في شهر رمضان الكريم، يتحوّل المشهد الإعلامي إلى ساحة تنافس محمومة بين القنوات الفضائية التي تعرض مسلسلات درامية تجذب ملايين المشاهدين. وعلى الرغم من أن شهر رمضان يعد وقتًا للتوبة والتقوى، إلا أن هذه الأعمال الدرامية تحمل في طياتها رسائل قد تبدو خفية ولكنها مؤثرة بشكل كبير. فبدلاً من أن تقتصر على تقديم الترفيه، أصبحت المسلسلات الرمضانية وسيلة استراتيجية لإعادة تشكيل وعي الأفراد والمجتمعات.

بين مشاهد الإثارة والتشويق، تُزرع أفكارٌ ورسائل قد تؤثر على القيم والعادات التي طالما تمسكت بها المجتمعات العربية. فكيف أصبحت هذه المسلسلات ساحة جديدة للحروب الفكرية الناعمة؟ وكيف تُعاد صياغة هويتنا دون أن نشعر؟

الدراما كأداة للتأثير الناعم

لم تعد الدراما مجرد فن يروي قصصًا، بل أصبحت سلاحًا ثقافيًا قادرًا على التأثير في المجتمعات عبر رسائل غير مباشرة تُمرَّر بسلاسة من خلال الشخصيات والأحداث. إذ يُعاد رسم صورة الأسرة والمجتمع في بعض المسلسلات بطريقة تغيّر نظرة المشاهد نحو العلاقات الأسرية والاجتماعية. فنجد الأب متسلطًا أو ضعيفًا، والأم مستبدة أو مغيّبة، بينما يتم تقديم الشخصيات المتمردة على القيم والتقاليد كرموز للتحرر والنجاح.

كما تلعب الدراما دورًا في تطبيع بعض السلوكيات التي قد تكون مرفوضة مجتمعيًا، مثل العلاقات غير الشرعية، والانفصال عن الهوية الدينية، وحتى إعادة تعريف مفاهيم مثل الشرف والالتزام الأخلاقي، مما يؤدي إلى تغييرات تدريجية في القيم المجتمعية.

إعادة كتابة التاريخ والوعي السياسي عبر الدراما

تُعد المسلسلات أيضًا أداة قوية لإعادة صياغة الأحداث التاريخية وتقديم قراءات منحازة للوقائع السياسية. فبعض الأعمال تقدّم شخصيات معينة كأبطال، بينما تُشوّه شخصيات أخرى أو تُهمّش تمامًا، مما يُعيد تشكيل وعي المشاهد بطريقة غير واعية.

تكمن خطورة هذه الاستراتيجية في أن المشاهد لا يتلقى المعلومات بشكل مباشر، بل من خلال حبكة درامية تجعله يتفاعل عاطفيًا مع القصة، مما يسهل زرع قناعات جديدة لديه دون أن يدرك أنه يتعرض لعملية تأثير ممنهجة. وبهذا، تصبح الدراما سلاحًا ثقافيًا يُستخدم لتوجيه الجماهير وفقًا لأجندات معينة.

دور البرامج المصاحبة في تعزيز التأثير

لا يقتصر تأثير الحرب الناعمة على المسلسلات فقط، بل يمتد إلى البرامج الحوارية التي ترافقها، حيث تُناقَش القضايا المطروحة في الدراما وكأنها حقائق مسلم بها. وعندما يُستضاف كُتّاب السيناريو والمخرجون والممثلون لتحليل “القضايا الاجتماعية” التي طرحها العمل، يتم تكريس الأفكار التي يراد تمريرها، مما يمنحها طابعًا أكثر شرعية في نظر الجمهور.

ختامًا:

لم تعد المسلسلات الرمضانية مجرد وسيلة للترفيه، بل تحوّلت إلى ساحات للحرب الناعمة، حيث يُعاد تشكيل العقول والقيم تحت غطاء الدراما المشوقة. فبينما يستمتع المشاهد بالقصة، قد يكون في الواقع هدفًا لعملية إعادة برمجة فكرية تجري دون أن يلاحظ. والسؤال الذي يجب أن نطرحه على أنفسنا هو: هل نعي حجم التأثير الذي تمارسه هذه الأعمال علينا؟ أم أننا ما زلنا نعتقد أننا مجرد متفرجين؟ في النهاية، الوعي هو السلاح الوحيد في مواجهة التلاعب، ومن يفتقده، يصبح فريسة سهلة للحرب الناعمة!

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

في عيد ميلاده.. أحمد عبد العزيز فارس الدراما الذي سكن قلوب المشاهدين بأعمال خالدة

يحتفل الوسط الفني وجمهور الشاشة الصغيرة بعيد ميلاد الفنان القدير أحمد عبد العزيز، أحد أعمدة الدراما المصرية في العقود الأخيرة، وصاحب البصمة المميزة التي لا تخطئها العين في الأعمال التاريخية والاجتماعية والدينية.

 

منذ ظهوره الأول وحتى اليوم، ظل عبد العزيز يحتفظ بمكانته الخاصة كفنان مثقف وملتزم، استطاع أن يقدّم عشرات الشخصيات التي أثّرت في الوعي الجمعي للمشاهد العربي. وفي هذه المناسبة، نسلط الضوء على أبرز محطاته الدرامية التي شكّلت وجدان أجيال متعاقبة.

انطلاقة قوية من بوابة التاريخ والدين

 

بدأ أحمد عبد العزيز مشواره الفني في أوائل الثمانينات، حيث لفت الأنظار بأدائه المميز في الأعمال التاريخية والدينية التي كانت سمة تلك الفترة. من أشهر هذه الأعمال:

 

مسلسل "بوابة المتولي"، الذي حقق شهرة واسعة وأظهر قدرته على أداء الشخصيات المركبة.

 مسلسل "موسى بن نصير"، الذي جسّد فيه أحد القادة التاريخيين البارزين بدقة درامية وشخصية عميقة.

هذه البداية القوية أهلته سريعًا ليكون أحد الوجوه المفضلة في المسلسلات التي تحمل بعدًا حضاريًا وثقافيًا.

 

ومن أشهر أعماله أيضًا "الوسية" و"ذئاب الجبل": أعمال صنعت شعبيته

 

شهدت تسعينات القرن الماضي فترة توهج كبيرة في مسيرة أحمد عبد العزيز، حيث قدم أعمالًا أصبحت من كلاسيكيات الدراما المصرية:

"الوسية": أحد أبرز مسلسلاته، حيث أدّى فيه شخصية الشاب الريفي الذي يواجه صراعات الطبقية والتحديات المجتمعية بعين الباحث عن العلم والكرامة.

"ذئاب الجبل": العمل الذي رسّخ شعبيته في الشارع المصري، وأصبح جزءًا من الذاكرة الدرامية بفضل أدائه القوي وقصة المسلسل المثيرة حول الثأر والصعيد والعادات الصارمة.

تنوع درامي في أعمال اجتماعية وإنسانية

 

لم يكتف عبد العزيز بالأعمال التاريخية أو القضايا الريفية، بل قدّم مجموعة من المسلسلات الاجتماعية التي عالجت قضايا إنسانية بامتياز، منها:

"من لا يحب فاطمة": العمل الرومانسي ذو الطابع الفلسفي الذي حظي بمتابعة جماهيرية واسعة.

 "المال والبنون": بجزأيه الأول والثاني، حيث شارك في ملحمة درامية تناولت موضوعات الفساد والصراع على الميراث بين الأجيال.

 "سوق العصر": عمل حافل بالصراعات السياسية والاجتماعية وبتفاصيل عميقة عن تحولات المجتمع المصري بعد الثورة.

فارس الدراما يعود بثوب عصري في رمضان

 

رغم غيابه عن الأضواء لفترات، فإن أحمد عبد العزيز لم يغب أبدًا عن ذاكرة الجمهور، وعاد في السنوات الأخيرة بقوة عبر مشاركته في مسلسلات حديثة:

"كلبش 3": حيث جسّد شخصية قيادية تتعامل مع تعقيدات الصراعات الأمنية.

 "سره الباتع": مسلسل ملحمي عرض في رمضان 2023 مزج بين الماضي والحاضر.

 "الكتيبة 101": تناول دور الجيش المصري في مكافحة الإرهاب، وشارك فيه بدور مؤثر ومؤسس.

 "فهد البطل": أحدث أعماله في رمضان 2024، وجسّد فيه شخصية والد بطل رياضي مصري ملهم.

فنان مثقف وإنساني يرفض الابتذال

 

يمتاز أحمد عبد العزيز بوعي ثقافي رفيع، وهو ما انعكس على اختياراته الفنية التي تميل للرصانة والعمق. لم يُعرف عنه السعي وراء الشهرة السريعة أو الأدوار المثيرة للجدل، بل تمسّك دائمًا بالقيم الفنية والمجتمعية في أعماله، وهو ما جعله يحظى باحترام الجمهور والنقاد على حد سواء.

مقالات مشابهة

  • بعد عودة باب الخلق.. محمود سعد: إحنا بنحاول نضيف شيء لوقت المشاهد
  • آخر أجر 200 مليون جنيه.. «محمد رمضان» يكشف سبب غيابه عن الدراما التليفزيونية «فيديو»
  • محمد رمضان يروج لفيلمه الجديد "أسد" ويكشف سبب غيابه عن الدراما.. تفاصيل
  • نشعر بالحرية.. لابورتا يكشف الفارق بين برشلونة وريال مدريد
  • الفلاحي: المقاومة تركز على ضرب الآليات التي يصعب تعويضها خلال الحرب
  • بعد تصدرها التريند.. عبلة كامل في أحدث ظهور: «شكرًا على المحبة»
  • عبلة كامل تتصدر التريند بسبب صورة.. ما القصة؟
  • كم كلفت الضربة الأمريكية التي أنهت الحرب بين إيران والاحتلال؟ (أرقام)
  • في عيد ميلاده.. أحمد عبد العزيز فارس الدراما الذي سكن قلوب المشاهدين بأعمال خالدة
  • أجسام فضائية غير مرئية قد تخترق عالمنا وتمر عبر أجسادنا دون أن نشعر!