في أوج العدوان الإسرائيلي على غزة، لم تكن ساحات القتال هي الميدان الوحيد للصراع، بل امتدت المعركة إلى ميادين الإعلام، حيث كشف تحقيق صحفي أن رئيس الأركان الإسرائيلي السابق، أفيف كوخافي، أجرى لقاءات خاصة مع كبار محرري الإعلام البريطاني.

كشف موقع "ديكلاسيفايد يو كي" أن رئيس الأركان الإسرائيلي السابق عقد اجتماعات خاصة مع محرري المؤسسات الإخبارية البريطانية الكبرى بعد شهر واحد من بدء قصف غزة، بحسب تقرير للصحفيين الاستقصائيين أليكس موريس وجون ماكفوي.



وكانت الاجتماعات قد عقدت مع كاثرين فاينر، رئيسة تحرير الغارديان، وريتشارد بورغيس، مدير محتوى الأخبار في هيئة الإذاعة البريطانية، ورولا خلف، رئيسة تحرير فايننشال تايمز.

وكان من المقرر عقد اجتماعات أخرى مع رئيس سكاي نيوز ديفيد رودس في السفارة الإسرائيلية، ثم وزير الخارجية في حكومة الظل ديفيد لامي، بين 7 و9 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، وفقا لبرنامج كوخافي. وبحلول هذا الوقت، قتلت القوات الإسرائيلية أكثر من 10 آلاف فلسطيني في غزة، وأدلى المسؤولون الإسرائيليون بعدة تصريحات علنية عن نية الإبادة الجماعية. كان كوخافي قد تنحى عن إدارة الجيش الإسرائيلي قبل أشهر فقط.

وخلال فترة ولايته، برر الهجمات على الصحفيين، قائلا إن الجنود الذين أطلقوا النار على المراسلة شيرين أبو عاقلة في الضفة الغربية "أظهروا شجاعة" وأنه لم يكن لديه "غرام واحد من الندم" على تدمير مكتب وكالة "أسوشيتد برس" في غزة.

تأتي المعلومات حول زيارة الجنرال كوخافي في وثائق حصل عليها المحامي إيلاد مان بموجب قانون حرية المعلومات واطلع عليها موقع ديكلاسيفايد.


وتكشف الوثائق كيف تم التخطيط لجولة كوخافي في بريطانيا بدعم من وزارة الخارجية وقوات الاحتلال ووزارة الحرب، وتم تصميم الرحلة خصيصا للاستفادة من "الانقلاب الملحوظ في موقف الدول الغربية تجاه إسرائيل في ضوء شدة الأحداث ... في 7 أكتوبر".

ولهذه الغاية، كلف كوخافي بزيادة الدعم لإسرائيل مع تصعيدها لهجومها العسكري الوحشي في غزة.

وقال صحافي كان يعمل في بي بي سي وقت الزيارة لموقع ديكلاسيفايد: "لا أتذكر أي مراسلات داخلية حول الاجتماع، والتي ترسلها هيئة الإذاعة البريطانية عادة إذا كانت هناك زيارة رفيعة المستوى من هذا النوع. كما أجد صعوبة بالغة في تصديق أن المؤسسة كانت ستعقد اجتماعا مماثلا مع حكومة حماس".

وأضاف الصحافي، الذي طلب عدم الكشف عن هويته: "ليس فقط أن زيارة كوخافي غير مسبوقة، بل إنه من الفظيع أيضا أن يغازل أحد كبار المحررين في هيئة الإذاعة البريطانية شخصية عسكرية أجنبية بهذه الطريقة، وخاصة شخصية تُتهم بلادها بارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان".

"إن هذا يقوض الاستقلال والنزاهة التي تدعي بي بي سي  أنها تحافظ عليها، وأعتقد أنه ألحق ضررا لا يمكن إصلاحه بأي ثقة لدى الجمهور في المؤسسة".

"تعزيز اتجاه الدعم لإسرائيل"
في وثائق التخطيط للرحلة المقررة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، أشار المقدم في الجيش (احتياط) غاد يشعياهو إلى أن "زيارات كبار الشخصيات الإسرائيلية إلى الدول الغربية ستساعد في التأثير على مختلف الجماهير المستهدفة وبالتالي تعزيز اتجاه الدعم لإسرائيل".

وعمل يشعياهو في "إدارة الأزمات" في مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، وخدم في القوات الخاصة في الجيش الإسرائيلي. وقد رافق مؤخرا الجنرال الإسرائيلي عوديد باسيوك في زيارة سرية إلى لندن، وهو مدرج كمحاضر زائر في جامعة سيتي في لندن.

ورأى يشعياهو أن وسائل الإعلام البريطانية هدف ثمين بشكل خاص ضمن عملية التأثير الإسرائيلية هذه.


وأشار إلى أنه "كجزء من فكرة التأثير على المؤثرين، نرغب في عقد اجتماعات بين كوهافي وكبار الشخصيات الإعلامية، بما في ذلك الرئيس التنفيذي لهيئة الإذاعة البريطانية  ... وكبار المسؤولين من سكاي، وغيرهم".

وتابع يشعياهو: "نرى أن هذه الاجتماعات مهمة للغاية في التعامل مع الأفراد الذين لديهم تأثير كبير على شرعية دولة إسرائيل في حرب السيوف الحديدية"، وهي حرب إسرائيل على غزة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

كما اقترح أن يلتقي كوخافي مع مادلين أليساندري، رئيسة لجنة الاستخبارات المشتركة البريطانية، و"مسؤولين كبار آخرين من وزارات الخارجية والدفاع والداخلية البريطانية". ومن غير الواضح ما إذا كانت هذه الاجتماعات قد حدثت.

وكان هدف آخر هو الجنرال السير نك كارتر، رئيس أركان الجيش البريطاني السابق الذي وقع في عام 2020 اتفاقية مشتركة مع كوهافي "لإضفاء الطابع الرسمي وتعزيز" التعاون العسكري بين المملكة المتحدة والاحتلال، والتي لا تزال تفاصيلها سرية.

الجنرال أفيف كوخافي

كان كوخافي رئيس هيئة الأركان العامة لجيش الاحتلال بين عامي 2019 وكانون الثاني/ يناير 2023.

في عام 2022، سعى إلى تبرير قتل الجيش للصحفية الفلسطينية الأمريكية شيرين أبو عاقلة، وهو الفعل الذي وصفته الأمم المتحدة بأنه "غير مبرر".

وادعى أن المسلحين الفلسطينيين "أطلقوا النار على نطاق واسع على القوات الإسرائيلية، بتهور ودون تمييز في كل اتجاه"، وأن عاقلة "قُتلت في منطقة قتال". وأضاف أن الجنود الإسرائيليين "أظهروا الشجاعة والتصميم على حماية المدنيين الإسرائيليين".

وفي العام نفسه، دمرت القوات الإسرائيلية مبنى شاهق الارتفاع في غزة يضم مكتب وكالة أسوشيتد برس في ما اعتُبر على نطاق واسع جريمة حرب. وبحسب ما ورد قال كوهافي إن "المبنى دُمر بشكل عادل" ولم يكن لديه "غرام واحد من الندم"، مدعيا خطأ أن موظفي وكالة أسوشيتد برس كانوا يشربون القهوة مع خبراء إلكترونيات حماس.

في عام 2021، تفاخر كوخافي أيضا بأنه كان "مسؤولا عن الأمر بفتح النار" على المتظاهرين الفلسطينيين خلال مسيرة العودة الكبرى في غزة في 2018-2019. قُتل أكثر من 200 فلسطيني - بينهم 46 طفلا - أثناء محاولتهم العودة إلى ديارهم، وأصيب أكثر من 36000.

قبل أن يصبح رئيسا للأركان العامة، شغل كوخافي منصب قائد فرقة غزة في الجيش الإسرائيلي، ورئيس القيادة الشمالية، ومدير الاستخبارات العسكرية.


وقال متحدث باسم بي بي سي لديكلاسيفايد يو كي إن بورغيس التقى بكوخافي إلى جانب صحفيين آخرين، مضيفا: "لقد تمكنوا من استجوابه بشأن الحرب في غزة وتكتيكات جيش الدفاع الإسرائيلي. نعقد إحاطات مماثلة مع شخصيات من جانبي الصراع ونستمع لجميع الروايات".

ولم يذكر المتحدث عدد الصحفيين الآخرين الذين حضروا، ولم يوضح ما إذا كانت هيئة الإذاعة البريطانية قد عقدت اجتماعات مماثلة مع ممثلين من حماس. حيث قالوا "نحن نقول أنه من حيث المبدأ نلتقي بشخصيات من كلا جانبي الصراعات ونستمع لجميع الروايات".

علق الصحفي السابق في  بي بي سي: "يجب على هيئة الإذاعة البريطانية وبورغيس إصدار بيان لتأكيد عقد الاجتماع مع كوخافي، ولماذا حدث، ومع من. وعلاوة على ذلك، يجب توضيح ما إذا كانت اجتماعات مماثلة قد عقدت مع شخصيات بارزة من الجانب الفلسطيني.

"من المنطقي تماما أن تحاول إسرائيل توسيع نفوذها على واحدة من أكبر هيئات البث في العالم، والآن بعد أن تم الكشف عن عقد هذا الاجتماع، ربما يفسر ذلك سبب وجود الكثير من التحيز والتشويه في تغطية المؤسسة لغزة".

وقال متحدث باسم الغارديان لديكلاسيفايد: "تجتمع فرق التحرير لدينا بانتظام مع أشخاص يمثلون مجموعة من وجهات النظر حول قضايا مختلفة لتنوير نقلنا للأخبار".

وأضافوا أن الاجتماع "لم يكن تأييدا، بل جزءا من الصحافة المسؤولة"، لكنهم رفضوا تقديم تفاصيل حول ما تمت مناقشته.


وقال متحدث باسم فاينانشال تايمز: "التقت رولا خلف بكوخافي عندما رافق سفير إسرائيل في بريطانيا إلى اجتماع في مكتب فايننشال تايمز في لندن. كان هذا لقاء أجراه مجموعة من الصحفيين الذين يقومون بتغطية الأحداث في الشرق الأوسط".

وقال ديس فريدمان، أستاذ الإعلام في غولدسميثس، جامعة لندن، لديكلاسيفايد إنه لم يتمكن من العثور على أي ذكر للجنرال كوخافي في أي تغطية لهيئة الإذاعة البريطانية أو الغارديان أو فايننشال تايمز منذ عام 2023، عند البحث في قاعدة بيانات نيكسيس.

ولم تستجب سكاي ولا ديفيد لامي ولا غاد يشعياهو لطلبات التعليق.

حراس السلطة
خضعت اجتماعات كوخافي الخاصة مع كبار المسؤولين التنفيذيين في وسائل الإعلام للتدقيق وسط غضب عام واسع النطاق بشأن تغطية وسائل الإعلام البريطانية للإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة.

زعم تحقيق نشره "دروب سايت نيوز" في تشرين الثاني/ نوفمبر 2024 أن رافي بيرغ، محرر الشرق الأوسط في  بي بي سي  نيوز على الإنترنت، "يدير بدقة" تغطية الشرق الأوسط لضمان إلقاء القصص ضوءا إيجابيا على إسرائيل.

كما تفاخر بيرغ بتوظيفه بشكل غير مباشر من قبل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، سي آي إيه أثناء عمله في خدمة معلومات البث الأجنبية الأمريكية.

روى بيرغ: "ذات يوم، تم أخذي جانبا وقيل لي، 'قد تعرف أو لا تعرف أننا جزء من وكالة المخابرات المركزية، لكن لا تخبر الناس بذلك'. لقد كنت سعيدا للغاية".

وبعد ذلك، تبين أن مكتب بيرغ الرئيسي يحمل على ما يبدو رسالة مؤطرة من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وصورة مع السفير الإسرائيلي السابق في المملكة المتحدة، مارك ريغيف.

وتواصل كاتب المقال في دروب سايت نيوز،أوين جونز، مع بيرغ للحصول على تعليق. وعلى ما يبدو، رفض بيرغ هذه الادعاءات، وقال إنه استأجر المحامي البريطاني الإسرائيلي مارك لويس، المدير السابق لمحامي المملكة المتحدة من أجل إسرائيل، لرفع دعوى قضائية.

كما تعرضت صحيفة "الغارديان" لانتقادات بسبب تغطيتها للإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل في غزة.

كشفت ديكلاسيفايد الأسبوع الماضي أن الموظفين الساخطين في صحيفة الغارديان قاموا بتجميع "جدول بيانات شامل" مع "جبل من الأمثلة" على الصحيفة "التي تضخم الدعاية الإسرائيلية... أو تعامل التصريحات الواضح أنها كاذبة من قبل المتحدثين الإسرائيليين على أنها ذات مصداقية".


في عام 2024، قال مصدر مطلع آخر لـ "نوفورا ميديا" إن القيادة التحريرية في صحيفة  "الغارديان" "أصبحت أكثر حذرا وإلى حد ما أكثر تحفظا [...] ويرجع ذلك جزئيا إلى أن جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل أصبحت أكثر عدوانية في المملكة المتحدة مما كانت عليه في السابق".

وردا على تحقيق الموقع، قال الأستاذ فريدمان لديكلاسيفايد يو كي: "من الواضح أن الإحاطات غير الرسمية لها مكان في الصحافة. ومع ذلك، فإن الاجتماع سرا مع ممثل كبير في الجيش الإسرائيلي في خضم حملة إبادة جماعية كجزء من هجوم دعائي منظم يثير أسئلة خطيرة حول النزاهة والشفافية.

"كنت آمل أن تبذل عناوين الأخبار قصارى جهدها لتجنب اتهامات التحيز من خلال رفض العرض بالاجتماع على انفراد ووضع مثل هذه الاجتماعات بدلا من ذلك على السجل.. في الواقع، يبدو أن المحررين في الغارديان و بي بي سي وفايننشال تايمز على استعداد لفتح أبوابهم للمتحدثين الإسرائيليين - بغض النظر عن مدى جدلهم وبذاءتهم - بطريقة محروم منها الممثلون الفلسطينيون".

وأضاف: "إن هذا يعزز التصورات العامة المتنامية بأن إسرائيل تُعامل بحذر شديد، وهو مثال آخر على تضخيم وسائل الإعلام لنقاط الحديث الإسرائيلية في تغطيتها للحرب التي تشنها تلك الدولة على غزة".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة عربية صحافة إسرائيلية الإسرائيلي غزة رئيس الأركان الاحتلال إسرائيل غزة الاحتلال رئيس الأركان صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة هیئة الإذاعة البریطانیة الجیش الإسرائیلی المملکة المتحدة وسائل الإعلام إسرائیل فی فی الجیش إذا کانت بی بی سی على غزة فی غزة فی عام

إقرأ أيضاً:

مشروع ضم الضفة الغربية.. بسط السيادة الإسرائيلية وطرد الفلسطينيين

لم تتوقف سلطات الاحتلال الإسرائيلي عن اتباع سياسة التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، بل تصاعدت وتيرتها بشكل لافت في إطار مساعٍ حثيثة لفرض "سيادة كاملة" على الأراضي الفلسطينية.

وتعود جذور الحديث عن ضم الضفة الغربية إلى ما بعد نكسة عام 1967، حين بدأت إسرائيل تطرح الأمر ضمن إستراتيجية تهدف لفرض أمر واقع تعتبر فيه الضفة الغربية جزءا لا يتجزأ من الدولة الإسرائيلية، مدفوعةً بمبررات أمنية وأخرى أيديولوجية ذات طابع ديني.

ويشير مصطلح "الضم" أو "فرض السيادة" إلى إعلان أحادي الجانب تَعتبر فيه دولة الاحتلال الأراضي المصنّفة دوليا مناطق محتلة؛ جزءا من أراضيها السيادية، دون العودة إلى مفاوضات أو اتفاقيات سلام مع الطرف الواقع تحت الاحتلال.

ويؤكد خبراء قانونيون أن تطبيق التشريعات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية التي تسيطر عليها إسرائيل هو في جوهره شكل من أشكال "فرض السيادة"، وهو ما يعني "الضم" فعليا.

وبدأ استخدام مصطلح "الضم" في الخطاب الإسرائيلي بعد الهزيمة التي لحقت بمصر والدول العربية فيما سُمي حرب النكسة في يونيو/حزيران 1967، وجاء هذا التوجه نتيجة لرغبة إسرائيل في بسط سيطرتها الكاملة على ما تبقى من أرض الفلسطينيين تمهيدا لطردهم منها، وذلك تحقيقا لفكرة "أرض الميعاد" التي تزعم أن حدود إسرائيل تمتد من نهر النيل إلى الفرات.

وعقب النكسة، شرعت إسرائيل في ضم أجزاء من الأراضي التي احتلتها وذلك لإقامة مناطق عازلة توفر عمقا أمنيا لإسرائيل، إضافة إلى كونها ورقة مساومة في حال عقد مفاوضات للسلام مع العرب، فضلا عن أهداف استيطانية راسخة في عقيدة اليهود.

ومنذ ذلك الوقت، نفذت إسرائيل العديد من عمليات الضم في الضفة الغربية بتوسيعها للمستوطنات والبؤر الاستيطانية والرعوية وربطها بإسرائيل عبر البنية التحتية، إلى جانب هدم المنازل الفلسطينية.

وكانت أول المدن الفلسطينية التي أعلنت إسرائيل ضمها إثر هزيمة 1967، مدينة القدس التي صدر قانون ضمها فعليا في يوليو/ تموز 1980.

وبالتزامن مع ذلك، شرعت سلطات الاحتلال في إقامة تجمعات استيطانية في عمق الضفة الغربية، بهدف فرض أمر واقع جديد يكرّس السيطرة الإسرائيلية على مزيد من الأراضي الفلسطينية.

إعلان مشاريع ضم الضفة الغربية

ومنذ عام 1967، ظهرت عشرات المشاريع الإسرائيلية التي تدعو إلى ضم الضفة الغربية، كما اتخذت حكومات الاحتلال المتعاقبة سلسلة من الإجراءات والقرارات التي تشير إلى فرض سيادتها التدريجية على أجزاء من الضفة الغربية.

وتختلف هذ المقترحات، فمنها من يتحدث عن ضم كل الضفة الغربية، والبعض الآخر يتطرق إلى منطقة سي، وقسم يدعو إلى تطبيق سيادتها على جزء أو كل المستوطنات في الضفة.

وفيما يلي أبرز مقترحات ضم الضفة منذ عام 1967:

خطة آلون

كانت خطة الوزير إيغال آلون في يوليو/ تموز 1967 أول هذه المقترحات، إذ يستند إلى تقسيم الضفة الغربية بما يؤدي إلى ضم معظم غور الأردن وشرق القدس ومستوطنة "غوش عتصيون" إلى إسرائيل، مع إنشاء حكم ذاتي للفلسطينيين في الأجزاء المتبقية من الضفة وقطاع غزة.

وهدف المشروع إلى:

ترسيم حدود أمنية لإسرائيل مع الأردن. الحفاظ على يهودية إسرائيل دون وجود أي عربي فيها. تحقيق السيطرة الإسرائيلية الكاملة على فلسطين بزعم أنها "حق تاريخي لليهود".

وحدد المشروع منطقة "غور الأردن" من نهر الأردن وحتى المنحدرات الشرقية لجبال نابلس وجنين شمال الضفة للخضوع إلى السيطرة الإسرائيلية الكاملة، إضافة إلى مدينة القدس المحتلة وضواحيها ومنطقة الخليل.

واقترح آلون إعادة ما تبقى من أراضي الضفة الغربية إلى الأردن، مع فصل تام بينها، وبناء معبر بين هذه الأراضي وبين الأردن بواسطة ممر أرضي ضيق يمتد لمدينة أريحا، فضلا عن ضم قطاع غزة بالكامل وتهجير سكانه.

وأثار المشروع حينئذ معارضة شديدة من قطاعات واسعة في إسرائيل بما فيها الحكومة التي رفضت التصديق عليها. ودأب حزب العمل الذي ينتمي إليه آلون على إدراج المشروع على أنه جزء من رؤيته السياسية لحل القضية الفلسطينية.

إسرائيل تهدف من خططها لضم الضفة الغربية إلى وضع عقبات بيروقراطية وأمنية أمام الفلسطينيين تحد من حركتهم وتنقلهم (الجزيرة) خطة كاتس

في يوليو/ تموز 2000، اقترح 4 نواب في الكنيست يتقدمهم يسرائيل كاتس، مشروع قانون يدعو إلى فرض السيادة الإسرائيلية الكاملة على المستوطنات في الضفة الغربية وقطاع غزة وضمهما إلى إسرائيل، إلا أن الكنيست لم يقر المشروع.

خطة شاكيد

في عام 2016، قدمت وزيرة القضاء الإسرائيلية حينئذ إيليت شاكيد مشروع قانون إلى الكنيست يهدف إلى فرض السيطرة الإسرائيلية الكاملة على أجزاء من الضفة الغربية.

وينص المشروع على توسيع اختصاص المحاكم المدنية الإسرائيلية ليشمل مناطق "ج" بالضفة الغربية، مع تقليص دور محكمة العدل العليا التي كانت في بعض الأحيان تعرقل تنفيذ إجراءات استيطانية.

خطة "البيت اليهودي"

في فبراير/ شباط 2017، تقدم حزب البيت اليهودي بمشروع ما يُعرف بـ"قانون التسوية" إلى الكنيست، ويهدف إلى إضفاء "الشرعية القانونية" على عدد من المستوطنات الإسرائيلية التي أنشئت على أراض فلسطينية ذات ملكية خاصة في الضفة الغربية، ومُرّر القانون بالقراءتين الثانية والثالثة.

خطة كيش

في أواخر عام 2017، وافقت اللجنة المركزية لحزب الليكود على مقترح قدمه عضو الكنيست يوآف كيش يدعو إلى فرض السيادة الإسرائيلية على المستوطنات في الضفة الغربية، كما قررت اللجنة أن يلتزم جميع نواب الحزب في الكنيست بالتصويت لصالح أي مشروع قانون بهذا الخصوص.

إعلان

وفي العام التالي، تقدم كيش بمشروع القانون رسميا، إلا أنه لم يُعرض للتصويت بناء على طلب من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو -المطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية- الذي برر ذلك بوجود تفاهمات مع واشنطن بشأن الموضوع.

خطة غليك

في عام 2018، دعت القيادية في حزب "اليمين الجديد" كارولين غليك إلى ضم الضفة الغربية كاملة إلى إسرائيل، وأوضحت أن مشروعها يرتكز على إتاحة الفرصة للفلسطينيين في المناطق التي سيتم ضمها لتقديم طلبات للحصول على الجنسية الإسرائيلية.

لكنها عبرت عن اعتقادها بأن أحدا من الفلسطينيين لن يتقدم بذلك، وإن حدث العكس، فإنهم حسب رأيها غير مؤهلين للحصول على الجنسية.

مخططات نتنياهو

في أبريل/نيسان 2019، أعلن نتنياهو نيته ضم المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية. وفي سبتمبر/ أيلول من العام ذاته، أعلن عزمه ضم غور الأردن إلى السيادة الإسرائيلية إذا فاز في انتخابات الكنيست.

كما صرّح أنه ينوي "توسيع السيادة الإسرائيلية لتشمل جميع المستوطنات والكتل الاستيطانية، بما في ذلك المواقع التي تحمل أهمية أمنية أو ذات دلالة تراثية لإسرائيل، خاصة في مدينة الخليل".

وفي 25 مايو/ أيار 2020، كشف نتنياهو أثناء اجتماع كتلة الليكود عن عزمه تطبيق القانون الإسرائيلي على غور الأردن والمستوطنات في الضفة الغربية اعتبارا من الأول من يوليو/تموز من العام نفسه، وذلك استنادا إلى خطة السلام التي قدمها الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

واستغل نتنياهو وجود ترامب في البيت الأبيض وإعلانه لما سُميت بـ"صفقة القرن" التي لم تعترف بخطوط عام 1967 حدودا للدولة الفلسطينية، ومنحت إسرائيل السيادة على ثلاث مناطق رئيسية هي غور الأردن والكتل الاستيطانية الكبرى و19 مستوطنة معزولة.

وفي أغسطس/آب من العام نفسه، أعلن نتنياهو تعليق خطة ضم غور الأردن إلى السيادة الإسرائيلية.

خطة بينيت

في عام 2012، اقترح زعيم "حزب اليمين الجديد" نفتالي بينيت ضم المناطق (سي) رسميا إلى إسرائيل ومنح الوضع القانوني الكامل للوجود الإسرائيلي في الضفة الغربية.

وفي عام 2014، دعا إلى ضم الكتل الاستيطانية الكبرى المحيطة بمستوطنات أرييل ومعاليه أدوميم وألفي منشيه وغوش عتصيون. كما جدد دعوته في أبريل/ نيسان 2019 لضم المنطقة (ج) بأكملها إلى إسرائيل.

وقد ارتكز مخطط بينيت على "منح الجنسية الإسرائيلية لنحو 80 ألف فلسطيني يعيشون في المنطقة (ج)".

خطة غولان

في يوم 4 مايو/أيار2020، قدم عضو الكنيست عن حزب الليكود ماي غولان مشروع قانون لتطبيق السيادة الإسرائيلية على مناطق غور الأردن وشمالي البحر الميت والمستوطنات في الضفة الغربية.

وزعم غولان في مقترحه أن "هذه المناطق ذات ذخر سياسي وأمني واقتصادي، وهي جزء لا يتجزأ من دولة إسرائيل، ومن الضروري تصحيح وضعها".

مقترح روتمان وميليخ وإيلوز

في 24 يوليو/ تموز 2025، صادق الكنيست على مشروع قرار يدعو إلى فرض "السيادة الإسرائيلية" على الضفة الغربية -بما في ذلك غور الأردن- بأغلبية 71 صوتا مقابل 13 معارضا فقط.

وقدم المقترح أعضاء الكنيست سيمحا روتمان من حزب "الصهيونية الدينية"، وليمور سون هار ميليخ من حزب "القوة اليهودية"، ودان إيلوز من حزب "الليكود" الحاكم.

ونص المقترح على تأكيد "الحق التاريخي لليهود في أرض إسرائيل" واعتبار الضفة الغربية "جزءا لا يتجزأ من أرض إسرائيل" وأن إقامة دولة فلسطينية في هذه الأراضي يشكل "خطرا وجوديا" على إسرائيل.

في المقابل لقي المقترح انتقادات واسعة من المعارضة الإسرائيلية وحركة "السلام الآن"، إضافة إلى السلطة الفلسطينية وحركة حماس والعديد من الدول العربية والإسلامية.

مساعي إسرائيل ضم الضفة الغربية تستند إلى مجموعة من الدوافع السياسية والأمنية والدينية (الجزيرة) دوافع ضم الضفة

تستند مساعي إسرائيل لضم الضفة الغربية إلى جملة من الدوافع السياسية والأمنية والدينية، من أبرزها ما يلي:

إعلان دوافع دينية: ترى قطاعات واسعة من التيار الديني والسياسي في إسرائيل أن الضفة الغربية تمثل جزءا من "أرض إسرائيل الكبرى" التي ورد ذكرها في النصوص الدينية اليهودية، ويعتبرونها "أرضا مقدسة" لا يجوز التنازل عنها. دوافع تاريخية: تستمد الرواية الإسرائيلية إلى مزاعم تفيد بأن "مملكة إسرائيل القديمة" كانت في مناطق يهودا والسامرة، ويستخدم هذا الادعاء تبريرا رمزيا وتاريخيا لتعزيز سيطرة الاحتلال على الضفة الغربية. دوافع إستراتيجية: تعد الضفة الغربية ذات أهمية إستراتيجية بالغة لإسرائيل، خاصة لاحتوائها على مرتفعات تطل على مناطق في العمق الإسرائيلي، بما في ذلك منطقة الساحل. دوافع أمنية: تنظر المؤسسة الأمنية الإسرائيلية إلى الضفة الغربية خصوصا المرتفعات فيها باعتبارها مواقع ذات حساسية أمنية عالية، كونها كاشفة للمستوطنات الإسرائيلية ومدن الساحل. الدوافع المتعلقة بالمواطنة: يعبر بعض المستوطنين الإسرائيليين في الضفة عن شعورهم بالتمييز، نظرا لعدم خضوعهم الكامل للقانون الإسرائيلي، مما دفع بعض السياسيين للمطالبة بضم هذه المناطق وتطبيق السيادة الإسرائيلية عليها بالكامل. دوافع سياسية وشخصية: يلعب الدافع السياسي دورا مهما، إذ يستخدم بعض القادة، وعلى رأسهم نتنياهو، قضية الضم أداة لكسب الدعم من شركاء اليمين المتشدد وتأمين استمراريتهم في الحكم، إضافة إلى الترويج لأنفسهم قادة "حققوا إنجازات تاريخية" في مسار ما يُعرف بـ"توسيع السيادة الإسرائيلية". الضم الزاحف

عززت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية وذلك عبر ما يُعرف بـ"الضم الزاحف" الذي تمثلت أبرز ملامحه في:

انتهاج سياسة الفصل بين قطاع غزة والضفة الغربية. تفتيت مدن الضفة الغربية. السيطرة على المزيد من الأراضي الفلسطينية. شق الطرق الاستيطانية لربط المستوطنات ببعضها وبالداخل الإسرائيلي. وضع عقبات بيروقراطية وأمنية أمام الفلسطينيين تحد من حركتهم وتنقلهم. سن تشريعات تهدف إلى شرعنة السيادة الإسرائيلية على أراضٍ محتلة. آثار ضم الضفة الغربية بالنسبة للمستوطنين:

منذ احتلال الضفة الغربية عام 1967، تطبق إسرائيل الحكم العسكري على المستوطنات، وتعود السيادة في هذا المناطق إلى قائد القيادة المركزية للجيش الإسرائيلي. ونتيجة لذلك، لا تُطبق قوانين الكنيست فيها إلا إذا صادق عليها هذا القائد.

ولكن بمجرد أن يُقدم الاحتلال على تنفيذ الضم فعليا، ينتهي نظام الحكم العسكري في هذه المناطق بالكامل ويصبح تعامل المستوطنين مع الهيئات المدنية الإسرائيلية كما هو الحال في باقي أنحاء إسرائيل.

بالنسبة للفلسطينيين:

يرى العديد من الباحثين أن خطوة ضم الضفة الغربية قد تفضي إلى تداعيات خطيرة تطال الوجود الفلسطيني، من أبرزها:

فرض السيطرة الإسرائيلية الكاملة على ما تبقى من الأراضي الفلسطينية. تقويض إمكانية إقامة دولة فلسطينية مستقلة، واختزال الطموح الوطني الفلسطيني في شكل حكم ذاتي محدود تحت الهيمنة الإسرائيلية. تفكيك التواصل الجغرافي بين المجتمعات الفلسطينية وتحويل الضفة الغربية إلى جيوب منفصلة ومعزولة. تعريض مجتمعات فلسطينية كاملة لخطر التهجير القسري بفعل السياسيات الإسرائيلية التوسعية. تصعيد الانتهاكات بحق الفلسطينيين بذريعة "إحباط التهديدات الأمنية" لا سيما في المناطق التي تخضع للسيطرة الإسرائيلية. تفكيك تدريجي للسلطة الفلسطينية واستبدالها بهياكل إدارية محلية تابعة للمنظومة المدنية الإسرائيلية.

مقالات مشابهة

  • برلمانية: مصر قادرة على التأثير في وقف العدوان على غزة وتعزيز السلام الإقليمي
  • تنديد بمواصلة الاحتلال منع دخول الصحافة العالمية إلى قطاع غزة
  • غزة: إسرائيل تمنع دخول الصحافة العالمية خشية انكشاف جرائمها
  • الإعلام الحكومي: الاحتلال يواصل منع دخول الصحافة العالمية لغزة خوفًا من انكشاف جرائمه
  • الاحتلال الإسرائيلي يعتقل 30 فلسطينيا من الضفة الغربية
  • دول عربية وإسلامية كبرى تدعم إسرائيل اقتصادياً وتزوِّد الكيان المجرم بالبضائع :شركة الشحن الإسرائيلية ZIM تستمر في أنشطتها عبر الموانئ التركية
  • الخليل - شهيد متأثرا باصابته برصاص الجيش الإسرائيلي
  • الجيش الإسرائيلي يعرض خطة على المجلس الوزاري لاحتلال قطاع غزة بالكامل
  • مشروع ضم الضفة الغربية.. بسط السيادة الإسرائيلية وطرد الفلسطينيين
  • الجيش الإسرائيلي يكشف مواعيد وقف إطلاق النار ويحدد المواقع الآمنة