جريدة الرؤية العمانية:
2025-05-26@02:38:09 GMT

الحماية الدولية للأطفال في غزة

تاريخ النشر: 24th, March 2025 GMT

الحماية الدولية للأطفال في غزة

 

 

يوسف بن علي الجهضمي

 

في ظل الأحداث المأساوية التي يشهدها قطاع غزة، يبرز تساؤل وجيه حول مدى فاعلية وآلية تطبيق القانون الدولي في حماية حقوق الإنسان والطفل، خاصةً مع استمرار ارتكاب جرائم لا يمكن تبريرها أو التغاضي عنها. فيما يلي مقال مفصل يتناول الشرح والتحليل القانوني والمواد القانونية ذات الصلة بمنظمات حقوق الإنسان وحقوق الطفل، مع تسليط الضوء على المعضلة القائمة حاليًا تجاه كل طفل قُتل وكل أم تحمل جثة طفلها في غزة.

1. المقدمة والسياق العام

تشهد الأراضي الفلسطينية وبالأخص قطاع غزة استمرار الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان والطفل؛ حيث يعاني السكان من آثار الصراعات المسلحة التي تؤدي إلى فقدان الأرواح وتشريد العائلات وتدمير البنية التحتية الأساسية. من هنا، يتعين على المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان تحمل مسؤولياتها في مراقبة وتوثيق هذه الانتهاكات والمطالبة بمحاسبة مرتكبي الجرائم. إلا أن الانقسام والتردد في اتخاذ مواقف حازمة يعكس تحديًا كبيرًا أمام تطبيق القانون الدولي والمواثيق التي تكفل حقوق الإنسان.

2. الإطار القانوني الدولي لحماية حقوق الإنسان والطفل

أ. القانون الدولي الإنساني: يشكل القانون الدولي الإنساني، ومن أبرز مكوناته اتفاقيات جنيف لعام 1949 وبروتوكولاتها الإضافية، الإطار الأساسي لحماية المدنيين أثناء النزاعات المسلحة. تنص هذه الاتفاقيات على: مبدأ التمييز: يجب التمييز بين المقاتلين والمدنيين، ويحظر استهداف المدنيين عمدًا. ومبدأ النسبية: يجب أن تكون الهجمات العسكرية متناسبة مع الهدف العسكري ولا تؤدي إلى أضرار جسيمة للسكان المدنيين.

حماية الأطفال: يُعد الأطفال فئة محمية بصفة خاصة، ويجب اتخاذ كافة التدابير لتفادي تعرضهم للأذى، بما يشمل منع تجنيدهم أو استخدامهم في النزاعات.

ب. اتفاقية حقوق الطفل (CRC): تُعد اتفاقية حقوق الطفل من أهم المعاهدات الدولية التي تضمن حماية حقوق الأطفال في جميع الظروف. تنص الاتفاقية على عدة مبادئ أساسية منها: أفضل مصلحة الطفل: يجب أن تكون جميع الإجراءات والقرارات المتعلقة بالأطفال موجهة لتحقيق أفضل مصالحهم. وحق الحياة والبقاء والنمو: تلتزم الدول بضمان حماية حياة الطفل وتوفير الظروف الملائمة لنموه السليم. وحق الحماية من العنف والاستغلال: تُحظر جميع أشكال العنف والاستغلال ضد الأطفال، سواء في النزاعات المسلحة أو في الحياة اليومية.

ج. الميثاق الدولي لحقوق الإنسان: بالإضافة إلى الاتفاقيات الخاصة بالأطفال، يشمل الميثاق الدولي لحقوق الإنسان العديد من الأحكام التي تؤكد على حماية الحياة والكرامة الإنسانية للجميع. من بين هذه المواد: العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية: الذي ينص على حق الحياة والحماية من التعذيب والمعاملة القاسية واللاإنسانية. والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية: الذي يحث على توفير الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم والعيش الكريم.

3. التحديات والقصور في تطبيق القانون الدولي

أ. تجاهل الجرائم والاتهامات المزدوجة: في الوقت الذي تستمر فيه جرائم القتل والتشريد في غزة، يبرز التساؤل حول آلية محاسبة مرتكبي الجرائم وضرورة تقديمهم للمحاكمة أمام محاكم دولية مختصة. فبينما تُستشهد بعض الدول والهيئات بضرورة احترام مبادئ القانون الدولي، يبدو أن بعض الجهات تمارس الانحياز السياسي أو تتبنى موقف الحياد المزعوم الذي يسمح للإرهاب والفظائع بالاستمرار دون رادع فعّال.

ب. الدور المتناقض لمنظمات حقوق الإنسان: على الرغم من وجود منظمات دولية تهدف إلى حماية حقوق الإنسان والطفل، إلا أن واقع تطبيق مبادئها يتعارض أحيانًا مع مصالح سياسية معينة، مما يؤدي إلى: قصور في الرقابة: فالمراقبة الدولية لا تكتفي بتوثيق الانتهاكات فحسب، بل يتعين عليها الضغط على الدول والجماعات المتورطة لاتخاذ خطوات فعلية. والحيادية المزعومة: تُتهم بعض هذه المنظمات بتبني موقف حيادي يُفسر على أنه تساهل أو حتى دعم ضمني للكيان الصهيوني في ظل التجاوزات المستمرة، مما يضع المشهد في صورة من التواطؤ الصامت مع الانتهاكات.

ج. التواطؤ الدولي وتأثيره على حقوق الطفل: تُشير التقارير الدولية إلى أن بعض الدول الغربية وبعض الدول العربية ليست سوى أجزاء من منظومة دعم أو تواطؤ ضمني في إبادة سكان غزة، حتى وإن كانت تصريحاتها الرسمية تتضمن إدانة الانتهاكات. هذا التناقض بين الأقوال والأفعال يؤثر سلبًا على قدرة المجتمع الدولي على فرض القانون الدولي وضمان حقوق الإنسان والطفل.

4. الدعوات والإجراءات القانونية الممكنة

أ. مطالبة بمحاسبة المسؤولين: ينبغي توجيه نداء عالمي لمحاكمة كافة المسؤولين عن الجرائم التي ارتكبت في غزة أمام محاكمات دولية أو لجان تحقيق مستقلة، مستندين في ذلك إلى: آليات العدالة الانتقالية: التي تسمح بإجراء تحقيقات محايدة وتقديم المسؤولين عن الجرائم إلى العدالة. واللجان الدولية للتحقيق في جرائم الحرب: التي يمكن أن تؤسس لقضايا دولية ضد مرتكبي الجرائم.

ب. تجديد الثقة في منظمات حقوق الإنسان: من الضروري إعادة النظر في آليات عمل منظمات حقوق الإنسان وحقوق الطفل لتكون أكثر شفافية وعدالة، وذلك عبر: تشكيل تحالف دولي يضم ممثلين عن الدول العربية والإسلامية: لضمان عدم تحيز هذه الهيئات لصالح أي جهة سياسية. واعتماد آليات مراقبة مستقلة: تخضع لرقابة محايدة تضمن توثيق كافة الانتهاكات وتقديم تقارير مفصلة عن الأوضاع على الأرض.

ج. سحب العضوية أو إعادة التشكيل: تزايدت الدعوات لسحب عضوية بعض الدول أو إعادة النظر في انضمامها إلى هذه المنظمات، خاصةً إذا ثبت تورطها المباشر أو غير المباشر في دعم سياسات تجاهل حقوق الإنسان. هذا الإجراء، وإن كان سياسياً، يمكن أن: يعزز من مصداقية المنظمات: بإعادة هيكلة أنظمتها لتكون أكثر تمثيلاً للأصوات الإنسانية الحقيقية. كما يضع حداً للتواطؤ: من خلال استبعاد الجهات التي تتنازل عن مبادئ العدالة الدولية والإنسانية.

5. المواد القانونية والنصوص الداعمة

أ. اتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها الإضافية: تحدد اتفاقيات جنيف قواعد صارمة لحماية المدنيين، ولا سيما الأطفال، أثناء النزاعات المسلحة. وتوضح النصوص التالية: المادة (3) المشتركة لاتفاقيات جنيف: التي تفرض معاملة إنسانية على جميع الأشخاص الذين لا يشاركون مباشرةً في الأعمال العدائية. والبروتوكول الإضافي الثاني: الذي يؤكد على ضرورة حماية المدنيين وعدم استهدافهم عمدًا.

ب. اتفاقية حقوق الطفل (CRC)؛ حيث تنص الاتفاقية على: المادة 19: التي تضمن حماية الطفل من جميع أشكال العنف الجسدي أو النفسي. المادة 24: التي تتعلق بحقوق الطفل في الصحة والحماية من المخاطر التي قد تؤثر على حياته.

ج. العهود الدولية، كما يُستند إلى مواد من: العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية: خاصة المواد المتعلقة بحماية الحق في الحياة وعدم التعرض للتعذيب أو المعاملة القاسية. والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية: التي تضمن حقوق الإنسان في المعيشة الكريمة والخدمات الأساسية.

6. الخلاصة والدعوات المستقبلية

إن القضية الفلسطينية، وخاصة معاناة أطفال وغزة، تظل قضية إنسانية وقانونية تستدعي وقفة جادة من المجتمع الدولي. يجب على منظمات حقوق الإنسان وحقوق الطفل تجديد التزامها بمبادئ العدالة والشفافية، والعمل على محاسبة كل من يثبت تورطه في جرائم الحرب والانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي. كما يستدعي الأمر من الدول العربية والإسلامية توحيد صفوفها لتعزيز الرقابة الدولية وتشكيل تحالفات قادرة على فرض المسؤولية القانونية على كل من يتستر وراء بذريعة "الحيادية" دون إدانة الجرائم.

إن حماية الطفل وحقوق الإنسان ليست رفاهية يمكن التهاون بها، بل هي مسؤولية مشتركة على كل دولة ومنظمة، وفي غياب هذه الحماية يصبح واقع غزة مرآة تعكس قصوراً خطيراً في نظام العدالة الدولي. وفي هذا السياق، تظل الدعوات لإعادة النظر في عضوية بعض الهيئات والمنظمات أو إعادة تشكيلها ضرورة ملحة لضمان أن تكون العدالة حقيقة وليس مجرد شعارات سياسية.

بهذا نكون قد استعرضنا التحديات القانونية والأخلاقية التي تواجه حماية حقوق الإنسان والطفل في غزة، داعين المجتمع الدولي إلى اتخاذ إجراءات حاسمة تضمن محاسبة الجناة ورفع مستوى العدالة والمساءلة على الصعيد الدولي.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

إيران تهاجم فرنسا: لا تملكون الأهلية الأخلاقية للحديث عن حقوق الإنسان

وجّه وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، هجومًا حادًا على المسؤولين الفرنسيين، متهمًا باريس بانعدام الأهلية الأخلاقية لتقديم أي توجيهات أو نصائح لطهران في ما يخص حقوق الإنسان، على خلفية ما وصفه بـ"ازدواجية المعايير" في مواقفها الدولية.

وقال عراقجي، في تصريحات نقلتها وكالة "تسنيم" الإيرانية، إن مزاعم فرنسا بالدفاع عن حقوق الإنسان لا تستند إلى أي مصداقية حقيقية، في ظل السلوكيات المتناقضة التي تمارسها على الساحة الدولية، والتي تُظهرها – على حد وصفه – كطرف "فاقد للمصداقية الأخلاقية".

تقرير: ترامب يعتزم تخفيف العقوبات على إيران مقابل ضمانات نوويةإيران تتمسك بحقها في التخصيب النووي.. وتنفي تحديد موعد جولة مفاوضات جديدةتقارير عبرية: إسرائيل تستعد لحرب متعددة الجبهات مع إيران3 ساعات متواصلة .. اختتام المباحثات النووية بين إيران والولايات المتحدةإيران تهدد ترامب: أية مغامرة أمريكية بالمنطقة ستؤول لمصير مشابه لأفغانستان وفيتنامأخبار العالم| إيران ترفض وقف التخصيب.. إقامة منطقة عازلة روسية قرب حدود أوكرانيا.. وطيران الاحتلال يشن غارات على جنوب لبنانإيران تهاجم الدور الأوروبي في المفاوضات النووية وتحذر من تفعيل آلية الزنادإيران ترفض وقف التخصيب وتربط الاتفاق النووي برفع العقوبات وضمان الحقوقرسالة قوية .. إيران : لن نتردد في الرد بقوة على أي اعتداء

وأوضح الوزير الإيراني أن مواقف باريس المنحازة للاحتلال الإسرائيلي، وصمتها عن "جرائم الحرب التي يرتكبها الكيان الصهيوني"، تمثل أوضح مثال على ما اعتبره عراقجي "التناقض الفج" في الخطاب الحقوقي الفرنسي، مشددًا على أن تلك الانحيازات "تكشف زيف الادعاءات الفرنسية بحماية حقوق الإنسان".

تقرير: ترامب يعتزم تخفيف العقوبات على إيران مقابل ضمانات نوويةإيران تتمسك بحقها في التخصيب النووي.. وتنفي تحديد موعد جولة مفاوضات جديدةتقارير عبرية: إسرائيل تستعد لحرب متعددة الجبهات مع إيران3 ساعات متواصلة .. اختتام المباحثات النووية بين إيران والولايات المتحدةإيران تهدد ترامب: أية مغامرة أمريكية بالمنطقة ستؤول لمصير مشابه لأفغانستان وفيتنامأخبار العالم| إيران ترفض وقف التخصيب.. إقامة منطقة عازلة روسية قرب حدود أوكرانيا.. وطيران الاحتلال يشن غارات على جنوب لبنانإيران تهاجم الدور الأوروبي في المفاوضات النووية وتحذر من تفعيل آلية الزنادإيران ترفض وقف التخصيب وتربط الاتفاق النووي برفع العقوبات وضمان الحقوقرسالة قوية .. إيران : لن نتردد في الرد بقوة على أي اعتداء

وفي ختام تصريحاته، وجّه عراقجي رسالة مباشرة إلى السلطات الفرنسية، قائلاً: "توقفوا عن إرشاد الإيرانيين، فأنتم لا تملكون أي أهلية أخلاقية أو قانونية للقيام بذلك"، مؤكدًا أن طهران لن تسمح لأي طرف خارجي بالتدخل في شؤونها الداخلية تحت غطاء المبادئ الحقوقية.

وتشهد العلاقات بين طهران وباريس توترًا متصاعدًا في الفترة الأخيرة، على خلفية الانتقادات الأوروبية المتكررة لسجل إيران في مجال الحريات وحقوق الإنسان، وملف الحجاب الإجباري، وقمع الاحتجاجات الشعبية. وتزامنت تصريحات عراقجي الأخيرة مع تصاعد التصريحات الغربية بشأن دعمها للمحتجين داخل إيران، وهو ما ترفضه طهران بشدة وتعتبره تدخلًا في سيادتها الوطنية.

طباعة شارك إيران طهران فرنسا باريس وزير الخارجية الإيراني

مقالات مشابهة

  • أخبار بني سويف| استلام 229 ألف طن قمح.. وحملات لضبط الأسواق
  • إيران تهاجم فرنسا: لا تملكون الأهلية الأخلاقية للحديث عن حقوق الإنسان
  • ورشة عمل ببني سويف لاستعراض آليات وخطة عمل الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان
  • رئيس حماية المستهلك لـ صدى البلد: الرئيس وجه بعدم التهاون مع حقوق المواطن.. وأزمة البنزين كشفت خلل ما يستوجب التحقق (حوار)
  • القومي لحقوق الإنسان يختتم زيارته الميدانية لمحافظة الأقصر
  • “بدعم من منظمة اليونيسيف” .. اختتام ورشة تدريبية حول دليل القيادات الإسلامية في حماية حقوق الطفل بعطبرة
  • مدير الأمن العام يبحث مع “الوطني لحقوق الإنسان” تعزيز أطر التعاون
  • قراءة وتعليق في قانون اللجوء المصري (١)
  • اقتصادية حقوق الإنسان تستعرض جهودها ومبادراتها المجتمعية في الأقصر
  • مسؤول أممي يحث طرفي النزاع في جنوب السودان على الابتعاد عن حافة الهاوية