لجريدة عمان:
2025-05-31@10:43:39 GMT

ردّ الاعتبار للمعلم العربي

تاريخ النشر: 25th, February 2025 GMT

في الفيلم المصري الشهير الناظر (إنتاج 2000)، يقول البلطجي «اللمبي» الذي أدى دوره باقتدار الممثل الكوميدي الصاعد وقتها محمد سعد، للناظر الشاب صلاح الدين عاشور (الراحل علاء ولي الدين)، بعد أن أنهى تعليمه قواعد «البلطجة» حتى يستطيع مواجهة عنف طلاب المدرسة الخاصة: «أنا كده بقى اطمنت عليك يا أبو صلاح وسلمتك العلم اللي تقدر تنتفع به في الحياة» «هذه العبارة التي أصبحت من أهم العبارات أو «الأفيهات» بلغة أهل السينما»، قلبت الآية رأسا على عقب، ونسفت تماما رسالة الفيلم التي كان محورها إمكانية إصلاح الأوضاع التعليمية المتردية في بعض المدارس، من خلال المبادرات البناءة التي يقدمها المعلمون الأمناء.

تواردت في ذهني هذه العبارة، وغيرها الكثير من العبارات التي امتلأت بها أفلام ومسرحيات ومسلسلات عربية تحط من قدر المعلم ومكانته في المجتمع، وأنا أتابع احتفالات سلطنة عُمان بيوم المعلم والتي لم تؤثر هذه الأفلام- بحمد الله- على صورة المعلم فيها، إذ ما زال المعلمون ينالون التقدير الكبير سواء من الحكومة أو من المجتمع العماني المتمسك بثقافته وتقاليده، التي دأبت على توقير المعلم ووضعه في المكانة الرفيعة المناسبة لأصحاب مهنة الأنبياء والرسل، كما قال أمير الشعراء الراحل أحمد شوقي «كاد المعلم أن يكون رسولا»، وهو تعبير مجازي، يريد الشاعر منه أن يقول: إن كل معلم هو رسول يحمل رسالة العلم، وينقلها بأمانة إلى الأجيال المتعاقبة.

واقع الحال أن السينما والمسرح والدراما التليفزيونية والإعلام بشكل عام لم ينصف المعلم إلا فيما ندر، ولا يتذكر الناس في بعض الدول العربية عندما يأتي ذكر المعلمين سوى سخرية الباشا والد ليلى من الأستاذ حمام مدرس اللغة العربية الفقير (نجيب الريحاني) الذي تم انتدابه لإعطاء دروس لابنة الباشا (ليلى مراد) في فيلم «غزل البنات (إنتاج 1949)، وسخرية ناظر المدرسة (حسن عابدين) من الأستاذ داود (فؤاد المهندس) المعلم في مدرسة خاصة، في مسلسل «الدنيا لما تلف»، وما حدث في المسرحية الأشهر «مدرسة المشاغبين» لعادل إمام وسعيد صالح وسهير البابلي التي حطت من قدر المعلم والمتعلمين، وأصبح يضرب بها المثل في قدرة الإعلام على التأثير في ثقافة المجتمع وإفساد الذوق العام. وأذكر أنه بعد أن عرضت هذه المسرحية لأول مرة على شاشة التلفزيون المصري في أكتوبر 1973 كان بعض طلبة المرحلة الثانوية تحديدا يقلدون أقوال وأفعال الممثلين داخل المدارس، كما كان بعض المعلمين الجدد يفعلون نفس الأمر داخل فصول المدارس الإعدادية.

ولا شك أن التأثير التراكمي طويل المدى للصورة الذهنية السلبية التي قدمها الإعلام للمعلم قد أثر بشكل كبير ليس فقط في نظرة المجتمع للمعلم والانتقاص من قدره، ولكن أيضا في اهتمام الدول العربية بالمعلمين، الذين لا يزالون يعانون في غالبية تلك الدول من التنمر والتهميش وضعف الرواتب والحوافز المادية والمعنوية، وهو ما دفع قطاعات منهم إما إلى هجر المهنة المقدسة، أو الانخراط في جريمة الدروس الخصوصية، وتفريغ المدارس من دورها الأساسي في التعليم، وهو ما أدى في النهاية إلى تراجع واضح في مستوى التعليم قبل الجامعي في دول عربية كبيرة كانت حتى وقت قريب رائدة في هذا المجال.

أثناء كتابة هذا المقال الذي أريد من خلاله دق ناقوس الخطر من تسرب المواد الإعلامية المسيئة للمعلمين إلى أطفالنا وأبنائنا عبر وسائل ومنصات الإعلام التقليدية والجديدة، التي تشهد معدلات استخدام مرتفعة من جانب الفئات التي لا تزال في مراحل التعليم، عثرت على مقال علمي مهم لأستاذ الإعلام السعودي الدكتور على بن شوين القرني، وتلميذه عبدالله بن صالح الحسني حول الصورة الذهنية للمعلم في الصحافة السعودية، وهي دراسة تحليلية مقارنة. استخدمت الدراسة ستة أبعاد رئيسية تشكل الصورة الذهنية للمعلم في ثلاث صحف سعودية (عكاظ، والرياض، واليوم)، شملت ثلاثة واجبات، هي: واجبات المعلم تجاه الطالب، وتجاه النظام التعليمي، وتجاه المجتمع، في مقابل ثلاثة حقوق، هي حقوق المعلم المهنية، والمادية، والمعنوية. وخلصت الدراسة إلى أن كتاب الرأي في الصحف السعودية الثلاث ركزوا بشكل أكبر على واجب المعلم تجاه الطالب، فيما ركز المعلمون والمعلمات على حقوق المعلم المادية وكان اتجاههم سلبيا بشكل عام. وانتهت الدراسة إلى تأكيد ما هو مؤكد في عالمنا العربي، وهو أنه رغم الاهتمام الواضح بالمعلم من جانب وزارة التعليم فإن صورته الذهنية في الصحافة تبدو -على حد تعبير الدراسة- سلبية في بعض الجوانب المهمة. وفي دراسة للصورة الذهنية للمعلم لدى الجمهور الأردني أشار الباحث عيسى المراعبة إلى أن صورة المعلم لدى الجمهور جيدة جدا، وتتعارض مع الصورة السلبية التي تقدمها وسائل الإعلام للمعلم بوجه عام.

ما أريد أن أقوله هنا إن الإعلام العربي كان عاملا مؤثرا مهما وفاعلا ضمن عوامل أخرى تتصل بالمجتمع العربي نفسه في تشكيل الصورة الذهنية السلبية عن المعلم. ولذلك لا يمكن لنا أن نتحدث عن تقدم ملموس في مستوى جودة التعليم دون إعادة الاعتبار للمعلم، والإعلاء من قيمة دوره في صناعة الأجيال ونقل التراث العلمي والاجتماعي بينها. يتطلب الأمر أولا أن نبدأ ببحث واقع صورة المعلم في المنصات الإعلامية العربية ولدى الجمهور وصناع القرار في المجال التربوي والتعليمي، لمعرفة موقع أقدامنا، ومن ثم التقدم على طريق تقديم صورة إيجابية للمعلم، ليس فقط في وسائل الإعلام التقليدية مثل السينما والتلفزيون والصحافة، ولكن أيضا في المنصات الإعلامية الجديدة التي تخاطب الطلبة بشكل كبير.

إن الاحتفاء بيوم المعلم لا يجب أن ينسينا أن دور المعلم لا يقل أهمية عن دور الطبيب والمهندس وضابط الشرطة والقاضي والمحامي وكل المهن الأخرى؛ لأنه ببساطة المسؤول الأول عن تعليم كل هؤلاء ووضعهم على بداية الطريق الصحيح لخدمة الأوطان، ومع ذلك ما زال المعلم في غالبية الدول العربية الأقل تقديرا ماديا ومعنويا من تلاميذه الذين عملوا في مهن أخرى غير تعليمية. علينا أن ندرك قبل فوات الأوان أن الدول التي تقود العالم حاليا هي تلك التي وضعت المعلم في مكانة تفوق مكانة نظرائه في المهن والوظائف الأخرى، وأن الإصلاح يبدأ من إصلاح أحوال التعليم والمعلمين. ولنا في العبارة الشهيرة التي قالتها المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل لمئات من الأطباء والمهندسين والقضاة عندما طالبوا بزيادة رواتبهم لتكون مماثلة لرواتب المعلمين في المدارس الحكومية «كيف أساويكم بمن علموكم؟» هذه العبارة لخصت الكثير وأصبحت مضربا للمثل في ضرورة إعادة الاعتبار للمعلم ليس في ألمانيا وحدها، ولكن في العالم كله. دول كثيرة في العالم قفزت إلى المراكز الأولى في سلم التعليم الأكثر جودة وكفاءة مثل فنلندا وسنغافورة واليابان وكوريا الجنوبية بفضل اهتمامها بصناع الأجيال من المعلمين، ودول كثيرة تدهورت على جميع المستويات عندما فعلت العكس.

إن أفضل احتفال بيوم المعلم أن نجعل وقوفنا وتبجيلنا له -كما طالبنا أمير الشعراء- تبجيلا عمليا وليس كلاميا فقط، وذلك بتحسين أوضاعه المادية ومنحه التقدير المعنوي المناسب.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: المعلم فی

إقرأ أيضاً:

السعودية تقود الأمن السيبراني العربي.. تكتل رقمي في وجه التحديات الإلكترونية

رأست المملكة العربية السعودية الاجتماع الأول للفريق العربي المعني بإعداد الإستراتيجية العربية للأمن السيبراني، ضمن إطار مجلس وزراء الأمن السيبراني العرب، بمشاركة موسعة من ممثلي الدول الأعضاء، والأمانة العامة للمجلس، وجامعة الدول العربية.

الاجتماع الذي وصفته مصادر دبلوماسية بـ"الخطوة التأسيسية لتحالف سيبراني عربي"، ناقش مقترح الأهداف الإستراتيجية للمجلس، والتي تركز على تعزيز التعاون العربي والتضامن الرقمي، في وقت تتزايد فيه التهديدات السيبرانية وتتعقد ساحات الصراع الإلكتروني.

منهجية مشتركة.. وتطلعات لفضاء عربي آمن

بحسب بيان الاجتماع، فإن الإستراتيجية العربية المرتقبة ستعتمد على منهجية عمل تشاركية بين الدول الأعضاء، تستند إلى النظام الأساسي المعتمد من مجلس الجامعة العربية على مستوى القمة، وتهدف إلى بناء “فضاء سيبراني عربي آمن وموثوق”، يدعم التنمية والازدهار الرقمي، ويحمي البنى التحتية الحيوية في المنطقة.

وشددت المناقشات على ضرورة تنسيق المواقف العربية في المحافل الدولية ذات الصلة بالأمن السيبراني، بما يحفظ مصالح الدول الأعضاء، ويمنع اختراق السيادة الرقمية من قبل جهات خارجية.

دبلوماسية سيبرانية.. أم هندسة توازنات جديدة؟

ولا يمكن فصل الاجتماع الذي ترأسته السعودية لا عن المشهد الإقليمي والدولي، حيث أصبح الأمن السيبراني أداة جيوسياسية بامتياز، يُستخدم في الصراعات الناعمة بين الدول، وباتت الدول العربية بحاجة ملحة إلى موقف موحد وخطط دفاعية وهجومية منسقة.

وتبرز السعودية كقائد محتمل لهذا التحالف، خاصة بعد الاستثمارات الضخمة التي وجهتها لقطاع الأمن السيبراني، وإنشاء الهيئة الوطنية للأمن السيبراني، وتبنيها سياسات صارمة في هذا المجال.

منظومة عربية.. بانتظار تفعيل الإرادة السياسية

ويُعتقد أن إنشاء مجلس وزراء الأمن السيبراني العرب بحد ذاته يعد تطورًا مهمًا في بنية العمل العربي المشترك، لكن التحدي الحقيقي يكمن في مدى التزام الدول الأعضاء بتنفيذ الاستراتيجيات والخطط، وعدم الاكتفاء بالبيانات والقمم الشكلية.

المجلس يتمتع بصلاحيات شاملة، تشمل رسم السياسات العامة، إقرار الخطط، ومتابعة المستجدات على المستويات الأمنية والاقتصادية والتشريعية. ومع ذلك، يبقى نجاح هذا المشروع رهين توفر الإرادة السياسية، والموارد، والكوادر الفنية المؤهلة، في ظل تفاوت القدرات السيبرانية بين الدول العربية.




هل تنجح المبادرة؟

مع تزايد الهجمات الإلكترونية التي تستهدف قطاعات الطاقة والبنوك والاتصالات في دول عربية مختلفة، تبرز الحاجة إلى درع عربي موحد يحمي الفضاء الرقمي، ويخلق توازنا سيبرانيًا إقليميًا يواكب ما تفعله قوى كبرى مثل الصين والولايات المتحدة.

فهل يشكل هذا الاجتماع انطلاقة فعلية نحو سيادة رقمية عربية؟ أم أنه مجرد مبادرة أخرى تُضاف إلى أرشيف التعاون العربي غير المكتمل؟ الأيام المقبلة وحدها ستحمل الجواب، لكن المؤشرات الأولى توحي بجدية غير معتادة في هذه المرة.

تفاصيل الاجتماع والتحضيرات

عُقد الاجتماع الأول للفريق العربي المعني بإعداد الإستراتيجية العربية للأمن السيبراني في المملكة العربية السعودية، برئاسة الهيئة الوطنية للأمن السيبراني، بتاريخ 28 مايو 2025. وشارك في الاجتماع ممثلون عن الأجهزة الوطنية المعنية بالأمن السيبراني في الدول العربية، إلى جانب الأمانة العامة لمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب، والأمانة العامة لجامعة الدول العربية.

وتم خلال الاجتماع مناقشة مقترح الأهداف الإستراتيجية للمجلس، واستعراض المنهجية المقترحة لإعداد الإستراتيجية العربية للأمن السيبراني، والتي تسعى إلى تعزيز التعاون والتكامل بين الدول الأعضاء، وتحقيق فضاء سيبراني عربي آمن وموثوق، قادر على مواجهة التحديات الإلكترونية المشتركة.


مقالات مشابهة

  • شيخ الأزهر يغادر الإمارات بعد مشاركته في قمة الإعلام العربي
  • شيخ الأزهر يغادر مطار دبي متوجهًا إلى القاهرة عقب مشاركته في قمة الإعلام العربي
  • شيخ الأزهر يغادر مطار دبي متوجهًا للقاهرة عقب انتهاء قمة الإعلام العربي
  • الدكتور المصطفى: كل المنصات الإعلامية التي تلتزم بالعمل الوطني مرحب بها
  • «قمة الإعلام العربي 2025».. الإمارات تصنع مستقبل الإعلام في المنطقة
  • «قمة الإعلام العربي 2025».. الإمارات تصنع مستقبل الإعلام في المنطقة
  • السعودية تقود الأمن السيبراني العربي.. تكتل رقمي في وجه التحديات الإلكترونية
  • "التعليم": المهارات العالية والإتقان شرط لتقييم مرتفع للمعلمين في النظام الجديد-عاجل
  • «ميتا» تكشف عن تحديثات واتساب في قمة الإعلام العربي
  • إعلام الحج.. من تغطية الشعائر إلى صناعة الصورة الذهنية