لجريدة عمان:
2025-12-02@18:48:26 GMT

هالة المثالية وهم الرموز

تاريخ النشر: 9th, March 2025 GMT

عبر قرون من الزمن عرف الناس رموزا بينهم يحملون لهم هيبة وتقديرا عظيما ولا يقبلون بهم عيبا أو يرضون فيهم انتقاصا، فلا عجب حينها من تشكل هالة من النزاهة والتقديس اختصوهم بها بعيدا عن مواضع النقص أو مزالق الهفوة، ولتأسيس تلك الرموز مبررات عديدة تُعرف من مكانة الرمز أو منتجه الفكري، فمنها على سبيل المثال: الوالدان، المعلمون، العلماء، المثقفون والفلاسفة، كما أن منهم الرؤساء والقادة، ومع وقوع هؤلاء الرموز في دائرة الضوء ضمن دوائر التلقي المتتابعة تنشأ تلك العلاقة المبنية على إعجاب المتلقي عاطفيا (مهما كانت صفته؛ ابنا أو طالبا أو قارئا، مرؤوسا أو حتى مواطنا) ولو أن ذلك الإعجاب بقي في محل منتجهم الفكري تربية أو معرفة أو رعاية لأحوالهم لكان خيرا، لكنه انسحب على كل ما قد يصدر عنهم من قول أو فعل حدّ نزع الصفة الآدمية عنهم بتحويلهم إلى ملائكة منزهين.

التاريخ الذي نقل شخصياتهم محاطة بهالات التقديس نقل كذلك تناقضاتهم لنجد أن جان جاك روسو، صاحب التيارات الثورية الرومانسية في مقولته الشهيرة «ولد الإنسان حرًا، وهو في كل مكان مكبل بالأغلال» روسو الذي يرى أن الإنسان فاضل بطبيعته لكن البيئة الخاطئة من حوله تدفعه لارتكاب الخطأ، روسو الثوري المحب للطبيعة رفض المساواة بشكل صريح وعاش على حساب الأغنياء وأصحاب النفوذ، ومع تنظيره المستفيض عن أهمية المحيط الاجتماعي في التنشئة السوية للأفراد في مؤلفاته، فقد تخلى عن أبنائه الخمسة واضعًا إياهم في دور الأيتام، متسببًا في موتهم المبكر.

أما الفيلسوف الأكثر شهرة في القرن العشرين ميشيل فوكو - الملقب في فرنسا بالملك الفيلسوف - فقد نشرت صحيفة «صنداي تايمز» بتاريخ 28 مارس 2021، تقريرًا صادمًا يكشف اعتداءات فوكو على أطفال عرب أثناء إقامته أواخر الستينات في المغرب، وفقًا لأقوال صديق له، الصادم أن صاحب «أركيولوجيا المعرفة» و«المراقبة والمعقابة» و«تأويل الذات» و«تاريخ الجنسانية» كان بيدوفيليا ذا سلوك منحرف من الناحية الأخلاقية، حتى أنه كان يتجسس على جيرانه من السطح مستخدمًا منظارًا خاصًا.

لودفيغ فتغنشتاين، أبرز فلاسفة اللغة والمنطق والعقل، المعروف بالغطرسة وتقلب المزاج، كان معلما في إحدى المناطق النائية بالنمسا؛ فعاقب فتاة بسحبها من شعرها إلى درجة اقتلاع خصلات رأسها لعدم فهمها قاعدة رياضية، كما ضرب أخرى بقوة إلى درجة أن أذنيها نزفتا دما!

الحقيقة؛ ليس العجب في تناقضهم بشرًا حتى مع ثقافتهم، بل في اعتقاد الناس -حتى من المثقفين أنفسهم- قدسيتهم وتنزههم عن الخطأ والعيب والنقصان والقصور، وما ذلك إلا لسيطرة العاطفة بالكامل على المتلقي حدّ تجاهل المنطق في اعتقاد ملائكية هؤلاء الرموز سواء من المثقفين أو من غيرهم، ولعل هذه السذاجة في التعاطي مع نقصهم أو مكامن الضعف لديهم هي ما جعلت الفيلسوف الفرنسي لوك فيري يقول موضحا «الثقافة لا تمنع أحدًا من أن يكون سافلاً» ونزيد على تعبيره الغاضب أن قد يتفوق المثقف على غيره في قدرته على تبرير السوء والخطأ دون حتى الاعتراف باقترافه للخطأ.

لعل ما يحدث اليوم مع مشاهير التواصل الاجتماعي هو ذاته ما حدث قديما مع تناقض بعض الفلاسفة والأدباء، مع تبدل دوائر الضوء عن الإنتاج المعرفي إلى إنتاج السلع وتدوير اليوميات (مهما كانت خاوية دون محتوى حقيقي أو متضمنة محتوى مبتذلا)، حيث صارت قاعدة الجماهير حاجزًا من الشهرة والألفة معا يحولان دون تصديق ما قد يصدر عن هؤلاء المشاهير من إسفاف أو اعتداء أو حتى إجرام لتنبري جموع الجماهير الغفيرة من المتابعين والمعجبين مدافعة عن مشهورها الملاك، وبطلها المعصوم، وفي ذلك ما فيه من خطورة، حتى وإن تجاوزنا مسألة الإسفاف القيمي الضبابي غير المجرّم (للأسف) فإننا لا نملك تجاوز الظاهر من مخالفات يقينية تمس أمان الفرد والمجتمع.

ختاما، ما زالت الكلمة حاملة طاقات التأثير فرديًا ومجتمعيًا، ناقلة رسائل إيجابية وأخرى سلبية عبر أي من قنوات تمريرها المختلفة؛ كتابية أو سمعية بصرية، مما يستدعي ضرورة العناية بتجويد المحتوى، وتشريع وسائل حوكمة واضحة لكل قنواتها ومؤثريها من صانعي المحتوى سعيا لتعزيز القيم؛ تقديرًا لقيمة القانون وضوابطه بعيدا عن الإسفاف والتسطيح.

حصة البادية أكاديمية وشاعرة عمانية

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

حسين بظاظا: هؤلاء هنّ النجمات اللواتي أطمح لارتدائهن تصاميمي

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)--  يواصل مصمّم الأزياء اللبناني حسين بظاظا ترسيخ حضوره في عالم الموضة من خلال لغة تصميمية خاصة تجمع بين السرد القصصي والبنية الفنية.

يكشف بظاظا في مقابلة مع موقع CNN بالعربيّة عن مراحل عملية التصميم التي تبدأ لديه دائمًا من الخيال، حيث يحوّل الصور، والشخصيات، والعوالم غير الواقعية إلى إمكانات تقنية، مع تجربة الأقمشة، والطبقات، والقصّات غير التقليدية، موازنًا بينها وبين الخياطة الدقيقة لضمان الحصول على قطعة مبتكرة وقابلة للارتداء في آن واحد.

تعرض مجموعتك الجديدة قصّات غير متوقعة وسرداً قصصياً يميّز أسلوبك. ما مصدر الإلهام الرئيسي لهذا الموسم، وما الرسالة التي تأمل إيصالها من خلالها؟

مصمم الأزياء حسين بظاظا: استلهمتُ التباين بين الهشاشة والقوة، وكيف يمكن تواجدهما في قصة واحدة، وشخصية واحدة، وهيئة واحدة. تقوم المجموعة على استكشاف الصراع الداخلي والولادة من جديد. تحمل كل قطعة جزءاً من هذه القصة، سواء عبر الخامات، أو النقوش، أو القصّات. أما الرسالة التي أسعى لإيصالها فمفادها أن الجمال غالباً ما يكمن في ما هو غير متوقع، وأن الموضة يمكن أن تكون وسيلة لسرد القصص العاطفية، وليس مجرّد جماليّات.

View this post on Instagram

اختارت الفنانة اللبنانية الشابة ماريلين نعمان أحد تصاميمك. أخبرنا أكثر عن هذه الإطلالة؟

مصمم الأزياء حسين بظاظا: بنيتُ إطلالة ماريلين استنادًا إلى حضورها اللافت. أردت شيئاً جريئاً، ولكن ناعماً ليُكمّل أناقتها ويحمل موقفاً واضحاً في الوقت ذاته. تعاونّا سوياً ولعبنا على التباين بين الخطوط المنظّمة والتفاصيل الدقيقة، وبعد رسم الفكرة قمنا بتعديلها لتبرز طاقتها، فجاءت النتيجة معبّرة عنها بشكل طبيعي.

View this post on Instagram

ماذا عن إطلالة الممثلة المصرية بسنت شوقي في مهرجان الجونة السينمائي؟

مصمم الأزياء حسين بظاظا: تتمتّع بسنت بثقة مغناطيسية، وسعيت إلى أن تعكس إطلالتها ذلك. استلهمت التصميم من شخصيتها الجريئة، وصمّمت القطعة لتُحدث أثراً من خلال البنية، والملمس، والحركة.

View this post on Instagram

رأينا الفنان العراقي سيف نبيل يتألّق مرتدياً أحد تصاميمك. كيف تختلف مقاربتك في التصميم للرجال مقارنةً بالنساء؟

مصمم الأزياء حسين بظاظا: يدفعني تصميم الأزياء الرجالية دائماً إلى إعادة تفسير هوية العلامة من منظور مختلف. أميل في الأزياء النسائية إلى الهيئات المنحوتة، والتباينات الدقيقة، والتفاصيل السردية. أما في الأزياء الرجالية فأُترجم هذه العناصر عبر خطوط أقوى، وألعب بجرأة أكبر على القصّات، وملمس القماش، حيث يتخذ التنفيذ طابعًا هندسيًا بشكل أكبر.

View this post on Instagram

من هي الشخصية العالمية التي تتمنى أن ترتدي تصاميمك؟

مصمم الأزياء حسين بظاظا: أتمنى رؤية الممثلة البريطانية تيلدا سوينتون أو الممثلة الأمريكية هنتر شيفر ترتديان أحد تصاميمي، إذ تجسد كلاهما أناقة مستقبلية تنسجم مع رؤيتي، ويستطيع حضورهما تحويل أي قطعة إلى قصة بحد ذاتها.

عملت في بداياتك كمصمم مبتدئ مع المصمم اللبناني العالمي إيلي صعب، ماذا تعلّمت منه؟

مصمم الأزياء حسين بظاظا: تعلّمت منه احترام جسم المرأة، والعمل على قطع قابلة للارتداء مهما كان التصميم مبتكراً.

View this post on Instagram

أصبحت الأزياء العرائسية ركناً أساسياً في علامتك. كيف تختلف مقاربتك لتصميم فستان زفاف عن قطع الألبسة الجاهزة؟

مصمم الأزياء حسين بظاظا: يُعتبر الخط العرائسي أكثر حميمية. يحمل فستان الزفاف وزناً عاطفياً، لذلك أتعامل مع التصميم كقصة شخصية للعروس مع الحفاظ على روح الدار. أصمّم في الأزياء الجاهزة لشخصية من عالمي السردي، بينما في أزياء العرائس أصمّم للمرأة نفسها. وهنا يزداد التركيز على الحرفية الدقيقة، والأنثوية، وتصبح القصّات أكثر نحتاً، من دون أن تغيب عناصر التوقيع الخاصة بي.

View this post on Instagram

كمصمم يمتلك هوية بصرية قوية، ما الذي يبقيك مستلهماً لإعادة ابتكار أسلوبك مع الحفاظ على جوهر العلامة؟

مصمم الأزياء حسين بظاظا: أؤمن أن لغة المصمم تتطور كما ينمو الإنسان، عبر التجربة، والفضول، والملاحظة المستمرة. ما يُبقيني مستلهمًا هو تنوّع الحكايات المحيطة بنا، والرغبة في التعبير عن فصل جديد في كل موسم. تبقى الهوية حاضرة في عناصرها الأساسية، ويأتي التجديد من استكشاف هذه العناصر من زوايا عاطفية جديدة.

لبنانأزياءفساتينمشاهيرموضةنشر الاثنين، 01 ديسمبر / كانون الأول 2025تابعونا عبرسياسة الخصوصيةشروط الخدمةملفات تعريف الارتباطخيارات الإعلاناتCNN الاقتصاديةمن نحنالأرشيف© 2025 Cable News Network. A Warner Bros. Discovery Company. All Rights Reserved.

مقالات مشابهة

  • أمريكا تحذّر: لا نريد «هؤلاء القتلة» داخل البلاد!
  • أفضل متجر علب تغليف في السعودية.. معايير الجودة وتجربة التسوّق المثالية
  • نشأت الديهي يُعلق على تحذيرات بعض المؤثرين المتخصصين في مجال الغذاء
  • الأزهري.. والعسكري!
  • ثاندر يواصل انطلاقته المثالية ويجدد ثأره من بلايزرز
  • «ثاندر» يواصل الانطلاقة المثالية ويجدد الثأر من «بلايزرز»
  • حسين بظاظا: هؤلاء هنّ النجمات اللواتي أطمح لارتدائهن تصاميمي
  • بنزيما وكيسيه يتصدران التشكيلة المثالية لربع نهائي كأس الملك
  • التسول.. أنتم السبب
  • بولبينة ضمن التشكيلة المثالية لدوري أبطال آسيا