سودانايل:
2025-06-30@19:11:13 GMT

عائد عائد يا نوفمبر

تاريخ النشر: 13th, March 2025 GMT

يعيش السودان اليوم مشهداً سياسياً معقداً تتداخل فيه المصالح المحلية والإقليمية والدولية في توازنات حسّاسة جعلت من تحقيق انتقال ديمقراطي حقيقي تحدياً كبيراً جدّاً.. وبينما يواجه السودان خطر الانزلاق إلى حالة من الفوضى السياسية المستدامة، تتزايد المؤشرات على محاولات إعادة إنتاج سيناريو اتفاق نوفمبر 2021 بين البرهان وحميدتي وحمدوك، والذي كرّس سيطرة القوى العسكرية تحت غطاء مدني هزيل.

. والحرب المستمرة بين الجيش وقوات الدعم السريع وحلفائهما أوجدت بيئة مواتية لظهور هذه المحاولات، حيث يحاول الطرفان استغلال النزاع لفرض نفسيهما كطرفين رئيسيين في أي تسوية سياسية قادمة، مع إقصاء القوى المدنية الفاعلة وعلى رأسها تحالف "صمود".
فهل -بالفعل- تُعيد هذه اللحظات المصيرية التي يعيشها السودان إلى الأذهان المناخات التي سبقت توقيع اتفاق نوفمبر المشؤوم، حين أُعيد ترتيب المشهد السياسي بعد انقلاب 25 أكتوبر 2021 في محاولة لإضفاء شرعية مدنية على حكم عسكري استمر عملياً حتى اندلاع الحرب الحالية؟ أم سيبرز نداء السلام الذي أطلقه تحالف "صمود" على لسان رئيسه د. عبد الله حمدوك، كرؤية سياسية تهدف إلى تجنب إعادة إنتاج تجربة فاشلة (قام بها حمدوك نفسه)!
فما المشترك بين نوفمبر 2021 والمشهد الراهن؟!:
لعلّ تهميش القوى المدنية لصالح التفاهمات العسكرية؛ مع الضغط المحلي والدولي لفرض تسوية غير متوازنة؛ مع الرهان على الواجهة المدنية لتجميل السلطة العسكرية؛ تمثّل المشتركات بين نوفمبر 21 والمشهد الراهن، حيث نجد أنّ أحد أبرز سمات اتفاق 2021 أنه كان نتاج مفاوضات بين العسكر ("الجيش والدعم السريع") وحمدوك دون إشراك القوى الثورية الفاعلة، وهو ما أدّى إلى انهياره سريعاً تحت وطأة المظاهرات. واليوم، تبدو الديناميكية مشابهة، إذ تتركز الجهود الدولية -على ضعفها- على دفع الجيش والدعم السريع نحو تفاهمات مباشرة، بينما تظل القوى المدنية الثورية، مثل تحالف "صمود" خارج إطار التفاوض. وفي 2021، لعبت الضغوط الدولية والمحلية (المؤتمر الوطني المحلول) دوراً رئيسياً في دفع العسكر إلى توقيع اتفاق مع حمدوك لم تكن له ضمانات حقيقية لتنفيذه، أو لنجاحه.. واليوم، هناك اتجاه مماثل لإجبار الجيش والدعم السريع على وقف إطلاق النار ضمن صفقة تُبقي على نفوذ العسكريين..
الانهيار الاقتصادي في السودان – هل يعيد إنتاج أزمة ما بعد نوفمبر 2021؟
تسببت الحرب المستمرة في السودان في انهيار الاقتصاد بشكل غير مسبوق، مما أدّى إلى فقدان الملايين لوظائفهم، وتفاقم أزمة الغذاء، وانهيار العملة الوطنية. ومع ازدياد الضغط الدولي والإقليمي لإنهاء الحرب عبر تسوية سياسية، تظهر ملامح اتفاق جديد قد يعيد إنتاج أزمة ما بعد نوفمبر 2021، حيث يتم فرض حلول مؤقتة لا تعالج جذور الأزمة الاقتصادية، بل تؤدي إلى استمرار الأزمة مع تغير الوجوه فقط. وتشير الوثائق الاقتصادية إلى أن قيمة الجنيه السوداني تراجعت بأكثر من 70% منذ اندلاع الحرب، مع استمرار ارتفاع الأسعار بوتيرة غير مسبوقة. وكما حدث بعد اتفاق 2021، فإن الحلول المقترحة اليوم تركز على استقرار العملة من خلال تدخلات خارجية بدلاً من بناء اقتصاد منتج ومستدام. كما أنّ معظم القطاعات الإنتاجية، من الزراعة إلى التصنيع، تعرّضت للشلل بسبب الحرب. فإعادة بناء هذه القطاعات تحتاج إلى خطة اقتصادية شاملة، وليس مجرد ضخ أموال كما حدث بعد 2021، حيث استخدمت المساعدات الخارجية لإنقاذ النظام المالي دون أي إصلاحات حقيقية. فاليوم نجد أنّ كافّة البنوك السودانية لا تعمل بكامل طاقتها، وأن المعاملات المالية أصبحت شبه مستحيلة في معظم المناطق؛ وكما حدث في 2021، هناك مخاوف من أن أيّ تسوية جديدة قد تُبقي الاقتصاد تحت سيطرة العسكر، مما يمنع أي محاولات جادّة للإصلاح؛ وسيظلّ الاقتصاد السوداني يعاني، حيث سيتم اللجوء إلى حلول ترقيعيه بدلاً من معالجة المشكلات الهيكلية. نعم ستُقدّم بعض القوى الدولية مساعدات مالية -مشروطة- لتحقيق استقرار مؤقت، ولكن دون إصلاحات فعلية، مما يعني تأجيل الأزمة فقط.
ولمنع تكرار الأزمة الاقتصادية لما بعد 2021، يجب أن يكون للمدنيين دور أساسي في إعادة هيكلة الاقتصاد، بفرض رقابة مدنية على أي تسوية اقتصادية وليس مجرد دور رمزي كما حدث بعد اتفاق 2021. كما يجب توجيه الدعم الدولي نحو التنمية وليس نحو تثبيت الأنظمة العسكرية، بحيث تركز أي مساعدات على تعزيز الإنتاج المحلي والبنية التحتية بدلاً من إنقاذ الأنظمة الحاكمة. وإذا لم يتم التعامل مع الأزمة الاقتصادية بحلول جذرية، فإن أي تسوية سياسية قد تعيد إنتاج الفشل الذي أعقب اتفاق نوفمبر 2021. والأمر متروك للقوى المدنية لضمان أن أي اتفاق مستقبلي لا يكون مجرد غطاء لإعادة تدوير الأزمة الاقتصادية في السودان، بل يمثل بداية لإصلاح حقيقي. فهل ستنجح القوى الثورية في فرض إصلاح اقتصادي شامل، أم أن السودان مقبل على حل مؤقت ينهار سريعاً كما حدث من قبل؟

تكتيكات العسكر السياسية وعزل القوى المدنية:
منذ اللحظة الأولى لاندلاع الحرب، كان واضحاً أن العسكر سيسعون إلى استغلال الحرب سياسياً؛ فالجيش وقوات الدعم السريع يسعيان لاستغلال حالة الفوضى السياسية والأمنية لتحقيق أهداف تكتيكية محدّدة. اعتمد الجيش على تصوير نفسه كقوة نظامية تدافع عن الدولة في مواجهة "مليشيات خارجة عن القانون"، في محاولة لتصدير صورة ضامن الاستقرار. أما قوات الدعم السريع، فقد سعت في المقابل إلى تعزيز وجودها في المناطق التي تسيطر عليها إلى أن تتبلور قدرته على تشكيل حكومة موازية.. هذه الاستراتيجية جعلت الدعم السريع يحاول أن يظهر كطرف قادر على إدارة مناطق نفوذه، الأمر الذي يزيد من فرصه للحصول على مقعد دائم في أي عملية تفاوض مستقبلية.
ويبدو واضحاً الآن أن القوى العسكرية تعمل وفق تكتيك سياسي مدروس يهدف إلى إقصاء تحالف "صمود" باعتباره الكيان المدني الأكثر قدرة على تحدي مشاريع العسكر. ولتحقيق ذلك، لجأ الجيش إلى عدة أساليب، كتشويه صورة "صمود" إعلامياً، فعمدت وسائل إعلام موالية للجيش إلى إدراج "صمود" قسراً في الحرب منذ أن كانت "تقدّم" وصوّرتها كطرف يعطّل تحقيق الاستقرار، وكذلك من الأساليب الترويج لبدائل مدنية ضعيفة، فدعمت القوى العسكرية أطرافاً مدنية محدودة النفوذ بهدف تقديمها كواجهات "مدنية معتدلة" يمكن التفاوض معها لاحقاً، بينما يجري استبعاد التحالفات الحقيقية التي قادت الحراك الثوري؛ ثمّ تأتي محاولات فرض حكومة كواجهة مدنية ضعيفة وصورية ، وبلا صلاحيات فعلية، ما يمنح الجيش فرصة لإدارة المشهد من وراء الستار. وأيضاً من الأساليب تفكيك القوى الثورية، حيث تعمل القوى العسكرية على دعم الانقسامات بين القوى الثورية، مستغلة الخلافات الأيديولوجية والسياسية لتقسيم الجبهة المدنية، في محاولة لإضعاف تحالف "صمود" والتقليل من قدرته على التأثير السياسي.
دور القوى الدولية والإقليمية في تعزيز هذه "التكتيكات" والاستراتيجيات
القوى الدولية تلعب دوراً محورياً في تعزيز هذه التكتيكات من خلال تركيزها على وقف إطلاق النار كأولوية قصوى، مع تجاهل تام للحاجة إلى إصلاحات سياسية تضمن انتقالاً ديمقراطياً حقيقياً. فالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، مثلاً، يظهران وكأنّهما يتبنيان سياسة تهدف إلى إنهاء الحرب، حتى وإن كان ذلك على حساب تكريس سلطة العسكر مجدداً، مجدّدين ذلك الاختزال -الذميم-: أنّ الأولوية للاستقرار لا الديمقراطية. فهذه المقاربة تمنح القوى العسكرية فرصة ذهبية لاستغلال دعم المجتمع الدولي لتقديم أنفسهم كضامنين للاستقرار. أما القوى الإقليمية فإنها تتبنى استراتيجية مزدوجة تهدف إلى دعم الجيش من جهة، وضمان نفوذها في السودان من جهة أخرى، ولو على حساب القوى المدنية الثورية.
تعمل الأطراف الإقليمية على عناوين كبيرة على شاكلة: "دعم الجيش للحفاظ على الاستقرار الإقليمي" أو "النفوذ الاقتصادي والتحالفات غير المعلنة" أو "الوساطة الحذرة"؛ فمن ضمن تكتيكاتها الرامية إلى ترسيخ نفوذها، عمدت بعض القوى الإقليمية إلى دعم سيناريو يقوم على تشكيل "حكومتين" متوازيتين تمثلان مناطق نفوذ الجيش والدعم السريع، مع دفع الطرفين للتفاوض على اتفاق سياسي لاحق يضمن استمرار سيطرة العسكر في كلا المعسكرين. وهذه الاستراتيجية تتبناها بشكل واضح دول تشير التقارير إلى أنها قدمت دعماً متوازياً لكل من الجيش وقوات الدعم السريع في مراحل مختلفة من النزاع. هذا النهج يُمكّن هذه الدول من المحافظة على مصالحها التجارية والاقتصادية في السودان، مع ضمان استمرار التوازن العسكري الذي يمنع سيطرة طرف واحد بشكل مطلق. فبينما تدعم الجيش السوداني باعتباره الضامن الوحيد للاستقرار في حدودها، فإنها في الوقت ذاته تتواصل مع بعض التيارات المدنية بغرض تعزيز نفوذها في المشهد السياسي مستقبلاً. وعلى الجانب الدولي، يتبنى الغرب نهجاً يركّز على وقف إطلاق النار أولاً، مع إهمال واضح لمسألة إصلاح المنظومة السياسية، وغضّ الطرف بالكامل عن إصلاح المنظومة الأمنية- العسكرية. هذا النهج يسمح بفرض تسوية غير متوازنة تمنح العسكريين موقعاً متميزاً في السلطة الانتقالية. وفي هذه الأثناء، تستغل روسيا بجانب محاولات النفوذ الجيوسياسي -القاعدة العسكرية على البحر الأحمر- حالة الفوضى لتعزيز نفوذها في قطاع الذهب السوداني، بينما تركز الصين على حماية استثماراتها دون التدخل المباشر في توازنات السلطة الداخلية.
ومع تصاعد كل هذه الأزمات السودانية، بات واضحاً أن القوى الإقليمية والدولية تلعب دوراً رئيسياً في تحديد مسار التسوية السياسية. هذه القوى، التي تمتلك مصالح استراتيجية واقتصادية في السودان، تعتمد على تكتيكات محسوبة لضمان استمرار نفوذها في البلاد، حتى وإن كان ذلك على حساب تحقيق سلام دائم أو انتقال ديمقراطي حقيقي.. وسيتم التلاعب بحرب السودان مقروءة مع الإقليم الملتهب هذه الأيام في جنوب السودان والصومال وجبهات التقراي، وستتم إعادة إنتاج نظام 2021 وتحويل الرعب الشعبي إلى قبول تلقائي للحكم العسكري، والترويج للجيش كحامي الدولة ضد خطر أكبر.. وسيتم بعد ذلك استغلال الفوضى كذريعة لتصفية أيّ قوى معارضة؛ وتؤكد الاعتقالات والملاحقات بحق الناشطين هذه الفترة أيضاً أنّها ليست مجرد ردّ فعل أمني، بل هي جزء من خطة سياسية لإضعاف أي مقاومة مدنية مستقبلية.. وبعدها يأتي تقديم الإسلاميين كـحرس قديم لحماية النظام، فبعد 2021 عندما عاد الإسلاميون إلى المشهد بحجة "مواجهة الفوضى" فإن نفس الشخصيات الأمنية القديمة تعود الآن إلى مواقعها كحراس للسلطة العسكرية؛ وعودة جهاز الأمن القديم تتم بتنسيق واضح بين العسكريين والإسلاميين، لضمان أن أيّ اتفاق مستقبلي لا يُخرجهم من المشهد. وبالتالي، يتأكّد أن السودان ليس بعيداً عن إعادة إنتاج اتفاق نوفمبر 2021. ومع استمرار الحرب، فإن غياب استراتيجية مدنية موحّدة سيؤدي إلى فرض تسوية تُعيد ترتيب السلطة على أسس عسكرية، لا مدنية. والسؤال الذي يتلوّن مع كل عنوان ويتأبط كل حدث سيظل مفتوحاً: هل ستتمكن القوى المدنية من فرض نفسها، أم أن المجتمع الدولي والإقليمي سيدفع نحو حل يعيد إنتاج فشل 2021؟

استعادة دور القوى المدنية وتحركاتها لمواجهة التحديات
رغم هذا المشهد المعقّد، لا تزال هناك فرصة أمام القوى المدنية لاستعادة المبادرة. فتوحيد الصفوف وتشكيل كتلة سياسية صلبة تضم تحالف "صمود" وكافة القوى الثورية والديمقراطية هو السبيل الوحيد لفرض اتفاق سياسي متوازن يمنع استمرار هيمنة العسكر. ويتطلب هذا الأمر جهداً مكثفاً على مستوى الحراك الشعبي، حيث يمكن أن يُعيد استنهاض الشارع السوداني توازناً مفقوداً في المعادلة السياسية، بما يمنع القوى العسكرية من فرض شروطها مجدداً. فبرغم محاولات العسكر والقوى الإقليمية فرض معادلة سياسية غير متوازنة، لا تزال الفرصة قائمة أمام القوى المدنية إذا نجحت في تحقيق وحدة حقيقية وتقديم مشروع سياسي متكامل. فتحالف "صمود" يمكن أن يلعب دوراً حاسماً في هذا السياق، إذا تمكّن من تجاوز عثرات "تقدّم" -رُبّما المخطّط لها مسبقاً- والعمل على تشكيل جبهة مدنية موحّدة قادرة على فرض شروطها السياسية وإنفاذ مقترح "صمود" بإشراك مجلس الأمن الدولي ومجلس السلم والأمن الإفريقي بهدف إيجاد ضمانات تمنع تلاعب العسكر بالعملية الانتقالية، لكن نجاح ذلك يعتمد على قدرة السودانيين أنفسهم على فرض اتفاق أكثر صلابة.
أمّا بخصوص استعادة الحراك الشعبي كأداة ضغط فعالة، فنجد أنّ في 2021، كانت الاحتجاجات الشعبية هي العامل الذي أفشل الاتفاق وأجبر حمدوك على الاستقالة. اليوم، رغم أن الحرب غيّرت طبيعة الحراك الشعبي، فإن إعادة تفعيل الشارع كقوة ضغط أمر ضروري لمنع فرض اتفاق جديد على حساب قوى الثورة.. (لكن يجب استعادة الشارع من النزوح واللجوء والتشرّد ليكون فاعلاً!) فإذا نجحت الضغوط الدولية في فرض وقف إطلاق نار بين الجيش والدعم السريع دون إشراك القوى المدنية الحقيقية، فإننا سنكون أمام نسخة جديدة من اتفاق نوفمبر 21، مع اختلاف الأطراف المشاركة فيه؛ أما إذا استمرت الحرب دون تسوية، فقد يتحول السودان إلى بلد مقسّم بين سلطتين متصارعتين، كما حدث في ليبيا واليمن. بينما التحوّل المدني الديمقراطي الحقيقي هو السيناريو الأكثر صعوبة، لكنه ليس مستحيلاً إذا تمكّنت القوى المدنية من توحيد صفوفها وفرض نفسها كرقم أساسي في المعادلة السياسية.
إذاً، يقدّم خطاب "صمود" -نداء السلام- رؤية متكاملة لوقف الحرب وإرساء سلام دائم، وفي جوهره يمثل رفضاً واضحاً لأي اتفاق يعيد إنتاج إخفاقات 2021. وبينما تسعى القوى العسكرية لفرض تسوية جديدة تمنحها مساحة للاستمرار في الحكم، فإن نجاح القوى المدنية في فرض شروطها سيكون العامل الحاسم في تحديد ما إذا كان السودان سيكرر أخطاء الماضي أو سيتجه نحو مستقبل جديد أكثر استقراراً وديمقراطية. والسؤال الذي يظل مفتوحاً: هل ستتمكن القوى المدنية من اغتنام هذه الفرصة، أم أن السودان على أعتاب إعادة إنتاج نسخة جديدة من فشل 2021؟ يليه سؤال عن دور الفاعلين الإقليميين والدوليين في إعادة إنتاج سيناريو نوفمبر 2021؛ حيث لا يمكن فهم الأزمة السودانية الحالية بمعزل عن التدخلات الإقليمية والدولية، التي لعبت دوراً رئيسياً في صياغة اتفاق نوفمبر 2021 وتعمل اليوم على دفع الأطراف العسكرية إلى تسوية مماثلة.
فلمنع إعادة انتاج سيناريو نوفمبر 21، تحتاج القوى المدنية إلى تجاوز انقساماتها -مهما كانت- وإبراز حضورها بقوة في المشهد، وفرض رؤيتها في أي تسوية قادمة. فغياب الوحدة بين القوى الثورية هو ما سهّل على الجيش فرض اتفاق 2021. وصوت الجماهير والضغط الدولي يجب أن يتّحدا لمنع منح العسكريين غطاءً جديداً للحكم تحت ستار اتفاق جديد؛ ومن الضروري فضح أي محاولات لإعادة إنتاج الصفقات التي تستثني قوى الثورة.
لكن الجدير بالذكر أنّه في حال عدم التوصل إلى تسوية سياسية، قد يتحول السودان إلى مناطق تسيطر عليها قوات مختلفة، مما يعزز نموذج الحكم العسكري اللامركزي الذي يعيق أي تحرك مدني موحد.؛ فالتدخلات الإقليمية والدولية قد تؤدي إلى صفقة جديدة تمنح الجيش وقوات الدعم السريع حصة في السلطة، مع استبعاد القوى الثورية؛ وستكون هذه التسوية هشّة، كما كان الحال في 2021، مما يجعلها عرضة للانهيار عند أول اختبار سياسي حقيقي.. وإذا استمرت الحرب دون أن تتمكن القوى المدنية من فرض رؤيتها، فإن السيناريو الأكثر ترجيحاً هو إعادة إنتاج نموذج اتفاق 2021، مع تعديلات شكلية لا تغير من جوهر هيمنة العسكر على الدولة. ويظلّ السؤال المحوري الذي يتكرر باستمرار: هل ستتمكن القوى المدنية من الاستفادة من دروس الماضي، أم أننا أمام إعادة إنتاج فشل جديد، لكن في سياق أكثر دماراً وتعقيدا؟!
بتسوية أو بدونها ما هو تأثير الحكومة الموازية في مناطق الدعم السريع على مستقبل السودان السياسي؟
تحرك قوات الدعم السريع نحو إنشاء حكومة موازية في المناطق التي تسيطر عليها، يطرح تساؤلات خطيرة حول مستقبل وحدة السودان وما إذا كان هذا التحرك مقدمة لإعادة إنتاج سيناريو شبيه باتفاق نوفمبر 2021. وبينما تدعو بعض القوى الدولية إلى وقف إطلاق النار، فإن الواقع على الأرض يشير إلى ترتيبات سياسية قد تؤدي إلى تقسيم فعلي للسودان بين سلطتين متنافستين. فلماذا إذاً تسعى قوات الدعم السريع إلى إنشاء حكومة موازية؟!
تؤكّد مسودة اتفاق السلام بين الدعم السريع والحركة الشعبية أن هناك جهودًا لإنشاء هياكل حكم بديلة في المناطق الخاضعة لسيطرتها؛ فهذا التوجه يهدف إلى تعزيز موقف الدعم السريع في أي مفاوضات قادمة، ما يمنحها سلطة توازي سلطة الجيش في المناطق التي يسيطر عليها. ولعلّ السيناريو الليبي، حيث توجد حكومتان متنافستان، قد يكون نموذجاً يجري استنساخه في السودان، فقوات الدعم السريع تستغل حالة الفوضى السياسية والعسكرية لترسيخ وجودها كسلطة أمر واقع، ما قد يؤدي إلى تقسيم السودان فعلياً إلى مناطق نفوذ. ورغم عدم اعتراف القوى الدولية بهذه الحكومة، إلا أن بعض الدول الإقليمية قد تتعامل معها كسلطة بحكم الأمر الواقع إذا استمر الوضع الحالي، فالدعم السريع يحاول توظيف شبكاته الإقليمية لضمان استمرار تدفق الدعم المالي واللوجستي، مما يعزز فكرة وجود حكومة موازية. لكن.. ما هي التداعيات المحتملة لهذه الحكومة الموازية؟!
كما حدث في ليبيا واليمن، قد يؤدي هذا الوضع إلى استدامة الحرب وانهيار أي جهود لتحقيق الاستقرار، ووجود حكومتين متنافستين سيزيد من صعوبة تحقيق اتفاق شامل يُنهي الحرب؛ بيد أنّ السيناريو المرجح أن يتم التوصل إلى اتفاق يقسم السلطة بين الجيش والدعم السريع، كما حدث في اتفاق نوفمبر 2021 وهذا سيعني أن أي حكومة مستقبلية ستكون مجرد إعادة إنتاج لنفس الفشل الذي أدى إلى اندلاع الحرب. وإذا لم يتم احتواء هذه التحركات، فقد ينتهي السودان إلى وضع مماثل للصومال، حيث تتنافس الفصائل المسلحة على السيطرة على المناطق المختلفة. ولمنع هذا السيناريو يجب أن تعمل القوى المدنية والمجتمع الدولي على قطع التمويل العسكري والاقتصادي عن أي حكومة تخرج عن إطار الدولة. وأيّ اتفاق يجب أن يركز على إنهاء الانقسام وليس على شرعنة سلطات موازية كما حدث في 2021. فالقوى الثورية الآن مطالبة أكثر من أيّ وقتٍ مضى أن تعيد تنشيط العمل الجماهيري لمنع أي ترتيبات تكرس الانقسام. فما يحدث في السودان اليوم يشير إلى احتمال إعادة إنتاج نموذج نوفمبر 2021 ولكن بشكل أكثر خطورة، حيث قد تؤدي الترتيبات الحالية إلى تقسيم السودان نهائياً. ومنع هذا السيناريو يتطلب تحركاً سريعاً من القوى المدنية والمجتمع الدولي قبل أن يصبح السودان مسرحاً جديداً لحروب طويلة الأمد بين حكومتين متنافستين. فهل يتجه السودان إلى الانقسام الكامل أم أن هناك فرصة لمنع إعادة إنتاج الفشل مرة أخرى؟!
وكما حدث في 2021، يتم الآن فرض واقع سياسي جديد يقوم على "شرعية الأمر الواقع المستندة نفسها على شرعية مواجهة الانتهاكات"؛ وإذا لم يتم التصدي لهذا المخطّط، فإن السودان قد يجد نفسه مرة أخرى في دوامة انقلاب جديد، مبارك من الشعب ومدفوع بالخوف والرعب والإرهاب والسلاح! وفي النهاية، فإن مصير السودان يتوقف على قدرة قواه المدنية على تنظيم نفسها وتوحيد جهودها لفرض انتقال سياسي حقيقي يضمن خروج العسكر من المشهد السياسي، مع بناء مؤسسات مدنية قوية تضمن الاستقرار والنمو بعيداً عن تأثير القوى الإقليمية والدولية

13 مارس 2025

aboann7@hotmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الجیش وقوات الدعم السریع الجیش والدعم السریع الإقلیمیة والدولیة الأزمة الاقتصادیة قوات الدعم السریع القوى المدنیة من القوى الإقلیمیة وقف إطلاق النار القوى العسکریة القوى الدولیة القوى الثوریة تسویة سیاسیة حکومة موازیة إعادة إنتاج السودان إلى فی المناطق یعید إنتاج فی السودان کما حدث فی فرض اتفاق نفوذها فی فرض تسویة اتفاق 2021 أی تسویة على حساب یجب أن

إقرأ أيضاً:

اتفاق جوبا واستمرار الصراع على السلطة

تاج السر عثمان بابو اشرنا سابقا الي تصاعد الصراع على السلطة بين بعض قوى سلام جوبا، مع إعلان رئيس الوزراء كامل إدريس عن تشكيل حكومة جديدة من 22 حقيبة وزارية، أطلق عليها اسم “حكومة الأمل”، ما أثار تساؤلات بشأن الالتزام ببنود الاتفاق، خاصة المتعلقة بنسبة تمثيل الحركات المسلحة في السلطة التنفيذية. كما حاول محمد بشير ابونمو نفي حق بعض المسارات في السلطة، لكن قال مقرر لجنة الوساطة بدولة جنوب السودان ضيو مطوك، إن حديث كبير مفاوضي حركة تحرير السودان محمد بشير أبو نمو حول نسبة المشاركة بالسلطة في اتفاق جوبا للسلام “غير دقيق”. وأوضح مطوك في تصريح لصحيفة الشروق المصرية، أن اتفاق سلام جوبا تم تصميمه على عدة مسارات وأن اتفاق القضايا القومية يعطي الحق لجميع المسارات، وأضاف “مسارات دارفور والمنطقتين وشرق السودان تحدثت عن المشاركة في السلطة القومية، وقد تم لاحقًا تعديل جميع البروتوكولات لتلك المسارات لتشارك في الوزارات والهيئات والمفوضيات الاتحادية”. كما أوضحنا أن اتفاق جوبا تحول لمحاصصات ومناصب، ولم يسهم في تحقيق السلام العادل والمستدام وحل قضايا الجماهير التي رفعت الحركات مطالبها، فضلا عن مشاركة حركات جوبا في انقلاب 25 أكتوبر 2021، الذي عطل الحكم المدني الديمقراطي، والغي الوثيقة الدستورية. نعيد فيما يلي نشر المقال أدناه الذي تم نشره بعد توقيع اتفاق جوبا بعنوان “اتفاق جوبا لن يحقق السلام المستدام” 1 صدرت وثيقة ” اتفاق جوبا لسلام السودان بين حكومة السودان الانتقالية وأطراف العملية السلمية “بعد التوقيع عليها بتاريخ 3 أكتوبر 2020 ، الوثيقة تتكون من 266 صفحة، شملت الديباجة والأبواب الآتية: – الأول : اتفاق القضايا القومية، الثاني : اتفاق سلام مسار دارفور ، الثالث : اتفاق سلام مسار المنطقتين، الرابع : اتفاق سلام الشرق ، الخامس : اتفاق سلام مسار الشمال ، السادس : اتفاق سلام مسار الوسط : السابع : اتفاق الترتيبات الأمنية بين حكومة السودان الانتقالية والجبهة الثالثة – تمازج ، الثامن : الأحكام الختامية ، التاسع : مصفوفات التنفيذ ، العاشر : ملاحق. الأطراف الموقعة على الاتفاق: الفريق أول محمد حمدان دقلو عن حكومة السودان ، وأطراف العملية السلمية عنها : خميس عبد الله أبكر عن التحالف السوداني ، الطاهر أبوبكر حجر عن تجمع قوى تحرير السودان ، منى أركو مناوي عن حركة جيش تحرير السودان ، مالك عقار اير عن الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال / الجبهة الثورية ، خالد إدريس جاويش عن الجبهة الشعبية المتحدة للتحرير والعدالة ، أسامة سعيد عن مؤتمر البجا المعارض ، محمد داؤود بنداق عن حركة تحرير كوش السودانية ، محمد سيد أحمد سر الختم عن كيان الشمال، التوم الشيخ موسي هجو عن الحزب الاتحادي الديمقراطي المعارض / الجبهة الثورية، ومحمد علي قرشي عن الجبهة الثالثة / تماذج. أما الشهود فهم : الفريق أول عبد الفتاح البرهان و ممثلون عن دول : جمهورية مصر العربية ، دولة قطر ، الاتحاد الأفريقي، الأمم المتحدة . الضامنون : الفريق أول سلفاكير ميارديت / رئيس جمهورية جنوب السودان، المشير/ إدريس ديبي أنتو / رئيس جمهورية تشاد ، دولة الإمارات المتحدة. أكدت الاتفاقية في أبوابها المبادئ التالية: – السودان دولة مستقلة ذات سيادة ديمقراطية فدرالية، يكون السيادة فيها للشعب ، وتمارسها الدولة وفقا لأحكام الوثيقة الدستورية واتفاق السلام ، وأي دستور لاحق يتفق عليه السودانيون. – الحفاظ على وحدة شعب السودان وأرضه من خلال التحول الي نظام جديد للحكم العادل والرشيد يهدف أساس التداول السلمي للسلطة في السودان. – الفصل التام بين المؤسسات الدينية ومؤسسات الدولة لضمان عدم استغلال الدين في السياسة ، ووقوف الدولة على مسافة واحدة من جميع الأديان وكريم المعتقدات، علي أن يقنن في دستور البلاد وقوانينها ( الباب الأول : 7 – 1) – اقرار واحترام الهوّية السودانية والتنوع الأثني والديني والثقافي للشعوب السودانية دون أي تمييز ، وعكسها في نظام الحكم وسياساته من أجل بناء دولة تقوم على المواطنة المتساوية لجميع السودانيين. – تعتبر جميع اللغات السودانية لغات قومية ويجب احترامها وتطويرها والاحتفاء بها بالتساوي. – اقرار مبدأ الوحدة القائمة على الاعتراف والاحترام المتبادل بين المكونات البشرية والاجتماعية والسياسية والدينية والثقافية للدولة السودانية. – أهمية تمثيل المرأة في جميع مستويات السلطة ومراكز اتخاذ القرار بصورة عادلة وفعالة وبنسبة لا تقل عن 40 % ( الباب الأول: 20 – 1). – التقسيم العادل للسلطة والثروة والتمييز الايجابي لصالح المناطق المتأثرة بالحروب والنزاعات، والمناطق الأقل نموا ومعالجة قضايا التهميش والمجموعات المستضعفة والأكثر تضررا ضرورة لبناء دولة السلام المستدام والاستقرار والحكم الرشيد ( الباب الأول: 21 – 1). – العدالة والمساءلة والمحاسبة والمصالحة والعدالة الانتقالية متطلبات جوهرية لضمان السلام، والالتزام بقرار مجلس الأمن رقم 1593 لسنة 2005 والذي بموجبه تمت إحالة حالة دارفور الي المحكمة الجنائية الدولية، والتعاون غير المحدود مع المحكمة الجنائية الدولية بخصوص الأشخاص الذين صدرت بحقهم أوامر القبض ومثولهم أمام المحكمة الجنائية الدولية. إضافة لتخليد ذكرى الضحايا و التعويضات وجبر الضرر، وعودة النازحين واللاجئين لمناطقهم واعادة اعمار مناطقهم ، وتعويضهم عن الخسائر في الملكية والسكن والمزارع والقطعان، واسترداد الأراضي والحواكير . الخ. وتوفير الأمن بوقف اطلاق النار الدائم والترتيبات الأمنية النهائية. – دمج حركات الكفاح المسلح مسار دارفور في المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية ( الفصل الثامن :26) ، ودمج كل القوات في جيش وطني مهني. – لا يسري نطاق العفو العام الوارد في هذا الاتفاق على جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية وجريمة الإبادة الجماعية وجرائم العنف الجنسي ، وجرائم استخدام الجنود الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة ، والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والقانون الدولي الانساني. – التحضير للمؤتمر الدستوري في مدة أقصاها 6 شهور من تاريخ توقيع اتفاق السلام . وتم تحديد أجندة المؤتمر في : الهوية وإدارة التنوع، المواطنة ، علاقة الدين بالدولة ، إصلاح وتطوير القطاع الأمني، قضايا الحكم والسلطة ، قضايا الثروة والتنمية والبيئة والاقتصاد ، السياسة الخارجية، كيفية إجازة الدستور القومي الدائم، أي موضوعات أخرى تحددها المفوضية. كما اتفق الطرفان على التزام الحكومة بتمويل المؤتمر الدستوري، والتمثيل العادل والمتكافئ فيه. – تم الاتفاق علي قيام مؤتمر لنظام الحكم الاقليمي، واستعادة نظام الأقاليم ، واصلاح المنظومة العدلية ، اجراء التعداد السكاني قبل فترة كافية من نهاية الفترة الانتقالية، إجراء الانتخابات العامة في نهاية الفترة الانتقالية بمساعدة ومراقبة دولية، وإصدار قانون الانتخابات والأحزاب. تمديد الفترة الانتقالية واستثناء: اتفق الطرفان على أن تكون الفترة الانتقالية 39 شهرا ( تسعة وثلاثون) شهرا على أن يبدأ سريانها من تاريخ التوقيع على اتفاق السلام. كما استثنت الاتفاقية الممثلين من أطراف العملية السلمية الموقعة على الاتفاق من نص المادة (20) من الوثيقة الدستورية في مجلس السيادة والوزراء دون أن يشمل ذلك ولاة الولايات / حكام الأقاليم علي أن يتقدموا باستقالاتهم قبل ستة أشهر من نهاية الفترة الانتقالية المتفق عليها ولتنظيماتهم الحق في اختيار من يخلفهم في تلك المواقع. إضافة لقيام مؤتمر شركاء السودان لدعم الفترة الانتقالية. – اتفق الطرفان على إدراج اتفاقيات السلام الموقعة في الوثيقة الدستورية ، وفي حالة التعارض يُزال التعارض بتعديل الوثيقة الدستورية. – تم الاتفاق علي تكوين الصندوق القومي للعائدات المؤسسة الوحيدة لايداع العائدات.، وتكوين المفوضية القومية لقسمة وتخصيص ومراقبة الموارد والإيرادات المالية . – السيادة الوطنية: حسم ملف حلايب والحفاظ على أراضي الفشقة.الخ. 2 المحاصصات في تمثيل أطراف العملية السلمية في السلطة: برغم ما ورد في الاتفاقية من بعض الأهداف والأفكار العامة المتفق حولها ، الا أنه تمّ هزيمة تلك الأهداف عندما غلُب على الاتفاقية المحاصصات غير المبررة في تمثيل الموقعين على الاتفاق في السلطة، مما ينسف ما جاء في الأهداف والمبادئ العامة التي جاءت في صدر الاتفاقية، ومبدأ معالجة قضايا المناطق المهمشة في إطار معالجة الأزمة العامة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في السودان، والتنمية المتوازنة في جميع أقاليم السودان، وقيام جهاز دولة قليل التكلفة المالية، وتخفيض منصرفات الأمن والدفاع والقطاعين السيادي والحكومي ، وزيادة ميزانية التنمية ومنصرفات التعليم والصحة والدواء وخدمات المياه والكهرباء، وتوفير الخدمات البيطرية، وحماية البيئة، والاستعداد لكوارث الفيضانات والسيول، إعادة وتأهيل وإعمار المناطق الأقل نموا و المتأثرة بالحروب. جاءت المحاصصات على النحو التالي: – في المجلس السيادي : تمثيل الموقعين على الاتفاق ب 3 (ثلاثة). – مجلس الوزراء : تمثيل الموقعين ب 5 ( خمس) وزارات، أي بنسبة 25%. – المجلس التشريعي الانتقالي: تمثيل الموقعين فيه بنسبة (25 %) والتي تساوي 75 ( خمسة وسبعون مقعدا) من عدد المقاعد الكلي البالغ ثلاثمائة (300 ) مقعدا. – في العاصمة القومية : مشاركة أطراف عملية السلام في أجهزة إدارة العاصمة القومية ، وذلك بعد إقرار وضعها في مؤتمر نظام الحكم. – المفوضيات واللجان والهيئات والمؤسسات القومية: يتم تمثيل أطراف عملية السلام فيها. – الخدمة المدنية : التمثيل في الوظائف القيادية بالخدمة المدنية بعد مراجعة التعيينات التي تمت فيها. – لجنة إزالة التمكين: مشاركة أطراف عملية السلام فيها. – مفوضية السلام : إعادة هيكلتها لمشاركة الأطراف الموقعة على الاتفاق. – مفوضية صناعة الدستور والمؤتمر الدستوري : مشاركة أطراف عملية السلام في أعداد القانون وتشكيل مفوضية صناعة الدستور والمؤتمر الدستوري. – تمثيل مسار الشمال بنسبة 10 % في السلطة، والتمثيل في ولايتي شمال وغرب كردفان بنسبة 10 % لاطراف اتفاق السلام. – مسار دارفور : تمثيل طرفي الاتفاق في السلطة في دارفور 40 % لمكونات مسار دارفور، 30 % لمكونات حكومة السودان الانتقالية، 10 % للحركات الأخري، 20 % لأصحاب المصلحة الذين يشرف على اختيارهما الطرفان. في الخدمة المدنية: تمثيل أبناء دارفور في الوظائف العليا والوسيطة بنسبة 20 % في السلطة القضائية : استيعاب 20 % في السلطة القضائية من أبناء دارفور، مع مراعاة الكفاءة والتأهيل . النيابة العامة: تعيين نسبة 20 % من أبناء وبنات دارفور ، وتمثيل أبناء دارفور في المجلس الأعلي للنيابة وفق النسب المتفق عليها. في المؤسسات التعليمية: 15 % من المقبولين في الجامعات في التخصصات العلمية لأبناء وبنات دارفور لفترة عشر سنوات. ، إعفاء طلاب دارفور الذين يدرسون في دارفور من الرسوم الدراسية في الجامعات لمدة عشر سنوات ، وإعفاء الذين يدرسون خارج دارفور من كافة التخصصات ( طب ، صيدلة، هندسة، الخ) من الرسوم لمدة 10 سنين من تاريخ التوقيع علي الاتفاق. تخصيص 20 % من المنح الدراسية والبعثات وفرص التأهيل والتدريب في الخارج والداخل لأبناء وبنات دارفور. تخصيص 40 % من صافي عائدات الدولة من الموارد المعدنية والنفطية في دارفور لصالح الإقليم لمدة عشر سنوات ، وتخصيص 3 % من الإيرادات المتأتية من الموارد الطبيعية للسكان المحليين في المناطق التي تستثمر فيها هذه الموارد. تلتزم حكومة السودان بدفع 750 مليون دولار( سبعمائة وخمسون مليون دولار أمريكي) سنويا ولمدة عشر سنوات لصندوق دعم السلام والتنمية المستدامة في دارفور، أي 7,5 مليار دولار في عشر سنوات) ، وتلتزم الحكومة بدفع 100 مليون دولار خلال 30 يوما من تاريخ التوقيع على الاتفاق. – في القوات المسلحة : تعيين عدد من ضباط حركات الكفاح المسلح من الرتب الرفيعة في القوات البرية والشرطة وجهاز المخابرات حسب حجم القوات التي يتم دمجها. – قوات حفظ الأمن في دارفور: تتكون من 12 ألف فرد قابلة للزيادة تكوينها كالآتي: 6 ألف من القوات المسلحة والدعم السريع، 6 ألف من قوات حركات دارفور مهامها: جمع السلاح، حفظ الأمن، المساعدات في الطوارئ والكوارث. الخ. – في اصلاح وتطوير وتحديث المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية: تحويل القوات المسلحة والدعم السريع والأجهزة الأمنية وقوات الكفاح المسلح لمسار دارفور الي قوات نظامية تخدم المصالح العليا للدولة السودانية. – مسار المنطقتين : 5 % من وظائف الخدمة المدنية القومية لأبناء جبال النوبا.، و 3,2% من مجمل وظائف الخدمة المدنية لأبناء ولاية جنوب النيل الأزرق ، التمييز الايجابي حسب الكفاءة والتأهيل. مسار الشرق : 14 / من وظائف الخدمة المدنية لأبناء الشرق ، ونسبة 3 % من صافي عائدات الحكومة لصالح ولايات الشرق لمدة سبع سنوات، وتخصيص مبلغ 348 مليون دولار للتنمية في الشرق.. مسار الشمال : نسبة من عائدات سد مروي للولايتين. 3 يتضح مما سبق الخلل في منهج السلام في جوبا الذي حذرنا منه منذ بدايته، والذي قاد لهذا الاتفاق الشائه الذي لن يحقق السلام المستدام، بل سيزيد الحرب اشتعالا قد يؤدي لتمزيق وحدة البلاد ما لم يتم تصحيح منهج السلام ليكون شاملا وعادلا وبمشاركة الجميع. – كان الخلل الأساسي هو عدم تكوين المفوضيات وأهمها مفوضية السلام التي تابعها مجلس الوزراء، لكن تمّ تغول مجلس السيادة علي عملية السلام ، وتكوين مجلس السلام الذي يخرق “الوثيقة الدستورية” التي أعطت مجلس الوزراء حق”العمل على إيقاف الحروب والنزاعات وبناء السلام”. كان من الأهداف تعطيل الفترة الانتقالية وتغيير موازين القوي ويتضح ذلك عندما وقع المكون العسكري اتفاقا مع الجبهة الثورية بتأجيل المجلس التشريعي وتعيين الولاة المدنيين، وجاءت الاتفاقية بشكلها الحالي لتغير موازين القوى لصالح قوى “الهبوط الناعم ” بإعطاء نسبة 25% في التشريعي للجبهة الثورية و3 في السيادي و5 في مجلس الوزراء ، مما يحقق أغلبية يتم من خلالها الانقلاب على الثورة.. – اضافة للسير في الحلول الجزئية والمسارات التي تشكل خطورة على وحدة البلاد ، ورفضها أصحاب المصلحة أنفسهم. – السير في منهج النظام البائد في اختزال السلام في محاصصات دون التركيز علي قضايا جذور مجتمعات مناطق الحرب من تعليم وتنمية وصحة وإعادة تعمير، فقد تمّ تجريب تلك المحاصصات في اتفاقات سابقة ( نيفاشا، ابوجا، الشرق،.الخ) وتحولت لمناصب ووظائف دون الاهتمام بمشاكل جماهير مناطق النزاعات المسلحة في التنمية والتعليم والصحة وخدمات المياه والكهرباء وحماية البيئة، وتوفير الخدمات للرحل و الخدمات البيطرية، وتمّ إعادة إنتاج الحرب وفصل الجنوب، من المهم الوقوف سدا منيعا لعدم تكرار تلك التجارب. – الحركات نفسها جزء من الثورة و ق.ح. ت ، فالجماهير طرحت شعارات متقدمة في الثورة مثل : ” يا عنصري ومغرور كل البلد دارفور” ، ” من كاودا لأم درمان كل البلد سودان”، عليه من المهم الحل الشامل والعادل الذي يخاطب جذور المشكلة. – ليس هناك مبررا للتدخل الدولي الكثيف في شأن داخلي مثل: تدخل محور حرب اليمن، محور الدوحة، دول الترويكا وبقية الدول الأوربية وأمريكا في شأن داخلي يمكن أن يحله السودانيون ، علما بأن التدخل الخارجي إضافة لسياسات نظام الانقاذ كان سببا في فصل الجنوب. – ضرورة حضور الجميع للخرطوم والجلوس في مائدة مستديرة للتداول حول الحل الشامل والعادل الذي يخاطب جذور المشكلة، والتنمية المتوازنة ، ودولة المواطنة التي تسع الجميع. 4 ما هو البديل لما جرى في جوبا؟ – الديمقراطية والتحول الديمقراطي، وتحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، وتغيير العملة ، وعودة كل شركات الذهب والبترول والجيش والأمن والدعم السريع وشركات الماشية والمحاصيل النقدية والاتصالات لولاية المالية، ودعم الإنتاج الزراعي والصناعي والخدمي بما يقوي الصادر والجنية السوداني وتوفير العمل للعاطلين من الشباب، ورفض السير في السياسة الاقتصادية للنظام البائد في رفع الدعم وتخفيض العملة والخصخصة،، وانجاز مهام الفترة الانتقالية وتفكيك التمكين والانتقال للدولة المدنية الديمقراطية التعددية ، ورفض الحلول الجزئية في السلام بالحل الشامل والعادل الذي يخاطب جذور المشكلة. – إلغاء كل القوانين المقيدة للحريات ، وإلغاء قانون النقابات 2010، واجازة قانون نقابة الفئة الذي يؤكد ديمقراطية واستقلالية الحركة النقابية، ورفع حالة الطوارئ ، وإطلاق سراح كل المحكمين ونزع السلاح وجمعه في يد الجيش وحل جميع المليشيات وفقا للترتيبات الأمنية، لضمان وقف الحرب والصدامات القبلية والنهب والاغتصاب الجاري الآن في دارفور والشرق. الخ، وتكوين جبش قومي موحد مهني. . – تسليم البشير والمطلوبين للجنائية الدولية ومحاسبة مرتكبي جرائم الحرب وضد الإنسانية. – عودة النازحين لقراهم وحواكيرهم ، وإعادة تأهيل وتعمير مناطقهم ، وعودة المستوطنين لمناطقهم ، وتحقيق التنمية المتوازنة. – السيادة الوطنية ووقف ارسال القوات السودانية لمحرقة الحرب في اليمن، فلا يمكن تحقيق سلام داخلي، والسودان يشارك في حروب خارجية لا ناقة له فيها ولا جمل، والخروج من المحاور العسكرية، وقيام علاقاتنا الخارجية مع جميع دول العالم على أساس المنفعة والاحترام المتبادل، وتصفية كل بؤر الإرهاب والحروب في السودان. – تكوين مفوضية السلام وإلغاء منهج السلام الحالي غير الدستوري، ومباشرة السلام بإشراف مجلس الوزراء حسب نص “الوثيقة الدستورية”. الوسومتاج السر عثمان بابو

مقالات مشابهة

  • اتفاق جوبا واستمرار الصراع على السلطة
  • “نيويورك تايمز”: الإمارات ضالعة في حرب السودان وبن زايد سلح “الدعم السريع”
  • السجن المؤبد عشرين عاما لمؤيدة ومتعاونة مع مليشيا الدعم السريع المتمردة
  • حميدتي لأهل شمال السودان :سنغزوكم.. لكن لا تقلقوا
  • الأمم المتحدة: ميليشيا الدعم السريع تجند مقاتلين داخل أفريقيا الوسطى
  • جدل جديد بشأن حصة الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا لسلام السودان في السلطة
  • تنسيقية القوى المدنية تدين الاعتداءات على التظاهرات النسائية في عدن
  • فاكهة تُزهر بعد سنوات في قلب تركيا.. وهذا ما ينتظر المزارعين في نوفمبر
  • السودان يدعو لتصنيف قوات الدعم السريع منظمة إرهابية
  • السودان: الدعم الإماراتي لمليشيا الدعم السريع هو السبب الوحيد لاستمرار النزاع في البلاد