ايها الجنوبيون اتحدوا واتركوا الحروب خلفكم ولكم محبة لا تغيب ولا تنطفئ
تاريخ النشر: 11th, March 2025 GMT
(١)
يحزنني غاية الحزن ما يجري في أعالي النيل وفي منطقة الناصر بجنوب السودان، هو لا يتناسب مع النضالات الطويلة والتضحيات الكبيرة التي قدمها شعب جنوب السودان من اجل تقرير مصيره ومستقبله، وادرك ان طريق الجنوبيين لم يكن سهلاً وان هنالك مرارات خلفتها الحرب الأهلية ومصاعب مصاحبة لمستوى التطور الاقتصادي والاجتماعي الذي يطرح تحديات ضخمة على طريق البناء الوطني، والاخطاء التي ترتكبها النخب في هذا الطريق الشائك والمعقد، لكن ما يهمني هنا انني اثق وادعو لتقليب مخزون الحكمة العميق الذي يمتلكه شعب دولة جنوب السودان وقبائله في السمو فوق الجراحات، وكل تنازل يقدم لتفويت الفرصة والوقوف ضد إرجاع شعب جنوب السودان للحرب فهو تنازل لا شك أفضل من الحرب الف مرة.
(٢)
كنت اود ان اكتب هذه الرسالة في وقت مبكر ولكن انتباهي توزع في الايام القليلة الماضية بسبب ما حدث لي في مطار جومو كينياتا بنيروبي كينيا، ومع ذلك فان الجنوب لم يغب عن ذهني وخاطري ففي حديثي مع ضباط الإنتربول الكيني مررت على جنوب السودان، فقد زرت كينيا للمرة الأولى في عام ١٩٨٨ وكنت عندها في ريعان الشباب ووهج البدايات عند خريف ماطر لا يتوقف في ذلك العام، كنا في شرق الاستوائية مع قائدنا وأخانا الكبير دكتور جون قرنق دي مابيور بالقرب من مدينة كبويتا وفي رئاسته المتحركة وقد طلب منا ان نذهب في مأمورية للحدود الكينية وكان المطر لا يتوقف صباحاً ومساءً وأخذنا حوالي يومين للوصول للحدود ولمدينة لوكي شوقيو، كنا مع الغائبين الحاضرين عزيزنا بيور أسود ولوقشو لوكني ومع الاعزاء القائد كوال مينانق وويياي دينق اجاك وقير شونق وآخرين وذهبنا فيما عدا الرفيق كوال بطائرة كينية خاصة أرسلها الرئيس ارب موي لقرنق وهبطت بنا في مطار ناكورو وأمضينا ليلتين في القصر الرئاسي بالمدينة وعدنا لشرق الاستوائية مرة أخرى بصحبة أخانا الكبير قرنق مبيور، وقلت لضابط الإنتربول ان جذور علاقتي مع كينيا ترجع لذاك
العام ١٩٨٨.
(٣)
سعدت ايما سعادة بخطاب الرئيس سلفا كير الذي دعا بحزم للسلام ورفض الحرب، وبرد الدكتور رياك مشار نائب الرئيس، وان اكبر خدمة تقدم لشعبي دولة جنوب السودان ودولة السودان هو تفادي الحرب وعدم السماح لمن يعملون في داخل جنوب السودان او خارجه لاشعال الحرب، واحزنني سقوط الضحايا وادعو لهم بالرحمة وان يكونوا زاداً لبناء وتطور الجنوب وأخص بالتعزية اسرة اللواء مجور داك والذي عرفته معرفة شخصية منذ سنوات حرب التحرير، والرحمة لكل من سقط في الاحداث الأخيرة وليكن السلام هو الهدية لتلك الأرواح التي ذهبت إلى بارئها والمجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام.
(٤)
حرب السودان الكارثية والمؤلمة والتي ازهقت الأرواح وشتت المجتمع وادّت لانهيار الدولة وشربت من دم الشباب وشهدت انتهاكات واسعة ضد النساء والاطفال والشيوخ، ولأن الجنوبيين هم أهلنا وأقرب شعوب الارض قاطبة لنا لا نريد لهم نفس المصير ونحن جميعاً في خاتمة المطاف سودانيين، وحرب السودان هي درس لكي لا يدخل الجنوب في هذا النفق المظلم ونحن نحتاج الجنوب في ظل مأساة السودان ، فدخول البلدين في حروب أهلية سيجلب المصائب في كل الاقليم، ولا أحد بامكانه ان يعطي الجنوبيين دروساً في مأسي الحروب.
أيها الجنوبيون بالله تفادوا الحرب واتركوها خلفكم ولكم محبة من سويداء الفؤاد لا تغيب ولا تنطفي وانتم دوماً في القلب والخاطر.
عاشت السودانوية مكاناً يسع الجميع
والمجد لاواصر المحبة بين السودانيين في دولتي السودان
١٠ مارس ٢٠٢٥
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: جنوب السودان
إقرأ أيضاً:
الجنوب اللبناني تحت التهديد.. قصة بلدة لم تنس الحرب
جنوب لبنان– بعد عام على توقف أصوات المدافع، ما يزال الجنوب اللبناني، وبلدة بيت ليف تحديدا، يعيش تحت ظلال حرب لم تنته فعليا، فالاتفاق على وقف إطلاق النار لم يحمل معه أمانا ولا استقرارا، بل خلف واقعا قاسيا يتجذر يوما بعد يوم على طول الشريط الحدودي.
الجنوب اليوم أشبه بورشة دمار مفتوحة، فعشرات البلدات تحولت إلى أطلال، وآلاف الوحدات السكنية سويت بالأرض أو باتت غير صالحة للحياة، وأكثر من 100 ألف نازح لم يتمكنوا من العودة إلى منازلهم بعد، ليس فقط بسبب الخراب، بل لأن الحياة الأساسية لم تعد موجودة فلا كهرباء ولا مياه ولا مدارس ولا حتى شبكات صرف صحي.
وعلى الرغم من دخول اتفاق وقف الأعمال العدائية حيز التنفيذ في 27 نوفمبر/تشرين الثاني العام الماضي، لم تهدأ السماء ولم يستقر البر، بل توالت الاعتداءات الإسرائيلية برا وجوا، مسجلة أكثر من ألف خرق موثق لدى قوات اليونيفيل، بين اغتيالات، وغارات مفاجئة، واستهداف سيارات مدنية، وقصف لمراكز صحية وآليات الإعمار، وحتى دوريات الأمم المتحدة لم تسلم من القنابل والرصاص.
وفي الوقت الذي يؤكد فيه حزب الله اللبناني التزامه بالاتفاق وتراجعه جنوب نهر الليطاني، يواصل الجيش الإسرائيلي التوغلات البرية، في بليدا، ومارون الراس، ويارون وغيرها، حيث نفذت وحداته عمليات نسف وتخريب، وقتلت عمالا وموظفين داخل مقار رسمية، كما بدأت إسرائيل بناء جدار حدودي صادر آلاف الأمتار من الأراضي اللبنانية، في حين لا تزال تحتل 5 تلال داخل الحدود، وفق اليونيفيل.
أما بلدة بيت ليف، الواقعة قبالة جبل بلاط وزرعيت والراهب، فما زالت في قلب الاستهداف، إذ نشرت إسرائيل قبل أيام خريطة تضم 31 موقعا تزعم أنها منشآت عسكرية داخل البلدة، بينها منازل مأهولة، وفي المقابل، رفض سكان البلدة النزوح مجددا، وأعدت البلدية تقريرا تفصيليا بكل موقع من هذه المواقع وسلمته للجيش اللبناني واليونيفيل.
إعلانومنذ عدة أيام، تتمركز قوة مشتركة من الجيش واليونيفيل داخل ساحة البلدة، وتنفذ دوريات لطمأنة الأهالي. فالبلدة التي عادت إليها 462 عائلة من أصل 600 قبل الحرب، تحاول استعادة نفسها، وتعيش حياة شبه طبيعية على الرغم من كل الضغوط والاغتيالات المتكررة.
هنا، تبدو الحرب كأنها لم تنته، فبيت ليف، كبقية بلدات الجنوب، لا تزال تبحث عن سلام لم يأت بعد، وعن حياة تنتظر أن تبدأ من جديد.
نزيه السيد، مزارع من بيت ليف، عاد إلى أرضه بعد سنة من النزوح، يصف واقع البلدة قائلا "نحن بلدة يعيش معظم أهلها من الزراعة، رجعنا تحت حماية الجيش وكل ما نريده هو السلام"، ويضيف "مؤخرا وصل تهديد إلى نصف البلدة تقريبا، فبدأ التوتر وبدأ بعض الناس بالرحيل".
ويتابع في حديثه للجزيرة نت أن "الأرض منذ سنتين لم تفلح بسبب الحرب، وتحتاج اليوم إلى إصلاح واهتمام، لكن لا أحد يجرؤ على الذهاب إليها أو الاعتناء بزرعه، لأننا نعيش في حالة من الكبت والضياع، لا نعرف ما الذي ينتظرنا"، مطالبا الدولة بأن تتحمل مسؤوليتها، وأن يتفقد الجيش الوضع في المنطقة.
أما هيام ديب، ابنة بلدة بيت ليف والمقيمة في بيروت، فلم تستطع مقاومة نداء البلدة بعد سلسلة الإنذارات الإسرائيلية الأخيرة، فذهبت تتجول بين البيوت المتصدعة بحذر، وتستعيد ذكريات الماضي وتتنقل بين أزقة البلدة، وتقول وهي تستعرض ما بقي من حيها "جئت لأرى أقاربي، ولكي أؤكد أننا لن نترك أهلنا وحدهم".
وتضيف في حديثها للجزيرة نت "سنظل إلى جانبهم، خصوصا في هذه الظروف الصعبة، ومع دخول الجيش ووقوفه المشرف، بيت ليف اليوم ليست كما كانت، المنازل تهدمت، والوجوه غابت إلى الأبد، نأسف على من فقدناهم من شباب وشهداء".
وعلى الرغم من الخوف الذي زرعته الإنذارات المتلاحقة، تقول هيام إنها وجدت ما هو أقوى من الخوف "رأيت الناس متكاتفين، والبيوت مفتوحة لبعضها، ودخول الجيش رفع المعنويات وأعاد شيئا من الطمأنينة"، وتشير إلى أن البلدة ما زالت تنبض بأهلها.
وتختتم وهي تنظر نحو البيوت العتيقة "لا أعرف ماذا يمكن للمرء أن يقول، لكنني أشعر أن هذه البلدة هي الدنيا بأكملها".
من جانبها، تؤكد السيدة أم علي، وهي تشير إلى بقايا أدوات زراعية مبعثرة قرب منزلها "كلما رأوا مزارعا يحمل عدة عمله، أو مواطنا يحاول تأمين قوت يومه، يصفون المكان مستودعا أو منشأة"، وتضيف للجزيرة نت "هذه ادعاءات باطلة، لا هدف لها سوى دفعنا إلى الرحيل".
وتتابع بصوت يمزج بين الخوف والإيمان "نحن باقون في أرضنا، لن نغادرها، نستند إلى الجيش اللبناني وإلى الأمم المتحدة للقيام بواجبهم في حمايتنا، الخوف موجود، نعم، لكننا صامدون، ونطمئن لأن فوقنا ربا يرى كل شيء".
ومن جهته، يقول رئيس بلدية بيت ليف، عزات حمود، إنه بعد الانزلاق الأمني الأخير في لبنان "عشنا أياما من القلق والتوتر، لكن الوضع بدأ يميل إلى الاطمئنان بفضل الانتشار المستمر للجيش اللبناني وقوات الطوارئ الدولية داخل البلدة".
إعلانويضيف في حديثه للجزيرة نت "هذا أعاد الثقة إلى الناس وشجعهم على العودة إلى بيوتهم". ويتابع موضحا تفاصيل اليوم الأول "سادت حالة من الخوف، والناس كانت بحاجة لمن يوجهها، طالبنا الدولة وتوجهنا بنداء إلى الجيش اللبناني، وخلال نصف ساعة كان الجيش منتشرا في كل أحياء البلدة، ومعه عدد من الصحفيين الذين أرادوا معاينة المواقع المزعومة المستهدفة".
ويشير إلى أن معظم هذه المواقع كانت مدمرة منذ زمن، باستثناء بعض المنازل المأهولة، ما أثار استغراب الصحفيين ووسائل الإعلام، فالواقع كان يختلف تماما عن المزاعم. ويصف حمود حجم الدمار قائلا "لدينا 210 وحدة سكنية دمرت بالكامل، أما باقي المنازل فتضررت جزئيا".
ويضيف "أصحاب البيوت المدمرة ما زالوا نازحين، بينما عاد من تمكن من ترميم منزله ولو بشكل جزئي ليعيش فيه مجددا، والبلدية وضعت خطة لمساعدة الأهالي"، ويقول "إذا سألت الناس اليوم سيقولون: هذه بلدنا، سنعيش ونموت فيه. لقد جربوا النزوح، ووجدوا أن البقاء والصمود أقل كلفة ومعاناة".