لا شك أن الشخص الذي يتمتّع بحسّ الفكاهة والطرفة هو شخص إيجابي، يَلقى الكثير من التّقبل والاستحسان من الآخرين، بل ويحظى بمكانة متفرّدة بينهم، فقد أثبتت دراسات كثيرة أن مثيري الضحك وأصحاب الطُرفة هم أشخاص قادرون على التخفيف من حِدة الاكتئاب والقلق لدى مجالسيهم، هذا إذا لم يكن الضحك نفسه دواءً للعديد من الأمراض المستعصية كما أثبتت إحدى الدراسات العلمية التي أجريت في الصين مؤخراً، لكن هل الفكاهة سلوك فكري تلقائي، أم هي مهارة يمكن التمرّن عليها وتأديتها؟ لقد شاعت في منتصف الثمانينيات من القرن الفائت ثقافة الكوميديا في المقاهي والمسارح العالمية، وهي عبارة عن أداء فردي يقوم به «كوميديان» أمام جمهور يحرص في أدائه على إضحاك الحضور، ومن أشهرهم في الولايات المتحدة الأميركية تشارلي تشابلن، إيدي ميرفي، وجيري سينفيلد، فقد حقق هؤلاء شهرةً عالية وبالمقابل أرباحاً كبيرة، جراء استحسان الجمهور لهذا الفنّ وحاجتهم إلى الاسترواح بالهزل، هاربين بذلك من ثقل الجدّ ومَراسمه المتعبة، فبها يستعيد الإنسان نشاطه ويجدد همّته، بل إن الجاحظ أوصى بالفكاهة والضحك، لا سيما للعلماء وأهل البحث والنّظر الذين تطغى على محياهم مظاهر الجدّة والعبوس والصّرامة عادةً، كل ذلك مشروط بأن يكون المُزاح أو الهزل في وقته وسياقه، فلا يليق مثلاً الهزل بالمحامي، في حين يصلح للمحاضرين وإن كانوا أكاديميين، والهزل دليل على أن صاحبَه فارغ البال، غير مهموم، حاله حسنة، على ألا يؤدي الهزل إلى الإفراط بالواجبات والإهمال كالابتعاد عن الموضوع والواجبات الرئيسية.


أما الجاحظ فقد استخدم الفكاهة، عبر سرد قصص النوادر والطرائف في كتابيه «الحيوان» و«البيان والتبيين»، كفلسفة ونهج في التأليف، بُغيته من ذلك جذب القارئ وتقديم الموضوعات بطرق غير تقليدية، رغم أنه طرح مسائل علمية بحتة، فاستطاع أن يلج إلى عمقها تحليلاً واستقصاءً، دون أن يُفقد تلك المسائل أهميتها الأدبية والتاريخية، وبذلك جعل من الإضحاك والمزح جِدةً ووقاراً، كما أعانته الفكاهة على تنويع أبواب كتبه وطرح مواضيع متنوعة بسهولة، باعتبار أن الضحك والرغبة به ظاهرة اجتماعية لا يمكن تجاوزها لأنها تخفف من أثقال الحياة وأعباء الواجبات المنوطة بالإنسان، فقد عدّها فلسفةً وفناً ساخراً لا يُتقن بتلك السهولة واليسر، فقيمة أسلوب الفكاهة الشفوية والمكتوبة تكمن في قدرتها على إظهار شخصيات ثانوية وخطابات مضمرة أو مسكوت عنها في عُرف سلطة النّص الجامد الذي يحكم على النص وصاحبه تبعاً لجديته وقيمته الثابتة، وهو بالتالي رسالة يراد منها هدم نمط معين من السلوكيات العامة.
*أستاذ بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية

أخبار ذات صلة د. نزار قبيلات يكتب: تأثيل الرّمسة الإماراتية وعام المجتمع لغة الجسد الرقمية

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: نزار قبيلات

إقرأ أيضاً:

العرابي: إيران أثبتت أنها دولة متماسكة واستطاعت هزيمة إسرائيل معنويا

أكد السفير محمد العرابي، وزير الخارجية الأسبق، أن إيران استطاعت أن تثبت انها دولة متماسكة، مشيرا إلى أنها استطاعت الرد على العدوان الإسرائيلي عليها.

وقال العرابي، خلال مداخلة هاتفية ببرنامج حضرة المواطن، عبر فضائية الحدث اليوم، أن ما قامت به إيران يعتبر هزيمة معنوية لإسرائيل.

وتابع وزير الخارجية الأسبق، أن الصواريخ الإيرانية لم تقل، بل على العكس زادت شدة تفجيرها ونوعيتها والدمار داخل إسرائيل له آثار معنوية كبيرة سيئة، وسوف تؤثر على رئيس وزراء إسرائيل في الداخل الفترة القادمة. 
 

طباعة شارك السفير محمد العرابي وزير الخارجية العدوان الإسرائيلي إيران تفجير

مقالات مشابهة

  • هل انتصرت إيران أم أن إسرائيل هزمت؟
  • مؤمن الجندي يكتب: أشرف محمود.. الذي علق فأنطق الهوية
  • يوسف داوود.. مهندس الضحك الذي ترك بصمة لا تُنسى في ذاكرة الفن المصري(تقرير)
  • العرابي: إيران أثبتت أنها دولة متماسكة واستطاعت هزيمة إسرائيل معنويا
  • تحذيرات من خطورة بناء سد على وادي اللوكوس
  • يوسف داوود.. "مهندس الضحك" الذي ألقى خطبة الجمعة وودّعنا في هدوء
  • رئيس وزراء قطر: قواتنا المسلحة أثبتت أنها تستطيع الدفاع عن مواطنيها
  • في مثل هذا اليوم.. رحيل «مهندس الضحك» الفنان يوسف داود
  • موت ديال الضحك مع الكبرانات….الجزائر تدين الهجوم على قطر دون ذكر الدولة المعتدية (إيران)
  • أحزاب سياسية تؤسس اتحادات الفلاحين تزامناً مع إعلان صرف “دعم القطيع”