وألوانها بيضاء ورمادية!
تاريخ النشر: 17th, March 2025 GMT
يوسف عوض العازمي
@alzmi1969
"عندما يأمن الموظف العقاب سيقع في الفساد ويسوم الفقراء سوء العذاب" نجيب محفوظ.
*****
القاعدة التي يتداولها الناس هي أنه مع تطور مكافحة الجريمة تجد الجريمة نفسها تتطور بشكل أعلى من تطور المكافحة، النفس الضعيفة التي لا يردعها وازع ديني ولا أخلاق حسنة ولا أمانة صعب إيقافها وردعها إلّا بغلاظة القانون، والمثل يقول "من لا يُربيه بيته يُربيه القانون".
قبل أكثر من 35 عامًا، عُرضت على شاشات تلفزيون دولة الكويت آنذاك، حلقات مسلسل ساخر عرض في رمضان في ذاك الوقت، ويتحدث عن طاغية حكم بلدة ما اسمه "كامل الأوصاف"، وكانت حلقات المسلسل وتصرفات الطاغية الذي قام بدوره الفنان القدير غانم الصالح- رحمه الله- وكأنها تستشرف المستقبل؛ حيث العبقرية في كتابة النص، ودقة التوصيف للحدث، والرؤية الثاقبة لمستقبل الأيام، وحقق المسلسل نجاحا منقطع النظير يستحقه ولا شك.
من المشاهد المعبرة التي تضمنها المسلسل الشهير مشهد يظهر به الطاغية كامل الأوصاف وهو يصدر قرارا بصبغ ألوان البيوت باللونين الأبيض والرمادي، ليس لأن هناك لجنة متخصصة أقرت ذلك وليس لأنَّ المصلحة العامة تتطلب ذلك، إنما لأن حليف الطاغية التاجر شاهبندر التجار وقع في ورطة بسبب تكدس الأصباغ باللونين الأبيض والرمادي في مخازنه بسبب صفقة خاسرة، ولذلك تعاطفاً مع الشاهبندر وليس تعاطفا مع المصلحة العامة، قرر الحاكم الطاغية أن يتحمل الشعب المغلوب على أمره تبعات خسارة التاجر، ويصبغ البيوت بالأبيض والرمادي، وألف مبروك الربح للشاهبندر، وتعيش وتأكل غيرها أيها الشعب المسكين.
المقال تقريبًا انتهى، وسأترك لك تفسير أشياء كثيرة تدور حولك، وهنا أركز على دور الفن الهادف في توعية المجتمع، فالفن الحقيقي هو برلمان حقيقي وسلطة فاعلة للمجتمع.
الفن، والصحافة الحرة، وحرية الرأي المسؤولة، هي أعمدة للمجتمع وليست على المجتمع، متى ما أصبح قادتها أناس ثقات ووطنيين سيكونون هم الصوت المعبر للشعب، ومن يقرأ التاريخ يعلم أن النهضة الأوروبية انطلقت بأساس من الآداب والفنون والثقافة التي كانت قاعدة انطلقت منها بقية العلوم التي بدأت من الآلة البخارية حتى وصلنا لعصر الذكاء الاصطناعي.
يا ترى هل مشهد الأصباغ البيضاء والرمادية سيتكرر في عصورنا الحالية، أم سيبقى مشهدا مسليا، للضحك وللفكاهة!
يقول تعالى: "إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ" (الرعد:11).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيَّتِه، والأمير راعٍ، والرجل راعٍ على أهل بيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولدِه، فكلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسؤول عن رعيَّتِه"؛ متفق عليه.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
"الفن يفضح العنف الزوجي: «فات الميعاد» ينضم لقائمة درامية جريئة تصرخ بلسان النساء"
اتجهت الدراما العربية مؤخرًا إلى تسليط الضوء على واحدة من أخطر القضايا المسكوت عنها داخل البيوت، وهي العنف الزوجي، في محاولة لفضح القهر الذي تتعرض له بعض النساء خلف الأبواب المغلقة، وتقديمه على الشاشة بصراحة غير مسبوقة.
أحدث هذه الأعمال كان مسلسل «فات الميعاد»، الذي أثار تفاعلًا كبيرًا بعد عرضه، حيث تناول حياة امرأة تتعرض للتهديد والتعنيف النفسي والجسدي من زوجها، في حبكة مشوقة تجمع بين المعاناة والتمرد.
قدّم المسلسل نموذجًا حيًا لمعاناة كثير من النساء اللاتي يُجبرن على الصمت خوفًا من المجتمع أو تشتت الأسرة.
ويُعد هذا المسلسل امتدادًا لسلسلة من الأعمال الفنية التي ناقشت هذه القضية بعمق، ومن بينها:
«إلا أنا – حكاية دون ضمان»
من أبرز الحكايات التي عرضت ضمن سلسلة «إلا أنا»، وتناولت قصة فتاة تتزوج عن حب لتكتشف وجهًا آخر لزوجها بعد الزواج، حيث تتعرض للضرب والإهانة، لتدخل في صراع نفسي وجسدي يحرك تعاطف المشاهدين بقوة.
«ليه لأ؟» – الجزء الثاني
تناول المسلسل قصة امرأة مطلقة تحاول بناء حياة جديدة بعيدًا عن زواج سابق كان مليئًا بالتحكم والسيطرة، وطرح فكرة حق المرأة في الطلاق والاستقلال كخطوة شجاعة للهروب من علاقة مؤذية.
«لعبة نيوتن»
أحد أبرز المسلسلات التي ناقشت العنف النفسي بشكل غير مباشر، من خلال شخصية "هنا" التي تعاني من تحكم زوجها وتخبطها بين الرغبة في التمرد والخوف من الانفصال، في معالجة نفسية عميقة للعلاقات السامة.
«ستهم»
رغم أن تركيز المسلسل الأساسي كان على تمكين المرأة، إلا أن بعض مشاهد العمل أظهرت بوضوح نماذج من القهر الأسري والعنف الذي قد تتعرض له المرأة في محيطها العائلي والزواجي.
«ضرب نار»
تناول المسلسل جانبًا من العنف اللفظي والنفسي داخل العلاقات، وسط أجواء اجتماعية شعبية تسلط الضوء على نظرة المجتمع الدونية للمرأة التي ترفض الإهانة أو تحاول المطالبة بحقها.
تؤكد هذه الأعمال أن الدراما لم تعد تكتفي برواية القصص العاطفية أو الاجتماعية فقط، بل أصبحت مرآة لقضايا حقيقية تعاني منها النساء في الواقع، محاولة دق ناقوس الخطر، وتحفيز الحديث المجتمعي عن حق المرأة في الحياة الكريمة والأمان داخل الزواج.
والسؤال المطروح: هل تستطيع هذه الأعمال تحريك المياه الراكدة؟ وهل تتحول قصص الشاشة إلى دعم فعلي وتشريعات حقيقية تحمي النساء من العنف؟
الأمل معقود على استمرار الفن في أداء هذا الدور بجرأة وصدق.