تحالف نيروبي وقضايا الحرب والسلام في السودان
تاريخ النشر: 28th, February 2025 GMT
تم التوقيع على وثيقة تحالف نيروبي الذي ضم ٢١ جسم وممثلين للمجموعات وفقا للأسماء التي تمت تلاوتها في المنصة الرئيسية، موزعة بين ٩ حركات مسلحة و١١ جسم بين حزب وممثلين
الملاحظة الاولي فقد خلت القائمة من تمثيل للنساء الأمر الذي يضع مسألة المشاركة والنوع في الحكومة المرتقبة تحت إختبار حقيقي، في ظل زخم أحاط بالمؤتمر أو لقاء نيروبي تم ترديد هتاف وعبارات تجتر إنهاء التهميش مع ملاحظة سيادة الشعارات المناصرة للدعم السريع بشكل اكثر صدي من سواها ، فيبدو ان التهميش هنا جاء بعيدا عن مفهومه وتعريفه فهو يشمل النوع والقوميات، والاقليات، مع ملحوظ لتمثيل لاصحاب الديانات الاخري من غير المسلميين، عدا القائد جوزيف توكا الذين يمثل الحركة الشعبية / شمال اكثر من كونه ممثل لإحدي الطوائف المسيحية، ربما قد قصد بعدم تمثيل الطوائف الدينية بالرغم من ان الواقع المرتبط بالصراعات السياسية ظل يلقي بثقله عليها بشكل ايدلوجي يهدف إلي تقليص مساحة الحريات الدينية.
عطفا على قائمة الموقعين، في المنصة التاريخية للاحزاب التقليدية ظهر ممثلي أجنحة أو مجموعات الحزب الاتحادي الديمقراطي والاتحادي الموحد ابراهيم الميرغني ومحمد عصمت قد شكلا ثقلا اكبر من حزب الأمة الذي مثله اللواء معاش فضل برمة ناصر الذي،تنازعه نائبة رئيس الحزب الدكتورة مريم الصادق حول شرعية مشاركتة باسم حزب الامة، لكن يبقي التمثيل في لقاء نيروبي يطرح على الضفة الاخري ممثلين لذات الاحزاب، الأمر الذي يجعل التوزيع بين تحالف صمود وقمم توزيع للمواقف قد.يثير حالات عدم إعتراف من كلا المجموعتين تجاه الاخري وهنا يتفرع الصراع إلي أطراف الحرب وسياسي ليس حول وقف الحرب لكن شرعية التمثيل .
الموقعين على اتفاق سلام السودان ٢٠٢٠ تمثلوا في بعض قادة حركات تحرير السودان الدكتور الهادي ادريس عن المجلس الانتقالي،الاستاذ الطاهر حجر عن قوي التحرير، الاستاذ حافظ عبدالنبي عن التحالف السوداني الذي إنقسم قادته بين تحالف قمم والي جانب الجيش حيث تم تعيين السيد بحر كرامة واليا لغرب دارفور .
اللافت غياب اليسار السوداني من لقاء نيروبي سواء الحزب الشيوعي السوداني الذي كشف عن موقفه من لقاء نيروبي والقيام تقدم وقبلها وقف الحرب في السودان، البعثيين بجناحيهم وكذلك الناصريين، وهذا يدفع بسؤال الخيارات السلمية والعسكرية من قضايا الحرب والسلام في السودان.
الإدارة الأهلية كشف عن تمثيلها سلطان الفور احمد دينار الذي جاء ظهوره والحرب قد دمرت متحف السلطان "سيد الاسم" على دينار بالفاشر، ومن ناحية سياسية فادراجه في قائمة الموقعين جعل الأمر يبدو كأنها محاولة تعويض لغياب حركة تحرير السودان قيادة الأستاذ عبدالواحد نور من الوثيقة، والذي أمسك حتي الآن عن الادلاء باي تصريح، غياب نور وتحالف حركة التحرير بقيادة مناوي والاستقالات التي كشف عنها الإعلام لمؤيدي الحركة الشعبية قيادة الحلو بغرب دارفور، ومحاولة تمثيل المساليت بملك المساليت بمنطقة قريضة وليس السلطان سعد بحر الدين، يكشف ان موقف المجموعات السكانية الثلاثة الذين يعبرون عن اكبر سجل للضحايا والنازحيبن واللاجئين بدارفور خارج وثيقة نيروبي، فالبديهي ان موقف هذه المجموعات مرتبط بالعدالة كقضية جوهرية كامتداد لغياب المحاسبة منذ اندلاع أزمة السودان في دارفور ٢٠٠٣، بينما يظل التطابق النظري بين الإدارة الأهلية والقبيلة أمر في غاية الخطورة مثله مثل الاعتماد على القبيلة في التحليل السياسي ، بالضرورة سيقود إلي نتائج خاطئة .
بالنظر الي قائمة التوقيعات فإن شرق السودان جاء متضمنا إلي القوي النوقعة بمؤتمر البجا المعارض والأسود الحرة، ونفوذ الحزب الإتحادي الديمقراطي الاصل " مريدي سيدي الحسن"، جنوب كردفان الذي شملت خريطته الحركة الشعبية والحرب القومي السوداني، بإخراج ممثل المهنيين والفنيين الدكتور علاء نقد، والتجمع الاتحادي فإن الغالبية تمثل حركات انشقت تاريخيا من حركة تحرير السودان، بينها اربع مجموعات من موقعي وثيقة سلام السودان ٢٠٢٠، فيما جاء الجديد هو توقيع قمم الذي يمكن النظر اليه من زاوية مقابلة لصمود أو نتاج الشطار تحالف تقدم .
وفقا للوثيقة بأن أطرافها سيسعون إلي تكوين جيش من قوات المجموعات المسلحة المنضوية تحت الاتفاق، وهنا يثور السؤال حول موقف ممثلي المجتمع المدني، الفئات والشخصيات المستقلة من الخطوة لأنها قد تكون مفهومة موضوعيا في سياق السلم اما الحرب الراهنة فهذا قد يمتد إلي تطور اخر.
بالرغم من ان الحركة الشعبية لتحرير السودان قيادة الحلو قد منحت زخما لاتفاق نيروبي، فإن الأمر يعيد النظر إلي تحالف الجبهة الثورية السابق فالي جانب الحركة هنالك حركة العدل والمساواة قيادة صندل والقائد ابو القاسم امام الذي كان حينها تحت حركة تحرير السودان قيادة عبدالواحد نور الا انه مثل في نيروبي نحت حركة تحرير السودان الثورة الثانية، فجميع الأطراف كانوا في ذاك التحالف الذي انفض عقب هجوم ابوكرشولة في ٢٠١٤ بوقت قصير.
في ظل انعقاد المؤتمر استمر هجوم الدعم السريع على الفاشر، وكان كل من دكتور الهادي ادريس والاستاذ الطاهر حجر قد أعلنا الحياد من المجموعات الآخر التي تحالفت مع الجيش لتصبح القوة المشتركة التي تولت الدفاع ومقاونة سيطرة الدعم السريع على الفاشر، موقف كل من ادريس وحجر كان قد تطور إلي عمليات اجلاء المدنيبن وحماية قوافل محدودة من الإغاثة لتصل معسكر زمزم بشمال دارفور، الانضمام للوثيقة يعلن عمليا موقف جديد للنادي وحجر من حالة الفاشر، الأمر الذي يضع الامتحان الأول للتحالف وعنوان حكومة السلام، لأن الهجمات تعرض المدنيين للخطر بشكل رئيسي.
قبل ان يتم التوقيع على وثيقة نيروبي استمر القصف الجوي من قبل طيران الجيش لمناطق بدارفور وجنوب كردفان، الأمر الذي قد يقلل من التأثيرات التنظيمية المحتملة داخل بعض الحركات الموقعة، ولاسبما الحركة الشعبية، لأن استمرار الهجوم الجوي يمنح شرعية اكبر ويقلل من الاصوات الناقدة داخليا.
بالتوقيع من الممثلين على الوثيقة ينسدل الستار على الجزء الأول من العملية، ليطل الجزء الثاني المرتبط بادارة التحالف وهو ما ظل يمثل التحدي الأكبر على مر سجل التحالفات السياسية والعسكرية في السودان، التي من ضمنها أسئلة الشرعية للمجموعات المختلفة التي انقسمت ( عمليا) من بعض الاحزاب أو الحركات المسلحة، وكذلك موقف المجتمعين الدولي والاقليمي من التحالف، في كل الأحوال تراجع تقدم وانقسامها، والتحالف الجديد وموقف الجيش الذي يظهر في استمرارالعمليات العسكرية بما في ذلك القصف الجوي، يقابله موقف الدعم السريع في مواصلة القتال بما في ذلك الهجوم المستمر على الفاشر يشير إلي رجحان استمرار الحرب الي فترة ليست بالقصيرة، وقد تنتقل لمناطق آخري، بالإضافة إلي إنتشار معسكرات التدريب العسكري إلي مناطق أخري داخل وخارج السودان، مع ازدياد التسليح كما ونوعا لان معادلة الحرب تمضي اضطرادا مع الأطراف الخارجية الداعمة للحرب.
badawi0050@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: حرکة تحریر السودان الحرکة الشعبیة فی السودان الأمر الذی
إقرأ أيضاً:
عُمان التي أسكتت طبول الحرب
في ركنٍ من هذا العالم العربي الملتهب، حيث تتشابك مصالح الإمبراطوريات وتتصادم استراتيجيات الدول الكبرى على حساب الجغرافيا والتاريخ، هناك دولة اختارت طريقًا مختلفًا.
سلطنة عُمان هذه الواحة الهادئة وسط صحراء النزاعات لم تسمح لنفسها أن تكون بيدقًا في رقعة الشطرنج الدولية، ولم تُبدّد مكانتها في لعبة المحاور والاصطفافات، بل وقفت كـ«السيدة الحكيمة»، كما يسميها المراقبون، تمسح عن الوجوه غبار الحروب، وتفتح للخصوم أبوابًا لم يكونوا يتوقعونها.
في منطقة تتوزعها الرياح بين الطموح النووي الإيراني، والوجود الأمريكي الصارم، والاشتباك العربي المزمن، رفعت سلطنة عمان راية أخرى: راية «الاحترام المشترك»، و«الحوار قبل الضربة»، و«اليد الممدودة بدل الإصبع على الزناد».
وهنا، يكمن الاستثناء العُماني: دولة لم تُقامر يومًا بدماء جيرانها، ولم تبنِ مجدها على ركام الدول الأخرى. بل آمنت أن دورها الحضاري ليس بالتحالف مع الأقوى، بل بالوقوف على مسافة واحدة من الجميع.
في السادس من مايو، بينما كانت شاشات الأخبار تغرق في صور الانفجارات، وبينما كانت المؤشرات تنذر بتوسّع خطير في الصراع الدائر بين جماعة أنصار الله والتهديدات أمريكية المتصاعدة تجاه استهداف الملاحة الدولية في البحر الأحمر، خرجت مسقط باتفاق ناعم لكنه جلل: وقف إطلاق نار مؤقت بين واشنطن وصنعاء، يضمن سلامة الملاحة، ويمنح للسلام فرصة ليلتقط أنفاسه.
ولم تكن هذه المبادرة وليدة لحظة، بل هي نتيجة شهور من الحوار الصامت الذي أجرته سلطنة عُمان، بهدوء، بعيدًا عن الأضواء، في قنوات خلفية لا تعتمد على التصعيد، بل على بناء الثقة، حجرةً بعد حجرة.
لكن الأمر لم يتوقف عند اليمن.
إذ حملت الأيام التالية مفاجأة أكبر: إيران تُعلن موافقتها على مبادرة عُمانية لاستضافة جولة رابعة من المفاوضات مع الولايات المتحدة.
في وقتٍ كانت فيه التوترات تنذر بالانفجار، وبين تحركات بحرية ومواقف سياسية حادة، قررت طهران أن تستمع لصوت مسقط.
لماذا؟ لأن هذه الدولة التي لا تلوّح بالقوة، تملك ما هو أثمن من ذلك: تملك المصداقية.
لقد فهمت سلطنة عمان منذ بداية الجمهورية الإسلامية في إيران، ومنذ لحظة دخول الأساطيل الأمريكية للخليج، أن دورها ليس الوقوف في الضد، بل الوقوف في المنتصف، لا كحياد باهت، بل كوسيط نشط، بكرامة وهدوء.
فما الذي يجعل هذا البلد العملاق برسالته، ينجح فيما فشلت فيه دول كبرى، ذات أبواق وسفارات وميزانيات مهولة؟ الجواب، ببساطة، إنه لا يُمارس السياسة من أجل العنوان، بل من أجل الغاية.
ففي السياسة كما في الطب، لا يحتاج الطبيب الجيد إلى صخب، بل إلى يد ثابتة ونية خيّرة.
وهذا ما فعلته سلطنة عُمان.
اقتربت من الجراح وهي تهمس لا تصرخ، ووضعت الضمادة لا الحطب.
لقد وُلدت هذه الفلسفة من تاريخ طويل في العلاقات الإنسانية والسياسية.
فسلطنة عُمان، التي تفتح أبوابها للحجاج والدبلوماسيين على حد سواء، تعرف أن الكلمة الطيبة تُغيّر العالم أكثر مما يفعل الرصاص.
عرفت ذلك عندما وقفت على مسافة متزنة من كل صراعات المنطقة، وعندما شاركت في مساعي الاتفاق النووي مع إيران، وعندما رفضت أن تدخل تحالفات استنزفت الدول وأغرقتها في الرمال.
عُمان لا تُراهن على النصر، بل على النُبل.
لا تُقايض بالتحالفات، بل تُبادر بالثقة.
لا ترفع شعارات، بل ترسم جسورًا.
وفي لحظةٍ يخشى فيها العالم اندلاع حربٍ جديدة بين قوى كبرى، تُطفئ مسقط الشرارة قبل أن تصبح نارًا.
تجمع طهران وواشنطن تحت سقف واحد، لا لتفرض رأيًا، بل لتفتح نافذة.
هذا المقال ليس تمجيدًا لدبلوماسية، بل احتفاء بأخلاق دولة.
بدولةٍ فهمت أن القيادة لا تحتاج صراخًا، بل رقيًّا.
وأن التاريخ لا يخلّد الأصوات العالية، بل الأفعال العظيمة التي تمشي على أطراف الأصابع.
تحية إلى عُمان، دولة الأفعال الهادئة التي كلما اقتربت الحرب، قررت أن تكتب فصلًا جديدًا للسلام.