دولة سيادية ذات هوية واضحة كمقابل لهُوية الآخر: الهند الهندوسية.
وكان طبيعيا في مثل الحالات التاريخية، ليس أن تهيمن النخب على السلطة الجديدة فحسب، بل الأهم والأخطر، أن طبيعة هذه النخب وصراعاتها ستسم تاريخ باكستان منذ نشأتها وحتى الآن، وسيكون لها تداعيات سلبية على تطور البلاد السياسي والاقتصادي.
الجيش
لا يمكن فصل سيرورة تطور المؤسسة العسكرية في باكستان وعقيدتها عن نشوء الدولة عام 1947 من رحم الهند، العدو المفترض والواقعي في وعي النخب الباكستانية آنذاك.
كان على الدولة الوليدة المؤلفة من أعراق متعددة (بنجال، بلوش، بنجاب، باشتون، سند)، ومناطق جغرافية مختلفة من حيث التمدن، وتشهد عمليات نزوح كبيرة من مسلمي الهند (يتكلمون لغة الأوردو الغريبة على مناطق باكستان) نحوها، أن تسرع في بناء مؤسسات الدولة.
وكان طبيعيا في تلك المرحلة أن تُولى المؤسسة العسكرية الاهتمام الأول للنخب الحاكمة، إذ أصبح ضروريا بناء جيش قوي في ظل وضع إقليمي مضطرب، خصوصا مع الهند.
لكن، بسبب التكوين الرديء والبطيء للجيش الباكستاني، كان طبيعيا أن تخسر باكستان في أول امتحان عسكري لها مقابل الهند، عندما فشلت عام 1948 في ضم إقليم كشمير إليها، ثم الهجوم الفاشل على الهند عام 1965، ثم عام 1971 عندما فشل الجيش في القضاء على عملية انفصال باكستان الشرقية (بنغلادش) بدعم من الهند التي نجحت في إلحاق هزيمة عسكرية بالجيش الباكستاني.
انعكست الهزائم العسكرية سلبا على الداخل الباكستاني، حيث تزايد الاستياء من الجيش بسبب ذلك، ومع محاولات النخب السياسية إعادة قوننة المؤسسة العسكرية، وجدت الأخيرة نفسها مضطرة للدخول في صراعات مع السياسيين.
كانت البداية عام 1958، عندما قرر قائد الجيش أيوب خان دعم غلام محمد للاستيلاء على السلطة، ثم فرض ذو الفقار علي بوتو الحكم العسكري لنحو 15 عاما.
لم تكتف المؤسسة العسكرية بالهيمنة على المجال السياسي، بل دخلت المجال الاقتصادي أيضا، فقد كانت القوات البرية تدير مؤسسة فوجي، فيما تدير القوات البحرية مؤسسة باهايا، أما القوات الجوية فتدير مؤسسة شاهين.في بداية حكمه أجرى بوتو تغيرات مهمة في هيكلية الجيش، وأنشأ قوات أمنية رديفة تابعة للسلطة السياسية، لكن في أواخر حكمه بدأ يعزز من سلطته السياسية التنفيذية من خلال التقرب من الجيش، بإنشائه رئاسة هيئة الأركان المشتركة كهيئة استشارية تساعد رئيس الجمهورية في شؤون الحرب.
بيد أن الاحتجاجات الشعبية الواسعة الرافضة لنتائج الانتخابات، أدت إلى مواجهات بين الجيش والمتظاهرين، قبل أن يقرر الجيش عزل بوتو وتعيين ضياء الحق الذي أوصل الحكم العسكري إلى ذروته.
لم تكتف المؤسسة العسكرية بالهيمنة على المجال السياسي، بل دخلت المجال الاقتصادي أيضا، فقد كانت القوات البرية تدير مؤسسة فوجي، فيما تدير القوات البحرية مؤسسة باهايا، أما القوات الجوية فتدير مؤسسة شاهين.
ومنذ ذاك التاريخ وحتى اليوم، تلعب المؤسسة العسكرية دورا رئيسا في الحياة السياسية الباكستانية.
الإقطاع السياسي
تشكل إقليم البنجاب (أساس الدولة الباكستانية لاحقا) تاريخيا من أوليغارشية ـ إقطاعية ذات سمات قبلية، عمل الاستعمار البريطاني على تعزيز هذه الطبقة بغرض توفير الأمن والاستقرار.
وكون زعماء القبائل وأصحاب العقارات يشكلون قوة اجتماعية واقتصادية وسياسية، صارت باكستان ملجأ للمسلمين المنتمين للطبقات المميزة الذين لا يثقون في السياسات الاقتصادية لحزب المؤتمر الهندي وزعيمه رئيس الوزراء جواهر لال نهرو.
ومنذ تأسيس باكستان، هيمنت النخب الإقطاعية على المجال السياسي التداولي الداخلي: آل خان، آل بوتو، آل حق، آل مشرف، مقسمة على حزبين رئيسيين هما: حزب الشعب الباكستاني وحزب الرابطة الإسلامية.
حال هذا الوضع إلى عدم نشوء أحزاب سياسية متعددة ذات أيديولوجيات وانتماءات اجتماعية مغايرة لطبقة الإقطاع السياسي، كما حال دون نشوء مجتمع مدني قادر على ممارسة ضغوط اجتماعية نحو الأسفل وسياسية نحو الأعلى.
هيمنة سلالات سياسية على المشهد الباكستاني من عائلة بوتو وشريف، أو بسلالات حزبية عريقة وهما حزب الشعب الباكستاني وحزب الرابطة الإسلامية.
وتطلب الأمر عقودا عديدة حتى تم كسر هذه المعادلة مع وصول عمران خان ـ من خارج الطبقة الإقطاعية السياسية التاريخية ـ إلى رئاسة الحكومة.
غير أن خان سرعان ما وجد نفسه ضمن تركيبة معقدة اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا وحتى عسكريا، ما جعل وجوده في الحكم لا يسفر عن أي تغيير سياسي، ولا حتى تعبيد الطريق أمام تحولات سياسية لاحقة.
لقد كان لطبيعة نشأة الدولة الأثر الكبير في هذه التركيبة السياسية، وتشابكاتها مع الحركات الدينية من جهة، ومع المؤسسة العسكرية من جهة أخرى.
الدين
إذا كانت العلمنة في العالم الإسلامي تقوم على هيمنة الدولة على الدين، لا الفصل بينهما كما هو الحال في الغرب الديمقراطي ـ الليبرالي، فإن باكستان تُمثل أكثر الحالات الإسلامية خصوصية في هذا المجال، ففي مجتمع ودولة نشئا كرد فعل (انسلاخ) عن دولة هندوسية لا تعطي المسلمين حقوقهم الكافية، كان طبيعيا أن يكون الدين عاملا رئيسا في هوية الدولة الوليدة، كـ أنا جمعية مقابل الآخر.
لكن خصوصية باكستان، لا تكمن في هذه النقطة، فالهُوية الدينية الإسلامية كمقابل للهُوية الهندوسية في البلد الأم، تشكل عاملا إيجابيا في تعضيد المجتمع والدولة الجديدين.
إذا كانت العلمنة في العالم الإسلامي تقوم على هيمنة الدولة على الدين، لا الفصل بينهما كما هو الحال في الغرب الديمقراطي ـ الليبرالي، فإن باكستان تُمثل أكثر الحالات الإسلامية خصوصية في هذا المجال، ففي مجتمع ودولة نشئا كرد فعل (انسلاخ) عن دولة هندوسية لا تعطي المسلمين حقوقهم الكافية، كان طبيعيا أن يكون الدين عاملا رئيسا في هوية الدولة الوليدة، كـ أنا جمعية مقابل الآخر.تكمن المشكلة السياسية للنخب الحاكمة في باكستان غداة الاستقلال، في أن المجتمع الجديد مفعم ليس بالهُوية الإسلامية فحسب، بل والأخطر ذو نزعة تشددية ناجمة عن أسباب تاريخية متعلقة بالعلاقة مع محيط معادي للإسلام في الهند الام.
ولد أغلب زعماء الحزب الحاكم "العصبة المسلمة" بزعامة مؤسس باكستان محمد جناح علي وترعرعوا في محافظات ظلت تابعة للهند، وبالتالي لم يكن لهم قاعدة سياسية في بلادهم الجديدة، وقد أثار هذا حفيظة أبناء الأرض وعجل كما يؤكد سيد فالي رضا نصر بوقوع توترات عرقية عقدت عملية تشكيل الدولة، ومع مرور الوقت شجع هذا الوضع زعماء الدولة على التحول إلى الإسلام من أجل تجاوز الخلافات بين أبناء الأرض والمهاجرين.
لذلك، فالتوجه الإسلامي للسلطة السياسية نحو الدين ليس إلا تعبيرا عن اندفاع السلطة نحو إرساء هيمنتها على المجتمع وتوسيع نفوذها وسيطرتها، مع ما يعني ذلك من اعتماد خطاب ديني متشدد من أجل تمكينها أو قطع الطريق أمام أية محاولة مجتمعية للمزاودة على الدولة.
وهذا ما يفسر الاضطراب المستمر بين المتشددين الإسلاميين والدولة ذات الهُوية الدينية، اضطراب بدأ مبكرا من عمر الدولة عام 1958، حين أجرى الجيش بقيادة محمد أيوب خان انقلابا تسلم السلطة بموجبه، في خطوة لقطع الطريق أمام الامتداد الإسلامي.
ومنذ ذلك الحين، بدأت عملية إدخال شخصيات متأنكلزة في الحكم، وبدأت معها عملية إظهار وجه علماني للدولة يتناقض تماما مع سلوكياتها الداخلية.
لكن العلاقة المتوترة بين الجانبين بلغت ذروتها عام 1977، حين واجهت باكستان حراكا إسلاميا قويا عبرت عنه حركة نظام المصطفى التي أدت إلى سقوط حكومة ذو الفقار علي بوتو فقط، وهددت بإسقاط الدولة برمتها.
واكتمل التحدي الإسلامي بتصاعد التوترات الإثنية في بلاد السند وإقليم بلوشستان وجنوب البنجاب طوال فترة حكم ضياء الحق بين عامي، 1977 ـ 1988، ومنذ ذاك التاريخ تراجعت أيديولوجيا اليسار لصالح الأيديولوجية الإسلامية على صعيدي الدولة والمجتمع.
في عام 2011 اغتيل حاكم البنجاب، سلمان تيسير، ووزير الأقليات الباكستانية شاهباز بهاتي، لأنهما تحدثا ضد القوانين الإسلامية للدولة.
وفي مرحلة حكومة حركة الإنصاف المفترض أنها علمانية، عمد رئيس الوزراء عمران خان إلى تشجيع مشاركة أكبر للإسلام في كل مجالات الحياة، وخلال وجودها في الحكم تصرفت حركة الإنصاف كحزب ديني كحزب سياسي علماني.
لم يقتصر الأمر على ذلك، بل شهدت السنوات الأخيرة تزايد ظاهرة التجديف الديني، حيث تم اتهام مسلمين من الطائفة الأحمدية ومسيحيين وهندوس بالتجديف.
باختصار، كان للعامل الديني المتشدد دورا رئيسا في نشوء تحالفات بين السلطة والدين أدت في أحد جوانبها الرئيسية في منع نشوء أحزاب وتيارات سياسية ليبرالية علمانية مع المحافظة على الهُوية الإسلامية، وهو ما انعكس سلبا على الدمقرطة في باكستان.