في سجل الشرف والتضحية، نجد أسماء لا تموت بل تبقى حية في قلوب الوطن، شاهدة على أرواح أضاءت الطريق بأسمى معاني البطولة والفداء، من بين هؤلاء الأبطال، تبرز الشهيدة "أمنية رشدي"، التي تركت بصمة لا تُمحى في قلب الوطن، لتظل ذكرى تضحيّتها خالدة في الذاكرة الوطنية.

لم تكن "أمنية" مجرد شرطية في الشرطة النسائية، بل كانت أكثر من ذلك بكثير؛ كانت رمزًا للإنسانية التي تجاوزت حدود المعقول، في لحظة فاصلة من عمر الوطن، وقفت بشجاعة غير مسبوقة أمام انتحاري أراد أن يطعن في أمن مصر، ليمنع بذلك تهديدًا كان سيغتال العديد من الأرواح.

وبجسدها الطاهر، قدّمت فداءً أسمى وأعلى من أي كلمات، لتكتب في تاريخ مصر سطورًا من ذهب حول بطلة نذرَت حياتها لخدمة وطنها.

رحلت "أمنية" في ريعان شبابها، حيث لم تكن تتجاوز الخامسة والعشرين من عمرها، حاملة في قلبها أحلامًا بسيطة، وأثاث زفافها الذي كان ينتظرها ليجمع شتات حياتها. لكنها لم تكتمل تلك الأحلام، فاختار القدر لها أن تحتفل بزفافها في الجنة، بين الشهداء الذين ارتقت أرواحهم لرب العرش العظيم.

تقول والدتها، في حديث سابق لليوم السابع: التي لا تكل ولا تمل من الحديث عن فلذة كبدها: "أمنية كانت مثل الملاك، تملأ الحياة سعادة وبهجة". وتضيف بصوت يملؤه الأسى والحزن: "كانت محبوبة من الجميع، وكان قلبها مليئًا بالخير، لا يعرف إلا العطاء". ورغم الألم الذي يعتصر قلبها، توجهت الأم برسالة مدوية للإرهابيين: "حسبنا الله ونعم الوكيل، فلن تقهروا هذا الوطن، وكل شهيد يفتح طريقًا لشهيد آخر"، لتبقى تلك الكلمات أصداءً ترددها أرجاء الوطن.

أمنية رشدي لم تكن مجرد شرطيّة، بل كانت تجسيدًا حياً للأمل والتضحية. ففي كل لحظة، كانت مثالاً لبطولة لا تنكسر، وشجاعة لا تذبل. رحلت جسدًا، ولكن روحها ستظل حية في سماء الوطن، شهيدةً خالدة في قلوب المصريين، تروي لنا قصة وطنٍ لا ينسى أبنائه الذين ضحوا بأرواحهم من أجل أمنه وكرامته.

في قلب هذا الوطن الذي لا ينسى أبنائه، يظل شهداء الشرطة رمزًا للتضحية والفداء، ويختصرون في أرواحهم أسمى معاني البذل والإيثار، رغم غيابهم عن أحضان أسرهم في شهر رمضان، يبقى عطاؤهم حاضرًا في قلوب المصريين، فالوطن لا ينسى من بذل روحه في سبيل أمنه واستقراره.

هم الذين أفنوا حياتهم في حماية الشعب، وسطروا بدمائهم صفحات من الشجاعة والإصرار على مواجهة الإرهاب، هم الذين لم يترددوا لحظة في الوقوف أمام كل من يهدد وطنهم، وواجهوا الموت بابتسامة، مع العلم أن حياتهم ليست سوى جزء صغير من معركة أكبر ضد الظلام.

في رمضان، حين يلتف الجميع حول موائد الإفطار في دفء الأسرة، كان شهداء الشرطة يجلسون في مكان أسمى، مكان لا تدركه أعيننا، ولكنه مكان لا يعادل في قيمته كل الدنيا؛ فإفطارهم اليوم سيكون مع النبين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقًا.

ومع غيابهم عن المائدة الرمضانية في بيوتهم، يظل الشعب المصري يذكرهم في صلواته ودعواته، تظل أسماؤهم محفورة في ذاكرة الوطن، وتظل أرواحهم تسكن بيننا، تعطينا الأمل والقوة لنستمر في مواجهة التحديات.
إن الشهداء هم الذين حفظوا لنا الأمان في عز الشدائد، وهم الذين سيظلون نجومًا مضيئة في سماء وطننا، فلهم منا الدعاء في كل لحظة، وأن يظل الوطن في حفظ الله وأمانه.

 







مشاركة

المصدر: اليوم السابع

كلمات دلالية: شهداء شهداء الشرطة شهداء الوطن الداخلية اخبار الداخلية وزارة الداخلية افطارهم في رمضان قصص الشهداء اسر الشهداء حوادث اخبار الحوادث

إقرأ أيضاً:

«علي جمعة»: الذين ينكرون السنة لا يفهمون صحيح البخاري

قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف ومفتي الجمهورية الأسبق، إن الإمام البخاري لم يكن مجرد راوٍ أو جامعٍ للأحاديث، بل كان أول من جرد الحديث الشريف وميّزه عن الآراء الفقهية، فجعل في كتابه «الجامع الصحيح» أبوابًا دقيقة تعبّر عن فقهه وفهمه للحديث، دون أن يخلط بينها وبين اجتهادات الفقهاء.

وأوضح عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف ومفتي الجمهورية الأسبق، خلال بودكاست "مع نور الدين"، المذاع على قناة الناس، اليوم الخميس، أن البخاري لم يقتصر على كتابه الصحيح، بل ألّف عددًا من الكتب الأخرى مثل: الأدب المفرد، ورفع اليدين في الصلاة، وخلق أفعال العباد، والتاريخ الكبير، والتاريخ الأوسط، والتاريخ الصغير، والقراءة خلف الإمام، وغيرها، مشيرًا إلى أن الإمام لم يشترط الصحة المطلقة إلا في كتابه الصحيح فقط، أما باقي مؤلفاته فكان يقبل فيها الحديث الضعيف إذا لم يجد الصحيح، لأنه يرى أن الحديث الضعيف حجة في بعض المواضع.

وبيّن الدكتور علي جمعة أن سند الأحاديث في "صحيح البخاري" يتراوح بين ثلاثي وتساعي (أي بين 3 إلى 9 رواة بين البخاري والنبي ﷺ)، مؤكدًا أنه لا يوجد حديث في الصحيح بسند عشاري، وهو ما يدل على دقة الإمام البخاري في اختياره للرواة وتقليله عدد الوسائط قدر الإمكان.

كما أشار إلى أن العلماء بعد البخاري قاموا بعمل موسوعات عن رجال "صحيح البخاري"، ووجدوا أنهم جميعًا ثقات، بل إنهم إذا وجدوا كلامًا على راوٍ معين تتبعوا الرواية نفسها في الصحيح، ليجدوا لها طريقًا آخر دون هذا الراوي، حفاظًا على دقة الكتاب.

وقال الدكتور علي جمعة: "الإمام البخاري لم يؤلف كتابًا عاديًا، بل الأمة كلها خدمته، واعتبرته كتاب أمة، وليس كتاب فرد.. كل محدث وكل ناقد وكل عالم في اللغة والنحو والفقه خدم هذا الكتاب، ولذلك كان الناس يتبركون بقراءته في الكوارث والمجاعات والحروب، كما يتبركون بقراءة القرآن الكريم، وكانوا يقرؤونه تعبّداً وتعلّماً وتعليماً".

وأضاف: "الناس الذين ينكرون السنة لا يفهمون طبيعة هذا الكتاب، ويظنون أنه مجرد جهد بشري يمكن الطعن فيه بسهولة، بينما هو في الحقيقة كتاب أجمعت عليه الأمة وحققته قرونًا بعد قرون، ولهذا لا يجوز التعامل معه كأي كتاب عادي، بل يجب احترام الجهد الجماعي الذي أنتجه".

مقالات مشابهة

  • بعد تسهيلات التجنيس.. عدد الأجانب الذين يحصلون على الجنسية الألمانية يفوق 250 ألفا عام 2024
  • خطف قلبها.. تفاصيل حفل زفاف أمينة خليل وأحمد زعتر
  • تردد قناة طيور الجنة نايل سات 2025.. محتوى لأطفالك أفضل من ألعاب الهاتف
  • إزيك.. عبد الرحمن رشدي يطرح أغنية رومانسية جديدة
  • أول تعليق من رئيس وزراء السودان كامل إدريس بعد وصوله بورتسودان ويفجر جدلًا
  • ياسر الهضيبى عن انتخابات النواب: حزب الوفد يراعى المصلحة العليا للوطن
  • «علي جمعة»: الذين ينكرون السنة لا يفهمون صحيح البخاري
  • إنزو فيرنانديز.. البطل الذي لا يخسر
  • بعد إلغاء الإعدام.. النقض تحدد موعد طعن قاتـ لة طفلتيها التوأم بالغردقة
  • 4 مارس 2026.. النظر في طعن «قاتلة طفلتيها التوأم» بالغردقة