سودانايل:
2025-10-16@08:48:22 GMT

التصوف في السودان: بين التاريخ والتحديات المعاصرة

تاريخ النشر: 26th, February 2025 GMT

دخل التصوف السودان مع موجات الإسلام الأولى عبر التجار والصوفية الوافدين من مصر وشمال إفريقيا في القرون الوسطى، ووجد بيئة خصبة في المجتمع السوداني المتعدد الثقافات. انتشر عبر الطرق الصوفية الكبرى مثل القادرية والشاذلية، وفي القرن الثامن عشر، ظهرت طرق محلية متأثرة بالبيئة السودانية، مثل السمانية التي أسسها محمد بن عبد الكريم السمان، والختمية التي أسسها محمد عثمان الميرغني، والتي ارتبطت لاحقًا بالسياسة عبر حزب "الاتحاد الديمقراطي".


التصوف وتشكيل الهوية السودانية
الدور التعليمي والاجتماعي
عملت الزوايا والخلاوي الصوفية كمراكز تعليمية وروحية، حيث حُفظ القرآن، ودُرِّس الفقه، وأُديرت النزاعات عبر "المحاكم الصوفية". كما قدمت دعمًا للفقراء من خلال نظام التبرعات.
المقاومة الثقافية
خلال الاستعمار التركي-المصري (1821–1885)، تحولت الطرق الصوفية إلى قوى اجتماعية فاعلة. قادت الثورة المهدية (1881–1898) بقيادة محمد أحمد المهدي، الذي استند إلى رؤى صوفية في دعوته للجهاد ضد المستعمر.
التعايش الديني
ساهم التصوف في دمج الإسلام بالثقافات المحلية، كما في جبال النوبة ودارفور، حيث تأثرت طقوس مثل "الزار" والاحتفالات المحلية ببطرق الاحتفال الاسلامي" بالعادات المحلية، ما عزز التفاعل بين المسلمين وغير المسلمين.
الرمزية والطقوس الصوفية
الحضرة
طقس جماعي يجمع الذكر بالإنشاد والحركات الدائرية، ويعكس تأثير الثقافة الإفريقية في الإيقاع والرقص.
السجادة الروحية
نظام لترسيخ الشرعية الروحية عبر سلسلة الإسناد المتصلة بالنبي محمد ﷺ.
الشعر الصوفي السوداني
تميّز بلهجة محلية، ومن أبرز رموزه البرعي، حمد النيل، الشيخ غريب، وحسب الرسول، حيث دمجوا الحكمة الشعبية بالروحانية.
التصوف والسياسة: من التحالف إلى الصراع
بعد الاستقلال (1956)، تحالف زعماء الطرق الصوفية (كالختمية مع حزب الأمة) مع النخب السياسية، لكن منذ سبعينيات القرن العشرين، واجه التصوف تحديات من التيارات السلفية التي انتقدت "البدع" مثل زيارة الأضرحة. في العصر الحديث، أصبح التصوف جزءًا من الهوية الوطنية، خاصةً بعد انفصال جنوب السودان (2011)، حيث استُخدم خطابًا للتماسك في شمال متعدد الأعراق.
التصوف اليوم بين التحديات والتكيف
تصاعد الخطاب السلفي
شهد السودان تناميًا للتيارات السلفية المدعومة خارجيًا، والتي هاجمت ممارسات صوفية كزيارة الأضرحة وطقوس "الحضرة"، مما أدى إلى تقليص دور الزوايا في الفضاء العام، خاصة بعد سقوط نظام البشير (2019).
تآكل دور الزوايا في التعليم الديني
كانت الخلاوي والزوايا حاضنات رئيسية للتعليم، لكن مع انتشار المدارس النظامية، تراجع دورها لصالح مناهج تعليمية تُفضِّل تفسيرات فقهية أكثر حرفية، مما أضعف التواصل بين الأجيال حول التراث الصوفي.
دور المرأة الصوفية
رغم أن النساء يشكّلن عمادًا في طقوس مثل "الحضرة" وزيارات الاضراحة إلا أن أدوارهن ظلت محصورة في الإطار الشعبي، دون وصولهن إلى القيادة الروحية، باستثناءات نادرة مثل الشيخة فاطمة أحمد في كردفان.
التحولات الاجتماعية السريعة
أدت العولمة والتحضر إلى تغيّر أنماط الحياة، خاصةً بين الشباب الذين أصبحوا أكثر ارتباطًا بالثقافات الرقمية، مما قلل من اهتمامهم بالطقوس الصوفية التقليدية.
التداخل مع السياسة والدولة
حاولت بعض الحكومات توظيف التصوف كأداة لاحتواء الغضب الشعبي خلال الاحتجاجات، أو نشر خطاب "السلام الاجتماعي"، مما أثار تساؤلات حول استقلاليته.
استجابة التصوف السوداني: محاولات التجديد
لم تستسلم الطرق الصوفية لهذه التحديات، بل سعت إلى التجديد عبر:
• دمج التكنولوجيا: بث طقوس "الحضرة" عبر الإنترنت، وإنشاء مجموعات تواصل للمريدين.
• إحياء الاحتفالات: تحويل موالد الأولياء إلى مهرجانات ثقافية لجذب الشباب.
• الحوار مع التيارات الأخرى: تنظيم مؤتمرات مع مثقفين وعلماء دين لإثبات أن التصوف جزء من الإسلام "المعتدل".
هل ينجح التصوف في تجديد نفسه؟
رغم الضغوط، يظل التصوف السوداني ذاكرة جمعية للشعب، ووعاءً لتاريخه وتنوعه. نجاحه في البقاء يعتمد على توظيف أدوات العصر دون التخلي عن جوهره الروحي، وانحيازه إلى هموم الناس اليومية، كفقراء يبحثون عن العدالة قبل أن يكونوا مريدين يبحثون عن النور.

zuhair.osman@aol.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الطرق الصوفیة

إقرأ أيضاً:

وزير الأوقاف ومحافظ الغربية يشهدان احتفال الطرق الصوفية بمولد البدوي

في أجواء روحانية خاشعة تفيض بالمحبة والذكر، نظم المجلس الأعلى للطرق الصوفية، مساء الأربعاء الاحتفال السنوي بمولد العارف بالله السيد أحمد البدوي، بالسرداق المقام بمنطقة الصاري، بحضور كبار العلماء والقيادات التنفيذية والدينية يتقدمهم اللواء أشرف الجندي محافظ الغربية، وفضيلة الدكتور أسامة الأزهري وزير الأوقاف، والدكتور عبد الهادي القصبي رئيس المجلس الأعلى للطرق الصوفية وعضو مجلس الشيوخ.

كما شارك في الاحتفال فضيلة الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية الأسبق، والدكتور مجدي عاشور عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، وفضيلة الشيخ جابر البغدادي الداعية الإسلامي، إلى جانب الدكتور محمود عيسى نائب المحافظ، واللواء أحمد أنور السكرتير العام للمحافظة، والعميد أركان حرب وائل فتحي المستشار العسكري، والمهندس علي عبد الستار السكرتير العام المساعد، وعدد من القيادات التنفيذية والأمنية وأعضاء مجلسي النواب والشيوخ وممثلي الطرق الصوفية، وسط حضور جماهيري ضخم من الزائرين المصريين والعرب، وقدم الاحتفالية الإذاعي عماد غنيم كبير المذيعين بالإذاعة المصرية.

بدأت الاحتفالية بالوقوف دقيقة حدادًا على روح العالم الجليل فضيلة الشيخ أحمد عمر هاشم، تقديرًا لعطائه العلمي والدعوي، تلاها عزف السلام الوطني لجمهورية مصر العربية، ثم تلاوة مباركة من آيات الذكر الحكيم، لتبدأ بعدها كلمات السادة العلماء والمشايخ المشاركين في الفعالية.

وفي كلمته، رحب اللواء أشرف الجندي بضيوف الغربية من العلماء ورجال الدين، مؤكدًا أن المولد الأحمدي حدث ديني وروحي عالمي يضع طنطا على خريطة السياحة الدينية في مصر والعالم العربي، مشيرًا إلى أن هذه المناسبة تمثل رمزًا لوحدة المصريين على المحبة والإخاء والتسامح، وتُبرز الوجه المشرق لمصر في التعايش ونشر قيم الخير والسلام.

وأوضح المحافظ أن الأجهزة التنفيذية استعدت مبكرًا لاستقبال الزائرين عبر رفع كفاءة المرافق والخدمات وتجميل المدينة ومحيط المسجد الأحمدي، مؤكدًا أن راحة الزوار وسلامتهم أولوية قصوى، موجهًا الشكر للجهات الأمنية والتنفيذية على جهودهم في التنظيم والتأمين.

وقال المحافظ: «ما أروع أن نقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن نتذكر على دربه أولياء الله الصالحين في عطائهم وخيرهم، وأن ننشر في المجتمع قيم المحبة والإخاء التي دعا إليها الإسلام، وأن نشارك جميعًا في بناء وطننا بالعلم والعمل والأخلاق».

من جانبه، وجّه الدكتور عبد الهادي القصبي الشكر لمحافظ الغربية على جهوده في التنظيم، مشيدًا بتعاون الأجهزة التنفيذية، ومؤكدًا أن اجتماع الأحباب في رحاب السيد البدوي مناسبة تتجدد فيها القلوب على العمل والإخلاص وخدمة الوطن.

كما عبّر الدكتور أسامة الأزهري عن سعادته بالمشاركة في هذه المناسبة المباركة، مؤكدًا أن الاحتفاء بأولياء الله الصالحين هو احتفاء بسيرتهم التي جسدت معاني الإيمان والعمل المخلص، مشيرًا إلى أن سيرهم كانت مصدرًا للمحبة والسلام في المجتمع.

وأكد الدكتور علي جمعة أن هذا الحضور الحاشد من العلماء والزائرين يؤكد مكانة السيد البدوي كرمز للمحبة والعلم والكرم، داعيًا إلى استلهام سيرته في نشر الخير بين الناس، فيما تناول الدكتور مجدي عاشور المعاني الإيمانية للمولد الأحمدي، معتبرًا أنه مناسبة لترسيخ القيم الدينية والإنسانية.

وأشار الشيخ جابر البغدادي إلى أن هذا الجمع المبارك يعكس حب المصريين لأولياء الله، مقدمًا الشكر لمحافظ الغربية على رعايته وجهوده في إنجاح الاحتفال.

واختُتمت الاحتفالية بأجواء روحانية خاشعة، حيث صدحت السماء بأصوات الابتهالات والمدائح النبوية، في مشهد مهيب يعكس مكانة العارف بالله سيدي أحمد البدوي كأحد أبرز رموز التصوف في العالم الإسلامي، ويؤكد أن طنطا ستظل دائمًا منارة للدين والعلم والتاريخ، ووجهة مضيئة على خريطة السياحة الدينية بمصر والعالم.

مقالات مشابهة

  • وزير الأوقاف ومحافظ الغربية يشهدان احتفال الطرق الصوفية بمولد البدوي
  • القصبي في مولد السيد البدوي: التصوف منهج حياة يجمع بين العبادة والعمل والإصلاح
  • جامعة قناة السويس تُنظّم ندوة بعنوان "حرب أكتوبر في ذاكرة التاريخ"
  • الصحفية الفلسطينية سلمى محمد: حرب السودان تحتاج لتغطية إعلامية أوسع
  • تحت رعاية “البوتاس العربية” افتتاح ورشة “اقتصاديات الأسمدة والتحديات المستقبلية” بمشاركة عربية ودولية واسعة
  • محمد مناعي لاعب منتخبنا الوطني: عازمون على كتابة التاريخ
  • مظاهرات مؤيدة لإدانة “كوشيب” في معسكرات نزوح بـ “دارفور وتشاد”
  • حسام البدري: فخور بتأهل مصر للمونديال.. وصلاح يكتب التاريخ من جديد
  • عروض مهرجان وسط البلد للفنون المعاصرة.. الأربعاء والخميس
  • جذور الإسلام بجنوب أفريقيا.. من المنفى إلى التنوع والتحديات المعاصرة