هل انتصرت إيران أم أن إسرائيل هزمت؟
تاريخ النشر: 26th, June 2025 GMT
يخطئ البعض عند تقييم نتائج الحروب، إذ يلجأ المخطئون إلى مقارنة أعداد القتلى والجرحى، أو الخسائر المادية التي تلحق بالمباني العامة والخاصة، وهذه أمور لا تحتل مكانة حاسمة في حسابات النصر والهزيمة في الحروب، وإلا، لزم علينا أن نعيد كتابة التاريخ، وأن ننعت ليبيا المقاومة للإيطاليين، والجزائر المقاومة للفرنسيين، وتونس، وسوريا، ومصر المقاومة للاحتلال البريطاني، وفيتنام، وقوات الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، بالمهزومين، حيث كانت أعداد ضحاياهم أضعاف أضعاف، ما تكبده أعداؤهم.
فالانتصار في العلوم العسكرية لا يكون إلا بتحقيق المعتدي للأهداف التي شن الحرب من أجلها، أو برفع المعتدى عليه راية الاستسلام، أو بقبوله التفاوض تحت الضغط، وبلا شروط.
والانتصار الحقيقي، كما يعرفه أبو الاستراتيجية، البروسي: (كارل فون كلاوزفيتز) لا يقتصر على تحقيق التفوق العسكري أو تدمير قوة العدو، بل يتعدى ذلك ليشمل تحقيق الأهداف السياسية المرجوة من الحرب.
فلو عدنا لأهداف الحرب على إيران، فقد كانت وفق ما أعلنه العدو، وتغنى به مرات ومرات، تتنوع إلى عدة أهداف استراتيجية وعسكرية يمكن تلخيص أبرزها فيما يلي:
أولا: إنهاء البرنامج النووي الإيراني، وضمان منع إيران ليس من تطوير سلاح نووي فحسب، ولكن منعها من استئناف أي نشاط نووي.
ثانيا: القضاء على قدرات إيران الصاروخية، ومنعها من تصنيع أي نوع أو جيل من الصواريخ البالستية.
ثالثا: تغيير نظام الحكم في إيران، وكان الإتيان برضا بهلوي الثاني، ابن شاه إيران، هو الخيار الأقرب للغرب، ولإسرائيل.
رابعا: تقليص النفوذ الإيراني الإقليمي.
خامسا: ضمان حماية الأمن القومي الإسرائيلي.
سادسا:الضغط على المجتمع الدولي، لفرض عقوبات أشد على إيران.
سابعا: تأكيد قدرة إسرائيل على الدفاع عن نفسها دون الاعتماد الكامل على أي من الحلفاء.
ثامنا: حفاظ إسرائيل وتأكيدها على تفوقها العسكري الإقليمي.
فأي من هذه الأهداف تم تحقيقه؟ لاشيء.
أما إيران فحققت الآتي:ـ أثبتت أنها قادرة على الرد متحدية العدو، والولايات المتحدة، والناتو، والدعم العسكري من بعض الأطراف الأخرى.
ـ برهنت إيران على الكلام عن القدرات الخارقة لمنظومات (القبة الحديدية، وسهم، وثاد)، مبالغ فيها جدا، وأثبتت من خلال 500 صاروخ، وألف مسيرة، قدرتها على بلوغ أي هدف تريده، وضرب بيئة العدو، ومؤسساته، في أي مكان وزمان داخل الأرض المحتلة مهما كانت تحصيناته ودفاعاته، وإيصال هذه البيئة إلى حقيقة أن وجودها مهدد، ولا مجال للحديث عن استقرار العدو، يمكن أن ينعم به الصهاينة المعتدون.
ـ أثبتت إيران قدرة صواريخها على الوصول إلى أي هدف أمريكي على امتداد خارطة القواعد الأمريكية في الإقليم.
ـ حطمت إيران عالميا، هالة الكيان الآمن، الجاذب للاستثمار المادي، والتقني، والسياحي، وهنا ألفت الانتباه إلى أن تعويض العدو ماليا، لا يمكن أن يعوض سمعته، ولا يمكن أن يرمم أمنًا نُسِفت كلُ مقوماته.
ـ أثبتت إيران بالممارسة، أن الكيان الصهيوني أعجز، وأضعف، وأوهن من أن يخوض حربا بمفرده، وقد تولى الرئيس الأمريكي ترامب مهمة الإعلان عن ذلك، ليس فقط بقراره شن طيران بلاده غارات على المواقع النووية الإيرانية، ولكن بتصريحه (الفضائحي)، في منشور عبر حسابه في (تروث سوشيال)، الذي كتب فيه: إن الولايات المتحدة التي أنقذت إسرائيل من إيران، ستنقذ نتنياهو، وتمنع محاكمته.
ـ فضحت إيران هشاشة (التجمع) الصهيوني، وأكدت من خلال ضرباتها، انعدام إحساس الصهيوني بأنه في وطنه الموعود، وأن الأمر كله مجرد فرصة معيشية في كيان وظيفي مؤقت، يمكن أن ينهار برحيل الصهاينة، وعودة كل منهم إلى البلد التي تم جلبه منها. ولأول مرة في التاريخ، يقوم كيان، أو دولة بحبس ناسها أثناء الحروب، ومع ذلك، عجزت عن منع آلاف الصهاينة من الهرب من غير رجعة، وقد بلغت تكلفة الشخص الواحد 800 يورو.
كذلك، ساهمت إيران في زيادة رقعة الغضب، والرفض الدولي للممارسات الصهيونية العدوانية، وطال الحنق حتى المنتمين للديانة اليهودية، حتى ولو كانوا ضد إسرائيل. وبلغ الأمر حدا نبه فيه قادة الكيان بضرورة أن يلزم كل يهودي في العالم بيته، وألا يخرج منه إلا للضرورة، مع الحرص على عدم الكشف عن دينه، ولا عن هويته لو كان (إسرائيليا).
اقرأ أيضاًمن يحارب من؟.. ومن المنتصر؟.. وهل انتهت الحرب؟
بعد وقف حرب «إيران وإسرائيل».. مساعد وزير الخارجية الأسبق: لماذا لا يتدخل ترامب لوقف الحرب في غزة؟| خاص
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: إسرائيل إيران وسهم وثاد حماية الأمن القومي الإسرائيلي یمکن أن
إقرأ أيضاً:
ما وراء خطة نتنياهو بشأن احتلال غزة التي لا ترضي أحدًا؟
أكد تحليل لشبكة "سي إن إن " أنه بعد مرور ما يقارب العامين على اندلاع حرب الإبادة الإسرائيلية ضد قطاع غزة، صوّت المجلس الوزاري الأمني المصغر على خطة توسع عسكري جديدة تستهدف السيطرة على مدينة غزة.
وأضاف التحليل أن "المبادرة، التي جاءت بدفع مباشر من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تكشف على نحو واضح عن أبعاد سياسية داخلية أكثر مما تعكس استراتيجية عسكرية محكمة الإعداد".
وقال إنه "رغم التحذيرات الشديدة من القيادة العسكرية الإسرائيلية والمخاوف المعلنة من تفاقم الأزمة الإنسانية وتعريض حياة نحو خمسين رهينة إسرائيلياً ما زالوا في غزة للخطر، أصر نتنياهو على المضي بالخطة قدماً. يأتي هذا التوجه في وقت يشهد فيه الدعم الدولي لإسرائيل تراجعاً ملحوظاً، إلى جانب انخفاض التأييد الشعبي الداخلي لاستمرار الحرب"، على حد وصفه.
ونقل عن مراقبين قولهم إن "لهذه الخطوة فائدة خفية لنتنياهو، إذ تمنحه مساحة زمنية إضافية لتعزيز فرص بقائه السياسي، خاصة مع اعتماده على دعم شركائه في الائتلاف اليميني المتطرف، وهو ما يعني عملياً إطالة أمد الحرب. فقد لعب وزراء مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش دوراً أساسياً في تعطيل أي تقدم بمفاوضات وقف إطلاق النار، مهددين بإسقاط الحكومة إذا توقفت العمليات العسكرية".
ومع ذلك، لم تصل خطة نتنياهو للسيطرة على مدينة غزة إلى مستوى طموحات شركائه، إذ يطالب بن غفير وسموتريتش باحتلال كامل للقطاع كخطوة أولى لإعادة بناء المستوطنات الإسرائيلية فيه، وصولاً إلى ضمه نهائياً. حتى أن الخطة لم تواكب ما روج له نتنياهو نفسه قبل الاجتماع، حيث صرح في مقابلة مع قناة "فوكس نيوز" بأن إسرائيل تعتزم السيطرة على كامل قطاع غزة، ما أعطى انطباعاً بحسمه قرار الاحتلال الكامل.
وأوضح التقرير أن "نتنياهو تبنى نهجاً تدريجياً، يبدأ بمدينة غزة فقط، متجنباً السيطرة على مخيمات أخرى قريبة يُعتقد أن بعض الرهائن الإسرائيليين محتجزون فيها. وحدد موعداً فضفاضاً لبدء العملية بعد شهرين، تاركاً الباب مفتوحاً أمام جهود دبلوماسية محتملة لإحياء صفقة تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار، وربما إلغاء العملية".
وذكر أن "هذا الموقف أثار غضب شركائه اليمينيين الذين اعتبروا الخطة غير كافية. وقال مصدر مقرب من سموتريت:ش إن الاقتراح الذي قاده نتنياهو ووافق عليه مجلس الوزراء يبدو جيداً على الورق، لكنه في الواقع مجرد تكرار لما جرى من قبل، قرار بلا معنى، ولا أخلاقي، ولا يخدم المشروع الصهيوني".
وقال إن "التحفظات لم تأتِ من الجناح السياسي فقط، بل من المؤسسة العسكرية أيضاً. ففي اجتماع ماراثوني استمر عشر ساعات، عرض رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، إيال زامير، معارضة الجيش الحاسمة لإعادة احتلال غزة، محذراً من أن أي عملية جديدة ستعرض حياة الرهائن والجنود للخطر، وستحوّل غزة إلى "فخ" يفاقم استنزاف الجيش المنهك بفعل القتال المستمر، كما سيزيد من عمق المأساة الإنسانية للفلسطينيين".
وبيّن أن "هذه المخاوف العسكرية تتسق مع توجهات الرأي العام، إذ تظهر استطلاعات متكررة أن غالبية الإسرائيليين تؤيد إبرام اتفاق لوقف إطلاق النار يعيد الرهائن وينهي الحرب. لكن قرارات نتنياهو تبدو منفصلة عن توصيات الجيش وإرادة الجمهور، بل مدفوعة، وفق محللين ومعارضين سياسيين، باعتبارات البقاء السياسي الضيقة".
وأضاف "دولياً، تضع خطة السيطرة على غزة إسرائيل في عزلة متزايدة. فحتى مع الدعم الواسع الذي حصلت عليه من إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب خلال الحرب، فإن تفاقم أزمة الجوع والمجاعة في القطاع أضعف شرعية العمليات الإسرائيلية. وقد كانت التداعيات سريعة، إذ أعلنت ألمانيا، الحليف الاستراتيجي الأهم بعد الولايات المتحدة، تعليق بعض صادراتها العسكرية إلى إسرائيل، فاتحة الباب أمام دول أوروبية أخرى لخفض مستوى العلاقات".
وأشار إلى أنه "في نهاية المطاف، يمضي نتنياهو بخطة لا تحظى برضا أحد: لا شركاء إسرائيل الدوليون، ولا قيادتها العسكرية، ولا الجمهور الذي يطالب بإنهاء الحرب، ولا حتى حلفاؤه المتشددون الذين يرون أنها غير كافية".
وأوضح أن "الجمهور الوحيد الذي تخدمه هذه الخطة – كما يصفه منتقدوه – هو نتنياهو نفسه، إذ تمنحه مزيداً من الوقت لتجنب الخيار الحاسم بين وقف إطلاق نار قد ينقذ الرهائن، أو تصعيد عسكري واسع يُرضي ائتلافه. وبذلك، فإن الخطوة تمثل أكثر من مجرد مناورة عسكرية؛ إنها استمرار لأسلوب نتنياهو الكلاسيكي في إطالة أمد الحرب، على حساب سكان غزة والرهائن الإسرائيليين، من أجل هدف واحد: بقاؤه السياسي".