سواليف:
2025-06-01@19:10:06 GMT

الإنحراف عن مقاصد التدين

تاريخ النشر: 24th, February 2025 GMT


#الإنحراف عن #مقاصد_التدين
مقال الإثنين: 24 / 2 / 2025

بقلم : د. #هاشم_غرايبه
اكتشف الإنسان مبكرا أنه مدني بطبعه، ولا يمكنه العيش إلا ضمن مجتمعات، فبدأ البحث عن ضوابط صلاح المجتمع، واجتهد الفلاسفة فوجدوا أن الإنسان مفطور على قيم الخير، لكن فطرة حب البقاء وحفظ النوع أنشأت الأنانية والطمع، فتولدت جراء ذلك النزاعات للإستئثار بمقومات المعيشة.


ولما تبين أن المصالح المتناقضة للأفراد داخل المجتمع، ولا تلك بين المجتمعات المختلفة، أقوى من قيم الخير الكامنة في النفس، وجدوا أنه لا بد من الرادع، فاخترعوا الدولة، لكن المشكلة تفاقمت باستثارة شهوة الحكم والتملك والنفوذ.
عندها، فهم الإنسان الدواعي الفطرية في نفسه التي تدفعه للبحث عن الإله، لأنه ما من حل إلا بالرضوخ لسلطة قاهرة تفصل في نزاعات الأفراد، ويمتثل لها الحاكم والمحكوم، وهذه السلطة يجب أن تكون جبارة لا قبل لقوة بشرية بالخروج عليها.
ولما عجز العقل عن اكتشافها، أنزل الله الدين على البشر: “قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ” [البقرة:34]، هاديا لمعرفته، ومنظما لما عجزوا عن ضبطه.
ولما كان مما قضى به الله في سابق علمه، أن يُعطى الإنسان الخيار في اتباع هذا الهدى (الدين) أو رفضه، حتى تسقط الذريعة لمن عصى الرسل واتبع هواه ورفض الإلتزام بالمنهج القويم، فيصبح التباين بين المؤمن والكافر بيّناً، والحجة دامغة، وعندما تنتهي فترة فرز الصالح من الطالح في الدنيا، ويحل أوان الحساب، يتم فرز من استحق نعيم الله الأبدي.
هذه ببساطة هي فلسفة الحياة البشرية، التي يترك فيها العنان للإنسان ليفعل ما يحلو له، إما متحللا من الضوابط التي جاء بها الدين، أو ليحتكم الى عقله وفطرته فيتّبع الدين .. وعندها يعتبر المرء متدينا.
من هنا نستنتج مقاصد الدين، وهي باختصار: الصلاح والإستقامة، وجاء هذا في قوله تعالى: “فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا” [الكهف:110]، وفي قوله تعالى: “فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ” [هود:112].
لقد اشتط البعض في تفسير مقاصد الدين وتحميلها فوق ما وجدت له، ومن أشهر أوجه الإنحراف:
1 – إكراه البشر على التدين: عندما خلق الله الإنسان منحه العقل مميزا عن سائر المخلوقات، ليعرف الله به وليس بحواسه، وذلك معنى الإيمان، والذي هو تحدٍّ عقلي، ولولا وجود الكفر لما كان تمييز المؤمن ممكنا، لذلك كانت الحتمية الوجودية البشرية بوجود هذه التضادية، وعليه فليس ممكنا أن يؤمن كل البشر: “وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ” [يونس:99].
2 – التكفير: وهو أمر عانت منه البشرية على مر العصور، وهو الحكم على الشخص أو الجماعة أو المنطقة بالكفر، وبالطبع لا يمكن القطع بذلك من الأفعال الظاهرة، لأن الإيمان قناعة في سريرة الشخص لا يعلمها غير الله.
وفي العصر الحاضر يماثله الإتهام بالإرهاب، وأغلب من يلجأ إلى ذلك المتنفذون والحكام، وهي التهمة الأسهل في حق المعارض أو المعيق لمكاسبهم، وبالرغم من أن الله عز وجل لم يكلف أحدا بالتقصي والتحقق من كون المرء مؤمنا أو كافرا، كما أنه لم ينزل نصا شرعيا بقتل المرتد، إلا أن الحكام وأتباعهم استندوا الى هذه التهمة في التخلص من الكثيرين بقتلهم.
3 – الإكتفاء بالعبادات السهلة وترك المكلفة: فالصلاة والصيام والذكر والقيام وسائر العبادات الفردية سهلة على النفس قليلة الكلفة، أما العبادات المجتمعية فهي تحتاج كلفاُ ثقيلة في المال والنفس، بدءاً بالزكاة، ثم الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالجهاد دفاعا عن حق المؤمنين في الحياة الكريمة، وعن حقهم في اتباع الدين.
4 – التدين الشكلي: أي الاكتفاء بأداء العبادات من غير تمثل معانيها في الصلاح والطيب من الأخلاق، فيستغرق الفرد في الشعائر انطلاقا من حسابات تجارية محضة، فهو يواصل الأعمال السيئة معتقدا أن عباداته تكدس له من الحسنات ما يزيد عن السيئات.
الدين أنزله الله تعالى لنفع الناس في حياتهم الدنيوية: نفع الذات بالصلاح والإستقامة، ونفع الغير بأعمال الخير.
وجعل جزاء ذلك ثوابا في الدنيا والآخرة.

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: هاشم غرايبه

إقرأ أيضاً:

من مكة إلى الكرامة… الرصاصة التي أصبحت جيشًا

صراحة نيوز ـ بقلم: جمعة الشوابكة

في العاشر من حزيران من كل عام، لا يمرّ اليوم على الأردنيين مرور الكرام، بل ينبض التاريخ في وجدانهم من جديد. إنه اليوم الذي تختصر فيه الأمة مسيرتها المجيدة بين سطرين خالدين: الثورة العربية الكبرى التي أطلقها الشريف الحسين بن علي عام 1916، ويوم الجيش العربي الأردني، حين توحّدت البندقية بالراية، والعقيدة بالوطن.

لم تكن الرصاصة الأولى التي انطلقت من شرفة قصر الشريف في مكة مجرد إعلان تمرّد على الحكم العثماني، بل كانت البيان التأسيسي للسيادة العربية الحديثة، وبداية مشروع تحرر قومي لا يعترف بالتبعية، ولا يرضى بأقل من الكرامة. قاد الشريف الحسين بن علي هذا المشروع بوعي تاريخي عميق، وسلّمه لابنه صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن الحسين آنذاك، الذي جاء إلى شرقي الأردن مؤمنًا بأن الثورة لا تكتمل إلا ببناء الدولة، وأن الدولة لا تنهض إلا بجيش عقائدي يحمل راية الأمة ويحميها. وهكذا، وُلد الجيش العربي، من رحم الثورة، ومن لبّ الحلم القومي، لا تابعًا ولا مستوردًا، بل متجذرًا في الأرض والهوية.

كان الجيش العربي الأردني منذ تأسيسه أكثر من مجرد تشكيل عسكري، كان المؤسسة التي اختزلت روح الوطن. شارك في معارك الشرف على ثرى فلسطين، في باب الواد والقدس واللطرون، ووقف سدًا منيعًا في وجه الأطماع والعدوان، حتى جاءت اللحظة المفصلية في معركة الكرامة عام 1968، حين وقف الجندي الأردني بصلابة الرجولة خلف متاريس الكرامة، وردّ العدوان، وسطّر أول نصر عربي بعد نكسة حزيران، بقيادة جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال – طيب الله ثراه – ليُثبت أن الكرامة لا تُستعاد بالخطب، بل تُنتزع بالدم. لقد كان هذا النصر عنوانًا حيًا للعقيدة القتالية الأردنية، القائمة على الانضباط، والولاء، والثبات، وفهم عميق للمعركة بين هويةٍ تُدافع، وقوةٍ تُهاجم.

وفي قلب هذه المسيرة، وقف الشهداء، الذين قدّموا دماءهم الزكية ليظل هذا الوطن حرًا شامخًا. شهداء الجيش العربي الأردني لم يكتبوا أسماءهم بالحبر، بل خلدوها بالدم، في فلسطين، والجولان، والكرامة، وفي كل ميدان شريف رفرف فيه العلم الأردني. لم يكونوا أرقامًا في تقارير، بل رسل مجدٍ وخلود، يعلّموننا أن السيادة لا تُمنح، بل تُحمى، وأن كل راية تُرفع، تحمل في طياتها روح شهيد.

ومن بين هؤلاء، كان جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال – رحمه الله – أول القادة الذين ارتدوا البزة العسكرية بإيمان وافتخار. تخرّج من الكلية العسكرية الملكية في ساندهيرست، وخدم جنديًا في صفوف جيشه، ووقف معهم في الخنادق، لا على المنصات. كان القائد الجندي، الذي يرى في الجيش رمزًا للسيادة، وركنًا من أركان الدولة، وظل يقول باعتزاز: “إنني أفخر بأنني خدمت في الجيش العربي… الجيش الذي لم يبدل تبديلا.” فارتقى بالجيش إلى مصاف الجيوش الحديثة، عقيدةً وعتادًا، قيادةً وانضباطًا، ليبقى المؤسسة التي لا تتبدل ولا تساوم.

واليوم، يواصل المسيرة القائد الأعلى للقوات المسلحة الأردنية، جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم – الملك الممكِّن والمعزّز – الذي تربّى في صفوف الجيش، وتخرّج من الميدان قبل أن يعتلي عرش البلاد. يرى جلالته في الجيش العربي الأردني شريكًا استراتيجيًا في بناء الدولة، لا مجرد مؤسسة تنفيذية. ولهذا، شهدت القوات المسلحة في عهده قفزة نوعية في الجاهزية القتالية، والتحديث، والتسليح، والتعليم العسكري، حتى أصبح الجيش الأردني عنوانًا للانضباط والسيادة الإقليمية والإنسانية، وصوت العقل في زمن الفوضى.

ويأتي تزامن يوم الجيش مع ذكرى الثورة العربية الكبرى تتويجًا لهذه المسيرة، ليس كمجرد مصادفة تاريخية، بل كتجسيد حي لوحدة الرسالة، واستمرارية المشروع الهاشمي، من الشريف الحسين بن علي، إلى الملك المؤسس عبد الله الأول، إلى الملك الباني الحسين بن طلال، إلى جلالة الملك الممكِّن والمعزّز عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم. فهذه ليست محطات منفصلة، بل خط سيادي واحد، يبدأ بالتحرر، ويُترجم بالجيش، ويُصان بالسيادة. لقد بقي الجيش العربي منذ نشأته على العهد، حاميًا للوطن، وحارسًا للهوية، ودرعًا للشرعية، لا يُبدّل قسمه، ولا يخون ميثاقه.

في العاشر من حزيران، لا نحتفل فقط، بل نُجدد القسم: أن هذا الوطن لا يُمس، وأن هذه الراية لا تُنكّس، وأن هذا الجيش لا يُكسر. من مكة إلى الكرامة، الرصاصة أصبحت جيشًا، والجيش أصبح عقيدة، والعقيدة أصبحت وطنًا لا يُساوم على كرامته، ولا يُفرّط بذرة من ترابه.

مقالات مشابهة

  • من مكة إلى الكرامة… الرصاصة التي أصبحت جيشًا
  • الذكاء الإصطناعي يتجاوز البشر في التعلم
  • الأشهر الحرم.. تعرف على خصائصها وفضلها وما يجب تجنبه فيها
  • أفضل الأعمال المستحبة في العشر من ذي الحجة .. الأزهر: اغتنم هذه العبادات
  • دراسة: تراجع التدين وارتفاع الإلحاد في تركيا
  • مفتى الجمهورية يشهد حفل تكريم حفظة القرآن الكريم بقرية أم الزين بالشرقية
  • خطيب المسجد الحرام: يبقى الدين في الناس ما بقيت فيهم شعائره
  • خطبة الجمعة اليوم .. ياسر الغاياتي يؤكد: هذا سبب تنوع العبادات من الله للمسلمين .. والعشر من ذي الحجة أحد مواسم الطاعات فاغتنموها.. فيديو
  • خطيب الأوقاف: هذا سبب تنوع العبادات من الله للمسلمين.. فيديو
  • حكم ترك مخلفات نحر الأضاحي في الشوارع.. الإفتاء: من السيئات