بقلم: د. مظهر محمد صالح ..

عُد التعذيب في السجون الاديولوجية من أكثر وسائل المواجهة عنفاً وبدائيةً،إذ يتهاوى المناخ الإنساني وتغُيب روابط المواطنة وتتقًطع العلاقات بين البشر.فالمعتقلون في نظر جلاديهم خونة سياسيون او كفرة لابد من استئصالهم او تعذيبهم او ترويعهم ليتاح إذابة ثوريتهم او إصلاح رجعيتهم! وهو النمط الاول الذي اطلق عليه فيلسوف النصف الأخير من القرن العشرين (ميشيل فوكو)1926-1984في كتابه الشهير( المراقبة والعقاب) الصادر في باريس في العام 1975والذي سماه (بالنمط الملوكي) في إستعمال تكنولوجيا العقاب .

وينظر الى النمط الأول بكونه الأشد قمعا والأكثر وحشيةً والذي جرى من خلاله تشخيص تاريخ الإجرام والعقوبات والممارسات الاجتماعية في السجون.وعلى الرغم من ان التعذيب لدى علماء النفس،هو نوع من أنواع السادية التي تعظم الرغبة في إيذاء الآخرين لتحقيق النشوة،لكن (فوكو) قد صور جسد المعذب في كتابه (المراقبة والعقاب) ليمثل محور الخطاب ومفهومه في تشكيل فلسفته التي قدمت فحصاً متكاملاً للآليات الاجتماعية والنظريات التي كانت وراء الاختلاف الهائل بين نظم العقاب في العصر الحديث.فالتعذيب عند(فوكو) مراسم وطقوس وعملية تدوين لجسد المعذب ،بغية الحصول على الاعتراف بالجريمة.لذا فأن الاعتراف هو القطعة الأساسية من عملية التعذيب ومن اجلها يمارس التنكيل والتعذيب بمختلف إشكاله ولكونه يُؤمن اقتران البرهان المكتوب بالبرهان الشفوي في شكل اعتراف.فمسألة اعتقال الاخرين كخيار لدى القائمين على أجراءات العقاب ضمن اطار حركة واسعة ترمي الى مناؤة عالم السجن والاعتقال ولكن بدرجات متفاوتة تتراوح ما بين إنتقاد شروط السجن وانتهاءً بمواقف راديكالية تنتقد مبدأ السجن نفسه وتطالب بأغلاق السجون حسب ما يعتقده (ميشيل فوكو)!.بيد ان وقائع التعذيب تنطوي على اشكالية وحضور ملتبس:إذ كثير ما ينقلب مسرح التعذيب كما يقول( فوكو )من العبرة الى العاطفة ومن الانتقام الى التسامح مع السجين وخاصة عندما يعلم الرأي العام ان العقوبة جائرة وان الاحكام ظالمة.ولاشك ان فوكو هو اول الفلاسفة اللذين ناقشوا ظاهرة السجن ذاتها وقام بتحليلها في سياق تاريخها ،انطلاقاً من ولادتها وحتى مفاهيمها الحديثة وولوجها ساحة النقاش الفكري الفلسفي ولاسيما عند التطرق إلى مؤسسات الطب النفسي ومؤسسات العقاب بالسجن.فالسؤال الذي اجاب عليه(ميشيل فوكو) والذي خص جانب علم النفس والقائل:انه كلما تعاظم الاحتكاك بين الجلاد والمعتقلين،تراجعت قدرته النفسية على إلحاق الأذى و الاهانة.وعلى الرغم من ذلك ، لم تتاح لي فرصة التحدث والحوار المباشر مع (فوكو) كي يفسر لي ظاهرة مختلفة حدثت بين الضحية والجلاد في سجون القصر الملكي المرعب والمسمى( بقصر النهاية) ببغداد في العام 1971.فمساء كل يوم يتبادل الجلاد(فرحان) التحية الباهتة قبل الغروب مع معتقليه، ذلك عندما يقوم بفتح زنزاناتنا الواحدة بعد الأخرى بنفسه ،ثم يأخذ بين يديه طبلة خشبية صغيرة ضمت قطع من الحلوى وسجائر وغيرها من السلع الاستهلاكية الساذجة. هنا يمارس فرحان دور بائع المفرد ويتقن فن التسويق على المسجونين والتربح من كل درهم او دينار مازال في جيوبهم الخاوية.و يختلف المسرح التجاري وزبائنه داخل الزنزانات عند الجلاد( فرحان) في السلوك والعاطفة عن مسرح التعذيب وزبائنه الذين هم أنفسهم .فالعاطفة والود والتسامح التجاري ينقلب في ليلتها حالاً إلى سادية متوحشة وقدرة على التعذيب وازدواجية في التصرف وعلى نحو لاتجد له تفسيراً في اي فصل من فصول كتاب(فوكو) – المراقبة والعقاب. فالقطيعة الانسانية امست حاصلة لامحالة، والتبضع التجاري لايولد عاطفة كافية تسد ذريعة الجلاد(فرحان) بالامتناع عن ساديته تجاه استباحة اجساد زبائنه. فحالما تنتهي فصول المسرحية التسويقية في البيع والشراء والتعاطي التجاري مع المسجونين وتوقف دورة المراوغة ألسعريه غير المتكافئة ،يدخل السجناء من فورهم، وقبل ابتلاعهم قطعة الشكولاته، الى دوامة مسرح التعذيب الذي يمارسه بائع المفرد( فرحان) نفسه مستبيحاً اجساد زبائنه!.انها المفارقة في ازدواجية السلوك التي يعيشها شخوص النمط الملوكي في ممارسة تكنولوجيا التعذيب وهو النمط الاول الذي نوه عنه(فوكو) دون ان يدري مايحصل من ازدواجية خالية العاطفة في احد سجون شرق المتوسط – واقصد هنا قصر النهاية المرعب.فقد كان الجلاد (فرحان) انسان منفصم الشخصية،فهو وحش في السجن و انسان عادي في ممارسة التسويق التجاري على السجناء.كما ان انفصام شخصيته بدأت يوم كان حارساً في السجن ثم مشاهداً لحفلات التعذيب وانتهى مشاركاُ محترفاُ في فصول التعذيب من النمط الاول قبل ان يصبح بائع مفرد داخل محاجر السجن الرهيب.رحَل ميشيل فوكو في العام 1984 بعد ان حول فكرة السجن الى رهان فلسفي من اجل فرض العقاب.كما ان تطور نُظم العقاب عند فوكو ولدَت في العصر الحديث ما يسمى بالرؤية او النمط الثاني للعقاب وهو النمط التأديبي القائم على مبدأ ممارسة مفهوم:سلطة-معرفة…ذلك ابتداءً من السجن وانتهاءً بالمنزل المحمي اليوم بالكاميرات الالكترونية او حتى دور الشرطي او المعلم او المؤسسات التي تمارس جميعها دور الانضباط وفرض العقاب التأديبي على خروقات النظام العام و في حوار لم ينقطع .!!

*) باحث ومحلل إقتصادي ونائب محافظ البنك المركزي السابق

د.مظهر محمد صالح

المصدر: شبكة انباء العراق

كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات

إقرأ أيضاً:

هل تعانين من الهالات السوداء؟ خبراء التجميل يقدمون حلولا عملية

تُعدّ الهالات السوداء تحت العينين من المشكلات الجمالية الشائعة التي تؤرّق كثيرا من النساء، إذ تجعل الوجه يبدو بمظهر مرهق ومتقدم في العمر، وتُفقد العينين بريقهما الطبيعي وإشراقتهما المعتادة.

رابطة صناعة منتجات العناية الشخصية والمنظفات في ألمانيا أوضحت أن خافي العيوب أو ما يُعرف "بالكونسيلر" يُعدّ أداة فعالة وأساسية في التجميل لإخفاء الهالات السوداء. وللحصول على أفضل تغطية، يُنصح باختيار كونسيلر مرطّب بلون أفتح بدرجة واحدة من لون البشرة، ليساعد في تغطية الهالات الخفيفة وإضفاء مظهر أكثر إشراقًا.

أما إذا كانت الهالات أكثر وضوحًا أو تميل إلى اللون الرمادي المزرق، فتُوصي الرابطة باستخدام درجات الكونسيلر المائلة إلى الأصفر أو البرتقالي، فهي تساعد على تعديل التصبغات الغامقة وموازنة الألوان بشكل طبيعي.

وشددت الرابطة على أهمية طريقة التطبيق، إذ يُفضّل توزيع الكونسيلر بالتربيت باستخدام أطراف الأصابع أو الإسفنجة الناعمة، بدلًا من الفرشاة، لضمان دمجه بسلاسة مع البشرة. بعد ذلك، يتم تثبيت الكونسيلر بطبقة رقيقة من كريم الأساس (الفاونديشن) للحصول على نتيجة مثالية.

العناية بالبشرة والتدليك اللطيف

إلى جانب المكياج، ينصح خبراء التجميل بالعناية المستمرة بمنطقة أسفل العينين، عبر التدليك الدائري الخفيف باستخدام أطراف الأصابع أو أدوات مخصصة، خاصة تلك التي تحتوي على مكونات مرطبة فعالة مثل حمض الهيالورونيك والكولاجين. هذه التقنية لا تعمل فقط على تنشيط الدورة الدموية، بل تسهم أيضًا في تقليل الانتفاخ وتنعيم الخطوط الدقيقة.

إعلان مكياج العيون المضيء لإخفاء التعب

ومن الحيل الجمالية الذكية للتخفيف من تأثير الهالات السوداء، يُوصى بتطبيق مكياج عيون مشرق بألوان فاتحة ولامعة، بدلًا من الظلال الداكنة أو أسلوب "السموكي آي" التقليدي.

يمكن وضع الهايلايتر اللامع، ويفضل أن يكون بلون الشمبانيا، على الزاوية الداخلية للعين أو تحت قوس الحاجب، لإضفاء لمسة من الإشراق تعكس النور وتمنح العينين مظهرًا أكثر يقظة وانتعاشًا.

لمسة نضارة على الخدود

ولا تكتمل الإطلالة المشرقة من دون أحمر الخدود، إذ يُضفي البلاش بلون وردي أو مرجاني فاتح، يُطبّق برفق على عظام الوجنتين، إشراقة طبيعية على الوجه، فيُسهم في تشتيت الانتباه عن الهالات السوداء ويُعيد للبشرة حيويتها.

بهذه الخطوات المتكاملة، التي تجمع بين مستحضرات التجميل والعناية بالبشرة، يمكن للمرأة أن تتغلب على مظهر الهالات السوداء وتحافظ على إطلالة صحية ومشرقة تعكس الحيوية والثقة.

مقالات مشابهة

  • محمد بن حم يشارك في منتدى “حوار يريفان” إلى جانب قادة دوليين في أرمينيا
  • الرياض تدعو لتضافر الجهود الدولية لدعم الإغاثة الإنسانية في غزة
  • هل تعانين من الهالات السوداء؟ خبراء التجميل يقدمون حلولا عملية
  • كيف يعدم الاحتلال آخر مظهر للحياة في غزة؟
  • ألونسو: عُدت إلى بيتي.. وارتباطي بريال مدريد لم ينقطع
  • كوزمين يختار 27 لاعباً في قائمة «الأبيض»
  • مراغة قبائل خولان الطيال الشيخ صالح روضان في حوار خاص لموقع “يمانيون”: الأسلاف والأعراف القبلية ثقافة ومنهج وهوية لكل يمني لا يمكن التخلي عنها
  • السجن 6 سنوات للمتهمة بقتل طفلها بعد تعذيبه في القليوبية
  • السجن 6 سنوات لربة منزل لاتهامها بقتل نجلها بعد تعذيبه بالقليوبية
  • السجن 6 سنوات لـ ربة منزل بتهمة قتل نجلها بتعذيبه والتعدى عليه بالضرب بالقليوبية