اليمين الإسرائيلي من الهامش إلى الهيمنة
تاريخ النشر: 14th, March 2025 GMT
المقدمة
منذ عقود كان المشهد السياسي في إسرائيل موزعا بين تيارين رئيسيين: اليسار الذي تبنى سياسات أكثر انفتاحا وديمقراطية، واليمين الذي ركّز على تعزيز الطابع اليهودي للدولة متبنيا التوسع الاستيطاني، لكن المؤسسات السياسية والأمنية كان لها دور في خلق نوع من التوازن داخل إسرائيل. مع تصاعد قوة الأحزاب اليمينية، ولا سيما بقيادة بنيامين نتنياهو وتحالفاته مع الأحزاب الدينية والقومية المتطرفة، بدأت تظهر تشققات واضحة في بنية المجتمع الإسرائيلي، تحديدا منذ التسعينيات عندما بدأ اليمين يحقق تقدما كبيرا في المشهد السياسي، متجاوزا التيار اليساري الذي ضعف بعد انتفاضة الأقصى عام 2000م، حيث اتبعت هذه التيارات سياسات قائمة على تأجيج العداء الداخلي بين التيارات الليبرالية والعلمانية من جهة، والتيارات الدينية والقومية من جهة أخرى.
تعزيز القومية الدينية
مع صعود بنيامين نتنياهو إلى السلطة عام 2009، بدأ تيار اليمين يتجه نحو سياسة تأجيج المخاوف الأمنية وتعزيز الهويات القومية والدينية، والاستفادة من التغيرات الديموغرافية، مثل ازدياد نفوذ اليهود الحريديم (المتشددين دينيا) والمستوطنين، مما منح الأحزاب اليمينية قاعدة شعبية قوية. وفي عام 2018 أقر الكنيست الإسرائيلي "قانون القومية"، الذي ينص على أن إسرائيل هي "الدولة القومية للشعب اليهودي"، مع إعطاء العبرية وضعا رسميا وتهميش للغة العربية والذي اعتبره اليمين انتصارا للهوية اليهودية.
ارهاصات تفكك المجتمع الاسرائيلي
منذ بداية عام 2023، حاولت حكومة نتنياهو تمرير إصلاحات قضائية بالهجوم على القضاء واستقلال المؤسسات بهدف تقليص صلاحيات المحكمة العليا، مما أدى إلى احتجاجات غير مسبوقة داخل إسرائيل، هذه الخطوة اعتبرت من قبل اليساريين بداية عهد جديد من اليمين الإسرائيلي لتقويض الديمقراطية وتحويل النظام السياسي إلى حكم استبدادي يخدم أجندة اليمين المتطرف. هذا الإجراء يعتبر بداية صراع وانقسام المجتمع بشكل غير مسبوق، بعد خروج مئات الآلاف من الإسرائيليين إلى الشوارع، في مشهد يعكس عمق الشرخ الداخلي بين مؤيدي اليمين ومعارضيه وتحول المظاهرات من سلمية الى تصادمية تدريجية، وما زاد الشرخ حدة قانون التجنيد والذي ستكون له عواقب سياسية ومجتمعية داخل المجتمع الإسرائيلي.
العلاقة مع التيارات الدينية: شراكة أم تهديد للعلمانية؟
يتمتع التيار الديني القومي بنفوذ قوي داخل اليمين الإسرائيلي بهدف الحفاظ على الهوية اليهودية، حيث فرضت هذه الأحزاب أجندتها الدينية على السياسات العامة، مثل منع وسائل النقل العام يوم السبت، وفرض مناهج دينية في المدارس، وإعفاء طلاب المدارس الدينية من الخدمة العسكرية، والذي أدى بدوره إلى توتر متزايد بين العلمانيين والمتدينين، حيث بات الشعور من اليهود العلمانيين بأن إسرائيل تتحول تدريجيا إلى دولة دينية، مما دفع بعضهم إلى الهجرة خارج البلاد أو الانخراط في الاحتجاجات ضد الحكومة. هذه السياسات اليمينية بدأت تصاعديا بتعزيز الهوية القومية معتبرين أن السيطرة على القضاء بهدف حماية الدولة من الضغوط الداخلية والخارجية، وأن النخب الليبرالية منعزلة عن الواقع وأنها تسعى لجلب المخاطر على الدولة القومية، إلا أنها فعليا بدأت بتفكك المجتمع الإسرائيلي.
انقسام داخلي يهدد استقرار إسرائيل
السياسات اليمينية في إسرائيل لم تعد مجرد خيار سياسي، بل أصبحت عاملا رئيسيا في تشكيل مستقبلها سواء على المستوى الداخلي أو الإقليمي، وبينما يرى اليمين أن هذه السياسات ضرورة لحماية الهوية اليهودية، الا أنها بداية تفكيك المجتمع الإسرائيلي وزيادة العداء بين مكوناته المختلفة
يشهد المجتمع الإسرائيلي تحولات اجتماعية كبرى نتيجة لهذه السياسات، حيث يتفاقم الصراع بين اليهود الشرقيين والأشكناز، وبين المتدينين والعلمانيين، وبين اليسار واليمين، كما أن صعود القوى الدينية المتشددة وزيادة نفوذها في الحكومة والجيش يهدد قطاعات واسعة من المجتمع التي تخشى تحول إسرائيل إلى دولة دينية على حساب الطابع الديمقراطي. ومن جاب آخر فالتوسع الاستيطاني انعكس بالتوتر مع الفلسطينيين في الداخل فاليمين يعتبر دعم الاستيطان أحد الركائز الأساسية لسياساته، فمنذ تولي اليمين الحكم في إسرائيل توسعت المستوطنات في الضفة الغربية بشكل غير مسبوق خلال العقدين الأخيرين بتعزيز وجود المستوطنين ببؤر استيطانية سرطانية سريعة الانتشار، هذه التوترات انعكست على الداخل الإسرائيلي بازدياد حدة العنف بين اليهود المتطرفين والفلسطينيين داخل الخط الأخضر، خاصة خلال أحداث أيار/ مايو 2021، عندما اندلعت مواجهات عنيفة في مدن مختلطة مثل اللد وعكا والمثلث، وتصاعدت بعد الحرب على قطاع غزة.
الخاتمة
تشير التطورات الأخيرة إلى أن السياسات اليمينية في إسرائيل لم تعد مجرد خيار سياسي، بل أصبحت عاملا رئيسيا في تشكيل مستقبلها سواء على المستوى الداخلي أو الإقليمي، وبينما يرى اليمين أن هذه السياسات ضرورة لحماية الهوية اليهودية، الا أنها بداية تفكيك المجتمع الإسرائيلي وزيادة العداء بين مكوناته المختلفة. وفي ظل هذه الانقسامات العميقة، يبدو أن إسرائيل تقف على مفترق طرق حاسم، حيث سيكون للقرارات السياسية القادمة تأثير طويل الأمد على استقرارها وتماسكها الداخلي، فهل سيتمكن اليمين من تحقيق رؤيته دون إحداث تصدع داخلي خطير؟ أم أن الاحتجاجات والمقاومة الداخلية ستعيد رسم المشهد السياسي الإسرائيلي خلال السنوات المقبلة؟ لكن المؤكد أن إسرائيل لم تكن يوما بهذا الانقسام الحاد، وأن مستقبلها بات أكثر غموضا من أي وقت مضى.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مدونات مدونات إسرائيل اليمينية انقسام إسرائيل انقسام تطرف اليمين مدونات مدونات مدونات سياسة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة رياضة اقتصاد صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المجتمع الإسرائیلی هذه السیاسات فی إسرائیل أن إسرائیل
إقرأ أيضاً:
نقيب المحامين يترأس جلسة حلف اليمين القانونية للأعضاء الجدد
عقدت النقابة العامة للمحامين، اليوم الثلاثاء، جلسة حلف اليمين القانونية للمحامين الجدد، ترأسها الأستاذ عبدالحليم علام، نقيب المحامين ـ رئيس اتحاد المحامين العرب، وذلك بنادي المحامين النهري بالمعادي.
وفي بداية كلمته، أكد النقيب العام، على أن نقابة المحامين المصرية تعد أعرق نقابة مهنية في الوطن العربي ولها تاريخ مشرف، ونتمنى أن تكونوا إضافة مهنية قوية للمحاماة ونقابة المحامين.
وأضاف نقيب المحامين، أن الفترة الماضية شهدت عقد جلسات حلف يمين استثنائية بالمحافظات، فلم يحدث في تاريخ النقابة أن ينتقل النقيب العام لأي محافظة لأداء قسم المحاماة، ولكن جاء ذلك لتخفيف مشقة وعناء السفر على شباب المحامين، كما تم عقد لقاءات ممفتوحة مع السادة المحامين للاستماع إليهم وإطلاعهم على آخر مستجدات العمل النقابي.
وطالب سيادته الأعضاء الجدد بأن يهتموا بمظهرهم العام والالتزام بالزي الرسمي للمحامي، وأن يتبعوا الطرق القانونية الصحيحة في أداء رسالتهم، وأن يهتموا بتطوير أنفسهم في شتى مجالات المعرفة، وحثهم على ضرورة الالتحاق بمكاتب المحامين للتعلم والتدرب بشكل عملي سليم، وأن يهتموا بقراءة القضية أكثر من مرة لفهمها بالشكل الصحيح، وكذلك ضرورة قراءة وفهم قانون المحاماة.
وأشار الأستاذ عبدالحليم علام، إلى أن معهد المحاماة في ثوبه الجديد سيوفر على شباب المحامين عناء ومشقة الدراسة عامين في أكاديمية المحاماة المنصوص عليها في قانون المحاماة، مشيرًا إلى أن النقابة تسعى لتعديل تشريعي لقانون المحاماة يحقق طموحات وآمال المحامين، ويحقق الهدف الأسمى الذي يبتغيه المشرع من تطبيق الأكاديمية، فلا يمكن أن تكون الأكاديمية عبئًا على المحامي وأسرته، خاصة للمحامين المغتربين، ونستطيع عمل دبلومة متخصصة لإعداد المحامي تشمل الجانبين النظري والعملي، بكليات الحقوق المنتشرة في أنحاء الجمهورية، ولا تُكبد المحامي الكثير من الجهد والوقت والنفقات، قائلًا: "نريد من لديه الرغبة الحقيقية في الالتحاق بالمحاماة ويملك قيمة علمية وليست مادية".
وأوضح الأستاذ عبدالحليم علام، أن نقابة المحامين بها 500 ألف عضو، ولكل منهم أسرة مكونة من زوج وزوجة، وأطفال، وهذا ما يجعلنا نقول بلغة الأرقام أن النقابة ترعى مصالح ما يقرب من 2 مليون فرد، فهي عبارة عن دولة مثل الدول العربية الصغيرة، ولكنها دولة بإمكانيات وموارد ذاتية.
وأكد، أن نقابة المحامين مؤسسة ضمن مؤسسات الدولة، ولها أن تأخذ الكم الذي تحتاجه فقط من خريجي كليات الحقوق والشريعة والقانون، مشيرًا إلى أنه تم وضع ضوابط وأسس للقيد بنقابة المحامين لضمان دخول المستحقين فقط.
وتحدث نقيب المحامين، خلال جلسة الحلف عن أبرز التحديات التي تواجه مهنة المحاماة ونقابة المحامين في ظل الظروف الراهنة، وعلى رأسها مشروع تعديل قانون الإجراءات الجنائية.
وأكد سيادته أن نقابة المحامين، قامت بدور كبير وتاريخي خلال مناقشات مشروع القانون في مجلس النواب، مشيرًا إلى أن مشاركته في الجلسة العامة للمجلس، واستماع النواب لرؤيته وطلباته، تُعد سابقة ستظل راسخة في تاريخ النقابة.
وشدد نقيب المحامين، على ضرورة الاصطفاف خلف النقابة والتصدي للدعوات الهدامة، لأن قوة النقابة في اتحاد أعضائها ووقوفهم خلف نقيبهم العام.
وطالب نقيب المحامين، بضرورة أن يلتزم جميع المحامين بكافة قرارات مجلس النقابة العامة، وخاصة المتعلقة بأزمة زيادة الرسوم القضائية، والامتناع عن الحضور وتوريد الرسوم يومي 7 و8 يوليو الجاري، مشيرًا إلى أن المجلس يأخذ قرارات تصب في مصلحة الجمعية العمومية، موضحًا أن زيادة الرسوم القضائية تمت بالمخالفة للدستور والقانون، وتمثل خطرًا على السلم والأمن القومي للبلاد، فهي تحرم المواطن من اللجوء لقاضيه الطبيعي، ومن منطلق دور النقابة القومي فإنها ستدافع عن حق المواطن في التقاضي.
حضر جلسة حلف اليمين الأستاذ محمود الداخلي الأمين العام للنقابة، والأستاذ عبدالمجيد هارون أمين الصندوق، والأستاذ يحيى التوني، ومحمد عيسى، ومحمد هيبة، والسيد جابر وإبراهيم فؤاد، أعضاء مجلس النقابة العامة.
1000445008 1000445009 1000445007 1000445005 1000445006