سودانايل:
2025-06-11@04:06:38 GMT

التصوف في السودان: بين التاريخ والتحديات المعاصرة

تاريخ النشر: 26th, February 2025 GMT

دخل التصوف السودان مع موجات الإسلام الأولى عبر التجار والصوفية الوافدين من مصر وشمال إفريقيا في القرون الوسطى، ووجد بيئة خصبة في المجتمع السوداني المتعدد الثقافات. انتشر عبر الطرق الصوفية الكبرى مثل القادرية والشاذلية، وفي القرن الثامن عشر، ظهرت طرق محلية متأثرة بالبيئة السودانية، مثل السمانية التي أسسها محمد بن عبد الكريم السمان، والختمية التي أسسها محمد عثمان الميرغني، والتي ارتبطت لاحقًا بالسياسة عبر حزب "الاتحاد الديمقراطي".


التصوف وتشكيل الهوية السودانية
الدور التعليمي والاجتماعي
عملت الزوايا والخلاوي الصوفية كمراكز تعليمية وروحية، حيث حُفظ القرآن، ودُرِّس الفقه، وأُديرت النزاعات عبر "المحاكم الصوفية". كما قدمت دعمًا للفقراء من خلال نظام التبرعات.
المقاومة الثقافية
خلال الاستعمار التركي-المصري (1821–1885)، تحولت الطرق الصوفية إلى قوى اجتماعية فاعلة. قادت الثورة المهدية (1881–1898) بقيادة محمد أحمد المهدي، الذي استند إلى رؤى صوفية في دعوته للجهاد ضد المستعمر.
التعايش الديني
ساهم التصوف في دمج الإسلام بالثقافات المحلية، كما في جبال النوبة ودارفور، حيث تأثرت طقوس مثل "الزار" والاحتفالات المحلية ببطرق الاحتفال الاسلامي" بالعادات المحلية، ما عزز التفاعل بين المسلمين وغير المسلمين.
الرمزية والطقوس الصوفية
الحضرة
طقس جماعي يجمع الذكر بالإنشاد والحركات الدائرية، ويعكس تأثير الثقافة الإفريقية في الإيقاع والرقص.
السجادة الروحية
نظام لترسيخ الشرعية الروحية عبر سلسلة الإسناد المتصلة بالنبي محمد ﷺ.
الشعر الصوفي السوداني
تميّز بلهجة محلية، ومن أبرز رموزه البرعي، حمد النيل، الشيخ غريب، وحسب الرسول، حيث دمجوا الحكمة الشعبية بالروحانية.
التصوف والسياسة: من التحالف إلى الصراع
بعد الاستقلال (1956)، تحالف زعماء الطرق الصوفية (كالختمية مع حزب الأمة) مع النخب السياسية، لكن منذ سبعينيات القرن العشرين، واجه التصوف تحديات من التيارات السلفية التي انتقدت "البدع" مثل زيارة الأضرحة. في العصر الحديث، أصبح التصوف جزءًا من الهوية الوطنية، خاصةً بعد انفصال جنوب السودان (2011)، حيث استُخدم خطابًا للتماسك في شمال متعدد الأعراق.
التصوف اليوم بين التحديات والتكيف
تصاعد الخطاب السلفي
شهد السودان تناميًا للتيارات السلفية المدعومة خارجيًا، والتي هاجمت ممارسات صوفية كزيارة الأضرحة وطقوس "الحضرة"، مما أدى إلى تقليص دور الزوايا في الفضاء العام، خاصة بعد سقوط نظام البشير (2019).
تآكل دور الزوايا في التعليم الديني
كانت الخلاوي والزوايا حاضنات رئيسية للتعليم، لكن مع انتشار المدارس النظامية، تراجع دورها لصالح مناهج تعليمية تُفضِّل تفسيرات فقهية أكثر حرفية، مما أضعف التواصل بين الأجيال حول التراث الصوفي.
دور المرأة الصوفية
رغم أن النساء يشكّلن عمادًا في طقوس مثل "الحضرة" وزيارات الاضراحة إلا أن أدوارهن ظلت محصورة في الإطار الشعبي، دون وصولهن إلى القيادة الروحية، باستثناءات نادرة مثل الشيخة فاطمة أحمد في كردفان.
التحولات الاجتماعية السريعة
أدت العولمة والتحضر إلى تغيّر أنماط الحياة، خاصةً بين الشباب الذين أصبحوا أكثر ارتباطًا بالثقافات الرقمية، مما قلل من اهتمامهم بالطقوس الصوفية التقليدية.
التداخل مع السياسة والدولة
حاولت بعض الحكومات توظيف التصوف كأداة لاحتواء الغضب الشعبي خلال الاحتجاجات، أو نشر خطاب "السلام الاجتماعي"، مما أثار تساؤلات حول استقلاليته.
استجابة التصوف السوداني: محاولات التجديد
لم تستسلم الطرق الصوفية لهذه التحديات، بل سعت إلى التجديد عبر:
• دمج التكنولوجيا: بث طقوس "الحضرة" عبر الإنترنت، وإنشاء مجموعات تواصل للمريدين.
• إحياء الاحتفالات: تحويل موالد الأولياء إلى مهرجانات ثقافية لجذب الشباب.
• الحوار مع التيارات الأخرى: تنظيم مؤتمرات مع مثقفين وعلماء دين لإثبات أن التصوف جزء من الإسلام "المعتدل".
هل ينجح التصوف في تجديد نفسه؟
رغم الضغوط، يظل التصوف السوداني ذاكرة جمعية للشعب، ووعاءً لتاريخه وتنوعه. نجاحه في البقاء يعتمد على توظيف أدوات العصر دون التخلي عن جوهره الروحي، وانحيازه إلى هموم الناس اليومية، كفقراء يبحثون عن العدالة قبل أن يكونوا مريدين يبحثون عن النور.

zuhair.osman@aol.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الطرق الصوفیة

إقرأ أيضاً:

فلسفة نشوء الدول عبر التاريخ.. بحوث أكاديمية للدكتور عزمي بشارة

دمشق-سانا

يقدم المفكر العربي الدكتور عزمي بشارة في كتابه الصادر بعنوان “مسألة الدولة” بحوثاً تتسم بلغة أكاديمية عالية، تناول فيها فلسفة ونظريات نشوء الدول، منطلقاً من مدارس مختلفة في العلوم السياسية وعلم الاجتماع.

ويأتي الكتاب الصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات مكملاً لكتاب المجتمع المدني الذي أصدره بشارة قبل ثلاثين عاماً، والذي بحث من خلاله وصف الدولة.

يشمل كتاب مسألة الدولة جزأين تضمن الأول أحد عشر فصلاً، والثاني ثلاثة فصول نظراً لغزارة المعطيات والتفاصيل، حيث حاول المؤلف خلال هذه الفصول تكريس نظرة مختلفة للدولة وفق مفهومٍ نقدي إنساني، مستخدماً رؤى متباينة بين الجماعاتية “الجماعية” والليبرالية والماركسية، مستعرضاً آثار العولمة ومرحلة ما بعد الدولة.

يبحر الجزء الأول عميقاً في نشوء الدولة عبر التاريخ، والمراحل التي قطعتها، ففي الفصل الأول يعالج المؤلف أهمية دراسة الدولة وخطورة الاستخفاف بهذا المبحث، ويطرح تعريفات للدولة عبر استقراء واقع عدد من الأنظمة، ثم ينتقل إلى التمييز بين الدولة القديمة بوصفها علاقة بين الحكّام والمحكومين، وبين الدولة الحديثة التي تجمع الحكّام والمحكومين في كيانٍ مشترك.

أما الفصل الثاني فخصص للتمييز بين الفلسفة السياسية والنظرية السياسية التي لا تستغني عن المنهج العلمي، مؤكداً ضرورة تجنب تفسير الظواهر الاجتماعية المركبة وفق مبدأ واحد، لأن ذلك يقود إلى الأيديولوجيا.

ويعتبر الفصل الثالث أن التاريخ لم يبدأ بأفراد، بل بجماعات شكلت الدول القديمة، ويشرح أن الدولة الحديثة لم تنشأ من فراغ، بل من سلطات قائمة توسعت إقليميّاً لتتحوّل إلى سيادة وقانون، وارتكزت شرعية الدولة الحديثة على الحكم.

الفصل الرابع أشار إلى أن منظري الدولة الأوائل هم من دافعوا عن سلطات الملك ضد تدخّل الكنيسة، حيث اعتقدوا أن رفع الدولة فوقها هو الحل، وذلك بتحقيق الإجماع على كيان سياسي مشترك يجسده الحاكم، كما يخصص هذا الفصل مساحة واسعة لمناقشة أفكار روسّو والتي أكدت على العدالة، وعلى أهمية تمثيل الإرادة للمواطنين في تثبيت شرعية الدولة.

ويُفرد الفصل الخامس مساحة للحديث عن آراء هيغل وكانط، حول فكرتَي الحرية والأخلاق، وأن الدولة هي من يجسّد العرف الأخلاقي، فيما يدور الفصل السادس حول السجال الدائر حول اعتبار الدولة شخصاً معنوياً فوق المجتمع.

ويتحدث الفصل السابع عن معايير وحدود سيادة الدولة، وأن وصفها بالمطلقة لا يعني أنها بلا حدود، لينتقل المؤلف في الفصلين الثامن والتاسع لتعريف الدولة وأن المواطنة مكون أساسي فيها.

ويتحدث الفصل العاشر عن استحالة الفصل بين الدولة ونظام الحكم ما قبل الحداثة، فيما يتناول الفصل الحادي عشر والأخير الفرق بين بناء الدولة وبناء الأمة والعلاقة بينهما، وكذلك دور القوميات في نشوء الدول المعاصرة، ودور الدول في تشكيل الجماعات الأهلية وأثرها على المواطنة.

نجد في القسم الأول من الكتاب بحثاً في منشأ ومسار الدول في الحضارة الإسلامية، حيث يلفت إلى تميّز الدولة العثمانية تشريعيّاً عن دول الحضارة الإسلامية الأخرى، ويعرض الانتقال من فكرة “الرعية” إلى مفهوم “المواطَنة العثمانية” في نظام الحكم، وأن غالبية مؤسسات الدول الوطنية في البلاد العربية والمشرق لم تكن نتاج مرحلة الاستعمار بل مرحلة التحديث والإصلاح العثمانيين.

أما القسم الثاني فيحتوي على ثلاثة فصول تناقش قضية السيادة والمواطَنة، وبناء جهاز الدولة، والعلاقة بين النخب القديمة والحديثة، وحالات نشوء الدولة الوطنية في خمسة بلدان عربية، هي مصر وتونس والمغرب وسوريا والجزائر، مبيناً أن البيروقراطية المركزية والحدود الترابية ظهرتا في تونس ومصر قبل الاستعمار.

ويناقش القسم الثالث مهمات الدولة الحديثة التي لم تعرفها الدولة التقليدية كالتنمية، والخدمات، وتوقعات المواطنين منها، كما يبحث انتقال إستراتيجيات الجماعات الأهلية من رفض السلطة إلى المشاركة فيها من دون المرور بمرحلة المواطَنة.

يذكر أن الدكتور عزمي بشارة كاتب وباحث، نُشر له العديد من الكتب والدراسات والبحوث بلغات مختلفة في الفكر السياسي، والنظرية الاجتماعية، والفلسفة، يشغل بشارة منصب المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ويرأس مجلس أمناء معهد الدوحة للدراسات العليا.

تابعوا أخبار سانا على

مقالات مشابهة

  • ???? اللواء متمرد مهدي الأمين كبة يمتلك بيتاً فخماً في حى الصفا ومتزوج من قبيلة المحس من شمال السودان
  • تدمر السورية.. ندبات على جبين التاريخ
  • هل «يُعيد التاريخ نفسه» مع الابتكارات التكنولوجية ؟
  • فلسفة نشوء الدول عبر التاريخ.. بحوث أكاديمية للدكتور عزمي بشارة
  • جائزة مو والسودان
  • د. حسن محمد صالح: من حول الدعم السريع الي المشروع الغربي العلماني؟
  • التقى بالطرق الصوفية.. رئيس مجلس الوزراء يؤكد أهمية انسجام النسيج الإجتماعي في المرحلة المقبلة
  • المدير العام لوكالة السودان للانباء ينعي الصحفي محمد محي الدين المهل
  • الجاهلية المعاصرة.. الخشت: هذه شروط المراجعة الفكرية للعناصر التكفيرية
  • زيزو: الأهلي عنوان النجاح وفرصة لكتابة التاريخ