خطيب الجامع الأزهر: الإيمان والاحتساب مفتاح المغفرة والأمل في زمن اليأس
تاريخ النشر: 21st, March 2025 GMT
ألقى خطبة الجمعة اليوم بالجامع الأزهر الدكتور محمود الهواري، الأمين المساعد للدعوة والإعلام الديني لمجمع البحوث الإسلامية، ودار موضوعها حول «الحِكَم الروحية لعبادات شهر رمضان».
وتطرق فضيلة الدكتور الهواري إلى الحِكَم الروحية لعبادات شهر رمضان، من صيام وقيام وطلب لليلة مباركة خير من ألف شهر «ليلة القدر»، مستشهداً بحديثين نبويين رواهما الإمامان البخاري ومسلم: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»، و«مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»، مؤكداً أن الجمع بين العمل الظاهر والنية الباطنة شرطٌ لقبول العبادة.
وأوضح خطيب الجامع الأزهر، أن كثيراً من المسلمين يحرصون على الصيام والقيام، لكنهم يغفلون عن "المعنى اللطيف" الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله «إيمَانًا وَاحْتِسَابًا»، موضحاً أن "الإيمان" هو اعتقاد القلب الجازم بأن الله شرع هذه العبادات وحدَّد ثوابها، بينما "الاحتساب" يعني طلب الأجر من الله وحده، مع الرجاء في قبول العمل دون يأس أو قنوط.
الأزهر العالمي للفتوى: ليلة القدر ليست محددة بليلة واحدة والاجتهاد مطلوب في العشر الأواخر
طلاب إعلام الأزهر يطلقون منصة رقمية متخصصة في تحليل الترندات
روحانيات العشر الأواخر من رمضان في الجامع الأزهر .. صور
رئيس جامعة الأزهر: تلاوة القرآن تجلي القلوب من الغفلة والصدأ
وحذَّر خطيب الأزهر من الوقوف عند المظهر الخارجي للعبادة دون استحضار النية الصادقة، قائلاً: «الأمة اليوم بأمس الحاجة إلى إحياء معنى الرجاء في الله، خاصة في زمن تكاثرت فيه أسباب اليأس والقلق»، مستشهداً بقوله تعالى: «قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا».
وأكد الدكتور الهواري أن الرجاء في رحمة الله هو "سر الحياة والحركة"، وأنه لا ينفصل عن السعي والعمل، خلافاً للأماني الكاذبة التي لا تُبنى على جهد. كما دعا المسلمين إلى التمسك بالثقة في نصر الله مهما تعاظمت التحديات، وأنه حين تتوالى الهزائم وتجتمع أسباب الألم والخوف يأتي رجاء الله، مستدلاً بقوله تعالى: «كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ».
وختم الخطبة بالتأكيد على أن رمضان فرصةٌ لترسيخ معاني الإخلاص والرجاء، داعياً المصلين إلى «أن يصوموا ويقوموا ويطلبوا ليلة القدر وقلوبهم عامرة بالتوكل على الله، طمعاً في مغفرته ورضوانه».
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: خطبة الجمعة الجامع الأزهر خطيب الجامع الأزهر الأزهر عبادات شهر رمضان المزيد
إقرأ أيضاً:
الإمام عبدالحليم محمود وليٌ طاف حول طريق رأس الرجاء الصالح
رأى رسول الله فى المنام يعبر قناة السويس قبل حرب أكتوبر فبشر السادات بالنصر.
الإمام الأكبر عبدالحليم محمود، هو العارف الولى الصالح، شيخ الإسلام علمًا وعملًا ووَرَعًا وزُهْدًا وحالا مع الله كان عارفًا بالطريقةِ جامعًا بين الشريعةِ والحقيقةِ، ذا سمْت ووقار وتعبّد وأوراد مُجاب الدَّعوة مشكور السيرة سليم الجانب جوادًا متواضعًا محبًا للفقراءِ مُقْتَصِدًا فى مَلْبَسِه مُعَظَّمًا بين أهل زمانه لقوة جنانه وصلابته فى الدين ودفاعهِ عن شريعة رب العالمين، لا تأخُذُه فى اللهِ لَوْمة لائِمٍ، له يدٌ باسطةٌ فى الكثير من العلوم مستنبطًا للمعانى والإشارات، جاءته مشيخة الأزهر بلا طلب فكان مشيخته للأزهر المعمور مشيخة عزة وقوة، فى ذكرى وفاته التى تحل اليوم التقت «الوفد» الشيخ أحمد ربيع الأزهرى الباحث فى التاريخ والمنهج الأزهرى للحديث عن إمام العارفين الإمام عبدالحليم محمود فى ذكرى رحيله فقال:حكى لى فضيلة المحدث الدكتور سعد سعد جاويش -رحمه الله -، بالجامع الأزهر الشريف، فى يوم الثلاثاء الموافق 12 رجب 1437ه الموافق 19/4/ 2016م، فقال: «بأنه زار الشيخ عبدالحليم محمود -شيخ الجامع الأزهر- فى بيتِه بالقربِ من المطريةِ فوجدتُه بيتًا متواضعًا، حيث دخلنا إلى غرفةِ الاستقبالِ وهى أيضًا المكتبة، وبها أربعةُ كراسى متواضعةٍ جدًا. ولقد كان الشيخ عبدالحليم مربيًا بسلوكِه قبل قولِه، وأذكر أن جاءنى البعضُ يسألنى مَنْ مُجَدِّدُ هذا العصر؟ فقلت: الشيخُ عبدالحليم محمود، لكنهم كانوا من ذلك المنهج المعاند والمجحف لمنهج الشيخ عبدالحليم، ونافحت عن الرجلِ من جَهْلِ هؤلاء الرجال.. ولقد جاءنى الشيخ عبدالحليم محمود بعدها فى المنامِ ورأيتنى وأنا أزيلُ الغبارَ عن طرفِ ثوبِهِ».
يقول الشيخ الشعراوى فى رواية نادرة له: «ذهبت -وأنا وزير للأوقاف وشئون الأزهر- مع الشيخ عبدالحليم محمود رحمه الله -وكان شيخًا للأزهر آنذاك- لحضور مؤتمرٍ بلندن، وبعد يومين من المؤتمر قال لى الشيخ عبدالحليم محمود: «يا شيح شعراوى: نريد بعد أن ننتهى من هذا المأتم، نطلع نعمل عمرة علشان نجلى أنفسنا». فقلت له: «وما الذى يمنع أن نجلى أنفسنا ونحن هنا، أليس ربنا قال عندما أراد أن يوجهنا إلى الكعبة فى الصلاة: ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ﴾ [البقرة: 115]»، فقال شيخ الأزهر -وهو يشير إلى حى قريب معروف فى لندن بأنه حى الاستهتار والمجون-: «إننا نريد أن نجلى أنفسنا بعيدًا عن هذه المنطقة ذات الرائحة النتنة، غير الطيبة».
فقلت: «بالعكس؛ الذى يعبدالله فى مثل هذه المنطقة غير الطيبة، النتنة، يشوف تجليات ربنا، ويأخذ كل فيوضات هذه المنطقة». فضحك الدكتور عبدالحليم محمود، وكانت ضحكته جميلة، وكلها وقار.
وليلتها -وعند الفجر- دق جرس تليفون غرفتى بالفندق الذى كنا قاطنين فيه، وكان المتحدث هو فضيلة الشيخ عبدالحليم محمود وقال لى فرِحًا: «يا شيخ شعراوي؛ أنا رأيت الليلة سيدَنا رسولَ الله ﷺ». فقلت له: «أنا مش قلت لفضيلتك إنه سيأتى لك هنا، وهذه فيوضات التعبدفى المنطقة غير الطيبة، صاحبة الاستهتار!!».
ويضيف الباحث فى التاريخ والمنهج الأزهرى الحديث: يذكر د. أحمد عمر هاشم رحمه الله أيضًا أن الشيخ عبدالحليم محمود، قبيل حرب رمضان المجيدة، رأى رسول الله ﷺ فى المنام يعبر قناة السويس ومعه علماء المسلمين وقواتنا المسلحة، فاستبشر خيرًا وأيقن بالنصر، وأخبر الرئيس السادات بتلك البشارة، واقترح عليه أن يأخذ قرار الحرب مطمئنًا إياه بالنصر. ثم لم يكتف بهذا، بل انطلق عقب اشتعال الحرب إلى منبر الأزهر الشريف، وألقى خطبة عصماء توجه فيها إلى الجماهير والحكام مبينًا أن حربنا مع إسرائيل هى حرب فى سبيل الله، وأن الذى يموت فيها شهيدٌ وله الجنة، أما من تخلَّف عنها ثم مات فإنه يموت على شعبة من شعب النفاق.
وقد تطرق إلى تلك الواقعة د. محمود جامع أيضًا فى كتابه: (كيف عرفتُ السادات؟) إذ كتب قائلًا: «لا ننسى أنه -أى: الشيخ- بشرنا بالنصر فى أكتوبر 73 عندما رأى حبيبه رسول الله عليه الصلاة والسلام فى المنام، وهو يرفع راية (الله أكبر) للجنود ولقوات أكتوبر».
وقال الدكتور محمد رجب البيومى: «وإذا كان فضيلة الأستاذ محمد زكى إبراهيم قد انتُخب رائدًا للعشيرة المحمدية، فإن شيخنا الصوفى الكبير عبدالحليم محمود كان شريكه الوفى فى العشيرة، إذ كان وكيلا لها، وقد هَمَّ الأستاذ زكى بالتنازل له عن الرّيادة، وكان من المُكاشفات الرّوحية العجيبة أنَّ الشيخ عبدالحليم قد فَطن إلى ذلك قَبْل أن يهمّ الأستاذ بالتنفيذ، فصافحة فى حُبّ، وقال له، لن أبرح مكانى، وَدعْ ما جال بخاطرك».
وفى نهاية الحديث يقول الشيخ أحمد ربيع: أريد أن أتحدث عنه فى فترة لم يتطرق إليها الكثير من الباحثين حول شخصية الرجل وهو ذهابه للتعليم إلى فرنسا، وكيف كان محافظًا على دينه معظمًا لحرمات الله، فعندما سافر الشيخ عبدالحليم محمود إلى أوربا للدراسةِ فى فرنسا، توجَّه للجامعة، وهناك قيَّدَ اسمَه، ولم تطلب منه الجامعةُ أوراقًا ولا حتى شهادة ميلاد، طلبت فقط أن يذكر المواد التى يريد أن يدرسَها.. المهم أن يقدم ما يثبت حصولَه على شهادة الثانوية قبل أداءِ امتحان المادةِ الرابعة، ونجاحُه فى أربعِ مواد يؤهله للحصول على الليسانس سواء درسَها فى عامين أو عشرة حسب جدِّه وكَسَلِهِ.
وبدأ بدراسة مادة الاجتماع، ولكنه كان يجلس فى الدرس دون أن يفهم منه شيئًا لجهله باللغةِ الفرنسية، فَقَادَهُ أحدُ المسلمين الذين قابلهم فى المسجدِ، وكان من أصلٍ يوغوسلافى إلى معهدٍ تابع للجامعة يقوم بالتدريس فيها بعضُ المستشرقين ومنهم (ماسينون) و(موسيه) الذى اهتم به اهتمامًا كبيرًا حينما علم أنه من الأزهرِ، وكان يتحدثُ اللغة العربية فى طلاقةٍ ويعرف اللهجاتِ المختلفةَ فى كل الأقطارِ العربية.
وبعد الدراسةِ جلس يتحدث مع المستشرق (موسيه) الذى نادى فجأةً على فتاة وقال لها: «إن هذا الأزهريَّ لا يعرف الفرنسيةَ ويريد أن يتعلمها، وأنت لا تعرفين العربية وتريدين تعلمِها، فاذهبى إليه فى غرفتِه وبادليه درسًا بدرس، فالدروس هنا لن تُسْعِفَه».
وخَفَقَ قلبُ الشيخ عبدالحليم، أحسَّ بالخجل والارتباك، ومرت به لحظاتٌ عصيبة، فما كان يتأتى أن يسمحَ له ضميرُه الدينى بأن يخلوَ بفتاة فى غرفةٍ ويُغلَق عليه وعليها البابُ. وبارتباك وتعثر قال للأستاذ موسيه: «إننى لم أستقرْ بعد فى غرفة مناسبِة ومن الخير أن ننتظرَ قليلًا».
وعندما فرَغَ من ذِكرِ هذه العبارة كان العرقُ قد غَمَرَ وجهَه، واستأذن وخرج ولم يعد إلى المعهدِ قبل ستة أشهر، وكان قد التحق بمدرسةٍ ليلية أخرى عاونته على التقدمِ فى اللغةِ الفرنسية.
واستقامَ أمرُه فى باريس من الناحيةِ المادية وكذلك من الناحيةِ الدراسية، وركَّزَ اهتماماتِه فى دراسةِ تاريخِ الأديان والفلسفة وعلمِ الاجتماع وعلمِ النفس. وفى نهايةِ عام 1937م أُلحِق بالبعثة الأزهرية فلم تعدْ لديه مشاكلُ على الإطلاق وأخذ يستعِدُّ للدكتوراه، وقد اختار الشيخ عبدالحليم محمود موضوع (التصوف الاسلامي) موضوعًا لرسالة الدكتوراه فى فرنسا، وأن يكون محور الدراسة الإمام الجليل الحارث المحاسبيّ.
وأثناء دراسة الشيخ فى فرنسا أعلنت الحرب العالمية الثانية فى سبتمبر عام 1939م، ولم يكن الشيخ عبدالحليم قد حصل بعد على الدكتوراه أو حتى فرغ من إعداد موضوعها، وآثر بعض زملائه العودة إلى بلادهم ولكنه أصرّ على البقاء مرددًا قوله تعالى: ﴿قُلْ لَنْ يُصيبَنا إلَّا ما كَتَبَ الله لنا﴾. وتحدّد له يوم مناقشة الدكتوراه يوم 8 يونيو 1940م، ورغم توتر الأعصاب وتطور الأحداث فقد نجح بمرتبة الشرف، وقد طبعت رسالته فى باريس بالفرنسية.
وقرّر السفر إلى مرسليا مساء يوم 9 يونيو ليلحق بالباخرة يوم 10 يونيو، وسارت الأمور كما رسم وخطّط، ولكن إيطاليا أعلنت الحرب على الحلفاء فى هذا اليوم بالذات، وأصبح السفر عبر البحر الأبيض المتوسط مستحيلًا. وهنا بدأت مرحلةٌ غريبةٌ فى حياة الدكتور عبدالحليم محمود، فقد ظلّ حائرًا بين فرنسا وأسبانيا عامًا ونصف، لا يجد سبيلًا إلى السفر إلى مصر.. إلى الأزهر.. وإلى «عزبة أبو أحمد» مسقط رأسه. وأخيرًا قرّر أن يسافر عن طريق رأس الرجاء الصالح، وهكذا عاش أربعة أشهرٍ أخرى فى مغامرةٍ مثيرةٍ حتى وصل إلى مصر وقد صهرته تجربة الحياة تمامًا.
رحم الله الإمام عبدالحليم محمود والذى فاضت روحه صبيحة يوم الثلاثاء الموافق 15 ذو القعدة 1397 هـ الموافق 17 أكتوبر 1977م.