ثمة الكثير من الأسئلة التي تُطرح في قلب سؤال ترجمة الأدب الغربي، العام، إلى اللغة العربية، وهي إشكالية لا بدّ أن نصادفها. من هذه الأسئلة، نجد أن غالبية الترجمات إلى العربية تأتي من لغات معينة، ونادرا ما تأتي من لغات بعيدة. قد يكون لذلك مبرره، لعدم معرفتنا بالكثير من هذه اللغات، لكن أحيانا، ثمة ترجمات من لغات وسيطة، ومع ذلك، نجد أن الكثير من آداب العالم لم نعرفه بعد، وقد يستحق الأمر المحاولة، وإن عبر "خيانة" اللغة.
من بين أجمل الآداب الإسكندنافية التي لا تزال مجهولة لدى القارئ العربي، أجد الآداب الأيسلندية (وربما الاسكندنافية بشكل عام). قد يكون الأمر خسارة حقيقية، لأن هذا الأدب ليس سوى أدب صاف، أقصد بأنه واحد من أكثر الآداب تفردا في الشمال الأوروبي الثلجي. ربما يجيء تفرده من كونه الأقل تأثرا بالتيّارات الأوروبية المركزية، أي الفرنسية، الانكليزية، والاسبانية الخ... وهذا ما لا نجده عند أشقائه الشماليين الآخرين، الذين نحوا في كتاباتهم، إلى اللحاق بهذه التيّارات، وحيث أفردوا لها مكانة واسعة في تجاربهم المعاصرة.
أدب يبدو أقرب إلى البحر، إلى الأزقة البحرية، إلى المستنقعات المائية، إلى النجد الصخري، أي بمعنى آخر هو أدب يحاول أن يكون أكثر إخلاصاً لهذا المعنى القديم للإنسان في مواجهته مصيره، والذي يحدد جيدا هذه "الساغا" الشمالية (حكاية تاريخية أو ميثولوجية في الأدب الإسكندنافي). هو أيضا، أدب، يريد أن يبدو الأقرب إلى واقع الإنسان والحيوان والأشياء. من هنا تجيء كتاباته المتعددة صافية وقاسية مثل هذه الكتل الجليدية التي تنتصب في عزّ فصل الشتاء، بكلّ ما تعكسه من اختراقات ضوئية، وما تحمله معها من تكسرات لونية، جديرة بأن تحيل هذه العاديات التي تشاهدها العين، إلى نُصب خرافية. نُصب، قد تندهش العين أمامها، إلا أنه من الصعب أن تعيد الكلمات تشييدها.
بالتأكيد ثمة عملية تثاقف، لا بدّ أن تكون ظاهرة وواضحة في هذا الأدب. وبالتأكيد أيضا، ثمة جمالية مرهفة عرفت كيف تستفيد من كلّ النظريات الخاصة بهذه الفلسفة الاستيتيقية؛ وثمة، من جانب آخر، أبحاث "شكلانية"، كما نجد ذلك الحضور الانسيابي للتيارات الميتافيزيقية، إلا أن ذلك كلّه يترك مكانه وبشكل طبيعي بعيدا عن أيّ تصنع إلى اندفاعات الغريزة الأرضية، إلى حرارة الدم، إلى مشهد الشمس. كأن ذلك ليس سوى اتفاق، أو لنقل إنه تواطؤ دائم يمنع عنه الأشكال التجريدية والتشريحية. أدب يذهب رأساً إلى هدفه المباشر، حين يتعرف إلى نفسه في اكتماله. قد يحدث أحيانا من دون ثقل، لكنه يحمل دوماً هذا الحس الأسمى للحقيقة الإنسانية والطبيعية. "ثمة جوقة برية تتردد أصواتها في قلب هذه الكتابة"، (إذا ما استعدنا عبارة شهيرة للكاتب كنوت هامسون)، جوقة تجمع بين الشعراء على اختلاف انتماءاتهم الجغرافية الداخلية أو الفكرية. قوة هذه النداوة، قوة هذه الحرارة النافرة التي تأتي من دون تصنع وتكلف. من هنا قد يبدو كلامي هنا دعوة مباشرة إلى اكتشاف هذا الأدب الذي يستحق أن يقرأ، وبخاصة أننا نكتشف فيه شيئا آخر، غير تلك الشكلانية التي بدأت ترهقنا.
من الاكتشافات الأخيرة التي لفتتني فعلا، أعمال الكاتبة أودور آفا أولافسدوتير، عبر ترجمتين صدرتا لها عن "دار الآداب" في بيروت وهما "الكلمة الأجمل" (ترجمة محمد آيت حنّا) و"فندق الصمت" (ترجمة حسام موصللي) اللتين تأخذان بنا في رحلة إلى قلب تلك "القارة" (فيما لو جاز القول).
***
عندما يتبعك حظك السيئ في الحياة، عندما تتخلّى عنك زوجتك، وترحل ابنتك بعد أن تكتشف بأنك لست والدها البيولوجي، بينما تفقد والدتك عقلها في دار المسنين في المرحلة الأخيرة من حياتها، وحين يوقظك جارك في منتصف الليل، قد تقول لنفسك أن فائدتك على الأرض قد انخفضت إلى لا شيء، لذا تقرر الانسحاب من الحياة، لتغادر مكانك، بحثا عن شيء... لا تعرفه في الواقع. هذا ما يفعله يوناس إبنيسر، (الشخصية الرئيسية في "فندق الصمت") حين كان يقترب من الخمسين من عمره، لكن المشكلة تكمن في أنه لا يعرف كيفية القيام بذلك، إذ يريد أن يجنب ابنته محنة العثور عليه ميتًا. لذا قرر، وبعد أن منح نفسه أسبوعا للتفكير في أفضل طريقة لإنهائها، الذهاب إلى إحدى أخطر بلدان العالم (ربما إلى الشرق) حيث انتهت هناك حرب لتوها. هكذا، وبكلّ دقة، يفرغ شقته، ويبيع شركته، ويترك هاتفه المحمول على طاولته بجانب سريره، ويأخذ دفاتر يوميات مراهقته، وزوجا من الجوارب، وصندوق أدواته (من يدري ماذا قد يحدث في حالة الطوارئ في هذه الرحلة الطويلة ذات الاتجاه الواحد!)، إذ كان يحب العبث وإصلاح جميع أنواع الأعطال المادية؛ ولكن هل سيكون قادرًا على إصلاح حياته؟
قد تبدو قصة حزينة من حيث الشكل، أليس كذلك؟ ربما، لكن أعتقد أنه يجب أن لا نفكر بها، لأننا أمام رواية عميقة ومضحكة في الوقت عينه، ومن الصعب التوقف عن متابعتها بعد قراءة السطور القليلة الأولى.
من خلال صورة هذه الشخصية "الغريبة"، تقدم لنا الكاتبة نظرة عامة على عالمنا الحالي، "الحيوانات" والنباتات مجتمعة؛ ومن خلال تغيير المعايير، تحاول ربما أن تخدعنا مثلما يخدعنا يوناس. إذ بما أنه لا يملك خطة محددة، فإنه، بُعَيد وصوله إلى ذاك البلد، بدأ يتجول في محيط ضيق منزوع الألغام، ليقابل العديد من المُعوقين والوجوه المغلقة. كان وجود شخص أجنبي هناك، في مثل هذا الوقت، أمرا مشبوها! هل أنه جاء لينهب الأعمال الفنية الرديئة التي لم تُدمر؟ لكن شيئا فشيئا، وبفضل صندوق أدواته، جعل نفسه مفيدا حتى أصبح (تقريبا) شخصا لا غنى عنه، إذ كان هناك نقص في الأيدي العاملة في هذه القرية المُشوهة بسبب الحرب. وسرعان ما أدرك أن جروحه الشخصية لا تمثل شيئا مقارنة بتلك التي عانى منها الناجون من صراع الحروب. لذلك أيضا بدت قراءة مذكراته القديمة، (التي كانت على شكل أجزاء صغيرة)، وكأن لا معنى لها لتمحو تدريجيا المواضيع التي اهتم لها في شبابه، ليهتم بالآخرين، ويجد نوعا من التهدئة والتأمل الذاتي.
إن تصوير أودور آفا أولافسدوتير للحياة العادية للناس العاديين مؤثر في بساطته، ودقيق في تعبيره الفكاهي، وعازم في إيمانه على تغيير وجهة نظر المرء تجاه نفسه. من دون إخفاء الخوف، والحزن، والدموع، وتقلبات الزمن. إنه العكس تمامًا من الكتاب الكئيب واليائس. وهنا بلا شك يكمن سحر هذا الكتاب، الذي يكمل قصته باقتباسات قليلة من مؤلفين عظماء، وكأنها تقدم على الطريق نحو صحة أفضل. بمعنى أن الخلفية الخيالية الغنيّة والشكل البسيط، تتكون من فقرات صغيرة، معظم عناوينها عبارة عن اقتباسات، تتخللها أبيات من تأليف س. شتاينر، وهنتر تومسون، وليونارد كوهين، و ف. ج. لوركا...
"فندق الصمت" هي رواية ترنيمة للحياة، نعمة تجلب الصمت إلى ضجيج العالم، وإعجاز في حياتنا الصاخبة.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
وزير قطاع الأعمال العام يتابع مؤشرات الأداء وموقف المشروعات الفندقية والسياحية والتجارية
في إطار المتابعة الدورية لمؤشرات الأداء والموقف التنفيذي للمشروعات في مختلف القطاعات، ترأس المهندس محمد شيمي، وزير قطاع الأعمال العام، اجتماعًا موسعًا مع الرؤساء التنفيذيين للشركات التابعة للشركة القابضة للسياحة والفنادق، وذلك لمراجعة تطور نتائج الأعمال ومستجدات المشروعات الفندقية والسياحية والتجارية وخطط التشغيل والتطوير.
وأكد الوزير، خلال الاجتماع، أن الشركة القابضة للسياحة والفنادق وشركاتها التابعة تمتلك قدرات كبيرة وإمكانات متميزة وأصولًا قيمة تشكل قاعدة قوية للتوسع والنمو وتعزيز دورها الحيوي في دعم الاقتصاد الوطني. وأوضح أن الوزارة تعمل وفق رؤية طموحة تستهدف زيادة الطاقات الفندقية على مستوى الجمهورية، سواء عبر تطوير المنشآت القائمة أو من خلال إنشاء فنادق جديدة وتوسعات لرفع القدرة الاستيعابية وتعزيز جاذبية المقصد السياحي المصري ومكانته على الخريطة السياحية العالمية، مشيرًا إلى أن الدولة تشهد حاليا تنفيذ خطة واسعة لإعادة إحياء وتحديث الأصول الفندقية والسياحية التاريخية.
وشدد المهندس محمد شيمي على أن تحسين مستوى الخدمات والمنتجات السياحية يأتي على رأس أولويات الوزارة، بما يضمن تقديم تجربة سياحية متكاملة ترتقي للمعايير العالمية وتعكس الهوية المصرية الأصيلة. ولفت إلى أهمية حسن استغلال وإدارة الأصول المملوكة للشركة القابضة وشركاتها التابعة، مؤكدًا أن تعظيم العوائد منها يمثل ركنًا أساسيًا في استراتيجية الوزارة، وأن الشراكة مع القطاع الخاص تظل أحد المسارات الرئيسية لتعزيز الاستثمارات ورفع كفاءة الإدارة وتحقيق أعلى مستويات التشغيل والعائد. كما أشار إلى أهمية المضي قدمًا في خطط التحول الرقمي وتطوير نظم الإدارة والحوكمة والمراجعة الداخلية لتعزيز الشفافية ورفع كفاءة الأداء المؤسسي.
تم خلال الاجتماع استعراض مؤشرات الأداء الشهرية للشركة القابضة وشركاتها التابعة، والتي أظهرت تحقيق نمو ملحوظ في إجمالي الإيرادات بنسبة 23% خلال الأربعة أشهر الأولى من العام المالي 2025-2026 مقارنة بنفس الفترة من العام السابق، بحضور المحاسب عمرو عطيه العضو المنتدب للشركة القابضة للسياحة والفنادق. كما تمت متابعة الموقف التنفيذي للعديد من المشروعات الفندقية، ومن أبرزها مشروعات الشركة المصرية العامة للسياحة والفنادق "إيجوث"، التقدم في تطوير فندق شبرد التاريخي وإضافة ملحق جديد (5 نجوم)، وكذلك مشروع إحياء فندق الكونتيننتال التاريخي بوسط القاهرة (5 نجوم)، مع قرب استكمال إجراءات التعاقد مع شركة إدارة فندقية عالمية، بالإضافة إلى التوسعات الجارية في فندقي أورا بالساحل الشمالي وريتاك كوناي دهب، ومشروع فندق فورسيزونز الأقصر، وتطوير فندق جيت بيتش بالعين السخنة مع رفع تصنيفه إلى أربع نجوم، إلى جانب عدد من المشروعات متعددة الاستخدامات (فندقية – سكنية – تجارية – إدارية) في المحلة الكبرى وبورسعيد والعباسية، بالإضافة إلى مشروع فندقي إداري بميدان المنشية في الإسكندرية وآخر بالقناطر الخيرية.
كما تم استعراض أعمال تطوير فندق النيل ريتز كارلتون - المملوك لشركة مصر للفنادق - المطل على نهر النيل وميدان التحرير مع استمرارية التشغيل دون توقف، إلى جانب مشروعات الشركة القابضة الأخرى مثل تشغيل فندق أراكان رأس البر (3 نجوم)، وملحق فندق شتيجنبرجر اللسان بدمياط (5 نجوم)، وتطوير مطعم خان الخليلي بإدارة عالمية. ومشروعات شركة ميجو تاك، بما في ذلك تطوير وتشغيل فندق نفرتاري أبو سمبل بأسوان، وإدارة فندقي ريتاك دهب والعريش، ومشروعات الشقق الفندقية الجديدة في وسط القاهرة، إلى جانب متابعة تطوير منتجع جاز آسيلا بمرسى علم (4 نجوم) التابع لشركة هوتاك للتنمية السياحية، بالإضافة إلى مركز عالمي للغطس.
تمت مناقشة نشاطات ومشروعات شركة مصر للسياحة، بما يشمل تعظيم العوائد الاستثمارية والسياحية لمشروع قرية مجاويش بالغردقة بالشراكة مع القطاع الخاص، ومشروع متعدد الاستخدامات لبرج مصر للسياحة بالعباسية لتحقيق أقصى استفادة وأفضل استغلال، إلى جانب تطوير المطاعم العائمة "نايل كريستال" وتوسعات لفندق رومانس بالإسكندرية، وتحديث أسطول النقل السياحي والليموزين، وتوسيع خدمات الحج والعمرة والحجز الإلكتروني، بالإضافة إلى تعزيز سياحة المؤتمرات والفعاليات وافتتاح فروع جديدة مطورة في مواقع حيوية.