لا يخفى على المتابعين للشؤون الأوروبية كثرة التصريحات التي يطلقها المسؤولون الأوروبيون هذه الأيام للثناء على تركيا، بالإضافة إلى التقارير التي تنشرها وسائل الإعلام الأوروبية للفت الأنظار إلى أهمية تركيا في حماية أمن القارة العجوز، كما لا يخفى عليهم أن هذا الاهتمام المتزايد الذي يبديه هؤلاء الأوروبيون للعلاقات التركية الأوروبية، جاء بعد التهديدات التي وجهها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى أوروبا، وتغير موقف واشنطن من الحرب الروسية الأوكرانية.
رئيس وزراء بولندا دونالد توسك، في المؤتمر الصحفي الذي عقده مع رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان، الأسبوع الماضي خلال زيارته لأنقرة، ذكر أنه عرض على تركيا أن تلعب دورا فعالا في بدء عملية السلام بين روسيا وأوكرانيا، وأعرب عن أمله في أن تصبح عملية انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي عملية واقعية وملموسة، مؤكدا أن بلاده تدعم مساعي تركيا للانضمام إلى الاتحاد، وستستمر في دعمها.
الاتحاد الأوروبي منقسم على نفسه، كما أن هناك خلافات عميقة بين دول الاتحاد في قضايا مصيرية، مثل التعامل مع الخطر الروسي. وتشعر دول البلطيق وأوروبا الشرقية بذاك الخطر أكثر مما تشعر به دول أوروبا الغربية. ولذلك، تتطلع أستونيا ولاتفيا وليتوانيا وبولندا إلى دور تركي أكبر في مواجهة روسيا
وعلى الصعيد الإعلامي، ذكرت صحيفة التلغراف البريطانية في تحليل نشرته، السبت، أن ازدراء ترامب لحلفاء الولايات المتحدة، وتخليه عن أوكرانيا، وتقربه من روسيا، دفع تركيا وأوروبا إلى تقارب ضروري، مؤكدة أن بروكسل وأنقرة بحاجة إلى بعضهما البعض. وقالت إن تركيا تتمتع بموقع جغرافي استراتيجي بفضل مضيقي البوسفور والدردنيل، وتملك ثاني أقوى جيش في حلف شمال الأطلسي "الناتو"، إضافة إلى أن الجنود الأتراك أكثر خبرة في المعارك من جنود معظم الدول الأوروبية، كما أشارت إلى تقدم تركيا في مجال الصناعات الدفاعية التي تحتاج إليها أوروبا في ظل تسابقها لإعادة التسلح.
تركيا حققت في السنوات الأخيرة قفزة كبيرة في مجال الصناعات الدفاعية، وبدأت تصنع طائراتها المسيرة ومركباتها البحرية، وسفنها الحربية ودباباتها ومدرعاتها ومروحياتها وصواريخها وأقمارها الصناعية وأنظمتها للدفاع الجوي، وأصبحت تعتمد على الأسلحة الوطنية إلى حد كبير، بعد أن أدركت بفضل العقوبات الغربية أن الاعتماد على الدول الأخرى في هذا المجال خطأ كبير. وهناك دول أوروبية قامت بشراء عدد من الطائرات المسيرة والمدرعات من تركيا، كما وقعت شركة بايكار التركية اتفاقية مع شركة ليوناردو الإيطالية لإنشاء مشروع مشترك لإنتاج الطائرات المسيرة. وترغب كثير من الدول الأوروبية في الاستفادة من التجربة التركية ومنتجاتها المتطورة في هذا المجال.
الاتحاد الأوروبي منقسم على نفسه، كما أن هناك خلافات عميقة بين دول الاتحاد في قضايا مصيرية، مثل التعامل مع الخطر الروسي. وتشعر دول البلطيق وأوروبا الشرقية بذاك الخطر أكثر مما تشعر به دول أوروبا الغربية. ولذلك، تتطلع أستونيا ولاتفيا وليتوانيا وبولندا إلى دور تركي أكبر في مواجهة روسيا. وفي المقابل، هناك دول أوروبية أخرى ما زالت تكابر وتحمل نظرة استعلائية تجاه أنقرة، وترفض انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، رغم وعيها بمدى أهمية تركيا في حماية أمن القارة العجوز.
المستشار الألماني أولاف شولتس، دعا أردوغان إلى القمة التي ستجمع زعماء دول الاتحاد الأوروبي في 20-21 آذار / مارس الجاري في بروكسل لمناقشة الحرب الأوكرانية الروسية وسبل تعزيز القدرة الدفاعية لأوروبا. وترحب تركيا مثل هذه الدعوات، إلا أنها، من ناحية أخرى، تطالب الاتحاد الأوروبي بأن لا ينظر إليها كقوة عسكرية فحسب يمكن استخدامها وقت الحاجة، بل كشريك حقيقي في كافة المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية.
أنقرة تعلم جيدا أسباب تزايد الاهتمام الأوروبي بتركيا في الآونة الأخيرة، وترى مدى حاجة أوروبا إليها في ظل الأوضاع الإقليمية والدولية، كما تدرك أن التوازنات المتغيرة تمنح لها فرصا يمكن أن تضع تركيا في قلب المعادلات الدولية، إن أحسنت استغلالها كما ينبغي
أنقرة تعلم جيدا أسباب تزايد الاهتمام الأوروبي بتركيا في الآونة الأخيرة، وترى مدى حاجة أوروبا إليها في ظل الأوضاع الإقليمية والدولية، كما تدرك أن التوازنات المتغيرة تمنح لها فرصا يمكن أن تضع تركيا في قلب المعادلات الدولية، إن أحسنت استغلالها كما ينبغي. ويرى الرئيس التركي أن أوروبا لم يعد أمامها خيار سوى قبول تركيا كشريك في أي هيكل أمني جديد قد يحل محل مظلة حلف الناتو، في ظل تزايد الشكوك حول مستقبل الحلف، وأنه لا يمكن إرساء الأمن الأوروبي بدون تركيا، مؤكدا أن الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى تركيا إن كان يأمل في مواصلة دوره كلاعب عالمي. ومع ذلك، لا تفكر تركيا في الهرولة نحو أوروبا، على الرغم من تمسكها بطلب الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي بعد كل تلك المماطلة والازدواجية التي مارستها ولا تزال تمارسها دول الاتحاد تجاهها، بل ستتبنى سياسة التوازن في علاقاتها مع كل من الولايات المتحدة والدول الأوروبية وروسيا.
عودة ترامب إلى البيت الأبيض أدَّت إلى اهتزاز الثقة بحلف الناتو، وتدهور العلاقات الأمريكية الأوروبية، واكتشاف أوروبا لموقع تركيا في التوازنات الإقليمية والدولية، إلا أنها في ذات الوقت، فتحت الباب أمام ترميم العلاقات التركية الأمريكية. وفي اتصال هاتفي أجراه مع ترامب، شدد أردوغان على ضرورة إنهاء عقوبات كاتسا وإتمام مرحلة شراء طائرات أف-16 وإعادة تركيا إلى برنامج أف-35 من أجل تطوير التعاون بين البلدين في مجال الصناعات الدفاعية. كما يتوقع أن يقوم الرئيس التركي بزيارة واشنطن الشهر القادم ليلتقي نظيره الأمريكي، الأمر الذي يؤكد أن أنقرة لن تفضل إحدى الفرصتين على الأخرى، وهما فرصة التقارب مع أوروبا وفرصة ترميم العلاقات مع أمريكا، بل ستسعى إلى استغلال كلتيهما وفق المصالح التركية العليا.
x.com/ismail_yasa
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه تركيا أوروبا أردوغان العلاقات تركيا أردوغان أوروبا علاقات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة تفاعلي سياسة اقتصاد اقتصاد رياضة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الاتحاد الأوروبی إلى الاتحاد دول الاتحاد ترکیا فی
إقرأ أيضاً:
وزيرة البيئة تبحث مع مفوض الاتحاد الأوروبي مستجدات معاهدة الحد من التلوث البلاستيكي
عقدت الدكتورة ياسمين فؤاد وزيرة البيئة لقاء ثنائيا مع السيدة جيسيكا روزوال مفوض الاتحاد الأوروبي للبيئة ومرونة المياه والاقتصاد الدائري التنافسي، وذلك على هامش مشاركتها في مؤتمر الأمم المتحدة الثالث للمحيطات UNOC3 المنعقد بمدينة نيس الفرنسية.
وتناول اللقاء مناقشة آخر مستجدات مفاوضات الوصول لاتفاق عالمي ملزم للحد من التلوث البلاستيكي الذي أصبح تحديا كبيرا يواجه العالم وله تأثيرات كبيرة على الصحة والبيئة والموارد الطبيعية واستدامة الحياة، خاصة مع اقتراب المرحلة القادمة من المفاوضات INC5.2 في أغسطس القادم، وأهمية تقريب الرؤى لإعلان أول معاهدة حول التلوث البلاستيكي تضع إطارا يحشد الجهود العالمية لمواجهة هذا التحدي.
وأشارت وزيرة البيئة، إلى أن هناك بعض المواد التي تتطلب إجراء بعض التعديلات عليها واهمها المواد 3، 6، 11، والتي تتناول أجزاء هامة من الاتفاق، وفيما يخص المادة المتعلقة بالتمويل، حيث أن مصر تفضل إيجاد آلية التمويل المستقلة لتمويل اهداف معاهدة البلاستيك، لرفع بعض العبء عن مرفق البيئة العالمية، مشيرة إلى أن هذه كانت رؤية مصر والاتحاد الأوروبي أيضا فيما يخص آلية تمويل الإطار العالمي الجديد للتنوع البيولوجي.
وأضافت فؤاد، أن إطلاق معاهدة جديدة للبلاستيك بعملية مستقلة، يتطلب وضع هدف طموح مما يحتاج إلى آلية تمويل مستقلة، بالإضافة إلى التمويل العام والخاص، معربة عن قلق مصر من أن تشكل الموارد المالية عبئًا على الدول النامية أو يتم تحميلها على القطاع الخاص، فلابد ان ينبع من مسؤولية مشتركة.
كما أشارت وزيرة البيئة، إلى أهمية نقل التكنولوجيا، والتي تعد محورية لمواجهة هذا التحدي، فالحد من انتاج الأكياس البلاستيكية أحادية الاستخدام يتطلب إيجاد البدائل المناسبة، وهذا توفره التكنولوجيا، لذا يجب أن يُدرج كجزء من التمويل.. مشددة على أن التمويل، ونقل التكنولوجيا، وإمكانية الوصول، والمسؤولية المشتركة بين الدول النامية والمتقدمة من اهم العوامل التي تساعد على تنفيذ حقيقي لأهداف المعاهدة.
اقرأ أيضاًوزيرة البيئة تطلق دليل المشروعات الصغيرة والمتوسطة الخضراء للتقييم الذاتي للأداء البيئي
وزيرة البيئة تدعو لإطلاق حوار بيئي لرجال الأعمال المصريين
وزيرة البيئة: إفريقيا لم تتسبب في تصدير الانبعاثات ولكنها الأكثر تضررًا من تغير المناخ