ولد الربيع بن حبيب بن عمرو بن الربيع الفراهيدي ويكنى بأبي عمرو البصري في غضفان بساحل الباطنة في النصف الثاني من القرن الأول الهجري، وفي غضفان تلقى تعليمه الأولي على يد والده، ثم انتقل إلى الخريبة بالبصرة، وهناك التقى بكبار علماء البصرة كابن سيرين وواصل بن عطاء والحسن البصري وجابر بن زيد الأزدي، وأبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة، وضمام بن السائب الندابي، وصالح بن نوح الدهان، التقى بهم ونهل من علمهم، ونتيجة لتفوقه ونبوغه في العلم أصبح الربيع من كبار علماء عصره، فجلس طلاب العلم في مجلسه وتخرج على يديه مجموعة مميزة من العلماء منهم: محبوب بن الرُحيل، وموسى بن أبي جابر الإزكوي، وبشير بن المنذر النزواني، أبو صُفرة عبدالملك بن صُفرة، وأبو غانم بشر بن غانم الخُراساني، واليمان بن أبي الجميل.
حاز الربيع على احترام الجميع وتقديرهم، فكان يفتي الناس، وكانوا يلجؤون إليه لحل ما أُشكل عليهم من قضايا فقهية. وجاءت جماعة من طلاب العلم إلى البصرة وسألوا عن شخص ثقة قريب العهد بالنبي صلى الله عليه وسلم ليكتبوا عنه الحديث، فأشار عليهم أهل البصرة بالربيع بن حبيب. وحظي الربيع بتقدير أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة له، حيث عينه نائبا عنه في موسم الحج، وكان أبو عبيده يصفه دائما بـ "ثقتنا وأميننا".
تولى الربيع رئاسة علماء المذهب الإباضي ومفكريه بعد أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة، فكان الإمام الثالث للمذهب واستمرت رئاسته ثلاثون عاما. وشرع الربيع بمجرد استلامه لرئاسة المذهب إلى تدريب من سيخلفه، فدرب مجموعة من الشباب واختار منهم وائل بن أيوب الحضرمي. واعتنى كثير بتنظيم أمور المذهب الإباضي في العالم الإسلامي، واستمر الإمام أبي عبيدة في مشروع حملة العلم، حيث إن هذا المشروع كان السبب الرئيس في انتشار المذهب خلال القرنين الثاني والثالث الهجريين.
اختلفت المصادر في مكان وفاة الربيع منهم من ذكر أنه عاد إلى موطنه غضفان وفيها مات، وذكر بعضهم أنه مات في البصرة وأن العمانيين صلوا عليه صلاة الغائب.
توفي الربيع بن حبيب بين عامي 175هـ و 180هـ أي أنه كان معاصرا للخليل بن أحمد الفراهيدي، إلا أن المصادر لا تشير إلى التقاء الشخصيتان بالرغم من أنهما تعاصرا في الفترة الزمنية وسكنا الخريبة بالبصرة وهما ينتميان لنفس القبيلة. ويعود ذلك إلى قلت المصادر التي تناولت الوجود العماني في البصرة، والدور الكبير الذي أداه العمانيون حضاريا فيها.
تميز العمانيون في البصرة بغزارة الإنتاج المعرفي فكتبوا الكثير من المؤلفات التي لا تزال تشهد لهم بعمقهم المعرفي وجسارتهم في نيل المعالي من العلم، وللربيع دور وإسهام في الحركة العلمية في البصرة، حيث كتب عدد من المؤلفات منها: كتاب العقيدة ويضم 140 حديثا سعى الربيع من خلال هذا الكتاب إلى شرح عدد من الأمور العقدية وتوضيحها، خاصة فيما يتعلق بالإيمان بالله وصفات الله والقضاء والقدر. وللربيع أيضا كتاب " آثار الربيع بن حبيب" وهو كتاب في النوازل الفقهية، ويشمل روايات الربيع عن ضُمَام بن السائب عن جابر بن زيد. وللربيع أيضا كتاب "فتيا الربيع بن حبيب" وفيه فتاوى الإمام الربيع، ورسالة تعرف بعنوان الرسالة الحُجة.
من أشهر مؤلفات الربيع بن حبيب "المُسند" ويضم هذا الكتاب عدد من الأحاديث النبوية، وهو أول كتاب في العالم الإسلامي تُجمع فيه الأحاديث النبوية، حيث قرر الربيع ضرورة تدوين الأحاديث وحفظها في كتاب خوفا من دخول التحريف والزيادات عليها من قبل الرواة، حيث كانت الأحاديث النبوية تنتقل مشافهة مما يعرضها للتغير والتحريف. جمع الربيع في مُسنده 743 حديثا، و27 أثرا موقوفا ومقطوعا. وبلغ عدد الصحابة الذين روى عنهم 45 صحابيا.
اهتم العلماء بهذا الكتاب واعتنوا بشرحه منهم أبو يعقوب يوسف بن إبراهيم الوارجلاني أحد علماء القرن السادس الهجري، والذي عمل على ترتيب المسند على أبواب الفقه، وإضافة باب لروايات الربيع وغيره. يقع الكتاب في أربعة أجزاء، الأول والثاني هما ما كتبه الربيع، أما الجزاءان الثالث والرابع فهما إضافات أضافهما الوارجلاني، فالجزء الثالث عبارة أحاديث العقيدة التي كتبها الربيع في مَعرض مناقشته لبعض علماء عصره، حيث كان يكثر في القرون الأولى من الهجرة المناظرات العلمية، والمناقشات المدعمة بالأدلة، أما الجزء الرابع فعبارة عن روايات محبوب بن الرحيل عن الربيع، وروايات الإمام أفلح بن عبد الوهاب عن أبي غانم الخراساني. وأعاد محمد يوسف أطفيش إعادة ترتيب المسند. وقام نور الدين السالمي بمقارنة نسخ المسند وخرج بأصح النسخ ثم عمل على شرح الجزءان الأول والثاني، واتبع السالمي في شرح المسند بأن يشرح عنوان الباب أولا ثم يُعرف برواة الحديث، ثم يُخرج الحديث ويقوم بشرحه شرحا تفصيليا.
وضع الوارجلاني باب النية أول باب، واستفتح المسند بهذا الحديث، قال أبو عمرو الربيع بن حبيب بن عمرو البصري: حدثني أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة التميمي عن جابر بن زيد الأزدي عن عبد الله بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى".
كتب العلماء عن الربيع وأشادوا بعلمه وحسن خلقه، فالشماخي في كتابه السير يقول عنه ( طود المذهب الأشم، وبحر العلم الخضم). ولقد وثقه جملة من علماء المسلمين مثل يحيى بن معين وابن شاهين والإمام أحمد بن حنبل الذي ذكره في ترجمة الهثيم بن عبدالغفار الطائي حيث قال: "كان يقدم علينا من البصرة رجل يقال له الهيثم بن عبدالغفار الطائي يحدثنا عن همام عن قتادة رأيه عن رجل يقال له الربيع بن حبيب عن ضمام عن جابر بن زيد". وذكره البخاري وابن حبان.
رحم الله الإمام الربيع بن حبيب الفراهيدي كان علما ونجما ساطعا ونموذجا للعماني ومثالا يحتذى به في العلم والأخلاق سواء داخل عمان أو خارجها.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: جابر بن زید فی البصرة
إقرأ أيضاً:
علماء يفسرون.. لماذا نستيقظ قبل رنين المنبه؟
لطالما أثارت دهشتنا قدرة أجسامنا العجيبة على الاستيقاظ قبل دقائق قليلة من رنين المنبه، وكأنها تعتمد على ساعة داخلية مذهلة لا تخطئ مواعيدها أبدًا، هذه الظاهرة التي تبدو وكأنها محض مصادفة هي في الواقع انعكاس لدقة عمل الساعة البيولوجية التي تنسّق دورات النوم والاستيقاظ بتناغم مثالي مع محيطنا الطبيعي.
مع اقتراب موعد استيقاظك اليومي، يبدأ جسمك بعملية تحضيرية معقدة، إذ تنطلق إشارات هرمونية تُمهّد لانتقال جسمك من حالة النوم إلى حالة اليقظة التدريجية. تشمل هذه العملية ارتفاعًا طفيفًا في درجة حرارة الجسم الأساسية وانخفاضًا تدريجيًا في مستويات هرمون الميلاتونين المسبب للنوم، بينما يزداد إنتاج هرمون الكورتيزول المسؤول عن اليقظة. يُطلق على هذه الزيادة المفاجئة باسم "استجابة اليقظة"، حيث تعمل كنداء داخلي يوقظ أجهزة الجسم برفق، مما يجعل عملية الاستيقاظ الطبيعي أكثر سلاسة مقارنة بالاستيقاظ المفاجئ على صوت المنبه.
الاستيقاظ قبل موعد المنبه قد يكون مؤشرًا إيجابيًا عندما يصاحبه شعور بالنشاط والراحة، ما يعني أن ساعتك البيولوجية متزنة وأنك تحصل على نوم كافٍ وذي جودة عالية. لكن إذا اقترن هذا الاستيقاظ المبكر بشعور بالتعب والإجهاد أو ثقل في الرأس، فقد يشير ذلك إلى مشكلات في نوعية نومك أو اضطراب في جدول نومك. في مثل هذه الحالات، يعتمد الجسم بشكل كبير على صوت المنبه الخارجي الذي قد يتسبب في قطع دورة نوم عميقة، مما يؤدي إلى الشعور بالخمول والترنح صباحًا.
تعمل الساعة البيولوجية بدقة تتأثر بالعديد من العوامل، أبرزها الضوء الطبيعي الذي يعتبر المحفز الأساسي لها. فالتعرض لأشعة الشمس في بداية اليوم يساعد في تنظيم إيقاع الجسم اليومي، بينما تؤدي الإضاءة الزائدة ليلاً، خاصة الضوء الأزرق المنبعث من الشاشات الرقمية، إلى تشويش هذا التوازن. كما يمكن للروتين غير المنتظم، وتقلب أوقات النوم والاستيقاظ، وتناول الوجبات في أوقات غير محددة، بالإضافة إلى الإجهاد المستمر، أن تسبب خللاً في انتظام هذه الإيقاعات الحيوية.
لإعادة ضبط ساعتك البيولوجية وتحسين نومك، هناك بعض العادات الصحية التي يمكنك تبنيها. حاول الالتزام بمواعيد محددة للنوم والاستيقاظ يوميًا، حتى في أيام الإجازة. اجعل غرفة نومك بيئة مناسبة للنوم عبر تقليل الإضاءة والضوضاء قدر الإمكان أثناء الليل، واحرص على تعريض نفسك لضوء النهار الساطع عند الصباح. قلل من استهلاك الكافيين والوجبات الثقيلة قبيل النوم بفترة لا تقل عن ثلاث ساعات، وابتعد عن استخدام الأجهزة الإلكترونية قبل النوم بساعتين على الأقل. كما يمكن للأنشطة البدنية المنتظمة خلال النهار أن تساهم بشكل كبير في تحسين جودة النوم ليلاً.
تؤكد الأبحاث العلمية المتزايدة أهمية التناغم مع إيقاعاتنا الحيوية لتعزيز الصحة العامة وتحسين جودة الحياة. إن الإصغاء لإشارات أجسامنا والاستجابة لها بوعي يمكن أن يكون المفتاح لتحقيق أعلى معدلات الإنتاجية والإحساس بالتوازن النفسي والجسدي. لذا، تدعونا الساعة البيولوجية المدهشة دائمًا لتذكر أننا جزء من نظام طبيعي متناغم، وأن احترام هذا الإيقاع هو الخطوة الأولى نحو حياة أكثر توازنًا وصحة.